صفحات ثقافية

حجرة العناية الفائقة

null
محمود درويش
تدورُ بيَ الريحُ حين تضيقُ بيَ الأرضُ.
لا بُدَّ لي أن أطيرَ وأن ألجُمَ الريحَ،
لكنني آدميٌّ.. شعرتُ بمليون نايٍ يُمَزِّقُ صدري.
تصبَّبْتُ ثلجًا وشاهدتُ قبري على راحتيَّ.
تبعثرتُ فوق السرير.
تقيَّأتُ.
غبتُ قليلاً عن الوعي.
متُّ.
وصحتُ قبيل الوفاة القصيرةِ:
إني أحبُّكِ، هل أدخل الموت من قدميكِ?
ومتُّ.. ومتُّ تمامًا،
فما أهدأ الموت لولا بكاؤك!
ما أهدأ الموتَ لولا يداكِ اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متُّ.
أحبك قبل الوفاةِ، وبعد الوفاةِ،
وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي.
هو القلب ضلَّ قليلاً وعادَ، سألتُ الحبيبة:
في أيِّ قلبٍ أُصبتُ? فمالتْ عليه وغطَّتْ سؤإلى بدمعتها.
أيها القلب.. يا أيها القلبُ كيف كذبت عليَّ وأوقعتني عن صهيلي?
لدينا كثير من الوقت، يا قلب، فاصمُدْ
ليأتيك من أرض بلقيس هدهدْ.
بعثنا الرسائل.
قطعنا ثلاثين بحرًا وستين ساحلْ

وما زال في العمر وقتٌ لنشرُدْ.
ويا أيها القلب، كيف كذبتَ على فرسٍ لا تملُّ الرياحَ.
تمهَّل لنكملَ هذا العناقَ الأخيرَ ونسجُدْ.
تمهَّل.. تمهَّلْ لأعرفَ إن كنتَ قلبي أم صوتَها وهي تصرخ:
خُذني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى