صفحات سورية

مفاجأة البوكمال

جورج علم
تكمن المفاجأة في التوقيت والمكان والإعلان، وهي عناصر كفيلة بأن تجعل من الاعتداء الاميركي على منطقة البوكمال على الحدود السورية ـ العراقيّة حدثا يحسب له حساب كون الفعل سيؤدي حتما الى ردّ فعل، والمفاجأة ربما استولدت مفاجآت.
وما صدر من ردود فعل من الجهات المعنيّة إن من الاميركيين او السوريين والعراقيين لا يشبع نهم المتعطشين الى معرفة حقيقة ما جرى ويجري، ورمزيته وعمق خلفياته. وما صدر كان أشبه بروايات متناقضة يشوبها الكثير من الثغرات، بحيث تترك المجال خصبا للمزيد من الأسئلة، هل ما جرى فعل احتجاج على بداية تغيير ما في السياسة السوريّة الخارجيّة، خصوصا مع اقتراب الموعد الافتراضي لزيارة الأسطول الحربي الروسي مرفأي اللاذقيّة وطرطوس، وهل هو موجّه ضد سوريا أم ضدّ الارهاب أم احتجاجا على الوضع السائد على الحدود المشتركة مع العراق؟
وبانتظار ما تحمله الأيام من وضوح وتوضيح، يتحدث البعض عن الفرصة السانحة بعدما فشلت تسيبي ليفني من تشكيل الحكومة الاسرائيليّة، والدعوة الى انتخابات نيابيّة مبكّرة، وتعليق المفاوضات ما بين دمشق والقدس المحتلة حتى إشعار آخر ربما قد يطول الى ما بعد الانتخابات، وقيام حكومة جديدة في تل أبيب. إنه الوقت ـ الفراغ الذي ربما وجدته الإدارة الاميركيّة سانحا لكي تدخل على الخط، وتقوم مرّة إضافيّة ببعثرة بعض حجارة الدمى على مسرح الشرق الاوسط.
وآخر المتداول أن واشنطن شاءت العمليّة واختارت التوقيت لتحييد الانظار عن مؤامرة تهجير المسيحيين العراقيين بعدما تحوّلت إدارة الرئيس جورج بوش الى هدف للتصويب ضد سياستها في المنطقة والتي أدت الى ما أدت اليه في العراق من تفتيت وشرذمة، فضلا عن الخراب والدمار، خصوصا وان دوائر الفاتيكان تتصدّر قائمة المنتقدين لهذه السياسة ومفاعيلها، فضلا عن الامم المتحدة وعواصم الدول الاوروبية.
واللافت هنا ان ردود الفعل جاءت خجولة مقننّة لتسجيل موقف فقط بعيدا عن التشهير بعدما تقاطعت معلومات من مصادر غربية على القول بأن الإسرائيليين يقفون بقوة وراء هذا المخطط، ولهم الدور المحوري إما مباشرة، او من خلال التعبئة والتحريض، وحضّ العناصر الإرهابيّة المتشددة على التمادي في المخطط التهجيري لإنجاز الكثير من حلقات المؤامرة حتى يحقق المسلسل مبتغاه.
ويرى البعض ان الواقعة قد وقعت، وهي »حمّالة وجوه، وجسمها لبيس«، وقادرة ان تتكيّف وتتأقلم مع شتى أنواع الاجتهادات والتحليلات، إلاّ أن دوائر دبلوماسيّة أوروبيّة تجزم على أنها رسالة عميقة المدلولات ليس الى سوريا وحدها بل وأيضا الى العديد من دول الجوار للعراق، ومضمونها دعوة ملحاحة لتصحيح مسار يأخذ بعين الاعتبار ترتيب الداخل العراقي أمنيّا وسياسيّا وفق العروض الاميركيّة السخيّة هذه الايام، هذا فضلا عن التركيز الدائم على أولوية مكافحة الارهاب وهو العنوان الذي يشغل دمشق في هذه المرحلة، ويتصدر اهتماماتها منذ فترة غير قصيرة، وجاءت المواقف الإعلاميّة التي عبّر عنها الرئيس الأسد لتشير الى البوصلة والاتجاه معا.
وفي الخلاصة الدبلوماسيّة ان سوريا لم تعد في موقع الضعف ولا في موقع العزل ولا في موقع الاستفراد، وإذا كان الفعل في البوكمال قد اصبح جليّا بنتائجه، فإن ردود الفعل متأرجحة بين احتمالين لا ثالث لهما، إما فرار شياطين الارهاب من معاقلها ومن كل حدب وصوب مستهدفة ليس فقط المصالح الاميركيّة بل الكثير من المصالح الغربيّة، وإما ان ترسي »المناقصة« الدوليّة على تكليف سوريا بمسؤوليات أعم وأشمل لمكافحة الارهاب، وفي الحالين لن يكون لبنان بمنأى عن الارتدادات، إذا كان بمنأى عن مسرح العمليات.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى