صفحات مختارةفاتح جاموس

دفاع صريح عن مشروع تجمع اليسار الماركسي ( تيم )في مواجهة “مشروع” استقالة الرفيق سلامة كيلة “المستقل” منه

null
فاتح محمد جاموس
اعتراف ذاتي  بما هو مفّكر به داخليا – تمهيد:
كتبتُ الأفكار الأساسية لهذا المقال بعد زمن قصير من نشر  الرفيق سلامة استقالته من تجمع اليسار الماركسي (تيم) ، بشكل خاص الجانب المتعلق منها بمسألة المستقل والمستقلين كظاهرة في العمل السياسي السوري، إذ أمسكتْ بي القناعة أنه بدون هذا الجانب لن يكون هناك أي معنى للحوار، فالأفكار والوقائع التي جاءت في الاستقالة هو الوجه الأكثر سهولة في الرد عليه والحوار معه.
إذ ببساطة وصراحة تامين، ما ورد ليس صحيحا، بل متخيّلاً، أو مقصودا لدوافع معينة، أو خاطئا بسبب قراءة خاطئة لكل ما عايشه الرفيق سلامة في تيم. بالتالي هو ليس حوارا مع تيم، وليس حوارا محددا وصريحا مع أي من أطراف تيم، بل هو حوار موارب عبر مجموعة اتهامات تعتبر مقصودة عندما لم يسع الرفيق لإثباتها بحسب أصول الحوار( كما سأوضح كل هذا)، بالإضافة إلى أن الموضوع المركزي في الاستقالة نفسها هو الموضوع التنظيمي (كما عرضه الرفيق بالمعنى المفهومي والممارس، وليس كما هو على حقيقته ) الذي ينظم علاقات أطراف تيم ببعضها بما فيهم المستقلين، في كل ما يتعلق بمحتوى النشاط وشكله وتطوره. إن الأمر إذن في مكان آخر، إنه أساسا كما أعتقد في موضوع المستقل، وطريقة تفكيره وممارسته ومسألة التنسيق مع المستقلين، ومصاعب العمل السياسي السوري المعارض، هكذا خشيت أن يبدو الأمر شخصيا، خشيت من حساسية تناول هذا الموضوع ففضلتُ التريث والتفكير مليا وتقليب الأمر ومراجعته في الذهن، بينما كانت ورقة الرفيق سلامة تأخذ أبعادها، ومفاعيلها، السلبية بوجه الحصر،  فالخصوم الليبراليون في كل موقع (سلطوي ومعارض)• في وضعية شماتة وترويج للورقة ونشر إشاعات وأقاويل مختلفة بخصوصها. الأصدقاء الآخرون في وضعية تساؤل، تشكيك، تصديق، استغراب واندهاش . في كل الأحوال، المستقيل هو سلامة، معتقل سياسي ورأي سابق لفترة طويلة، معتقل كمثقف وناشط مستقل، كان ولا يزال يقدم نفسه وكتاباته راديكاليا وأرثوذوكسيا في قضية الفكر الماركسي، ومدافعا عنه، نشيط على صعيد الكتابة والعلاقات مع القوى الماركسية العربية، قيادي في تيم، رافقه في مساره وأهم خطواته ولم يدفأ مكانه تحته بعد، (إذن والحق يقال هناك مصداقية عالية ) والقصة كبيرة، خطرة وتستحق الاهتمام  من كل الأطراف. لقد فضّلتْ قيادة تيم متابعة النهج الديموقراطي في التعاطي مع الاستقالة (وهو الطريق الوحيد السالك داخل تيم) إذ كانت قد ناقشتها داخليا قبل زمن طويل من نشرها، وحاولت بكل طاقتها وقف ذلك، معتبرة أن كل ما ساقه فيها سلامة، من منظوره بالذات، ثم من منظور القيادة يفترض التراجع عنها والبقاء في تيم من أجلها ، على الأقل لفترة، مع نشرها وتعميمها للحوار المفتوح كخطوة أولى، لكن هذا لم يكن لديه أي حظ من التحقق، بسبب موقف سلامة، عندما أصر على الاستقالة مع ” الاستعداد ” للحوار، فأصدرت القيادة  بيانا مكثفا تاركة الأمر للتفاعل الحر.  وهكذا بدا الأمر من جهة تيم وقيادته وكأنه بدون اهتمام فعلي بالرد على محتوى الاستقالة، أو إهمالا مقصودا كأحد أشكال تعاطي بعض أطراف المعارضة السورية مع بعضها، كما بدا في بعض جوانبه وكأنه عجز عن الرد، أو تأكيد على ما ورد في الاستقالة.
مر زمن طويل على نشر الاستقالة، وأخذت حقها الديموقراطي في التفاعل ولا تزال (معتقدا مرة أخرى وبعمق أنه انحصر  بالوجه السلبي) , كنت شخصيا أفضل أن يأتي الرد من قيادة تيم , كنت ولا أزال أرغب أن يأتي بعض الرد من المستقلين داخل قيادة تيم وخارجها، فهذا سيلغي الحساسية والتخوفات الشخصية, لكن أخيرا, لا يجوز أبدا إدارة الظهر لكل هذا وترك خيار أطراف و فعاليات تيم ومشروعها، دون دفاع صريح، بل وفي مواجهة خيار…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•    ـ ( ملاحظة ) أستخدم هذا المفهوم ( ليبيرالي سلطوي ومعارض) بقصد واعي ، يقوم أولا: على الأساس الاقتصادي في وعي كل من الطرفين( النظام والليبراليون الجدد) ، وهو ترسيخ العلاقات الرأسمالية على حساب المنتجين والفقراء من الشعب ، بما فيه وعي القائلين بضرورة الرأسمالية الوحشية ” لترسيخ الديموقراطية “خاصة بتأكيد  بعضهم أنه لا يزال ماركسيا ؟! ويقوم ثانيا: على الحقيقة  العميقة  لدى كل منهما في  ضرورة دور المركز الرأسمالي القيادي الأمريكي، أو ضرورة إرضائه، أو التصالح معه، والتنافس الحقيقي  المكشوف والمذل على كل ذلك وعلى غيره، ( بل يمكن التأكيد أن النظام في ذلك التنافس أكثر قوة واستقلالية من الليبراليين الجدد)،  بينما في كل مرة  يختار المركز الأمريكي، وغيره من المراكز الرأسمالية (المركز الأوروبي الآن يلحس بصاقه في علاقته مع النظام السوري) طرف رهانه، بالطبع من خلال مصالحه، وعلى حساب المصالح والقضايا الوطنية السورية العليا. ويقوم ثالثا على التشابه في الممارسة مع الآخر: كالقمع والنبذ وعدم القبول والعزل والكواليسية والنفاق المفضوح بين الموقف الحقيقي والمستبطن من جهة والادعاء من جهة أخرى. إن تاريخ أطراف المعارضة السورية مع بعضها حافل بهذه الممارسات حتى هذه اللحظة، مع التأكيد – المضحك المبكي طبعا – أن قمع النظام يتجاوز ذلك إلى حقول سلطوية، وحقول الدولة “دولته” أي القمع الجسدي والمعيشي، بالطبع هو أسوأ أنواع القمع وأكثره قدرة على التدمير أي القمع الصريح الذي تسمح به قوته ووعيه، لكن في الحالين هو قمع، أحدهما صريح وعلى درجة عالية من الانسجام، والثاني يقوم إما على عدم القدرة في التوافق بين الادعاء والممارسة بسبب البنية أو التربية، أو على النفاق الحقيقي باللعب بين الادعاء ولحسه في الألاعيب الكواليسية، وفي هذه الحالة هو أكثر مرارة (انتهت الملاحظة الهامشية التي تستحق بالتأكيد سوية من الكتابة واهتماما أعلى ، لا يسمح به المجال )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
ومشروع آخر(الاستقالة من تيم, ما استهدفته, وما تضمنته)، ثم محاولة وقف تأثيراتها السلبية ولملمتها وطرح الأمر على حقيقته، والتأثيرات الايجابية الفعلية والمطلوبة منه، هكذا أكون قد رفعت صوتي بتفكيري  الداخلي وأشركت به الآخرين، مؤكدا بالدرجة الأولى أنني لا أناقش إطلاقا بأي سوية مسألة حق أي أحد في أن يكون ما يريد، ويكتب ما يريد وينتقد بالطريقة التي يريدها، أو حقه في أن يكون مستقلا إلى الأبد إن شاء، كما أنني بالدرجة الثانية لا أناقش حتمية وجود المستقلين الرافضين للعمل الحزبي، أو السياسي لأسباب عديدة، وهو شيء موجود في كل زمان ومكان، بل أناقش ما أعتقده ظاهرة أخرى مختلفة تماما، ظاهرة المستقل والمستقلين في السياسة والخيارات السياسية وأدواتها،وهي موضوعية إنما سلبية في شروط سورية محددة، أحاول أن أناقش علاقات الترابط السببية والتأثيرات المتبادلة وموقع الأفراد والمجموعات وتاريخهم العام والخاص فيها، مع تأكيدي الشديد على الروح الرفاقية والودية والرغبة الدائمة في العمل المشترك مع الرفيق سلامة وبقية “المستقلين”. وأخص الماركسيين مع دعوتهم لتحقيق هذا داخل تيم ، أعتقد أنه المشروع الأكثر تطورا وديموقراطية, بل هو الوحيد على هذا المستوى، كما مستوى الوجود الواقعي والأهمية بالنسبة للصف الماركسي المعارض, مهما كانت لنا عليه ملاحظات، بدءا مني شخصيا.

حول المستقل والمستقلين :
إذا كانت هناك عشرة قضايا أساسية تجعل من العمل السياسي الوطني المعارض في سوريا بكل تلاوينه، شيئا متميزا واستثنائيا بصعوبته وتعثره, ومستوى انقساماته وتشرذمه، فلا بد أن مسألة أو “ظاهرة” المستقل الفرد بمختلف تصنيفاته الأخرى: مثقف، ناشط ، غير منظم ، حيادي ، متعاون من خارج الأطر والمؤسسات المنظمة، أي ظاهرة الأفراد، وكذلك المجموعات الصغيرة الضيقة والحلقات غير المحددة بأي اسم، (بل مسميات لمسمى ومفهوم واحد تقريبا : مستقل ومستقلة), من اليمين الليبرالي, ومن اليسار, الماركسي منه بش كل خاص، وما يتعلق بالتالي بقضية موقفهم من التنسيق والعمل المشترك واستقطابهم إليه, لا بد أنها واحدة من القضايا العشرة، والأمر لا يتعلق بأي افتعال أو مبالغة، أو قصدية خاصة بعد استقالة الرفيق سلامة, بصفته قيادي مستقل في تيم ، إنها مسألة موضوعية, وظاهرة على درجة كبيرة من الوضوح, في شروط  من الجزر الاجتماعي والسياسي, فرضها النظام القائم على مدى طويل، بسبب احتكار السلطة والقمع المعمم. هذه الشروط التي حصرت الحراكات والنشاطات في أطر نخبوية ضيقة جدا, تضيق أكثر فأكثر لأسباب وحسابات مختلفة، تقوم بها نخب منظمة في إطارات متنوعة، أو نخب أسمت نفسها بالمستقلة. يمكن القول إن الأمر يتعلق بشروط انتقالية صعبة على الصعيد الوطني, هي انتقالية عند  الجميع, وهي الأساس الموضوعي في خيارات النخب وممارساتها.
بدأ الأمر بالترافق مع تطورات خارجية هائلة التأثير, سقوط المنظومة الاشتراكية الرسمية, وهزيمتها على يد النظام الرأسمالي بقيادة المركز الأمريكي, ولأول مرة في التاريخ الاجتماعي السياسي العالمي, تتجاوز التطورات وآثارها هذا البلد أو ذاك, موجة مد شاملة تكّسرت وتكاد تتبدد, بكامل ردود الفعل السلبية, من تشكيك ومراجعات حتى حدود الانتقال  إلى المواقع النقيضة, ثم الإحباط والعزلة مع الانكفاء عن العمل السياسي, وبطبيعة الحال يفترض هذا المراجعة الحتمية والكلية، يفترض طرح الأسئلة الأساسية والصعبة,  أمّا الأجوبة فستكون على قدر الهزيمة، وعلى قدر الانتصار المقابل.
أمّا الأمر في سوريا وشروطه الخاصة المحددة فقد كان أكثر تعقيدا وصعوبة، كما جاءت آثاره أكثر سلبية وكارثية، فالنخب المعارضة التي تعرضت للإختبار والوقوع تحت تأثير تلك التطورات، كانت ذات طابع يساري ماركسي على العموم، ثم اشتراكي قومي، هي بالذات التي وقعت في رأسها الهزيمة الخارجية  (بخصوص ما يتعلق بالنخب الإسلامية، الأمر مختلف كثيرا، إذ بدا التاريخ يبتسم لهم بسبب موجة المد الإسلامية الصاعدة سياسيا وعقائديا، والتي كانت تتقدم موضوعيا وذاتيا، مع دعم وأخذ باليد من قبل النظام الرأسمالي وخاصة المركز الأمريكي، وهو يصارع الموجة الاشتراكية واليسارية ليهزمها)، أمّا الهزيمة الداخلية لتلك النخبة اليسارية فإنها لم تكن أقل سلبية أو سوءا، نتيجة استفراد النظام بها وقمعها، قبل أي صدام مع الحركة الدينية التي كان النظام قد سهل لها كل شروط النشاط. وهكذا على مدى  سنوات طويلة تمكن من تدمير تنظيماتها, أو إصابتها بالشلل، بأشكال القمع المختلفة، وقطعَ أي بارقة أمل أمامها، أيضا بسبب قمع النظام المنهجي للمجتمع، عزله بالكامل ومنع أي حراك فيه. هذه النخب بقسمها الحاسم دخلت السجون والمعتقلات وتعرضت لكل أشكال الدمار والتقصف, مع سقوط المنظومة الاشتراكية وغياب أي أمل بتحرك مجتمعي أو جماهيري في سوريا، بدأت عملية إطلاق سراح قسم كبير من تلك النخب، لكنه ترافق باستمرار القمع والمراقبة والتخويف ونشر الرهابات والتهديد بالشروط المادية ولقمة العيش والتنّقل والتضييق الدائم عليها، عشر سنوات بعد هزيمة النظام الاشتراكي الرسمي والوضع في سوريا كما هو تقريبا، صحيح أنها كانت السنوات “الأكثر خصوبة” في “كرم” النظام وإطلاق سراح المعتقلين، مما جعل البعض من النخبة نفسها يأمل في احتمال وصول ما سمي بالموجة الديموقراطية العالمية إلى الوطن السوري، وأن العامل الخارجي بدأ تأثيره الذي لا راد له! إلاّ أن الشروط السورية رسمت بالتفاعل مع الشرط الخارجي مسارات وخيارات مختلفة، وجاءت على شكل محطات ومنعطفات متناقضة تدفع حينا إلى التفاؤل والتحفيز، وتشجيع النخب إلى الحراك, ومرة أخرى إلى التشاؤم والخوف والرهابات والحسابات الخاصة ثم العزلة والانكفاء، كانت ولا تزال شروطا لتقصف الإرادة والوعي، الامتناع أو تأجيل الخيارات الأساسية، وطرح أسباب، الكثير منها ذو طابع تبريري، وغير صحيحة. بدأت ظاهرة المستقل في سوريا تتحدد من منطلق مجموع تلك الشروط الخارجية والداخلية، بما فيها إشكالية علاقتها بالقوى المنظمة، القديمة منها بوجه خاص, ثم الجديدة.
موجة الشرط التفاؤلي الأولى حدّدت بدورها الكثير من الأشياء عندما تسبّب بها حدث استثنائي جدا في سوريا، نعني وفاة الرئيس حافظ الأسد، وبسبب دوره الهائل في مرّكب (السلطة ـ الدولة ـ الفرد) وطبعه لهذا المرّكب بطابعه بصورة كليّة وعضوية عميقة على مدى ثلاثين عاما. فقد تشكّل بالمقابل لدى النخب السورية المعارضة وعي عميق بدوره أيضا، بأن أي إمكانية في التغيير، أي إمكانية لعودة المجتمع من عزلته المفروضة عليه، وتجاوز الخوف والرهابات إلى السياسة والحراكات الأخرى المختلفة، مع دور جديد للنخب أكثر اتساعا وفعالية وجرأة من قبل. إن كل ذلك لن يكون متاحا بأي شكل أو مستوى إلاّ بكسر علاقة الترابط تلك، وها هي قد انكسرت بالوفاة وانفتحت آفاق التغيير، وازداد التفاؤل والتجرؤ من قبل تلك النخب بعد خطاب الرئيس الجديد في حفل التنصيب في مجلس الشعب، وصل الأمر حدود تجرؤ فئات وأطراف من النخب كانت هامشية جدا في حقل معارضة النظام على مدى أكثر من عقدين، أي في الفترات الأكثر خطورة وصعوبة وكلفة في تاريخ سوريا السياسي، في ذلك الزمن الصعب حيث كانت المعتقلات والسجون مليئة، لم تُظهر تلك الفئات أي موقف في حقل الحريّات، بشكل خاص قضايا الاعتقال السياسي والتعذيب والمحاكم والتسريح من العمل، والتضييق الشديد على أهالي المعتقلين، أو أي مستوى من التضامن الاجتماعي وبشكل خاص المادي المعيشي، حتى موقف جماعي واحد تدافع فيه عن حريتها الخاصة في الإبداع والكتابة  والنشر أو غيره لم يظهر إلى العلن. في الشرط الجديد والانفلات “اللاشعوري” فيه إن صح التعبير، والقراءة الخاطئة له من قبل الكثيرين، وصل الأمر حدا بدا المشهد فيه سريعا وكأن هذه الفئات بالذات تمتلك الوعي والإرادة لقيادته، فحددت خطابه ومصطلحاته، خاصة باسم المثقفين، بدا المشهد وكأن “بازارا” سياسيا للمعارضة قد انفتح على كل شيء، طُرحَت قضايا ومقولات وعناوين كبيرة، إشكالية بحد ذاتها، بشكل خاص ومن اللحظة الأولى ُطرحت مفاهيم أسّست لعلاقات خاطئة وتناقضية داخل صفوف المعارضة، تحديدا بين المستقل والمثقف والناشط الفرد  أو المجموعة المستقلة من جهة ، وبين المتحزبين أو الموجودين في أطر قديمة. إلى درجة انتقلت فيها التناقضات والصراعات وسوية الاهتمام  بها في أحيان عديدة إلى داخل بيت المعارضة، باسم المجتمع المدني “والثقافة” الخاصة به كما طرحها وروّج لها هذا الوسط المستقل والمثقف فقيل: أن العمل الحزبي القديم ميّت متقادم غير فعّال والناس أو المجتمع والشعب لا يريده، إنه شيء قمعي في خطابه ومفاهيمه وممارسته، مثله مثل النظام في المحتوى والشكل والبنية، الفارق كمي بسبب الوجود خارج السلطة لا غير، عاجز عن فهم ما يريده الناس، عاجز عن معرفة الوسائل المناسبة لجذبهم, وحمّله البعض مسؤوليات مشابهة لمسؤوليات النظام فيما وصل إليه المجتمع وحركته ووعيه وعلاقته بالسياسة. المطلوب تجاوز ذلك إلى الجديد ، إلى  المجتمع المدني ، إلى التحرر من كل قديم ، إلى الانعتاق ، ويتمثل الجديد في كل ما هو مستقل عن القديم شكلا ومضمونا ، واعتبر العمل في أي مؤسسة غير حزبية ( حقوق الإنسان ، عمل ثقافي ، عمل مجتمعي ومدني، بيئي، مناهضة عولمة، لجان عمل وطني )  أكثر رقيا وأهمية وفاعلية وتوافقا مع العصر والواقع السوري. وكان يجري الاستشهاد للتدليل على صحة ذلك كله بالأعداد الكبيرة للأفراد المستقلين خارج الأحزاب والتنظيمات والأطر القديمة ، الذين غادروها على مدى سنوات طويلة ، أو أولئك الذين لم يعودوا إليها بعد إطلاق سراحهم من السجون. كذلك من خلال أعداد المستقلين الكبيرة ، الذين شاركوا بالحراكات خلال هذه الفترة المعنية بعد وفاة الرئيس .
مع الشرط الجديد في سوريا كانت الأطر الحزبية القديمة تداوي جراحاتها، وتحاول لملمة الممكن من صفوفها لإجراء المراجعات الضرورية ، بينما لا يزال قمع النظام لها مستمرا بأشكال مختلفة، وصولا إلى مسألة السجون من خلال استمرار وجود معتقلين لتلك القوى فيها. وعلى الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من النقد والاتهامات والتقليل المقصود من شأنها من قبل “ظاهرة” المستقلين، بقيت تلك القوى من خلال جسدها التنظيمي وكوادرها في الخط الأول لأي حراك سياسي، ورأس حربة أي جهد يبذل لتطوير عمل المعارضة في إطارات محددة، أي في الخط الأول من المسؤولية في معارضة النظام، من أجل التغيير الوطني الديموقراطي، والتوافق الفعلي في الممارسة مع المفاهيم التي طرحت من أجل ذلك التغيير .
كل هذا لم يكن بعيدا أبدا عما يجري في العالم ، قبل سقوط الاتحاد السوفييتي وبعده على الأخص، بل كان يجري في إطاره وبتأثير منه ، إذ كانت مراكز البحث وإعداد الخيارات الرأسمالية والخطط والثقافة والمفاهيم والرموز والدلالات المرافقة، تشجع على نفس المسائل والعناوين، إغراء وتشجيعا وربطا بكل ما هو رأسمالي  وليبيرالي “جديد”، الانحياز الإعلامي، المساعدة في “البرستيج” والانتفاج من خلال الاهتمام المتميز بالدعوات والعلاقات ” العامة”، ووصل هذا الوعي والثقافة وحمى الاهتمام والتركيز على “المستقل” بدرجات متفاوتة، إنما واضحة وفعالة،  إلى العديد من المؤسسات والفعاليات العالمية المحسوبة حتى على اليسار العالمي .
أمّا النظام وعلى الرغم من حساسيته وحذره وتشكيكه بكل ظاهرة جديدة ، خاصة عندما يعتقد، أو يتهم كعادته بوجود علاقة ترابط مع الخارج في أي مستوى أو حقل. فإنه تعايش مع الظاهرة وهو يراقبها بدقة وشمول تعايش معها زمنا طويلا، ولا يزال، بعدد من الخطوط الحمراء المعيارية التي تنظم موقفه تجاه العمل المعارض برمته ، أي أنه لم يميزها بمعايير وخطوط حمراء قمعية إضافية، بل على العكس من ذلك، بدا تماما أنه يشجع الفردية والاستقلال والعمل خارج الأطر المنظمة، وبقدر ما كانت الظاهرة، أو الأفراد المكونين لها يتقدمون باتجاه أعمال تشاركية وتأطيرية معارضة، كانوا يتعرضون بالمقابل للمزيد من القمع، إن الكثير جدا من الأفراد “المستقلين” غير المؤطرين، أو الحذرين في قضايا التشارك والعمل المنسق، لم يتعرضوا لقمع متميز، على الرغم من معرفة النظام وأجهزته  لوجهات نظرهم القصوية في العديد من القضايا، على رأسها قضية الخارج ودوره في التغيير، على رأسه الإدارة الأمريكية وكل الوسائل الممكنة في التغيير، وشكل ذلك بدوره شرطا تشجيعيا هاما جدا في تاريخ الظاهرة.
هكذا بدا العمل الحزبي المعارض الجاد والمنظم في سوريا هو الأكثر خطورة وكلفة سياسية وأمنية، المطلوب الالتفاف عليه في هذه المرحلة بأشكال للنشاط وأطر تقع في سويات أدنى منه، بالتالي أقل كلفة. كما بدت أشكال النشاطات غير الحزبية على سوية من الحماية أعلى، بسبب مواكبتها للدارج، ووجود أطر ومؤسسات عالمية موازية، فعاليتها وتأثيرها كبيران، وها هو النظام يعتاد ويتعايش مع “تدخلاتها” في حقل انتهاكات حقوق الإنسان، مقارنة بتدخلات الدول والأحزاب والمؤسسات السياسية المباشرة وردود فعله عليها
ـ بذلك تكون الشروط الأساسية لوجود الظاهرة وانطلاقتها وتطور تأثيرها والارتسامات التي وضعتها، ثم الوعي وطريقة تفكير الأفراد، ورؤيتهم للآخر خارجهم (بشكل خاص العمل الحزبي القديم !!) واعتبارهم لأنفسهم ، ودورهم في التنسيق والتشارك مع الآخ، وفهمهم لذلك، وردود الفعل واحتمالات التطور المستقبلية، بذلك تكون الظاهرة قد تحددت بين ما يجمعها في العام، كذلك الاتجاهات والتميز، أو التنوع الكبير في الخاص. فغدا كل فرد “مستقل” شيئا محددا بذاته، “ظاهرة” بذاتها، “مؤسسة” لها بنيتها وتفكيرها وحساباتها، لها دينها .
لقد تعزّز كل ذلك أيضا من البداية بسبب طريقة تعاطي بعض الأحزاب والأطر القديمة ، وبعض قياداتها مع الظاهرة بحد ذاتها، ذلك في شروط استمرار قمع النظام لتلك الأحزاب، ووضعها الانتقالي بلملمة صفوفها للمراجعة واستيعاب التطورات، شعر البعض أن هناك من يريد تخليصه دوره أو مصادرته بركوب موجة سهلة، من قبل هامشيين في العمل السياسي المعارض، فجاء رد فعله حادا وصل حد المهاترات أحيانا، أمّا البعض الآخر، باسم الموضوعية، أو البراغماتية، وضرورة تجميع القوى، فإنه وصل بمجاراة الظاهرة حد الخضوع لبعض مفاهيمها والخضوع لمنطق أشخاص بعينهم فيها، وصل حد الصغار المرضي في بعض الأحيان، وبتطور أهم الأحداث العالمية والاقليمية، تحديدا استراتيجية وسياسات التدخل والهيمنة والاحتلال الأمريكي، بالترافق مع الدعاوة والإعلام الكثيفين بخصوص أهدافها تجاه قضايا الديموقراطية والنظم الديكتاتورية والحركة الدينية، هذا من جهة، وإصرار النظام على متابعة نهجه وممارساته في العام، بحيث بدا الأمر بالنسبة لكثيرين، وكأن هناك استحالة بقيام تطورات داخلية، ذاتية، ولابد بالتالي من الدور الخارجي الخاص والمتميز، وهو الدور الأمريكي تحديدا، بذلك بدأت تتسارع عملية انقسام النخب المعارضة حول مهمة التغيير الوطني الديموقراطي بصفتها مهمة مركزية، وكل ما يتعلق بها في المحتوى والشكل والوسائل، وحدود الصدق والتوافق، أو النفاق بين الطروحات النظرية البرنامجية الخاصة بها بصفتها عملية انتقال سلمي داخلي بدون تدخل خارجي، خاصة العسكري منه، كذلك حول برنامج المهمة الواحدة (التغيير الديموقراطي) ثم قسر وتطويع كل شيء من أجل ذلك، أو برنامج (وطني ديموقراطي) لقوى اجتماعية وسياسية (وطنية ديموقراطية) يربط بشكل موضوعي بين المهمات بقدر حضورها واستعداد تلك القوى للعمل من أجلها، ثم الانزياحات المحتملة في الأولويات، بالعلاقة مع تطور التناقضات والصراعات المترتبة عليها، بتقدم التطورات والخطط واتضاحها، كانت خلافات النخب المعارضة تصبح أكثر وضوحا، تكبر وتتسع زاويتها أو دائرتها، وتبتعد مع القوى المصطفة حولها عن مركز التقاطعات والمساومات الممكنة، وليس عبثا في النهاية أن أفضل العلاقات والتقاطعات والمساومات والاتفاقات ومن ثم الوجود في إطارات محددة، قد حصلت داخل الصف الذي يرى حتمية للدور الخارجي، دون أي مشكلة أو تناقض بين من يراه  داخله بصراحة على الدبابة الأمريكية، أو يراه بدون تدخل عسكري، أو يراه خارجيا فحسب، أو يرغب ويتمنى التغيير بأي طريقة، كحلم يتحقق،  وليس مهما كيف ومن وماذا حصل في البلد. مع سعي محموم ودائم إلى وثائق ذات صيغ ملتبسة  في مسائل البرنامج الأساسية، تسمح بالتفسيرات المختلفة والتملص، أي بالنفاق السياسي، وفي كل ذلك لعبت ظاهرة المستقلين دورا مهما عبر مراحل مختلفة من المد والجزر، التفاؤل والتشاؤم ، تعايش النظام بدون قمع جسدي واعتقالات أو بهما، تقدم الدور الخارجي أو تراجعه الخ ومن أكثر التأثيرات “طرافة أو مهزلة ومأساوية ركوب موجة المستقلين هذه المرة من قبل أحزاب قديمة، ولم يجر الأمر بدون تنازلات أو قناعات متشابهة، خاصة على الخط الليبرالي ودور العامل الخارجي، بالإضافة لكل ذلك  وفي أحيان هامة عند هذا الحزب أو هذا القيادي أو ذاك، قامت عملية ركوب الموجة أو استغلالها من منطلق ثأري في السياسة، فالمهم  هو التنسيق مع أي ظاهرة متحركة والنفخ بها (في هذه الحالة تصبح عمليات التنقل السريع والقفز غير المنطقي في المواقف جزءا عضويا من التركيبة االثأرية ونهجها) على طريقة الموقف من حركة الأخوان المسلمين نهجا وممارسة وانقسامات قبل تحركها وبعده مع اتضاح فعاليتها والسعي لمجاملتها باسم التحرك الشعبي ضد النظام، واستمرار هذا الموقف منها لاحقا من أجل إعلان دمشق والتوقعات أو التقديرات أو المعلومات بخصوص التطورات في سوريا والدور المحتمل لحركة الأخوان المسلمين، حصل ذلك على الرغم من أخطاء الحركة الشديدة تجاه إعلان دمشق، والعلاقات بالمقابل مع أطراف معارضة أخرى في الخارج ، وكامل السياسات غير المحسوبة بدقة ووضوح من منظور العمل الوطني السوري ومصالحه، كذلك الموقف من الحركة الكردية قبل وبعد أحداث آذار 2004 لتصبح رأس حربة النضال الديموقراطي، وأخيرا ظاهرة المستقلين، من المهاترة معها واتهامها بشتى الاتهامات، إلى اعتبارها الظاهرة الأهم في المعارضة السورية، والدفع بها إلى تشكيلات إعلان دمشق، والسعي التكيفي لتأطيرها حزبيا بالاندفاع إلى تغيير النهج الكامل، كما حصل فعليا في أكثر من حالة حزبية أو شخصية، من الماركسية إلى الليبرالية، من أجل ذلك، ويترافق هذا بنشر ديماغوجيا تصدق نفسها حول الشطارة والجدية والصدق العميق في قضية المعارضة ؟!. وأن هذا العمل هو “الفت الصحيح في الصحن” وما عداه مضيعة للوقت، أو بيع مواقف مجانية للنظام، أو صب الحب في طاحونه ؟!
ـ على الرغم من شروط المد والجزرالسياسي في سوريا، خاصة بعلاقتها بين الداخل والخارج، والكيفية التي أثرت فيها على ظاهرة المستقل، فإن الظاهرة في بنيتها ووعي مكونيها، وما يتعلق بمسألة التنسيق والتشارك مع “الآخر” لم تتغير في الجوهر، التأثر المباشرالواضح هو المزيد من الانكفاء أوالمزيد من النشاط ، ضيق أو اتساع دائرة النخبة المعنية بذلك، ويمكن التأكيد أن المزيد من الانكفاء في الحراكات وتناقص أعداد المستقلين المساهمين فيها، بسبب الجزر وتزايد الكلفة الأمنية والسياسية والشخصية، جعلت”شروط” هذا الجزء في عمليات التنسيق مع الآخر والوجود المشترك معه في إطارات، أكثر صعوبة، بالتعبير العامي غدا هذا الجزء أكثر “دلالاً” وتطلباً. كما يمكن التأكيد أن تغير بعض الشروط المحددة للظاهرة لم تدفع أحدا فيها إلى أي مراجعة ذات معنى، لا في ضرورة وأهمية العمل الحزبي والانضمام إلى الأحزاب القائمة، أو تشكيل غيرها متجاوزا لها، وكل المحاولات التي قامت بها مجموعات وأفراد من النخب الليبرالية لتشكيل تجمعات أو أحزاب أو إطارات خاصة بها، فشلت فشلا ذريعا، أولا وأساسا بسبب السمات والبنية وطريقة تفكير الظاهرة والتميز الشديد المفتعل والذاتي بين الشخوص .
ـ والحق يقال: إن النخب المستقلة التي أعلنت صراحة أو مواربة أنها ليبرالية، أو يمكن تصنيفها في هذا الإطار، مع وشوشة هادئة في أذن وعقل أولئك الذين يغشون أنفسهم بعفو الخاطر، أو بسبب تشوش الوعي، أو يغشون غيرهم بصورة واعية، بالجمع بين كونهم لا يزالوا ماركسيين من جهة، وبين الدور التاريخي الإنقاذي للمركز الامبريالي الأمريكي على يد أكثر إداراته عنفا وميكيافيلية، بما فيه الدور الإنقاذي في بلادنا، بالطلب منها بالتدخل بكل الوسائل، ثم الحرد، والزعل، والغضب منها، واتهامها بالتقصير وتفويت الفرصة التاريخية، والجهل لأنها لا تتدخل، بل يريد بعض هؤلاء الماركسيين “تأجيل” أي دفاع عن المنتجين والمضطهدين، بل الدفاع عن وحشية الرأسمالية من أجل خلق الشروط التي تأتي بالديموقراطية واستقرارها، ينسى هؤلاء، أو لا يروا بأعينهم ووعيهم أي إمكانية أو واقعة في أن يكون المرء ماركسيا وديموقراطيا، أو ليبراليا وقمعيا من خلال موجة الليبرالية الجديدة الهيمنية، ويخلطون بشدة بين الديموقراطية والليبرالية عبر التاريخ وتطور الشروط، هذا الصف الليبرالي وللحق كان أكثر نشاطا وحيوية ومرونة، وأظهر عددا من المحاولات أكثر للتنسيق مع أحزاب وإطارات أخرى، كما للتنسيق بين صفوفه ، كل ذلك مقارنة بالنخب اليسارية الماركسية أو القومية المستقلة، مع أن أعداد هؤلاء كبيرة وهي أكبر بالمقارنة، لكنها أكثر حذرا وخوفا وشعورا بالإحباط، وتشعر أن المرحلة ليست مرحلتها، وهكذا لم تفرز عددا ملحوظا من الأفراد الناشطين المتميزين، مقارنة بالصف الليبرالي، وكل هذا جعل اليساريين المستقلين أكثر تطلبا في مسألة التنسيق.
في هذا السياق، وإطار الظاهرة الخاصة بالمستقلين تأتي الأسباب العميقة والفعلية في استقالة الرفيق سلامة على الرغم من كل ما يميزه كمستقل، ونقاش الأمر من هذا المنطلق سيكون بالتالي أكثر موضوعية وفائدة من أجل المستقبل الخاص بالعمل المعارض في الوطن السوري، ومستقبل العمل اليساري المعارض، على رأسه تجربة تيم الآن.

حقيقة تيم الداخلية، قراءة قصدية خاطئة من قبل سلامة:
الركن الرئيسي في الاستقالة وبدون أي شك هو الركن التنظيمي، كيف فهمه أو اعتقده أو طرحه  سلامة، ثم حقيقة المبادئ والقيم كما حددتها النصوص التنظيمية، والمعتمدة في العلاقات الداخلية الناظمة وعلى رأسها طريقة اتخاذ القرارات، حقوق الأطراف وواجباتها، ثم عمليات الممارسة الفعلية، التي اختبرها واكتشفها بنفسه سلامة ، كيف تلاعبت الأطراف بتلك الأسس وتجاوزتها، مما جعله يخاف من ممارسة سياسات لا تمثل قناعاته، أسس ومبادئ جرى العمل طويلا وبصورة مجهدة وجادة من أجل إقرارها في نهاية عام ونصف  ثم في أقل من تسعة شهور يجد سلامة نفسه مضطرا لتقديم الاستقالة دون السماح لتيم بأي نقاش داخلي هادئ  أو علني وخارجي بدون استقالة، بصفتها ملاحظات نقدية للتجاوز أو التصويب.
ومن جهتي أجد ضرورة كبيرة في تناول المسألة التنظيمية باهتمام خاص لأنها في حقيقة الأمر تكشف أو تلقي ضوءا واضحا على موقع المستقل، حقوقه وواجباته، والحدود الديموقراطية العالية في مستوى حقوقه والتحصينات الخاصة به ( داخل تيم ) وبالتالي طريقة تفكيره وسلوكه في قضايا التنسيق مع الفارق أيضا بين مستقل ومستقل في الإطار العام للظاهرة، ثم وضع سلامة واستقالته، فيكتب: ” ولقد بدا الوضع لي أسوأ حينما أصبحت المسائل لا تخضع لما هو متوافق عليه في الوثيقة الأساسية” . “نحن تحالف، والتحالف يقوم على التوافق “. ” وتجاوز التوافق يرتبط بالتوافق على ذلك ” .” ولا شك في أن الميل الذي قد بات يحكم العمل هو التعامل الانتقائي مع هذه المسألة ، والميل لفرض سياسات بعيدا عن التوافق  إمّا مباشرة أو مداورة” . ” ولقد كان التوافق بالنسبة لي هو الحامي من اتباع سياسات أرفضها “. ” ولهذا كان تجاهل هذه المسألة يشعرني بأن السياسات التي سوف تتبع ، والتي بدأت تتبع ستكون مخالفة لقناعاتي .. وبالتالي أخاف من ممارسة سياسات أرفضها “.
ـ بتلك الجمل القليلة المتعلقة بمبدأ التوافق الذي يحكم تحالف تيم، والذي يعتبره سلامة صحيحا ، بل يؤكد أن الوثيقة كانت واضحة في تحديده ، هو الذي تجاوزته أطراف تيم الأخرى “مواربة أو مباشرة” بالممارسة وراحت تقرر سياسات أو ستقررها لاحقا وتفرضها على سلامة وهو غير مقتنع، أو لن يكون مقتنعا بها.
إن النقاشات الطويلة حددت  المبدأ التنظيمي والتفاصيل المتعلقة به، والطريقة في اتخاذ القرار وكل ذلك في حدود المتاح والممكن داخل تيم. وكانت الأطراف بكامل الصحو والوعي عندما وقعت عليه، ومنعا لأي التباس نسوق هنا كل الفقرات المتعلقة بإدارة الحياة الداخلية لتيم ، المبدأ الأساسي للتحالف، وطريقة كل قرار حسب أهميته، وسبل تطوير تيم نحو هدفه الرئيسي الذي يتجاوز التحالف إلى ( الحزب الموحد)، ثم حقوق الأطراف وواجباتهم، وأهمية كل قضية، أو مستوى والمبدأ الذي يستحقه، وحق التحفظ على أي قرار مع رفض تنفيذه.. الخ.
“يقوم التجمع على توافقات نظرية، اقتصادية، اجتماعية وسياسية أساسية”.
“يصدر التجمع وثائق ومنشورات… مع التأكيد على تمتع الأطراف المشاركة باستقلاليتها التنظيمية والبرنامجية والسياسية ، وحرية تحالفاتها المختلفة”.
“مع أولوية احترام تنفيذ توافقات هذا التجمع”.
” ينشئ التجمع قيادة مركزية، تضم مندوبين اثنين عن كل فصيل …. ومن مستقلين يتم تمثيلهم في القيادة”
” تؤخذ القرارات في القيادة المركزية بالتوافق،.. وهي ملزمة لمن يوافق عليها.. ويحق لمن لا يوافق على أي قرار، عدم المشاركة في تنفيذه دون المساس بأي من حقوقه، على أن لا يشمل ذلك الوثيقة التأسيسية التي تحتاج إلى الإجماع بين الفصائل الموقعة لتعديلها”.
“يتم قبول أي فصيل يوافق على الوثيقة التأسيسية للتجمع إذا نال الأكثرية المطلقة للأصوات في القيادة المركزية للتجمع” .
“يتم ترشيح أي مستقل يوافق على الوثيقة التأسيسية للتجمع للمشاركة في القيادة المركزية من فصيلين موقعين على الوثيقة التأسيسية، وينال موافقة بقية الفصائل، وفي حال تعذر التوافق يمكن أن يتم قبوله بأكثرية ثلثي القيادة المركزية في نهاية أربعة أشهر من ذلك”.
“لا يجوز أن تتجاوز نسبة المستقلين في القيادة المركزية حدود ربع الأصوات”.
” يعقد التجمع اجتماعا تداوليا سنويا وفق لائحة تنظيمية تحددها قيادة التجمع لتدارس مختلف القضايا التي تهم التجمع … ويصدر الاجتماع وثائقه وتوصياته وفق ما يراه مفيدا ” .
” يقر التجمع بوجود خلافات بين أطرافه، وبمشروعية هذه الخلافات على قاعدة حرية الاجتهاد، ويكون حل هذه الخلافات عن طريق الحوار الديموقراطي …..” ويمكن في حال تعذر الاتفاق إحالة ملف الخلاف إلى المؤتمر التداولي الذي يمكن أن يعقد اجتماعا استثنائيا إذا دعت الضرورة ” .
” تؤخذ القرارات في هيئات التجمع الأخرى بالتوافق، وفي حال تعذره يتم الرجوع إلى القيادة المركزية التي يكون قرارها ملزما في القضية موضع الخلاف ” .
” يصدر التجمع مجلة داخلية … كما تصدر” القيادة” لائحة تنظم عملية النشر وشروطها، ولا يحق للقيادة بعد هذا إيقاف صدور المجلة ، إلاّ بإجماع الأصوات ” .
ـ هذه هي مجموعة المبادئ وتفاصيل النصوص التنظيمية التي ندير بواسطتها شؤون تيم الداخلية، التي برزت أثناء عمليات الحوار والاتفاق عليها كل الميول والقناعات والاستعدادات ثم تحددت بالممكن ، وإذا أردنا تصنيفها يكون الأمر على الوجه التالي :
ـ لم يستخدم تعبير حق الفيتو إطلاقا على الرغم من وجود ما يكافئه فعلياً فيما يتعلق ببعض القضايا الأكثر أهمية، وكان ذلك أمرا مقصودا لضرورة تأسيس وضع ديموقراطي متجاوز لأطر وتحالفات مختلفة ولا تستهدف حزبا، ولضرورة وضع حد لأي عملية تعطيل في تقدم تيم وتطوره وذلك عندما نُخضع كل قضية كبيرة أو صغيرة للتوافق بالإجماع.
ـ يستخدم مبدأ التوافق بالإجماع، أو ما يكافئ حق الفيتو في حالتين: عندما يتعلق الأمر بالوثيقة التأسيسية، وعندما يتعلق بحتمية الحوار الداخلي ونشر الآراء المخالفة، أي المجلة الداخلية، وفي الحالتين استخدم تعبير إجماع الأصوات، أو بالإجماع.
ـ استخدام مبدأ التوافق بدون الإجماع في كل ما يتعلق بأي قرار آخر مهما كا ، حتى فيما يتعلق بقبول فصيل جديد أو قيادي مستقل.
ـ حسم عملية قبول المستقل كقيادي بعد عدد من الخطوات التنظيمية، على أساس مبدأ أكثرية الثلثين.
ـ حسم عملية قبول فصيل جديد إلى صفوف التجمع بالأكثرية المطلقة. ( مع الفارق بين المفهومين كما هو متعارف عليه، وليس كما محدد في النص، أي الأكثرية النسبية في الحضور، أو الأكثرية المطلقة للحضور).
ـ استخدام مبدأ الحق ( أو ما هو فوق مبدأ الفيتو ) وحفظ الحق، حق الخروج عن الإجماع، أي حق رفض وعدم تنفيذ قرار، عندما يكون هناك طرف ما لم يوافق عليه، أي أن القرار لم يحصل ( بالتوافق  بالإجماع )، بالتالي حق التحفظ بعد حق رفض القرار ورفض التنفيذ.
ـ لم ينص على مبدأ ترك تيم، بالاستقالة أو غيرها، فهذا بديهي في مسألة العقد الديموقراطي الحر بين الأطراف .
وإذا أردنا التعليق علي هذه النصوص يمكن ويجب القول : إن هناك مسائل غير محددة وغير متفق عليها بعد، أو أنها غير محددة  بدقة ووضوح، تمثل نقصا أو ثغرات، أو تمثل حدود الممكن حتى الآن، على رأسها:
ـ المؤتمر وصلاحياته، لم نحدد مفهوم التداولي، هل هو للتشاور والاستئناس وتقديم التوصيات للقيادة الخ، أم هناك صلاحيات أكثر أهمية، خاصة وأن النص صريح كون المؤتمر هو مكان لحل الخلافات، ويصدر وثائقه وتوصياته كما يراه مفيدا، هل هو هيئة في نفس أهمية القيادة المركزية أم أدنى طالما أنها ممثلة به بالإضافة إلى آخرين بالتساوي من كل طرف، كذلك طالما أن النظام الداخلي قد حدد حالات القرار بالإجماع وحقوق رد الفعل عليها، ولا خوف بالتالي من أي عملية فرض أي شيء على أي أحد، أو عملية تجاوز قسرية للممكن داخل تيم.
ـ غياب النص الصريح بحق التحفظ وطرقه الإعلامية الخارجية والتنظيمية الداخلية، مع أن مجموع النصوص الأخرى تسمح بذلك بالاستنتاج البديهي .
ـ عدم التحديد الدقيق، أو عدم الوضوح في عملية اتخاذ القرارات بالتصويت عليها، كذلك عملية التحفظ عليها داخل القيادة المركزية، يوحي النص أن القضية فردية في الحالين، كأن الهيئة مجموعة أشخاص بحقوق واحدة، يشكلون آراءهم ، الأكثرية والأقلية في كل مرة، من دون الارتباط الحتمي بالأطراف التي يمثلونها، بينما في نصوص أخرى يظهر الرفض والتحفظ  الخ، حقا صريحا للأطراف المكونة، وظهرت المشكلة في حالتين، الحالة الأولى عندما فهم أو أراد البعض أن يفهم على طول الخط، أو في بعض المواقف والقرارات التي اعتبرها مهمة له، أن التوافق يساوي الإجماع، بالتالي حق الفيتو، وحقه في توقيف أي خطوة إن تحفظ عليها. وهذه المسألة أو الإشكالية تم تجاوزها بالرجوع إلى النصوص فهي صريحة. والمشكلة الثانية التي كانت أكثر خطورة وأهمية وهي “مربط الفرس” فيما نناقشه حول ظاهرة المستقل والمستقلين، والحقوق وطريقة تفكير الظاهرة في مسألة التنسيق المشترك، وأعني هنا الرفيق سلامة. وتتكثف في عدم تحديد كون المستقلين يمثلون بمجموعهم طرفا والكيفية التي يجب أن يصوتوا بها أو يتحفظوا بها. إن متابعة شرح الإشكالية النصوصية في المسألة ، ثم الحوارات الحقيقية والروحية الخاصة والميول ، يصبح بالإمكان القول:
ـ حدّد النص الحد الأقصى لنسبة تمثيل المستقلين في القيادة المركزية (لا تتجاوز الربع ) وحدّد عملية قبول المستقل في القيادة ، لكنه لم يحدد كيفية التنسيق فيما بينهم ، وفيما إذا كانوا طرفا أم لا؟ وماذا يعني الإجماع بالنسبة لهم، أو لأي فرد فيهم، في الحالات التي تتطلب الإجماع، مثلا يصبح بإمكان أي قيادي مستقل أن يمنع تطوير الوثيقة الأساسية إلى الأبد ، إن كان من حقه استخدام الفيتو كأي طرف، وفي الحقيقة بقيت هذه المسألة معلقة بصورة قصدية من البعض، وأجلت من البعض الآخر بحجة أنها مسألة ثانوية، للإسراع بالتوقيع! أمّا المشكلة الأكبر فقد برزت كما هو واضح من نص استقالة سلامة عندما يعتبر أن التوافق يساوي حتما ودائما التوافق بالإجماع، أي يقلب ويغير بصورة نهائية مفهوم النص، ويريد أن يثبت مفهومه وقناعاته بكيفية تنسيقه كمستقل، أي أن يكون طرفا بذاته، وبصراحة شديدة كان هذا الميل هو الأكثر بروزا والأكثر تعطيلا في تيم كما يتضح من الاستقالة ، على العكس مما يقوله سلامة ببروز ميل، أو ممارسة مواربة أو مباشرة لتجاوز النص المتعلق بمفهوم التوافق، وجرت عمليات تعطيل لتيم باسم التوافق بالإجماع، أو هكذا فهم الأمر بحسب العرف، فوصل الأمر إلى الافتتاحية وطريق إقرارها، كما وصل إلى الخوف من أن يمارس البعض كأطراف أو كأشخاص التحفظات كأقلية، وهو ما لا يريدونه باسم الحرص على تيم ، لكن حتى هذه الإشكالية حلّت بين الأطراف بعد الحوار حول النصوص التنظيمية ومصالح تيم، لكن المشكلة بقيت مع سلامة وصولا إلى الاستقالة بسرعة كبيرة جدا من جهته، والميل الدائم الذي عبر عنه، حتى حدود تغيير مفهوم النص الواضح والصريح حول التوافق من أجل ميله الخاص وفهمه وقناعته بمسألة التنسيق والتشارك مع تيم “كمستقل”. أمّا محتوى الاستقالة وربط الأسباب والوقائع فهو يؤكد ما أقوله، كيف؟

الاستقالة خالية من أي واقعة فعلية ! من قرأ نص الاستقالة أو سيقرؤه، سيقتنع حتما أن مبدأ التوافق يعني حتما الإجماع، وسيفهم أن هناك مجموعة أطراف أو بعض الأطراف، يلعبون على بعضهم أو على سلامة بالذات (مسخرة أخلاقية بين وضع النص الواضح ثم تجاوزه أو فرض ممارسات أو نصوص ومفاهيم أخرى بسرعة خيالية) وهذه المهزلة أو “لعبة الأوباش”  كما يليق التعبير، تستحق فورا الكشف والتهتيك والاستقالة!؟  وهذا ما حاول سلامة تماما أن يوحي به بصورة شاملة دون أن يقوله بصراحة ودقة ووضوح بإيراد الوقائع الفعلية، وهذا هو الأمر المستحيل على الرفيق سلامة لأنه لا يستطيع إيراد أية واقعة ( وأعني أية واقعة ) بخصوص مجمل اتهاماته، إلاّ إذا أراد أن يفهم التوافق بالإجماع حتما، على العكس من البقية بالمطلق ويصبح هذا الفهم مقصودا بغاية الاستقالة!؟.
ـ بدون أي تدقيق في الاستقالة، سنلحظ أن الرفيق سلامة قد اكتفى بالقول أن مبدأ التوافق في القرارات واضح ولم يعذب نفسه أبدا في الشرح أو التوضيح، لماذا يفهم المبدأ أنه يساوي الإجماع دائما، بينما تعبنا كثيرا لنضع مجموعة نصوص ومبادئ لاتخاذ قرارات و ليستمر تيم في التطور مع كامل الحقوق الديموقراطية  لمكوناته. ذلك بين حدي الإجماع أو ما يشبه الفيتو، وحدود مختلفة أدنى بعدة سويات بحسب القضية المعنية وأهميتها.
ـ للأسف أيضا، لم يذكر سلامة أي واقعة تنظيمية، أو أي واقعة تتعلق بأي قرار تمت عملية خرق فيها للأسس التنظيمية أو لمحتوى القرار بعد صدوره، ولم يحدد بالتالي متى حصل هذا مواربة أو مباشرة؟ خاصة وأن عدد القرارات والبلاغات التي اتخذتها قيادة تيم حتى تقديم الاستقالة داخليا (بعد حوالي تسعة أشهر من الإشهار) كانت تعد على أصابع اليد الواحدة تقريبا. لم يناقش ولم يذكر أي تفصيل بالعودة إلى تلك القرارات والبلاغات والافتتاحيات (افتتاحيتان أوربما ثلاثة حتى حينه)، هذه هي الحقائق التي يجب إيرادها والحوار حول الانتهاكات التي جرت بسببها.
ـ للأسف الشديد مرة أخرى، من قرأ القسم الثاني في الاستقالة ( المتعلق بالسياسة والموقف من النظام وقضية المعارضة، والموقف من الحركة الشيوعية الرسمية، والقضايا البرنامجية والمهمات.. الخ) سيعتقد أن سلامة يعني حتما مواقف محددة لتيم، وفي أحسن حالات القراءة سيعتقد أن الأمر يتعلق بمواقف بعض الأطراف في تيم والتي تفرضها على الآخرين ومنهم سلامة ـ حيث تنبه واستقال ـ أما الحقيقة فإن كل ما ساقه الرفيق سلامة هو مجموعة اتهامات لتيم ، كما أراد أن يوحي بالاتهام أيضا  لبعض أطراف تيم ، ممن تفكر وتمارس بصورة “انتهازية” تجاه النظام والحركة الشيوعية الرسمية كمدخل انتهازي إلى النظام أيضا، كذلك تجاه الليبرالية وإعلان دمشق الخ. كما ذكر هو بعد تجربته ” الطويلة !” مع تيم، بالطبع لا يذكر أي واقعة ولا أي مرجع يتعلق بها، لا فيما يتعلق بتيم ولا بأي طرف من تيم. (وسآتي على مجموعة الاتهامات). مع البديهية الموضوعية والأخلاقية المتعلقة بضرورة محاسبة تيم على ما يمثله ويمثل مواقفه من قراراته وغيرها، ومحاسبة الأطراف الأخرى كل على موقفه. أي لا يجوز أبدا تحميل الاختلاف في المواقف، ومواقف بعض أطراف تيم بالتالي ومسؤوليتها على تيم، هذا إن كان سلامة قد عرض مواقفها على حقيقتها  كي لا أقول بأمانة، فلنرَ ذلك؟!.

الاتهامات .. والحقائق في الجانب السياسي والفكري :
الشيء الأساسي الذي يمكن إجراء حوار بخصوصه في ورقة سلامة هو بعض الأفكار والعموميات المتعلقة بمسألة برنامج “البروليتاريا والطبقات الشعبية” وتحالفاتها وصولا إلى الحالة السورية بالممارسة، لكن وعلى اعتبارها مادة غير مكتملة من جهته، وتأتي في سياق ادعاء تفنيد سياسات خاطئة أو مهادنة وانتهازية لتيم وأطرافه أو بعضها على الأقل مما سبب باستقالته، فإني أجد نفسي معنيا بكشف حقيقة الادعاء ومن ثم الحوار حوله إن كان صحيحا، وعلى اعتبار أن كل ما ورد في الاستقالة هو مجموعة اتهامات، كما يصعب الفصل والتمييز داخلها فيما يخص تيم، أو يخص بعض أطرافه، وهذا ما فعله سلامة قاصدا، وهكذا عند الحوار يمكن أن يرد سلامة ببساطة: أنا هنا أقصد الطرف الفلاني أو الفلاني أو تيم. بالتالي أجد الأمر الصحيح هو تحديد كل اتهام ومحاولة مقاربة الطرف المعني به ثم مقارنة دقيقة أو إيراد دقيق للموقف عوضا عن الاتهام وترك الباقي للقارئ، كما سأطرح في حالات ضيقة بعض الأفكار الحوارية  آملاً في المستقبل أن تطرح حوارات مختلفة بالنهج والموضوعية والروحية الإيجابية تشاركياً لصف اليسار الماركسي.
ـ جاء في الورقة “ورغم اتفاقنا على أننا قوة معارضة، إلا أن ما ظهر في الفترة الماضية، سواء في الحوارات أو عبر البلاغات، أن هناك ميل لعدم إظهار التعارض مع السلطة، إذا لم يكن ميل للقول أنه فتح حوار معها، ولقد ضمت الوثيقة فقرة تؤسس لذلك، ورغم محاولتنا سدها إلا أن هناك من يميل إلى التعمية، ويسعى لتوسيع الخرق، لا أشكك في موقف أحد، ولا أبني على التشكيك أصلا ،بل أنطلق من أن هناك من يمارس تكتيكا خاطئا وضارا، … حيث تحت ذريعة عدم التسرع بالصراع ( وأنا مع عدم التسرع كذلك) لا يعود هناك صراع ، وتصبح المهادنة هي الأساس ” .
من المعروف للجميع، بالطبع سلامة منهم، أن تيم يضم مجموعة فعاليات وأطر من منابت وخلفيات ومناهج سياسية مختلفة، ولها بالتالي تصورات حول العمل المعارض وطرقه وروحيته وكيفية تحقق مصالح “البروليتاريا” به مختلفة، بل بعضها جاء من مدرسة التحالف “الأبدي” للحركة الشيوعية الرسمية، مع النظام، لكن بمجموعهم، من دفع منهم ثمنا كبيرا يستحقه الوطن ولا يزال لأنه في صفوف المعارضة بصراحة سياسية وليس بصراحة نظرية فكرية باسم الصراع الطبقي والنظام البورجوازي ، بالاضافة لبقية الأطراف،هذا الخليط أبدى استعداداً من بداية الحوارات وميلاً صريحاً ( بعكس ما يتهمه سلامة) ووضع نصاً صريحاً ومفاهيم فكرية ونظرية وفي الفكر السياسي، وفي كل القرارات، ليس ميلا فحسب، بل وضوحا شديدا في المفاهيم والممارسة كمعارضة.
أما ما يتعلق بالفقرة التي يقصدها سلامة والحوارات التي جرت حولها، فمرة أخرى لا يقول سلامة الحقيقة، النقاش لم يجر أبدا على أرضية الحوار مع النظام من أجل التحالف معه أو الانخراط في صفوف جبهته، أو كتكتيك براغماتي يبتغي الإيحاء بعدم التسخين بالتالي المهادنة الخ ومن الواضح أن سلامة يتهم ويشكك لتشويه سمعة وحقيقة تيم ولإيذائه، جرى النقاش عند إيراد الفقرة في إطار حوار منهجي حول مفهوم العمل السياسي العلني  ومفهوم الانتقال السلمي في عملية التغيير الديموقراطي، والأزمة القائمة في الوطن وموقع النظام ودوره بها والتشابك مع المسألة الوطنية، في ذلك الإطار والسياق وضرورة التمييز التام في الشعارات والخطاب والدلالات وما تستبطن مقارنة بقوى وفعاليات أخرى وحدود النفاق في الخطاب والمواقف السياسية، وأهمية الحوار كقاعدة أساسية لحل الأزمة، هكذا طرح حوار غني لا علاقة له بالخلط الطبقي والمهادنة والتحالف مع النظام، ولا علاقة له أبدا بالحجة التي أوردها سلامة ( التسرع في الصراع ) حتى لو سمعها من هذا الشخص أو ذاك. فلنقرأ الفقرة الواردة في الوثيقة الأساسية التي يعتبر سلامة موافقا عليها، لأنه لم يتحفظ عليها لاحقاً أو على الحوارات التي جرت بخصوصها وأسباب إيرادها، مع أنه من حقه المطلق أن يتحفظ وليس أن يذكّر بمحاولته سد الثغرة، إذ ربما حاول سدها أو حتى رفضها، (لكنه بالتأكيد كان قد ساهم بصياغة وثيقة أخرى لتيار وطني ديموقراطي لا ذكر محدد فيها للنظام السوري وطرق معارضته)، جاء في الوثيقة الأساسية لتيم: (( 8 ـ يحدد التجمع ( تيم ) موقعه من شتى القوى والطروحات السياسية، وإمكانيات لقائه أو معارضته لها على ضوء القضايا الأساسية الثلاث التي يناضل لتحقيقها: المسألة الديموقراطية التي تعتبر المدخل الأساسي لمستقبل سوريا ولتحقيق أهداف الشعب المختلفة (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ووطنيا) والمسألة الوطنية (الموقف من مشاريع الامبريالية ولا سيما التحالف الأمريكي الصهيوني) وقضية المصالح الاقتصادية والمعيشية للطبقات الشعبية. ورغم أن نهج التجمع وسياسته تضعانه في موقع المعارضة للنظام، إلا أنه يدعو في الوقت نفسه للحوار الشامل مع كل الأطراف داخل الوطن، وهو سيلحظ ويقيم في حينه أي خطوة أو فعل سياسي أو مبادرة قد تحصل من أي طرف مهما كان موقعه، على ضوء القضايا الأساسية المذكورة آنفا ومنطوق هذه الوثيقة )).
هكذا كان ولا يزال تيم يعتقد بضرورة مثل هذه المفاهيم السياسية لحل الأزمة الوطنية، ويعتقد أنها يجب أن تكون واضحة وصريحة دون أي مواربة، ودون أي استبطان لمفاهيم منافقة أو حاقدة وثأرية في العمل السياسي، أو خطاب لعمل علني سلمي تدريجي وآمن، بينما يستبطن شيئا آخرا، وبالتغاضي عن موقف النظام وطبيعته ونهجه، فإن حل الأزمة يفترض نهج تيم، وكل هذا لم يشوش بأي مستوى على مفاهيم تيم الاستراتيجية من النظام البورجوازي القائم وضرورة وحتمية استبداله أو أي نظام بورجوازي آخر يحل محله بنظام اشتراكي، ولا يشوش بأي مستوى على مفاهيمه كمعارض للنظام، فتيم حدد مهماته البرنامجية الانتقالية والملحة منها، وحدد أسس تحالفاته، ولا أعتقد أن سلامة لا يعرف أن الفقرة المذكورة حول الحوار الوطني وضرورته، تشمل أيضا الليبرالية بأسوأ أصنافها، كما أعتقد أن مثل هذا الخطاب (على الأقل نظريا وشكليا)
بالتغاضي عن حقائق النفاق والرغبات الأخرى،فـهو الخطاب السائد في وسط المعارضة السورية بكل اتجاهاتها، وهذا شيء صحيح ويجب أن يكون مبدئيا، وليس شيئا براغماتيا، أو للتقية، أو للنفاق.
ـ تتابع الورقة ((تصبح كل المسألة هي الضغط السياسي من أجل الحريات كونها الأولوية التي تفتح المجال للنشاط من أجل الأهداف الأخرى، كما هو رائج في إعلان دمشق (أي لدى التيار الليبرالي)، وليبدو أن الخلاف مع الإعلان هو ليس في فهم السياسة وما هو طبقي، بل في الموقف من المشروع الامبريالي.. وبالتالي تكون المسألة هي المطالبة الخجولة والمناشدة الرقيقة، وليس خوض الصراع الطبقي. ومن ثم انتظار من يحقق هذه المطالب، الديموقراطية بالأساس)). كم هو سهل اختراع منظومات منطقية، ذهنية وذاتية واتهام الآخرين بها، تصوروا أن تيم ومن به لا يعرفون الفرق بينهم وبين بعض قوى إعلان دمشق (وليس كما يقول سلامة بكامل قوى الإعلان) لايعرفونه لا على الصعيد الطبقي ولا على الصعيد السياسي، ولا يعرفون أن الاتجاهات الليبرالية وخلافاتها مع النظام تقع في الصف الطبقي الواحد؟! سلامة يعرف هذا فحسب! وتصوروا أن أطراف تيم لا تميز بين الاستراتيجي والتكتيكي وبين أولوية المهمات ودور كل منها في الاتجاه التاريخي لبرنامج الطبقات الشعبية! سلامة يعرف! يا أخي كل أطراف تيم تعرف جيدا جدا هذه المسائل، لكنها تعرف أيضا أنه لا يمكن إلاّ في حالات نادرة جدا، تغيير شكل حكم استثناء بورجوازي، إلاّ بشق صفوف البورجوازية تكتيكيا، لم يكن بالإمكان تغيير الفاشية أو الديكتاتوريات أو غيرها من نظم حكم الاستثناء البورجوازي إلاّ بذلك. والحالات النادرة تتعلق باحتمالات اصطفاف التناقضات والصراعات وتطابق المهام الطبقية التاريخية مع المهمات السياسية التكتيكية، وعلى اعتبار أن تيم، أو بعض فصائله على الأقل، لن تنتظر إلى ذلك الوقت، إلى لحظة التطابق تنكش أنفها، أو تكتب خطابات في الثورة، أو تخاف من الاتهامات بالتلوث أو ما شابهه كما يفعل بها سلامة، فإنها تعرف وتسعى من أجل مهمات تكتيكية مشتركة عبر التطور. وأخيرا لماذا يقلل سلامة من أهمية الخلاف مع الاتجاه الليبرالي حول الموقف من أمريكا أو العامل الخارجي؟ أليست هي نفس الطريقة في تشويه حقيقة الموقف المعارض للنظام بعرض موقف تيم وتشويهه بتلك الطريقة؟ أسأل الرفيق سلامة عن دلالات الجملة (ليبدو أن الخلاف مع الإعلان …الخ)  أين يبدو من حقيقة الأمر؟ هل تقصد كامل تيم بهذا أم بعض أطرافه؟ فلنتقدم قليلا ولنرَ بماذا يستبدل سلامة كل هذا ((يجب أن يتم التركيز على مجمل الأهداف معا، دون أولوية بالمعنى الضيق، الذي يفضي إلى الوحدانية)) ((أمّا في النشاط السياسي فإن الأولوية لتأسيس تحالف استراتيجي يقوم على مطالب الطبقات الشعبية وتأسيس نظام ديموقراطي علماني ومواجهة المشروع الامبريالي)). بربكم من هو الذي يعاني من تشوش ومن مشكلات فكرية عميقة؟ كما يتهم سلامة أهل تيم! أليس الاستراتيجي وتحالفاته وجبهته هو الأكثر صعوبة في التحقق وحتى ما ينضج يحتاج إلى مدى زمني أبعد؟ إن كان على مستوى النخبة والتعبيرات  السياسية، وهو أكثر صعوبة وبعدا زمنيا إن كان في المستوى الاجتماعي الطبقي، وأنا مضطر لهذه الطريقة التفصيلية في الحوار لأن سلامة كالعادة لم يحدد بدقة مقاصده. أليست الأولوية السياسية في هذه الحالة وفي كل حالة، ما عدا لحظات التطابق ـ أليست هي للتكتيكي دائما؟ ثم هل هناك تناقض؟ أو بمعنى آخر ألا يمكن الجمع بين التكتيكي وحركته التراكمية الانتقالية وبين العمل على الاستراتيجي؟! كيف يمكن التركيز على مجمل الأهداف معا؟ ألا يرمي هذا الكلام السهل بكل الحركة النسبية جانبا لتحل محلها الحركة المطلقة كما هي مشتهاة في الذهن والارادة والوعي الطوباوي؟! ألا تتقدم التناقضات والصراعات لتعطي إمكانية وضرورة في التركيز على مهمة أكثر من أخرى لأنها معطاة بالمعنى الموضوعي والتاريخي، أي بالمعنى البرنامجي؟ ومن ثم لتحصل الانزياحات والتغير في الأولوية؟! أمّا أن نبدأ السياسي بالتركيز على الاستراتيجي، وعلى تأسيس نظام ديموقراطي علماني ومن ثم مواجهة المشروع الامبريالي؟! فأعتقد أنه نمط من التفكير المقلوب تماما وإما أن صاحبه حالم وطوباوي، أو لا تعنيه حركة التاريخ بتعقيداتها النسبية، يتفرج وينتظر لحظة التطابق الاستراتيجي والتكتيكي، أو أنه يريد توجيه الاتهامات غير الصحيحة لتيم لتشويه صورته على الأقل.
ـ وعلى اعتبار أن سلامة يعرف أن النظام مرة هو مشجب تعليق السياسات السيئة، وأن الليبرالية في إعلان دمشق هي المشجب الآخر، والطرفان هما أقصر الطرق لتشويه سمعة تيم وأطرافه، التي تتخبط بين البورجوازيين بشتى صنوفهم!؟ لهذا يجمع سلامة اتهامات الاتجاه الليبرالي الأكثر تطرفا وسوءا وثأرية تجاه تيم وبعض أطرافه تحديدا حزب العمل، كما يجمع اتهامات الطرف الآخر، اليساري القصوي الحالم أو اللفظي المتفرج على الأحداث مكتفيا بالاتهام، وهنا في الحقيقة تصيبنا الدهشة بذلك التقاطع مع اتهامات النظام لبعض أطراف تيم التي حاولت ولا تزال تحاول عملا تحالفيا جديا وصادقا على الصعيد الوطني الديموقراطي مع تيم؟! يقول سلامة: ((ما يطرحه التيار الليبرالي هو ديموقراطية توافقية، وليس ديموقراطية حقيقية..  رغم أنه يمكن أن يوجد شكل من التنسيق مع هذا التيار في قضايا الحريات دون الوصول إلى التحالف، نتيجة كل سياساته التي بات يعلنها. وهنا لازالت بعض الأحزاب المشاركة في التجمع مشاركة أيضا في إعلان دمشق، وهذا تناقض مع وجودها في التجمع، وإذا كانت سابقا تبرر وجودها بأنها تسعى لتغيير سياسات الإعلان، فقد توضحت استحالة ذلك، على العكس يسير الإعلان في اتجاه خطر، وهنا يظهر تحديد الديموقراطية كأولوية كم هو خطر في الممارسة، وكم يقود إلى مزالق وأوهام وسوء تقدير للوضع.. (لاحظوا قمة الاتهام) والمؤسف هنا أن الرفاق الذين يعملون لأن يكون نشاط التجمع منحصرا في الديموقراطية كمطلب، ويرفضون تجذير المعارضة ضد السلطة، هم الذين يتمسكون في الاستمرار في إعلان دمشق الذي يسعى للتغيير الديموقراطي كما تحدد وثيقته، وهذا يوضح مدى التشوش الذي يحكمنا)).
لا يحتاج الأمر لذكاء كبير كي يعرف القارئ أن المعني هنا هو بالحصر(حزب العمل الشيوعي)، على الرغم من عبارة (بعض الأحزاب)، فالحزب اليساري الكردي في الأساس لم يكن محظورا عليه الاشتراك بالحوارات حول وثيقة الإعلان والمساهمة بتأسيسه، كما حصل تجاه حزب العمل، بالتالي لم يدخل الإعلان لتغيير سياساته، وفي هذه الحالة كان من الطبيعي والموضوعي أن يحاور سلامة حزب العمل الشيوعي صراحة بدون عبارة “البعض” ودون التشويش على تيم. لاحظوا إذن أن الاستقالة هنا لا تحاور تيم، مع ذلك يحّمله سلامة مسؤولية مواقف حزب العمل، بالطبع المواقف التي يتهمه بها سلامة بعد تدبيجها، بينما هي لا علاقة لها بمحتوى تلك الاتهامات! إذن حزب العمل كان موقفه بدخوله الإعلان “تبريريا” ولا أحد يعرف لماذا يبرر وما هي أهدافه الحقيقية؟ ثم حزب العمل في وضعية التناقض في عملية الجمع المزدوج بين الإعلان والتجمع! وحزب العمل يسعى داخل التجمع لينحصر نشاط الأخير في الديموقراطية كمطلب! وحزب العمل يرفض تجذير موقف المعارضة من النظام داخل تيم، على الرغم من تمسكه بوجوده في إعلان دمشق!؟
من نعم الرب أن الأمر لا يتعلق بتيم، وأنا سعيد بهذا لأنه يخفف من مستوى التشويه والسلبية تجاهه، بل يتعلق حصرا بحزب العمل، وطالما أن أهله غير عاجزين عن الرد ومعرفة أسباب الاتهامات التي دبجها وساقها سلامة، أو غير عاجزين عن الحوار عندما يريد سلامة أو غيره، ولدى حزبهم من التاريخ النضالي والفكري والسياسي الغني إلى درجة تسمح بتحقيق أشياء مفيدة دائما للمهتمين المتابعين بخاصة من الماركسيين والديموقراطيين الوطنيين! .
الجميع يعرف بما فيهم سلامة (لكنه يفضل الاتهام !) بأن حزب العمل لم يبرر أبدا عملية دخوله إعلان دمشق على الرغم من كل ما فعلته بعض الأطراف الليبرالية فيه من الكواليسية إلى محاولات العزل والقمع، كله مرفوقا بتبريرات واتهامات مدبجة شبيهة باتهامات سلامة بخصوص موقف حزب العمل من قضية المعارضة والسلطة، لحزب العمل موقف محدد مسؤول ـ مكتوب ـ وفيه انتقادات واضحة لإعلان دمشق ووثيقته، ثم شرحا تفصيليا للأسباب التي تجعله يطلب بنفسه دخول الإعلان وهي لا تتكثف بسبب واحد (محاولة تغيير السياسات)، ثم عمل الحزب مع قوى وفعاليات أخرى على كشف حقيقة الاتجاهات في إعلان دمشق، وحقيقة المواقف، واستطاع مع غيره، خلق معركة حول محتوى التوضيحات وأهميتها في العمل الديموقراطي الوطني، وحول مفهوم الديموقراطية، والبرنامج بجدل علاقة المسألة الديموقراطية بالوطنية، وهو لاحقا لم يبرر أبدا موقفه في تجميد نشاطه، بل سعى بكل جدية وصراحة ووضوح كي لا يصل إلى هذا الموقف، وتقدم للأمانة العامة المؤقتة برسالة مفتوحة قبل عقد المجلس الوطني، حرصا منه على استمرار التحالف، ولا يرى كما يرى سلامة على الرغم من كل ما جرى في إعلان دمشق أن عملية تطور مواقف الأخير مستحيلة، فتركيبته ليست كتلة مصمتة، والشروط متغيرة، ومعركة التوضيحات أكدت ذلك مرة، وليس غريبا أن يحصل هذا مرة أخرى على الرغم من كل ما حصل في وسط الإعلان، خاصة الضعف الشديد أو غياب الثقة بين النخب التي تعبر عن الاتجاهات المختلفة.
أما من أين جاء سلامة بقضية سعي حزب العمل من أجل المهمة الواحدة في البرنامج؟ أين قرأها، متى وكيف لحظها أو سمعها؟! الجميع يعرف بأن حزب العمل قد صدع رأس إعلان دمشق وغيره بجدل المسألتين الديموقراطية والوطنية وهذه نقطة خلاف شديدة الوطء بينهما حتى الآن (بالطبع من السخافة طرح مهمة النضال الطبقي الاجتماعي داخل الإعلان من قبل حزب العمل، فمكانها مختلف!) كما نخاف من التأكيد أن لحزب العمل مهمات برنامجية على الصعيد الاجتماعي الطبقي ، فقد لا يصدق سلامة!؟ وحزب العمل ذو تاريخ طويل بوعي مسألة البرنامج، الانتقالي، الاستراتيجي، الأولوية والمهمة المركزية وانزياح التناقضات والمهمات مع الحركة والتطور. أخيرا الجميع يعرف، إلاّ من يريد الاتهام والتشويه لأسبابه! أن حزب العمل يملك فهما منهجيا محددا بدقة في مسألة المعارضة والمهمة المركزية والتحالفات على طريق الأهداف الاستراتيجية، ويعرف الجميع الثمن الذي دفعه ولا يزال من أجل قضية المعارضة كحزب يدعي أنه يدافع عن مصالح العمال والطبقات الشعبية الأخرى، ولا أعتقد أن سلامة أو أمثاله ، إن وجدوا بنفس الوعي والخطاب قد سبقوا حزب العمل مرة واحدة إلى أي حراك معارض، وأريد أن أوشوش في أذن الرفيق سلامة: أن أكثر من اهتم بالاقتصاد والمطالب المعيشية والكلام الطبقي المعسول هم من الحركة الشيوعية الرسمية ، وبالطبع لا علاقة لهم بالمعارضة للنظام، وأضيف أن إعلان دمشق وعلى الرغم من وجود تيار ليبرالي بورجوازي خارج صف البورجوازية السلطوية سياسيا، إلا أنه إطار معارض جاد على قضية شكل الحكم والسلطة ـ وليس النظام البورجوازي ومحتوى علاقاته ـ  وحصل هذا مرا ت كثيرة جدا في التاريخ السياسي وسيحصل كثيرا ، وحزب العمل قيّم هذا جيدا ولا يزال يقيّمه لإعلان دمشق، على الرغم من وجود بعض الأسباب التي تضر عميقا في العمل الوطني، وترسم حقيقة جدية تلك المعارضة، وحزب العمل كشفها وحرض ضدها، من مثل الروح الثأرية والانتقام في العمل السياسي، والرغبة في حصول التغيير الديموقراطي وُمضّي النظام بالتغاضي عن الكيفية وعمن يحققه، وهنا تندرج وجهة النظر الخاصة بدور الخارج وخطورتها، إعلان دمشق وبكل هذه المعاني أكثر جدية في المعارضة، من منظورات تكتيكية، أكثر من كل اللفظيين المنتقدين، وأكثر من كل المنتظرين المتفرجين على الحركة النسبية وتعقيداتها والخائفين من التلوث (المتطهرين). أما أخيرا فالجميع يعرف داخل وخارج تيم أن حزب العمل يعمل دائما على تجذير موقف تيم كإطار معارض، إنما بكل العقلانية الضرورية، وبفهم للتحالفات لا يتناقض بين وجوده الاستراتيجي في تيم والتكتيكي. بدءاً من التجمع الوطني الديموقراطي إلى التيار الثالث، وعبر إعلان دمشق دون أن يغادره بالضرورة فهذا يتوقف على التطورات في إعلان دمشق بالتفاعل مع الشروط التي تغيرت بوضوح  وستتغير!
ـ وتكمل الاستقالة بخصوص ما يتعلق بالانتهازية في الموقف من النظام وقضية المعارضة: ((لقد جهد بعض الرفاق لفرض علاقة حوار مع بعض الأحزاب (المقصود الحركة الشيوعية الرسمية) رغم أن القرار الأول الذي اتفق عليه (والذي أبلغته إلى كل من قدري وحنين) هو ليس الحوار والتحالف. بل إبلاغهم أننا لسنا تكتل ضد أحد، وأنه يمكن أن ننسق في القضايا العملية المشتركة، أي في المسائل العملية التي تتعلق بقضايا مطلبية، لكن الأمور اندفعت نحو أوهام بالحوار والتحالف، وبالتالي تجاوز أو تجاهل كونها كأحزاب جزء من بنية السلطة، وهذا إضافة إلى أنه لا يحظى بالتوافق وخاطئ، فهو ضار من الزاوية السياسية، لأنه يوضح أننا نفتح خطوطا على السلطة عبر هذه الأحزاب كونها جزء من السلطة، وهذا الميل كان يقود إلى التخفيف من الموقف من السلطة ذاتها، يعطي المبررات لذلك ..بالتالي ليس من الممكن التحالف مع هذه الأحزاب، يمكن اللقاء معها، يمكن التنسيق في قضايا عملية هناك تقاطع حولها لكن ليس هناك إمكانية أكثر من ذلك، لا التحالف ولا الوحدة، وهذا ما تعرفه هذه الأحزاب وتؤسس عليه)).
عدنا مرة أخرى إلى قضية التوافق، التي يفهمها سلامة كما يريد، وبأنها تساوي الإجماع دائما، يا أخي في حالة القرارين المتعلقين بالأحزاب الشيوعية الرسمية، لم يكن هناك توافقا بالإجماع، المشكلة أنك في القرار الثاني لم تكن موافقا، لكن حصل قرار بالتوافق تماما، وكنت تستطيع التحفظ، وليس من حقك أبدا اتهام قيادة تيم بإصدار قرار وتنفيذه دون توافق، أنت تتهمها وكأنها أداة مهزلة في يد عصابة تلعب بها كما تريد، بلا أي ناظم للعلاقات الداخلية، أو بلا أي احترام لها، كان هناك خمس أحزاب وفعاليات، بالإضافة إلى قيادي مستقل آخر غيرك، أو تعتقد أنهم جميعا لا يعرفون ماذا يفعلون، أو ماذا يحصل بهم من قبل “الشيطان”؟!
بقي مشجب الحركة الشيوعية الرسمية، لينشر عليه سلامة غسيل تيم “الوسخ” بعدما فعل ذلك على مشجب النظام، وإعلان دمشق، ومع أنه مشجب أقل أهمية بالمقارنة إلا أن سلامة استثمره حتى النهاية، فالحركة الشيوعية جزء من السلطة، وبنية السلطة، بدون أي فوارق في الموقع من المصالح !، أو موقع اتخاذ القرار!، بالتالي أي علاقة معها هي علاقة مع السلطة بالتوسط ، مدخل إلى السلطة، ويفترض المهادنة في الحوار والمواقف، كم يبدو تيم ” رخيص” سياسيا ليدخل باب الانتهازية إلى النظام من البوابة الضيقة للحركة الشيوعية، ولماذا يحتاج إلى هذا أيها الرفيق سلامة طالما أنك بنفسك اتهمته بوضع فقرة في الوثيقة الأساسية كتأسيس  للعلاقة مع النظام، وطالما أنه قطع أشواطا في المهادنة ووقف عمليات تجذير الممارسة المعارضة، بالتالي هو غير محتاج لوساطة الشيوعيين.. إلاّ إن كنت تعتقد أن النظام نفسه يرفض “استكلاب” تيم الانتهازي، أو أنه لم يقرأ مواقف تيم والميول الفعلية داخله، كما فعلت أنت؟ ها هو سيعرف! ومن يثقون برأيك ينتظرون النتائج في استكلاب تيم الانتهازي؟!.
وبخصوص القرار الثاني تجاه الحوار مع أحزاب الحركة الشيوعية الرسمية، أليس من الأفضل أيها الرفيق سلامة ، أن تنشر أو أن تأخذ فقرات من الرسالة وتناقشها ، من أن تتهم تيم بكل هذه الاتهامات ، أو أن تتصور أطراف تيم أو بعضها على الأقل ، لا تعرف القوى الشيوعية الرسمية ، تاريخا وبنية وطبيعة علاقات بالسلطة ولا تعرف بالتالي ما تريده من الحوار وحدوده الموضوعية والذاتية ، كم هو الاتهام سهل ! بعد هذا الزمن الطويل صحت أطراف تيم على المصالح الانتهازية الضيقة ، وها هي تستعجل العلاقة الانتهازية على كل الجهات ، من السلطة ، إلى إعلان دمشق ، إلى الأحزاب الشيوعية الانتهازية ، هذا هو حقيقة لسان حال سلامة وما يقصده.
لم نر في الاستقالة أبدا أي ضوء أخضر للحوار مع أحد في الوطن السوري من أجل التحالف، كله تقريبا يمكن التقاطع أو التنسيق، أوالتنسيق العملي معه (أستنتج أنه يريد القول هذا تجاه النظام على نفس القاعدة في الفكر السياسي التي قالها تجاه إعلان دمشق في مسألة الحريات، وتجاه الحركة الشيوعية الرسمية في حقل القضايا الاقتصادية والمعيشية والوطنية ، ومع النظام في المسألة الوطنية وحدود التناقضات مع الإدارة الأمريكية!؟ لماذا نسي ذلك، لا أدري ؟!)، ولا أحد يعرف كيف يمكن أن يحصل كل ذلك بدون حوار وأشكال من التحالفات التكتيكية المحددة على صعيد الأهداف والمرحلة والشروط والأطراف السياسية وما تمثله اجتماعيا. إن مفاهيم سلامة لا تعرف إلاّ التحالفات الاستراتيجية والتطابق مع الحركة المطلقة في نهاياتها، والعمل من أجلها، هكذا تبدو على الأقل في الاستقالة؟!.

كلمات أخيرة:
ـ  أيها الرفيق العزيز سلامة، بين قناعاتنا وطموحاتنا ورغباتنا في الثورة من أجل الطبقة العاملة وحلفائها، وإمكانية التحقق مسافة وشروط تملؤها الحركة النسبية بكل تعقيداتها وهنا “الرقص وخطورة الرقص بالتأكيد”.
ـ في الساحة السورية، الحدود الفكرية والسياسية والبرنامجية بين القوى والفعاليات والأطر واضحة ومحددة، على الأقل بدرجة كافية إن لم أقل كبيرة، مما يسمح للمرء المهتم بالشأن العام بأي مستوى أن يختار وأن يعمل ويشارك، وأن يخرج عن ظاهرة المستقل والمستقلين بسلبياتها، وتيم هو خيارك وأمثالك من الماركسيين، ولا أعتقد أن هناك إمكانية لإطار أكثر ديموقراطية وتحصينا، (خاصة أننا لم نبدأ بعد) إن اتهاماتك لتيم في هذه الحالة، واستقالتك والتأثير الذي تريده منها، والمفاهيم التي وردت، تبدو دعوة لا إلى تدمير تيم فحسب، بسبب فظاعة الاتهامات، بل إلى العبثية  و(اللامشروع) بكل ما تعنيه الكلمة.
ـ وإن أردت أن تكون مثقفا عضويا “مستقلا” خارج الأطر، تسهر دائما بعيون يقظة وذهن ووعي منشغلان بقلق على مشروع ومصالح الطبقة العاملة والفقراء، وتمارس النقد حتى حدود التجريح وضرورة الصفاء المطلق والتطهري في المشروع، وقول الهواجس. وهذا شيء مهم جدا وضروري، ويفعل فعله بالضغط على مشاريع وإطارات اليسار لتصحح أخطاءها، وتفتقده ساحتنا السورية مع الأسف الشديد، فإنك تستطيع ذلك، لكن ربما بنهج وممارسة، بروحية كتابة وروحية علاقات مختلفة. بذلك بصورة أساسية، وبعض أشياء أخرى أقل أهمية، تصبح المسألة في الإطار الصحيح، وخارج سياق ظاهرة المستقلين بوجهها السلبي.

مع الود والدعوة الرفاقية للعمل المشترك

فاتح محمد جاموس 17ـ 8 ـ
2008
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى