صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

تحوّلات أميركية شرق أوسطية

null
محمد سيد رصاص
فصلت ساعات قليلة من يوم21 أيار2008 بين توقيع “اتفاق الدوحة” واعلان استئناف المفاوضات السورية – الإسرائيلية في اسطنبول بمباركة أميركية (أوعلى الأقل عدم اعتراض) فيما قبل أسابيع من ذلك عبرت واشنطن عن اعتراضها على فكرة هذه المفاوضات لما جاء رئيس الوزراء التركي الى دمشق معلناً عن استعداد الطرفين لها بوساطة تركية، وهو ما استمرت عليه العاصمة الأميركية لسنتين سابقتين وخاصة بعد انتهاء حرب صيف2006، التي أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي (آنذاك) عمير بيريتس في اليوم الثاني لإنتهائها عن”أنه ينبغي تهيئة الظروف لإجراء محادثات مع سوريا”.
ربما يكون “اتفاق الدوحة” نقطة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط، من حيث كونه يعبر عن اتجاه، تلاقى فيه الدولي (واشنطن) و(الإقليمي) (دمشق) في تبريد بؤرة أزمة رئيسية بالمنطقة (وربما تسكينها وحلحلتها) بعد أن انعكس صدامهما، بين عامي2003 و2004 بشأن العراق المغزو والمحتل، في اشعال بلاد الأرز منذ صدور القرار1559 في يوم 2 أيلول2004، وفي مساهمة واشنطن (ولو عبر أبعاد محلية) في تفشيل تفاهمات لبنانية سابقة، مثل التي جرت في جدة بشباط2007 بين بعض قوى الموالاة والمعارضة، كماأن هذا يطوي صفحة أميركية كانت فيها واشنطن تعرقل مبادرات أوروبية (تضمنت انفتاحاً على دمشق) لحلحلة الأزمة اللبنانية، كماجرى من قبلها حيال مبادرة الفرنسيين في شهر تشرين الثاني2007 قبيل أسابيع من انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق، فيما رأيناها بشهر تموز2008 تغطي الإنفتاح الفرنسي على العاصمة السورية، وأيضاً تظلل بظلها مشروع الإتحاد المتوسطي الذي طرحه الرئيس ساركوزي بمايتضمنه من دور محوري لشرق المتوسط وأوله سوريا. لايعني هذا أنه لم يكن لدول أخرى دور محوري في الوصول إلى “اتفاق الدوحة”، مثل ايران. إلاأن دوافعها لم تكن تتجاوز نطاق تبريد بلاد الأرز وعدم دفعها للإشتعال بفعل ماقام به”حزب الله”في يوم9 أيار2008، ومايمكن أن يولده هذا الإشتعال من انعكاسات على المنطقة العربية كانت ستساهم في زيادة عزلة طهران الداخلة في أتون أزمة ساخنة مع واشنطن منذ ثلاث سنوات. وهي، إذا أريد الدقة، ليست أكثر من دوافع وقائية لم تؤدِّ إلى قبض العاصمة الإيرانية مكاسب من “اتفاق الدوحة”، وإنما هدفت إلى تفادي وضع كان أسوأ للمصالح الإيرانية، فيما كان وضع السوريين مختلفاً. لذلك رأينا، استمرار الأزمة الإيرانية مع الغرب، الأميركي والأوروبي، في مرحلة (ما بعد الدوحة)، إذا لم يكن تفاقمها، بينما فُتحت على إثر “الدوحة” صفحة جديدة للعاصمة السورية مختلفة تماماً عن صفحتي مابعد بغداد2003 وما بعد بيروت2005.
في المقابل، فإن هناك تحولاً أميركياً محورياً آخر، يتمثل في رعاية أميركية جديدة منذ خريف2007 لعملية تنامي الدور الإقليمي التركي بالمنطقة، بعد إدارة واشنطن ظهرها لأنقرة طوال الفترة الفاصلة عن يوم 1آذار2003 لمارفض البرلمان التركي السماح بفتح جبهة شمالية أمام القوات الأميركية المتحفزة لغزو العراق، وهوما أدى إلى حظوة لأكراد العراق عند واشنطن على حساب الأتراك. وقد تُرجم هذا التحول الأميركي الاخير في تعاون استخباري وعسكري من قبل واشنطن مع أنقرة ضد “حزب العمال الكردستاني” وفي تغطية أميركية لإجتياحات أنقرة لشمال العراق رغم احتجاجات طالباني والبارزاني الحليفين لواشنطن، ثم في طي موضوعي الفيديرالية والإستفتاء على مصير كركوك الذي كان مقرراً في الشهر الأخير من عام2007 حسب الدستور العراقي، وصولاً إلى اقرار البرلمان العراقي مؤخراً قانون انتخابات المحافظات العراقية الذي وجد الأكراد أنفسهم أمامه بلاسند في وجه تحالفات الشيعة والسنة العرب الجديدة (بعد عودة “جبهة التوافق” الى الحكومة) والمظللة برضى أميركي.
أدى هذان التحولان المفصليان، في التوجهات الأميركية، إلى وضع جديد في المنطقة وملفاتها الساخنة: تبريد في لبنان وحلول في الأزمتين الرئاسية والحكومية؛ تهدئة في غزة واتجاه إلى تجاوز سياسة عزل “حماس”؛ تبدلات في المشهد العراقي لمصلحة صورة للعملية السياسية تختلف عن وضعية ما بعد9 نيسان2003 لما رعت واشنطن سلطة عراقية تستند إلى التحالف الشيعي- الكردي، حيث بدأت بالبروز من جديد قوة السنة العرب الذين تقترب قواهم الأساسية (منذ عام2007) من الاميركيين ومن كتل شيعية (“المجلس الأعلى” و”حزب الدعوة”) بدأت بالإبتعاد التدريجي عن طهران وساهمت في تغطية شيعية لعملية ضرب وتحجيم “الصدريين” في ربيع 2008 بعدما أصبح الأخيرون المرتكز الرئيسي لإيران في وسط شيعة العراق منذ عام2005، فيما أصبح ظهر الأكراد العراقيين إلى الحائط.
في هذا الإطار، يلاحظ أن هذه التحولات الأميركية الجديدة، على صعيد المنطقة، لم تؤد إلى ابراز دوري الرياض والقاهرة، حيث كان لهما دورلن هامشيان في “اتفاق الدوحة”، بخلاف ماكان عليه المشهد الإقليمي منذ خريف عام2006 إثر انتهاء حرب12 تموز عندما برز دور العاصمتين السعودية والمصرية مع طرح الإدارة الأميركية إستراتيجية “معتدلين ضد متطرفين”، إلى درجة وصل فيها ذلك الى حدود أن يتم ايقاف أحداث23-25كانون الثاني2007 ببيروت عبر جهد سعودي- ايراني، فيما بدأ بالبروز، بالتوازي مع ذلك الدور السعودي، دور مصري في الأزمة اللبنانية خلال مجرى عام2007 لم يكن معهوداً منذ أواسط السبعينات – لم يكن دور السيد عمرو موسى ببعيد عن ذلك – لما طغى الدور السوري على ماعداه، إلى درجة أن الترشيح العملي للعماد ميشال سليمان كان من خلال زيارة لمصر واجتماع مع الرئيس مبارك في صيف2007.
في الاجمال، يلاحظ أن هذه التحولات الأميركية الجديدة ترتبط بإزدياد التعثر الأميركي في المنطقة، واقتراب استراتيجية واشنطن، الموضوعة مع غزو العراق “لإعادة صياغة المنطقة”، من الفشل، حيث كان التحول في اتجاه الإعتماد على “المعتدلين العرب” مرتبطاً بتبدل المشهد الإقليمي ضد الاميركيين في ضوء نتائج حرب2006 وباضطراب العراق المتزايد بعد أربع سنوات من تجاهل واشنطن مصالح القاهرة والرياض وباقي دول الخليج العربي والأردن في خططها الخاصة بالعراق المغزو والمحتل، لتأتي هذه التحولات الجديدة من قبل العاصمة الأميركية في اتجاه دمشق وأنقرة لتكون نتائجها أكثر جذرية من تلك بتأثيراتها، بحكم ازدياد اختلال المشهد الإقليمي المتزايد لغير مصلحة واشنطن وفي ضوء ازدياد قوة طهران الإقليمية.
تتزايد السخونة من قبل الغرب، الأميركي والأوروبي، حيال العاصمة الإيرانية بالتزامن مع أشهر من الإنفتاحات والإتفاقات والتهدئات وفتح صفحات جديدة في اتجاه عواصم معينة بالمنطقة: فإلى أين سيؤدي كل ذلك؟
(اللاذقية)

(كاتب سوري)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى