صفحات سوريةفلورنس غزلان

إلى رئيس محكمة الجنايات الأولى القاضي ” محي الدين الحلاق”

null
فلورنس غزلان
لقد عقدت محكمتكم الموقرة قبل أيام جلستها العلنية في دمشق لاستجواب ومحاكمة قادة المجلس الوطني لإعلان دمشق الإثنى عشر…وقد تناقلت وسائل الإعلام ما جرى في هذه الجلسة ، وما تلته سيادتكم من تهم وجهت لمعتقلين سياسيين ولمحاكمة سياسية لا علاقة لها بالجنايات ولا بالجنح، وأعتقد أنك  في موقع العالم بهذا الشأن!
لهذا ارتأيت أن أوجه لك رسالتي كمواطنة سورية تنتمي ولو بالولادة لهذا الشعب…وأوجه لضميرك كمواطن أولاً وكقاضٍ ثانياً، و يفترض بالقاضي  أن يتحلى بالنزاهة أولاً و بالحياد ثانياً،   وبالاستقلالية السياسية ثالثاً، كي تحمل أحكامه المصداقية..
التهم الموجهة للمعتقلين ، على اختلاف مشاربهم السياسية وانتمآتهم المجتمعية وتنوع أعمالهم المهنية والثقافية، تكفي نظرة منك لهذا التنوع كي تعلم أن ما يوجه إليهم من تهم هو محض اختلاق، وأن محاكمتهم  مجرد حقد سياسي يمارسه النظام ضد كل من يختلف معه أو يخالفه مسلكه وطريقته في إدارة البلاد،  وعليه أن يتفاعل ويجد كل مسلك أو قانون أو مشروع أو مخطط أو مبادرة تقوم بها الدولة تحظى لديه بالصدق والمصادقة والإيمان والثقة العمياء دون أي محاولة منه  لدرس أو تحليل أو نقد…حينها يصنف ” سياسيا” بعداد المواطن الصالح ويوضع اسمه في دفاتر” المسالم الموالي”
وإن حاد عن أي منها فهذا يعني تعرضه لما تتعرض له هذه المجموعة وسابقاتها من مجموعات حوكمت بنفس الطريقة وسارت محاكماتها على نفس المنوال…
ــ هل سمعت أو قرأت في قوانين العالم قانوناً يسمي من يكتب مقالاً ناقداً هدفه الأساس هو الوطن وخدمة الوطن وإصلاح الخطأ والقيام بدوره كفرد واعٍ يساهم في تطوير وتقدم بلده، بأنه ينشر أخبار كاذبة؟
ــ هل سمعت بقانون يَدَّعي على من يوجه نداءه للنظام من أجل الإصلاح الداخلي وإقامة علاقات المودة والتآخي واحترام السيادة مع الدول الشقيقة المجاورة من خلال إصدار ورقة تسمى بيانا أو وثيقة يوقع عليها مجموعة كبيرة من المثقفين ، بأنه يتآمر على الوطن ويريد تغيير النظام وإسقاطه ؟
هل يعني أن كل هؤلاء المثقفين متآمرين ويريدون شراً بالوطن ، ويفضلون الاستعمار أو الاحتلال على نظام البلاد وإصلاح حاله بما يخدمه ويخدم الوطن؟ ، وهل هذه الوثيقة بمثابة انقلاب على النظام ولها قوة التغيير وفعله؟، علماً أنها تتوجه لأهل النظام قبل الشعب، فهو المعني الأول بالتغيير.
ـــ هل يعني البيان الختامي للمجلس الوطني لإعلان دمشق ، عندما طالب بالتغيير السلمي والتدريجي  واعتباره الانفتاح على المواطن ، هو السلاح الحقيقي بوجه أي تآمر خارجي على الوطن ، أنه يسعى لقلب نظام الحكم من خلال هذا الائتلاف المتنوع، وهل هذا المجلس يملك القدرة والصلاحية على تغيير النظام؟ أهكذا تورد الإبل يا سيادة القاضي؟…
ــ هل أنت مقتنع وجدانيا بطريقة حكمك واستنادك لمثل هذه الأحكام الباطلة ، التي تريد إدانة مواطنين سوريين مثلك لا غبار إطلاقا على انتمائهم الوطني؟…
والله إن حالك تشبه حال ذاك صبي المخابرات  الذي جاء لبيت حماي ذات يوم في الثمانينات من القرن المنصرم للبحث عن المرحوم الشهيد عبد الرزاق والتفتيش بأوراقه ليعثر وجهاز الأمن المرافق على ما يدين عبد الرزاق.!..إليك الحادثة كما جاءت دون زيادة أو نقصان ولك أن تعتبر من خلالها،  والاعتبار يأتيك على لسان أم عجوز ترى النكبة قادمة على ولدها من عناصر المخابرات ولا تملك ما تدرأ به هذا الشر سوى كلماتها الصادقة المعبرة عن غضبها واعتراضها:ــ

ذات صباح قدمت سيارة من جهاز الأمن السياسي في مدينة درعا يصطحبون معهم مختار الحي ، نادوا على أهل البيت ودخلوه…وعلى الفور توجهوا نحو  غرفة المرحوم الشهيد عبد الرزاق أبازيد…وشرعوا يعيثون بها نثراً وقلباً ــ خاصة أنهم لم يجدوا عبد الرزاق في البيت فقد كان متخفياــ
هرعت الوالدة من غرفة أخرى …وكعادتها تمسك سيجارتها اللف بيدها …فأشعلتها وراحت تمعن النظر بغرفة ابنها وما أصابها، لاحظت من خلال خبرتها وحدسها أن عنصراً ممن يقلبوا أوراق وكتب ولدها تدل ملامحه على أنه بلدياتي( ابن البلد)، فتوجهت إليه سائلة وبالحرف وبلهجتها:” وَلَك إنتا من وين وابن مين  ولك”  ــ وتعني من أي عائلة وبلد أنت ولفظة” ولك” تدل على أنه ولد لا يستحق الاحترام  ــ
فطأطأ المسئول رأسه وأجاب:” أنا من درعا ومن عائلة المحاميد” أجابت السيدة الأم:” آآآه ألا يوجد خبزاً في بيت المحاميد يكفي لإطعامك ؟…لكن طول عمركم عظمكم أزرق  ( في العرف التقليدي  المتداول صاحب العظم الأزرق هو الذي لا يؤتمن جانبه ، خاصة أنها تذكر تاريخاً ثأرياً ليس ببعيد دام لسنوات طويلة بين العائلتين ) ثم أضافت:” ..وهل أنت من رجال تشابه عبد الرزاق وبقياسه حتى تفتش بيته وتعمل جاسوساً على أبناء بلدك؟ ألا تخجل من نفسك؟.. خجل فعلاً ورمى كتابا كان بيده ووقف جانباً دون حراك…وقال: إنه عملي يا خاله  وأقوم به…قالت له:” لعنة الله عليك وعلى هكذا عمل!..ألم تجد سوى التجسس على أبناء بلدك وإيذاءهم حتى تأكل خبزاً مُرَّاً؟…هرع لحظتها أحد الجيران الأقارب وقال لها ساخراً: اذهبي ياحاجة واصنعي إبريقا ًمن الشاي لهؤلاء الشباب فقد تعرقوا من شدة التعب!! قالت: فشروا..أي ( خسئوا) والله إن شاينا لا يتجرعه ولا يشربه إلا الأشراف ومن يعرقوا ويتعبوا حقاً لا من يعملوا هذا العمل الشائن…الجميع خرج والخجل يشبك أقدامه وأول الخارجين كان ابن المحاميد” !.
وأنت ياسيادة القاضي ألا ترى أن عملك هو عبارة عن تكملة ومصادقة قضائية يمنح الشرعية لاتهامات أجهزة الأمن الباطلة والزائفة؟
ألا تجد أن عملك يصب في مصلحة أجهزة الأمن وسياسة قمعها في تكريس الظلم وحرف نهج البلاد عن الإصلاح والتطوير؟
إنك اليد الفاعلة ، التي تمارس القتل…إنك من يصوب السهام ، من يقرر ويجعلهم يستخدمون ضميره وسيلة لتكريس الظلم والقهر والاستعباد وكم الأفواه…إنك أداتهم المنفذة…ولو ظل عندك بقية  مما يسمى صلاحاً ووجداناً وطنياً لحكمت بالحق…أو رفضت أن تكون أداتهم…كي تنام قريرا ومرتاحا…كي تهجع بين صغارك وتقول لنفسك ربما ذات يوم سيسلك أحد أبنائي طريقاً معارضاً كهؤلاء،  وربما سيقع آنذاك بين يدي قاضٍ يشبهني فيسومه العذاب ويتجرد من حسه الإنساني وضميره الوطني ــ علماً أني لا آمل أن يظل الاستبداد مسيطراً على الوطن حتى يكبر أبناءك ــ
بينك وبين ابن  المحاميد ذاك  خيطاً رابطاً…وأنت وحدك مَن يمكنه أن  يثبت العكس فيبتره.
ــ باريس 04/08/2008
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى