صفحات الجولان

الوقوف بحزن على بابك يا جولان

null
زياد خداش
هأنذا أقف بحزن على بابك يا جولان، أنا وشجرة زيتون صغيرة زرعتها في عيني أو زرعتني هي في ساقها. قادمان نحن اليك يا جولان لنصنع من تركيب التفاحة على الزيتونة معجزة وطنية وشعرية وانسانية، يقال في عالم الزراعة انه من المستحيل علميا تركيب الزيتونة على التفاحة، لكن من قال ان العلم يفهم لغات القلب والوجدان والروح؟ على العلم أن يتنحى جانبا، امام شؤون القلب ونداءات الروح، لأنني سبق وركبت غصن زيتونة فلسطينية على ساق نخلة عراقية، وتشهد على ذلك الشاعرة العراقية المغتربة بلقيس حسن. ممنوعان من الدخول اليك نقف يا جولان الآن، الزيتونة وأنا، على بابك بأمر من أرعبهم حبنا ونصنا وتاريخنا ولغتنا وسماؤنا الواحدة التي شقوها نصفين، هل تشق السماء الى نصفين؟؟ كيف؟ يبدو ذلك مستحيلا الا اذا آمنا انه بالامكان نشر البحر بالمنشار، أو قص الهواء بمقص. يا جولان: ايتها البهية، طيبة القلب، كريمة الروح، لماذا يمنعوننا من دخولك؟ لماذا يخيفهم أن نلتقي؟ ألهذا الحد يبدو رقصنا وشعرنا ورسمنا واغنياتنا في عينيك اشارة متماسكة وعلامة عميقة على قدرة الفنون على ارباك الغطرسة الاحتلالية واقلاق نومها الاسود؟ يا جولان ايتها العربية حتى الحزن، النظيفة حتى السماء، الجميلة حتى الجراح، احضرت لك معي رسائل من تلاميذي، واناشيد من اطفالي، واغنيات من اطفال رام الله، اين سأذهب الان بكل هذه الحمولات يا جولان؟ هل اطيرها اليك مع ريح الجليل، شقيقك الحبيب؟ لو حطت اغنية حنين طرية على كتفك هذا المساء يا جولان فاعرفي انها من طفلة في رام الله، اسمها لين القطاوي. كنت في مكتبة مؤسسة القطان اكتب رسائل الى حسين البرغوثي حين اقتربت مني الطفلة لين ابنة الثماني سنوات طلبت مني ان تلعب على الجهاز، كانت غاضبة ومشوشة بصمت لان الاحتلال منعها من زيارة الجولان مع امها سالي الموظفة في المكتبة، تنازلت عن الجهاز وخرجت الى جهاز آخر في مؤسسة اخرى فقط لعيني هذه الاغنية الفلسطينية الحزينة الممنوعة من السفر. قبل ان اخرج دار بيني وبينها هذا الحوار: ـ ليش ما رحت على الجولان عمو؟ ـ عشان هم منعوني.
ـ مين هم؟ ـ الاحتلال.
ـ طب ليش منعوك؟ ـ لانهم احتلال.
ـ وانا منعوني لانهم احتلال؟ ـ طبعا ـ طب الاحتلال ليش بحب يمنع الناس من الحركة؟ ـ لانه بس احتلال.
ـ يعني هو لو مش احتلال ما بمنع؟ ـ طبعا طبعا يا لين.
ـ لما احنا نحتل احتلالهم راح نمنعهم من الحركة صح؟ ـ صح بس راح نسمح لاطفالهم وشيوخهم لانه حرام.
ـ صح لانه كمان احنا احسن منهم.
ـ صح صح.
سأعود ادراجي الان الى ارض الحب والشعر والندى، مع زيتونتي المتفاجئة، الصامتة، سنلتقي في زمن آخر، همست روح الزيتونة لروح شجرة التفاح، سنلتقي في زمن آخر، ردت التفاحة من بعيد.
في الزمن الاخر لن يكون هناك لقاء، قلت انا لي، لاننا سنكون جسدا واحدا، سماء واحدة، هواء واحد، لن نحتاج الى كلمة لقاء، اللقاء يعني وجود الانفصال، وحضور المسافات، هل نستطيع ان نقول: التقت السماء مع السماء؟ بالطبع لا لانها واحدة غير قابلة للتقسيم، وهكذا سيكون في قادم الايام: ارض واحدة، بسماء عالية وانسان عربي حضاري، علماني، متفتح، نقاشي الذهن، حواري العقل، يرى في ثقافةالاسئلة وغياب اليقينيات والمطلقات علامة اكيدة على مستقبل ازرق.
لاتك انت العلامة والبرهان والبوصلة يا جولان، لانك انت الامتحان والممتحن (بكسر الحاء)، والشاهد والشهيد، فنحن الفلسطينيين ابناء الجرح الكبير الاول دائما بانتظارك، لنشهد معا على اردأ ازمان العرب واقربها الى المسخرة او الكوميديا.
يا جولان: ايها الاصدقاء: يا سميح وليلى وسلمى وبلال وايمن ومعتز وهند ورهام وداوود ونبال واحمد وآمال وعماد وسمير وسليم واملي وصادق ومضاء وسلمان، ووسيم، وفاطمة.
يا كل الجولان، يا شهداءه: هايل وعزت ونزيه وغالية، يا ابطاله الاسرى، بشر وصدقي وهشام وعاصم، لن اقدر على التلفظ بغير كلمة واحدة، مجروحة الحواف، ضخمة الصدى: احبكم.
كاتب من فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى