صفحات سورية

إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية

null

محمود جديد

– يمرّ “إعلان دمشق” في هذه الأيام بظروف معقدة وصعبة ،فهو من جهة يعاني من أزمة داخلية رافقته منذ ولادته ، ولكنّها بلغت ذروتها أثناء انعقاد محلسه الوطني في أواخر العام الماضي ، ومن جهة أخرى يتعرّض لحملة قمعية جديدة من قبل النظام السوري الديكتاتوري تناولت العديد من قيادته …وقبل الخوض في التفاصيل أودّ اعتماد وعرض المنطلقات والأسس التالية :

1 – إدانة الاعتقالات التعسفية التي تعرّض لها بعض قياديي “إعلان دمشق ” ، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع بعض توجهاتهم السياسية ، لأنّ ما جرى هو خنق للحريات السياسية ، وتعدّ فاضح عاى حقوق الإنسان ، ولذلك يجب أن يكون موضع إدانة من قبل أي ديمقراطي حرّ .

2 – إذا كنّا كمعارضة ديمقراطية لا نتعامل مع بعضنا البعض بشكل ديمقراطي ، لايمكن أن نكون ديمقراطيين عندما نكون في السلطة ، ولذلك فمن حق أيّ مواطن التعبير عن وجهة نظره السياسية بشفافية ووضوح بعيداً عن التخوين والإدانة ، ما لم يثبت ما يشير إلى مثل هذه التهمة أو تلك بشكل قاطع وجليّ ، وليس استناداً إلى أحاسيس ومشاعر مبهمة تحرّكها دوافع وغرائز مريضة ، أو ظالمة ، أو جاهلة ، وهنا أقصد الذين يتهمون البعض بالخيانة إلى الخارج ، أو الذين يتهمون الآخرين بالتعامل مع النظام في الداخل ، وبعدم جديتهم بمواقفهم المعارضة له ….

3 – التمييز جيداً بين الخطأ السياسي والخيانة ، ولا يستطيع أي إنسان ، أو حزب أن يدّعي العصمة عن الخطأ مهما كان رصيده النضالي مرتفعاً ، وفي الوقت نفسه لايستطيع أيّ إنسان موضوعي أن ينفي بالمطلق وجود (ولو قلّة)بعض المرتبطين بدوائر أجنبية عن عمالة ،أو مايشبهها ، وما ظاهرة / فريد الغادري / وحزبه إلاّ نموذجاً …

4 – علّمتنا تجارب الشعوب أنّ الأنظمة الحاكمة بممارساتها مع مواطنيها ، وفي كيفية استلامها للسلطة ، والطرق التي تتيحها لعملية تناوبها هي التي تحدّد أسلوب التغيير، وبذلك تتحمّل هذه الأنظمة المسؤولية الأولى عن أيّ ردود أفعال وممارسات المعارضة التي تتبعها للوصول إلى الحكم ….

– عند قيام ائتلاف “إعلان دمشق ” في تشرين الأول / أكتوبر / 2005 بعد مخاض طويل من الحراك السياسي ،داخل القطر العربي السوري وخارجه ، حظي باهتمام واسع بين الأوساط السياسية والمجتمعية السورية ، وتفاعل مع ولادته كتّاب وسياسيّون كثيرون ، ولم تتعرّض وثيقة من وثائق المعارضة السورية للتحليل والنقد كما تعرّض له بيان الإعلان عند قيامه ، ومع ذلك كان موضع ترحيب من أكثريّة الذين اهتمّوا به ، بالرغم من تعبيرهم عن تحفظات كثيرة على مضمون بعض بنوده ، وقد أصدر حزبنا بياناً مفصّلاً حوله ، كما كتبت مقالاً بعنوان :” إعلان دمشق المولود المنتظر …ولكن ..” ، وكان نقدنا مستهدفاً كشف سلبياته ، ونواقصه لتلافيها ، ودرء مفاعيلها ، حتى لايُولَد مشوّهاً ، وبالتالي محاولة صيانته كصيغة سياسية صالحة للبناء فوقها على طريق التغيير الديمقراطي الجذري المنشود … وهذا مافعله واستهدفه الكثيرون غيرنا.

– لقد تركت ظروف ولادة “إعلان دمشق ” بصمات واضحة على هويته السياسية ، وتركيبته الداخلية لاحقاً ، وكان من أهمّ تلك الظروف ما يلي :

1 – الغزو الأمريكي الإجرامي للعراق ،واحتلاله ، وتدمير مقوّماته كدولة ، ورافق ذلك بالإعلان الواضح والصريح بأنّ الهدف الرئيسي لهذا الاحتلال هو : ” إعادة صياغة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح أمريكا في المنطقة والعالم ” ،وهذا ما أعلنه وزير خارجية الولايات المتحدة وقتذاك /كولن باول / في شهادة رسمية أمام الكونغرس الأمريكي …كما صرّح دهاقنة المحافظين الجدد بأنّ المحطة القادمة بعد العراق ستكون في سورية ،وإيران ، وثمّ التوجّه إلى الصيد الثمين في السعودية ، وبعدها إلى مصر التي هي الجائزة الكبرى…..وقد تركت انعكاسات الاحتلال الأمريكي للعراق ، والتوجهات المعلنة للمحافظين الجدد آثارها السياسية في الساحة السورية وغيرها من ساحات المنطقة …

2 – بعد عملية احتلال العراق والدور الذي لعبه الأكراد أثناءها وبعدها ، بدت المسألة الكردية في عصرها الذهبي ، واعتبر الكثيرون من الأكراد أنّ الفرصة التاريخية أصبحت متاحة لهم للسير بخطا ملموسة على طريق تشكيل الدولة الكردية بمساعدة حلفائهم الأمريكان ، وقد حصلوا فعلاً على محاصصة مجزية في العراق سياسياً ودستورياً ، وقد تفاعل الأكراد في بقية الأقطار المجاورة مع هذه المستجدات ، ممّا بعث فيهم حيوية جديدة لم يشهدوا مثيلاً لها في السابق،وزاد من آمالهم في تحقيق مطامح مشروعة ، وغير مشروعة …..

3 – إنّ ظهور قرار مجلس الأمن 1559 بخصوص لبنان ، وخروج القوات السورية منه ، والتضييق على المقاومة ، واغتيال الشهيد : رفيق الحريري ، وتعيين القاضي : /ميليس / للتحقيق في هذه الجريمة، واستهداف النظام السوري وتهديده بسيف الاتهامات الموجهة إليه وبالمحكمة الدولية ….كلّ هذا ، أضاف معطيات جديدة ليلتقطها البعض ويضعها في حساباته ، وتوجهاته السياسية داخل الساحة السورية وخارجها …

4 – محاصرة الشهيد :ياسر عرفات ،ثمّ اغتياله ، وحيازة “فريق أوسلو” على ( السلطة ) ،وعلى م.ت.ف في الساحة الفلسطينية …

5 – تبلور صيرورة جديدة للحزب الشيوعي السوري / المكتب السياسي / بعد خروج قائده المناضل : رياض الترك بعد اعتقال تعسّفي لما يزيد عن 17 سنة ، وبعد عقد مؤتمرهم الحزبي ، حيث انتقل من الماركسية إلى الليبرالية ، كما فعلت العديد من الأحزاب الشيوعية في العالم بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي …

6 – أجرت /حركة الإخوان المسلمين / السورية نقلة مهمة في مسارها السياسي ، حيث عقدت مؤتمراً في الخاج ، وأصدرت وثائق جديدة اعتمدت فيها شكلاً من أشكال الديمقراطية ، وضاعفت من حراكها السياسي في الخارج ، وعقدت عدّة لقاءات في لندن ،دعت إليها أطراف سياسية سورية بهدف بلورة صيغة سياسية ما للعمل المعارض في سورية …

7 – ظهور تيار “ليبرالي” في سورية بعد احتلال العراق متمثلاً بشكل أساسي من عناصر سياسية وثقافية متناثرة عن مختلف الاتجاهات ، وخاصة الشيوعية منها ، وبعضهم بدافع انتهازي ، وقد باشروا في التعبير عن منطلقاتهم الفكرية والسياسية ، وقد أطلق عليهم بعض السياسيين السوريين ب ” الليبراليين الجد ” محاكاة مع ظاهرة ” المحافظين الجدد” في الولايات المتحدة .

8 – ظهور جمعيات مناهضة للاحتلال الأمريكي للعراق ، ومساندة لنضال الشعب الفلسطيني ، كما ازدهرت جمعيات حقوق الإنسان ، بعضها سوري المنشأ ، والآخر يحظى بدعم ورعاية غربية ،كما جرت العادة في بلدان أخرى …

9 – بقاء التجمّع الوطني الديمقراطي على حاله من نقص الفعالية والتأثير ، بالرغم من متابعته الأحداث الداخلية والعربية بمواقف وآراء صائبة ، ومحاولته إيجاد صيغة / لجان إحياء المجتمع المدني / في دمشق والعديد من محافظات القطر العربي السوري ،كما استطاع أن يضم إليه حزب العمل الشيوعي …

10 – استمرار النظام السوري في ممارساته القمعية المعهودة ، وخنق الحريات ، كما تراجع رئيسه الدكتور : بشار الأسد عمّا جاء في خطاب قسمه الأول حول احترام الرأي الآخر ، واعتبر أنّ الآخرين فهموا عبارته خطأً ، وبالتالي بدا هذا النظام ميئوساً منه في قدرته على الخروج من جلده ،والإقدام علىخطوة ديمقراطية حقيقية في القطر السوري …

ولادة “إعلان دمشق” ومسيرته خلال عامين :

كانت ولادة “إعلان دمشق ” مثار الكثير من النقاشات الحادّة والجادّة حول المنطلقات السياسية التي اعتمدها بيانه الأول ، حيث ظهرت أفكار وتعابير جديدة مثل : ” ديمقراطية المكوّنات ” في الشعب السوري ، وقد فهمها البعض بأنّها بديل عن الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة ،وباعتبارها دعوة للمحاصصات الطائفية والمذهبية والقومية والأثنية كما هو جار في لبنان والعراق في ظل الاحتلال ، كما دخلت تعابير جديدة في مسألة الهويّة والانتماء مثل : ” المتّحد السوري ” كبديل عن الهويّة القومية العربية للشعب السوري ، والانتماء إلى ” المنظومة العربية ” كبديل عن الانتماء إلى الأمة العربية …وأقرّ الإعلان بوجود “قضية كردية” في سورية دون تحديد ماهيّة هذه القضية وأبعادها ، وشعر الكثيرون بوجود مدلولات سياسية لذلك على غرار ما هو قائم في العراق وتركيا وإيران …كما تجاهل البيان عن عمد – حسب تقديرنا- التعرّض ، أو حتى مجرّد الإشارة إلى المخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وخاصة فيما يتعلّق بمشروع ” الشرق الأوسط الكبير أو الجديد “، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، واستهداف المقاومات العربية في فلسطين والعراق ولبنان ، كما طالب البيان النظام السوري” بتغيير سياسته الخارجية ” ، وأشار إلى ” العزلة الخانقة التي وضع النظام البلاد فيها نتيجة سياساته المدمّرة والمغامرة وقصيرة النظر على المستوى العربي والإقليمي ..الخ”

وما جاء ذكره هو في جوهر الأمر دعوة صريحة للنظام السوري لقطع علاقاته مع القوى المقاومة في الوطن العربي ،وأخذ دوره كاملاً في جوقة أتباع أمريكا مثل النظام المصري والسعودي والأردني وغيرها …

وعموماً ، فقد واجه “إعلان دمشق ” كما ذكرت سابقاً موجعة واسعة من النقد بهدف تصحيح تشوّهات هذا الجنين مبكّراً قبل استفحالها ، وقد اضطرت قيادة إعلان دمشق إلى نشر وتعميم توضيحات لاحقة ترقّع فيها بعض الثغرات الواردة في بيان الإعلان …ولكن تبيّن فيما بعد أنّ هذه التوضيحات لم تلقَ قبول قوى فاعلة فيه بعد أن وافق ممثلها في الأمانة العامة عليها ، وجرى خلاف حادّ حول اعتمادها أثناء انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق ، كما سنرى لاحقاً …وعلى كلّ حال ، لقد تركت منطلقات وأجواء “إعلان دمشق” وسلوك بعض قياداته بصمات واضحة على مسيرته خلال العامين السابقين ، ومن أهمّ ملامحها وتجليّاتها ، ما يلي :

1 -هيمنة تحالف التيّار الليبرالي مع معظم الأحزاب الكردية ،والعناصر ذات التوجّه الإسلامي على تركيبة “إعلان دمشق” ومسيرته، بالرغم من ممانعة معظم أطراف ” التجمّع الوطني الديمقراطي ” ،وخاصة حزب الاتحاد الاشتراكي ،وقد بدا التمايز واضحاً بين الخطاب السياسي للتجمّع ، والخطاب السياسي لإعلان دمشق من خلال التصريحات والبيانات الصادرة لكلّ منهما ..فعلى سبيل المثال : الموقف تجاه العدوان الإسرائيلي على لبنان عام2006 ،ففي الوقت الذي برز فيه موقف التجمّع مسانداً ومؤيّداً للمقاومة اللبنانية بوضوح دون لفّ أو دوران ، وهجوم صريح على الدور الأمريكي والصهيوني بينما أحجم “إعلان دمشق ” عن فضح الدور الأمريكي في مساندة ودعم العدوان ،وتشجيعه على الاستمرار فيه، وتجاهل بشكل تامّ الإشارة إلى اسم المقاومة اللبنانية الإسلامية ، أو المقاومة الفلسطينية بكلّ أطيافها في تصدّيها للعدوان الإسرائيلي المفتوح في فلسطين ولبنان …كما ظهر بوضوح انحياز إعلان دمشق لقوى 14 آذار في لبنان ، و إقامة علاقات معها ، وهم كما هو معروف أحباب أمريكا في لبنان …

2 -ظهور مواقف القوى الفاعلة في إعلان دمشق المجسّدة في بياناتها الحزبية ،وتصريحات قادتها أكثر وضوحاً وتجاوزاً لما يصدر باسم “إعلان دمشق” ،وهذا دليل على على وجود ممانعة ما كانت تجري داخل اجتماعت هذا الإعلان ، وقد بدت جليّة في بيانات حزب الشعب حول أحداث لبنان ( حروب ، وصراعات داخلية )،والتي لم تكن منصفة ولاموضوعية ، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق…وعموماً ، فقد كان للتيار الليبرالي الدور الأكبر تأثيراً في توجيه الخطاب السياسي لإعلان دمشق …

3 -برزت الأمور وكأنّ “إعلان دمشق ” يحاول أن يسحب البساط السياسي من تحت أقدام التجمّع الديمقراطي ، وربّما السعي لفرطه ،وتماهيه داخل إعلان دمشق ، والتخلّص من هيمنة الأحزاب القومية واليسارية على مسيرة التجمّع…

4 – وضع “إعلان دمشق ” لائحة داخلية ،شعرنا منذ الوهلة الأولى أنّ هدف التيار الليبرالي هو السعي لإشراك أكبر عدد ممكن من المستقلين في المجلس الوطني للاعتماد عليهم في تقويض ممانعة معظم أحزاب التجمع تجاه بلورة الخط السياسي للتيار الليبرالي بشكل كامل ، قولاً وعملاً داخل “إعلان دمشق “…

5 – محاولة التيار الليبرالي في إعلان دمشق وضع اليد على “لجان إحياء المجتمع المدني ” ،واحتوائها وتسخيرها في تدعيم موقفه السياسي وقد نجح في تحقيق ذلك في العديد منها، بعد أن كانت على صلة جيدة بالتجمع الوطني الديمقراطي.

6 – ظهور تناقض واضح بين قيادة التجمّع والتيار الليبرالي وحلفائه في إعلان دمشق ،من حيث تقييم الدور الخارجي والعلاقة به ، والموقف من الشخصيات السورية التي زارت الولايات المتحدة ومقابلة جهات سياسية وأمنية هناك ، وأخص بالذكر زيارة : كمال لبواني على سبيل المثال ، وموضوع قبول دعوة السفارة الأمريكية في دمشق بمناسبة العيد الوطني الأمريكي في تموز 2007 ، والتي استجاب لها شخصيتان بارزتان : هما السيدان رياض الترك ، ورياض سيف ، وما نجم عن هذا الحضور من ردود أفعال داخل الأوساط المعارضة السورية وكانت بمعظمها سلبية نظراً للجرائم التي ترتكبها الإدارة الأمريكية الراهنة في ساحات عديدة من الوطن العربي ، وقد قدّمت للنظام السوري الديكتاتوري ورقة صالحة للتوظيف والاستغلال والتشويه والقمع ضدّ المعارضة السورية …

7 – ظهور جبهة الخلاص كمنافس لإعلان دمشق أحياناً ، أومكمّل له أحياناً أخرى ، وبدت ازدواجية المواقف والمواقع لحركة الإخوان المسلمين ، حتى أنّ الكاتب المعارض الدكتور : برهان غليون استغرب في إحدى محاضراته كيف سكتت قيادة إعلان دمشق عن ذلك ، ولم تعلن فصل الإخوان عقب إعلانها عن تشكيل جبهة الخلاص بقيادة عبدالحليم خدّام ، وقد أكّد موقفه هذا في مقال لاحق ، مع العلم أنّه ليبرالي ومدافع عن الإعلان …

8 – تبلور خطين سياسيين واضحي المعالم داخل إعلان دمشق ، وخاصة فيما يتعلّق بالمسائل الخارجية ، وضمن هذا السياق تمّ التصدّي لوثيقة التوضيحات الصادرة بتاريخ 31/12/2006 الصادرة عن اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق ، هذه الوثيقة التي عالجت الكثير من الثغرات والسلبيات في البيان التأسيسي لإعلان دمشق ، والتي دار حولها النقاش ، ووجهت إليها الكثير من الملاحظات والانتقادات ، غير أنّ تحالف التيار الليبرالي داخل الإعلان وقف بقوّة ضدّ اعتمادها كوثيقة سياسية مكمّلة للبيان الأول لإعلان دمشق ، ممّا كشف أكثر فأكثر ملامح توجهاتهم السياسية …

9 – صدر بيان في دمشق بتاريخ 26/9/2007 ضدّ قرار الكونغرس الأمريكي بتقسيم العراق ، والذي وقّع عليه قياديون من الاتحاد الاشتراكي ،ومن حزب العمل الشيوعي ، وعناصر قريبة من حزب البعث الديمقراطي ، وكوادر من الديمقراطيين الاجتماعيين ، وبعض الشخصيات الوطنية واليسارية السورية ، بينما رفض حزب الشعب ،والأحزاب الكردية ، والليبراليون الجددالمستقلون التوقيع عليه …

— وعلى كل حال ، فإنّ أبرز ما لمسناه خلال العامين المنصرمين من عمر إعلان دمشق ، وحتى انعقاد مجلسه الوطني هو ما يلي :

1 – إنّ بعض الأحزاب ، والقوى و العناصر الليبرالية داخل سورية وخارجها راهنت على العاصفة الأمريكية التي هبّت بقوّة على وطننا العربي في عام 2003 أنّها ستزيل وتكنس العديد من الأنظمة العربية ، ومنها النظام السوري ، وأنّ المقاومات العربية لن تقدر على التصدّي لها في ظل التشتت العربي وضعفه ، ولذلك أسرعت في التكيّف مع المعطيات الجديدة مسبقاً ، وقد صرّح أحد قادة الأحزاب في جلسة حزبية خاصة في كانون أول /ديسمبر/ /2003 ” بأنّ هناك رياح غربية ستقتلع الأنظمة ، وعلينا أن نلاقيها باتجاه وبرنامج ملائمين ” ..وكان عبد الحليم خدّام أحد مَن راهن على ذلك ، وهو المشهور عبر تاريخه برائحة الشمّ السياسي الانتهازية المسبقة والتي تساعده على القفز من هذه السفينة إلى تلك في الوقت المناسب قبل الغرق ، وقد استخدمها عدّة مرّات في حياته السياسية منذ قيام الثامن من آذار /مارس/ 1963 ، ويأتي انشقاقه الأخير ضمن هذا السياق …

2 – رواج أفكار التقوقع القطري داخل سورية وخارجها ، وهي نفسها أفكار ملوك الطوائف في الأندلس التي قرأنا وسمعنا عنها الكثير ، ومن هذه الأفكار مقولة :سورية أوّلاً ، ولننزل عن ظهرنا الهموم والمشاكل القومية ، ونلتفت لبناء سورية ، فقد قدّمنا الكثير من أجل فلسطين ولبنان والعراق وغيرها ، وما حصدنا إلاّ المتاعب والكوارث …وهذه الأفكار تتناغم مع المشاريع الخارجية المعادية التي تستهدف المزيد من تفتيت أمتنا وإضعافها ونهبها …

3 – استهداف مكشوف للانتماء القومي من بعض القوى والعناصر اليسارية السابقة، أو الليبراليين الجدد ، وحتى في أوساط مرتدة عن التيار القومي ، وضمن هذا السياق جرى التشكيك بوجود الأمة العربية من الأساس ، والتنكّر للقومية العربية ، وأصبح استخدام مقولاتها شبهة لصاحبها توجَّه من قبل هؤلاء ، كما تحسّ أنّهم يغصّون عندما يجرّهم حديثهم ،أو مقالهم لذكرها ،وممّا يدعو للاستغراب والدهشة والاستنكار أنّ هؤلاء الذين يحاولون الخروج من جلدهم القومي العربي يتوددون ويتباهون بتحالفهم ودعمهم لقوى من قوميات أخرى رأسمالها السياسي الأساسي تمسّكها بقوميتها ، وتعصبها الأعمى لها ، وهنا أريد التأكيد على أنّني لاأتكلّم من منطلق شوفيني على الإطلاق ،وأحترم وأتعاطف مع المطالب العادلة والمنطقية لمطالب تلك القوميات …

4 – ارتفاع أسهم الأحزاب والقوى الكردية في بورصة المعارضة السورية لسببين أساسيين : الأول ، هو الحصول على شهادة حسن سلوك من الولايات المتحدة وحلفائها ، عبر الإعلان عن التخلّي عن الفكر القومي العربي ، وإبداء الحرص على مصالح الأقليات في الوطن العربي ، وهذه الشهادة صالحة للاستثمار والتوظيف مع الواقع الجديد في ظل الهيمنة الأمريكية الراهنة ومشاريعها المستقبلية ، والثاني : استغلال حيوية الشارع الكردي بهدف توظيفه في النشاط السياسي الميداني للمعارضة السورية التي تفتقر لمثل تلك الحيوية والفعالية …

– وفي ظلّ هذه الأجواء كلّها انعقد المجلس الوطني لإعلان دمشق الذي كان ضروريّاً جدّاً لو كانت أوضاعه الذاتية صحيّة ، وتمّت المحافظة على سريّة انعقاده وأسماء هيئاته القيادية … وهذا ما سأتابعه في الحلقة الثانية من مقالي بمزيد من التفصيل والتوضيح …

– انعقد المجلس الوطني لإعلان دمشق في الأول من شهر كانون الأول /ديسمبر/ 2007 ، بحضور 163ً عضواًمن أصل 222 ، وبمشاركة متميّزة من العناصر المستقلة المتناغمة مع تحاف التيار الليبرالي ، والأحزاب الكردية ( باستثناء الحزب اليساري الكردي ) ، وعناصر مستقلّة من الاتجاه الإسلامي … وابتدأ الصراع داخل المحلس منذ بداية انعقاده ، ودار حول انتخاب رئاسة المجلس التي كان السيد حسن عبد العظيم يطمح لتولّيها ، ولكنّ ترشيح الدكتورة : فداء الحوراني لهذه المسؤولية ساعد على إزالة هذا الإشكال المبكّر ، لكونها سيّدة مناضلة ،نشيطة داخل الساحة السورية من خلال لجان دعم فلسطين والعراق ، وفي الساحة القومية من خلال انتمائها للمؤتمر القومي العربي ، وبذلك تُعتبَر توجّهاتها الوطنية والقومية مقبولة من التيار القومي واليساري المشارك في المجلس ،ولأنها واضحة الرؤية تجاه النظام الديكتاتوري السوري وممارساته من جهة ، ووضوح موقفها السياسي من المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة من جهة ثانية…هذا مع العلم أنّ رئاسة المجلس الوطني هي مهمة شرفية بسبب صعوبة انعقاد المجلس ومتابعة مقرراته ، إضافة إلى أنّها لاتمتلك صلاحيات فردية تنفيذية تزيد عن حجمها كعضو مستقلّ في المجلس ، بينما القيادة الفعلية لإعلان دمشق تتمثل في الأطر والهياكل القيادية المنبثقة عنه ،لأنّها الجهة المخوّلة بقيادته ، ومتابعة التطورات الداخلية والخارجية ، واتخاذ المواقف السياسية المناسبة تجاهها ….وهكذا تمّ انتخاب مكتب رئاسة المجلس من السادة : فداء الحوراني رئيساً ، عبد الحميد درويش نائباً للرئيس ، عبد العزيز الخيّر نائباً للرئيس ، أحمد طعمة أميناً للسر ، أكرم البني أميناً للسر …

– ابتدأت ملامح الخلاف داخل إعلان دمشق عند التحضير لوثائقه في اجتماع 1/11/2007 ، حيث رفض تحالف التكتل الليبرالي المهيمن عليه تمرير أيّة عبارة تتضمّن توصيفاً حقيقياً لدور الولايات المتحدة ومخططاتها في المنطقة ضمن مشروع البيان الذي كان يُعَدّ للمجلس الوطني ، إذ تمّ رفض العبارة المقترحة من حزبي :الاتحاد الاشتراكي ، وحزب العمل الشيوعي وهي ” الوقوف ضدّ مشروع الهيمنة الأمريكي – الصهيوني “” ، وبعد رفضه ، تمّ تقديم بديل عنه العبارة التالية : ” رفض المشروع الأمريكي – الصهيوني .” ولكنّه رُفِض أيضاً ، ولحل هذا الإشكال تمّ تقديم بديل جديد وهو :” المشروع الصهيوني المدعوم من الإدارات الأمريكية “. واكتفى البيان المعتمد ،والصادر باسم المجلس الوطني لاحقاً بعبارة ممسوخة :” العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارات الأمريكية “…وكأنّ أمريكا نظيفة طاهرة ممّا يجري في فلسطين والعراق ،ولبنان ، والصومال ،والسودان …الخ ، وتُعتبَر هذه الصيغة إقراراً ضمنيّاً بعدم الاعتراف بوجود مشاريع أمريكية وصهيونية في المنطقة ، أو على الأقل التغاضي عن وجودها كمحاولة للتكيّف مع المشروع الأمريكي ….

وقد أشارت مذكّرة حزب العمال الثوري إلى القيادة المركزية للتجمّع الوطني الديمقراطي ،بدور ” ما صدر عن حزب الاتحاد ،وكتاباته وتصريحاته قبل انعقاد المجلس ، ومذكرة حزب العمل التي قدِمت لمكتب الأمانة السابقة لإعلان دمشق لعب دوراً ما في نتائج الانتخابات .” مع العلم أنّ حزب العمال الثوري هو بشكل ،أو بآخر أقرب إلى خط التيار الليبرالي في الإعلان . وهكذا عوقِب حزبا الاتحاد والعمل على مواقفهما الواضحة ممّا يجري في فلسطين والعراق ولبنان ، لأن المسألة الجوهرية التي أثارت الخلافات بقيت محصورة بشكل أساسي حول الموقف الواضح والدقيق من المشروع الأمريكي في المنطقة ،إذ لم نسمع ، ولم نقرأ عن وجود خلافات مستعصية الحلّ حول المسائل الداخلية ، لابل كانت السمة العامة البارزة في هذا المجال هي التوافق … بينما برزت المواقف المتناقضة حول المسائل الخارجية ،والموقف بشكل خاص من المقاومات العربية في فلسطين والعراق ولبنان ، والتنكّر لأيّ واجب قومي لقضايا أمتنا العربية ، والأنكى من ذلك هو انحياز” إعلان دمشق” لأدوات وحلفاءأمريكا في لبنان ضدّ المعارضة الوطنية الديمقراطية ، والجحود للمقاومة اللبنانية ،وإنجازاتها ،وبطولاتها التي شهد له العدو قبل الصديق ، وأنهضت انتصاراتها الأمة في كل مكان ، ورفعت معنويات كلّ الشرفاء والأحرار في العالم ، وفي الوقت نفسه وضعت قيادة تحالف التيار الليبرالي في إعلان دمشق عصابة سوداء على عينيها عندما اقتصرت رؤيتها ، واكتشافها الدور الإيراني والسوري في لبنان فقط ( وهو موجود فعلاً) ، وتغاضت عن الدور الأمريكي والصهيوني ، والفرنسي ،والسعودي والمصري …وبذلك لم تكتفِ بالحياد والسلبية غير المبررة، وإنّما اعتمدت خطاً ساسياً منحازاً إلى حلفاء أمريكا ، وبعضهم حلفاء للكيان الإسرائيلي ، وذلك ضدّ القوى الوطنية والمناضلة في لبنان ….

– وعلى كلّ حال ، لقد حسم تحالف التيار الليبرالي أمره مع( المشاغبين) له داخل إعلان دمشق وهم ممثلو حزبي الاتحاد الاشتراكي ،وحزب العمل ، وبعض العناصر الأخرى ، وانتخبت أمانة عامّة جديدة لإعلان دمشق مكوّنة من 17 عضواً هم :

السادة : رياض سيف – علي العبدالله- نوّاف البشير – رياض الترك – موفق نيريبة – سليمان شمّر – سمير نشار – ياسر العيتي – جبر الشوفي – ندى الخش – عبد الغني عياش – وليد البنّي – غسان نجّار – عبد الكريم الضحّاك – وثلاثة أعضاء للجبهة الديمثراطية الكردية ،والتحالف الديمقراطي الكردي ، والمنظمة الآثورية الديمقراطية .

ثمّ قامت هذه الأمانة العامّة بانتخاب هيئتها الرئاسية المكوّنة من خمسة أعضاء هم السادة : رياض سيف – رياض الترك – نوّاف البشير – شيخ أمين عبدي – علي العبدالله . وبعد ذلك قامت هذه الهيئة بانتخاب السيد : رياض سيف رئيساً لها …وهكذا جاءت هذه الهيئة لتقدّم صورة واضحة عن طبيعة التحالفات داخل إعلان دمشق ،وتجسيداً لها….

– حول البيان الصادر عن المجلس الوطني لإعلان دمشق :

– تميّز البيان الصادر عن المجلس الوطني بالاختيار الدقيق لعباراته ، وربّما كانت الأجواء المتوترة داخله عاملاً مهمّاً في هذا الاختيار ، وعموماً فإنّ البيانات الصادرة عن مناسبات كهذه لا تعبّر التعبير الكامل عن المنحى العام الحقيقي الذي تستهدفه القوى المهيمنة عليه ، وقد تكون تصريحات وتفسيرات رموزهذه القوى أكثر دلالة وتعبيراً ، لأنّ صيغ البيانات تتسم بالاختصار عادة ، وعدم الوضوح المقصود أحياناً ، …وبالرغم من ذلك يمكن رصد وملاحظة ما يلي :

1 – الإشارة إلى العبارة :” وإذ ينطلق المجلس من روح وثائق إعلان دمشق جميعها “( التشديد من قبلنا ، وأي تشديد آخر يرد )، وهذا بمثابة التأكيد على البيان التأسيسي الأول الذي أُثيرَت حوله الكثير من التساؤلات والانتقادات …..

2 – اعتبر البيان أنّ من أهداف عملية التغيير” استعادة الجولان من الاحتلال الإسرائيلي …” ، كما اعتبر أنّ عملية التغيير هذه تهدف أيضاً إلى الحفاظ على الاستقلال الوطني وحمايته فإنّها تحصّن البلاد من خطر العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارات الأمريكية والتدخّل العسكري الخارجي …”

إنّ استعادة الجولان مهمّة وطنية مستمرّة حتى تحقيقها ، ولكنّ البيان لم يوضّح كيف وبأية طريقة ستتم هذه الإعادة ، غير أنّ تصريح السيد:رياض الترك لوكالة آكي الإيطالية ، ول/قدس برس/ فسّرالآلية المعتمدة من إعلان دمشق ، إذ يقول :”ونريد حلاًّ لأزماتنا في إطار مصالحنا الوطنية والعربية ، وحلاًّ بالحسنى في الإطار الإقليمي والدولي يستند إلى مبادرة السلام العربية للوصول إلى سلام دائم وشامل وعادل ” ، ثمّ يوجّه نداءً ” إلى جميع القوى الخيرة ، ومنظمات المجتمع المدني ،ومنظمة الأمم المتحدة ، والجامعة العربية والدول الحريصة على أن تخرج منطقة الشرق الأوسط من قائمة البؤر المتوترة ، والعمل على حلّ التناقضات الداخلية والإقليمية والدولية بالحسنى …الخ”

إنّ تبسيط استعادة الجولان بهذه الكيفية يدعو للاستغراب ، أليس احتلال الكيان الإسرائلي للأرض العربية هو جزء من مخطط تنفيذ المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي الذي رفض تحالف التيار الليبرالي في إعلان دمشق الاعتراف بوجوده ، أو تجاهل هذا الوجود ؟ ُثم ألم يسبقهم النظام السوري لسلوك طريق ” الحل بالحسنى ” منذ عام 1970 وحتى الآن ، وذهب بكامل وعيه وتصميمه ومراهنته على ذلك إلى مؤتمر مدريد عام 1991 ، ثمّ فاوض الإسرائليين تحت إشراف / كلينتون/ ورعايته في /واي ريفر/ ، كما شارك في لقاء أنابولس الأخير ؟ وقبل هذا كلّه، قدّم عربون الوفاء لهذا الخيار مسبقاً بمشاركته تحت الراية الأمريكية لإخراج القوات العراقية من الكويت عام1991 ،كما اعتمد هذا النظام ،ولا يزال شعاره القائل :” بأنّ السلام هو الخيار الاستراتيجي ” لحل الصراع مع الكيان الصهيوني ، وهو صاحب مقولة :” السلام الدائم والشامل والعادل” ومن توليفاته المخدّرة ، هذا مع العلم أنّ النظام السوري يملك أوراقاً عربية وإقليمية هامة ، ويجيد استغلالها وتوظيفها ، وبالرغم من ذلك كلّه لم يستطع استعادةالجولان …ثمّ يبرز أمامنا السؤال التالي : هل حرّر العرب متراً واحداً بالحسنى في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها ؟ لا بل ، هل استطاع الحكام العرب بولائهم وتبعيتهم وو…وتوسلّهم لأسيادهم في الإدارة الأمريكية أن يقدّموا الغذاء والدواء والماء والكهرباء للشعب الفلسطيني العظيم المحاصر في قطاع غزة ، وما الموقف اللاإنساني الظالم لأ مبراطور الحسنى في مجلس الأمن مؤخراً حول هذه الأمور الإنسانية ،والتي يشكّل المسّ بها جرائم حرب ،إلاّ شاهد حيّ على عبثية هذا التصوّر …وما نهج فريق أوسلو ، واستجداؤهم الحسنى ، وما جنوه من مهانة على هذا الطريق إلاّ شاهد آخر يدمي القلوب ….

أمّا المبادرة العربية البائسة التي أصبحت مظلّة ومشجباً لكل المستسلمين لمشيئة القدر الأمريكي – الإسرائيلي فقد داسها / شارون/ منذ ولادتها ، وقال عنها :”إنّها لاتساوي الحبر الذي كُتِبَت به .” وهل أقام حكام الكيان الإسرائيلي في لقاء أنابولس الأخير إيّ وزن ، أو اعتبار لها ، كلّ هذا لأنّ منطق الحسنى لا يأبه به أيّ محتلّ مادام مستجديه لايمتلك إرادة المقاومة ،ولا أعدّ لها كلّ ما يستطيع من قوة لاستعادة حقوقه المغتصبة …. أمّا إذا كان الطريق الذي سلكه السادات ،والملك حسين في كامب ديفيد ،ووادي عربة هما النموذجان اللذان يعنيهما ” إعلان دمشق” ،وهنا نقول: إنهما غير صالحين للاقتداء ، فقبول الانسحاب من سيناء من قبل الكيان الصهيوني لم يكن حسنى ، وإنّما بعد بطولات الجيش المصري في حرب تشرين أول / أكتوبر / عام 1973 ، واقتناع الاسرائيليين بأنّ هذا الانسحاب يشكّل استثمارا استراتيجياً مجزياً لهم ، وهاهي أمتنا العربية تقطف ثماره الخطيرة والمريرة في هذه الأيام السوداء التي نعيشها حالياً ، لأنّه أخرج أكبر دولة عربية من ساحة الفعل والقيادة والتأثير في الوطن العربي وتركها أسيرة مكبّلة باتفاقية /كامب ديفد / ممّا قزّم دورها في أحداث المنطقة ، وفي الوقت نفسه فقد أزاح هذا الانسحاب عن كاهل الكيان الإسرائيلي أعباء حدود طويلة مرهقة للجيش الإسرائيلي بسبب بعد المسافة عن المناطق المأهولة في فلسطين المحتلة ،وقساوة المناخ والحياة في سيناء ، كما قدّمت لهذا الكيان مكاسب اقتصادية وأمنية هامة بضمان حصوله على نفط وغاز مصري بأرخص الأسعار ، ورسّخت سيادة مصرية ناقصة على حدودها مع فلسطين ، وعلى مساحات شاسعة من أرض سيناء ، وما يجري على معبر رفح الآن إلاّ شاهد على عجز النظام المصري عن تقديم جندي واحد بدون موافقة إسرائيلية مسبقة ،ونتيجة لتخفيف الأعباء الإسرائلية هذه تمكّن الجيش الإسرائيلي من التفرّغ لحدود وساحات عربية أخرى …

أمّا بالنسبة للجولان فالمعطيات مختلفة ،لأنّه مستهدف إسرائيلياً لموقعه الاستراتيجي ،ولأرضه الزراعية الخصبة ، ولوفرة مياهه ، ولقربه من المستوطنات والمعسكرات والمطارات الإسرائيلية ، وفي الوقت نفسه ، لقربه من مدن سورية هامة ، ومن ضمنها العاصمة دمشق ، والأثر الاستراتيجي والمعنوي لذلك ….

أمّا بالنسبة للنظام الأردني ، فهو معروف منذ ولادته أنّه وُجِد أصلاً لضمان أمن الكيان الإسرائلي من مخاطر حدود طويلة (حوالي 600كم) ، وليشكّل حاجزاً في وجه أيّة جبهة شرقية يمكن تشكيلها ، علماً أنّ الجيش الإسرائيلي عاجز ذاتياً وموضوعياً عن تأمين حماية دائمة لهذه الحدود بسبب نقص القوة البشرية لديه ، وللطبيعة الجغرافية والطبوغرافية المناسبتين جدّاً للعمل الفدائي المقاوم ، كما شكّلت الساحة الأردنية بوّابة اقتصادية وأمنية هامة للكيان الإسرائيلي ، ولذلك فإعادة بعض الأراضي المحدودة يقابلها مكاسب لا تُقدَّر بثمن لهذا الكيان الغاصب ….

– نعود لإلقاء الضوء على ما ورد في البيان الصادر عن المجلس الوطني لإعلان دمشق ، ففي معرض الحديث عن عملية التغيير ذُكِر :” أنّها تحصّن البلاد من خطر العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارة الأمريكية ،والتدخّل العسكري الخارجي ، وتقف حاجزاً مانعاً أمام مشاريع الهيمنة والاحتلال وسياسات الحصار الاقتصادي …الخ”

حبّذا لو وضّح البيان السبل التي تحقق عملية التحصين هذه ، هل هي عن طريق بناء قدرة ذاتية سورية رادعة ، وتحقيق وحدة وطنية راسخة مدعومة بعمق عربي فعّال ؟ أم بواسطة عقد (صلح) مع الكيان الإسرائلي ، والانضواء الكامل تحت المظلّة الأمريكية والانضمام إلى جوقة نظامي كامب ديفد ، ووادي عربة على طريق بناء شرق أوسط جديد ؟ ولكنّ أيّ مراقب سياسي ومتتبّع لما صدر عن إعلان دمشق ،وتصريحات رموزه بشكل موضوعي سيرجّح الاحتمال الثاني ،لأنّ إعلان دمشق أشار في بيانه عن الأوضاع السياسية الراهنة بتاريخ 28/1/2008 إلى ” الحلول العادلة والمنصفة التي تجنّب سورية والمنطقة المخاطر الخارجية .”

– إنّ بيانات إعلان دمشق ،وتصريحات رموزه تؤكّد على مطالبة النظام السوري ” اتبّاع سياسة حكيمة تجاه محيطها العربي والإقليمي والدولي منعاً لمزيد من العزلة ، وتجنّباً لصراعات حادّة تهدّد سلامة الوطن والمواطنين .”

وفي مقابلة مع / آكي / الإيطالية يقول السيد : رياض الترك :” ونحن في سورية شئنا أم أبينا لانستطيع الخروج عن الصف العربي والمحيط العربي ، وبمعنى آخر ، إنّ التحالفات التي يعقدها النظام السوري مع إيران التي لها مشاكل كبيرة ومعقدة ومتعدّدة مع المجتمع الدولي تشكّل عبئاً لايستطيع الشعب السوري أو النظام تحمّله ، ولابدّ لسورية من العودة إلى الصفّ العربي ، والبحث عن سياسة حكيمة قادرة على حلّ التناقضات بين سورية والمجتمع الدولي ” ثمّ يوضح في المقابلة نفسها بقوله :” بأنّ النظام عبء على محيطه العربي والإقليمي في لبنان والعراق وفلسطين .” وهنا بيت القصيد ، ومربط الفرس ، إذ يريد إعلان دمشق الانغماس بشكل كامل في محور حلفاء وأتباع أمريكا ( مصر – الأردن – السعودية ) ، هذا المحور الذي عاش وترعرع في كنفه النظام السوري ، ولم يتركه حتى الآن ، ولكنه تعب من الجري ضمن دائرة هذا المحور حول الحل (بالحسنى) لاستعادة الجولان المحتل ، على أمل أن يقّدموا له دعماً كافياً عند المعلّم الأمريكي الكبير ، ويشفعوا له عند الكيان الإسرائيلي لتحقيق هذا الغرض ، وليستمروا في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي له ليبقى واقفاً على رجليه فوق صدر الشعب السوري لآجال غير محدّدة ، ولكنّه لمس بعد تحرير الجنوب اللبناني على أيدي المقاومة اللبنانية البطلة بدون قيد أو شرط، وانتصار المقاومة في صيف 2006 كظاهرة ترفع رأس كل عربي بقي قابلاً للرفع بعد عهود مديدة من الذلّ والخنوع ، غير أنّ حلفاء الأمس تحوّل دعمهم المنشود إلى ضغوط عليه حتى يعود لمشاركتهم في ارتكاب الموبقات والجرائم السياسية والعسكرية في وطننا العربي من خلال القضاء على المقاومات العربية في فلسطين والعراق ولبنان لأنّها كشفت عوراتهم وعجزهم جميعاً ،ولأنّ المعلّم الأمريكي يطلب ويلحّ على ذلك ليحظى النظام السوري بالبركات البوشية وبشهادة حسن سلوك جديدة على الطريقة القذافية ، ولكنّ هذا النظام لم يستطع تحقيق ذلك لأنّ إقدامه على هذه الجريمة يعتبرانتحاراً مجانياً ، وتعرية كاملة أمام شعبه وأمته وبدون ثمن، وهنا أستغرب تطابق شروط إعلان دمشق مع الشروط والمطالب الأمريكية التي حملها /باول / إلى النظام السوري عقب احتلال العراق ،وأتعجّب من الأوهام التي يحملونها في رؤوسهم لاستعادة الجولان بالحسنى “وتحصين سورية من أي عدوان إسرائيلي مدعوم من أمريكا ” ، وهنا لاأعني على الإطلاق اتهام أحد بالخيانة التي لانتمناها لأي عربي ، وإنّما الإشارة إلى خطأ توجهات إعلان دمشق الخارجية بهدف تصحيحها ، وهذا واجب وطني يتقدّم على أيّة اعتبارات أخرى ….

– إنّ رؤية إعلان دمشق ليست قاصرة سياسياً فحسب ، بل وخطيرة أيضاً ،لأنّها جاهزة مسبقاً لوضع سورية بشكل كامل تحت المظلة الأمريكية ، وبشكل أسرع من وتيرة النظام السوري نفسه ، وهنا أريد التوضيح أكثر ، فمن الخطأ السياسي الكبير مهاجمة النظام السوري في مجال سياسته الخارجية الآن ، لأنّ هذا النظام هو أوّل المستفيدين من هذا الهجوم على الصعيد الشعبي الداخلي والعربي والإسلامي ، فرأسماله الأساسي ( إن لم يكن الوحيد) هو مواقفه التكتيكية الراهنة حيال المقاومات الثلاث من خلال بعض التسهيلات الممنوحة لحركتها ، وحركة وإقامة بعض قادتها ، ولايصل إلى مستوى تقديم دعم حقيقي ، ولكنّ الهامش الإيجابي الذي قدّمه انظام السوري لها بدا أكبر من حجمه الحقيقي في ظل الانحطاط العربي ، والخنوع للمشيئة الأمريكية والصهيونية ، وسياسات الحصار العربي الرسمي لها ، هذا الهامش الذي يمنح النظام السوري أوراقاً قابلة للتداول والاستثمار ليحمي بها نفسه بعد أن عجز عن اللحاق بركب السياسة الأمريكية بالسرعة والشروط القاسية المطلوبة منه قبل استعادة الجولان (بالحسنى) ، وبعبارة أخرى عجز عن ” تحسين سلوكه ” ، لأنّ مقتله كنظام بتحسين هذا السلوك وتسليم الأوراق التي بيده دون مقابل ، إذ سيخسر في هذه الحالة كما يقال ” الدنيا والآخرة” ، ونحن على قناعة بأنّه سيكون على استعداد لتوظيف علاقاته مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، وربّما بعض فصائل المقاومة العراقية من أجلّ جرّها لمستنقع التسوية التصفوية التي يسعى إليها التحاف الإمبريالي – الصهيوني ، أو المساهمة في ضربها كما جرى في عام 1976 في لبنان ، وذلك عندما يتوصّل لإيّ صلح مع الكيان الإسرائيلي الذي يسعى إليه ليلاً ونهاراً ….

– رفض إعلان دمشق التدخّل العسكري في سورية وهذا إيجابي ، ولكن المطلوب تحديد إشكال ” الإفادة من الخارج” ،فإذا كان المقصود هو إبراز قضية المعتقلين السياسيين في سورية ، لدى منظمات حقوق الإنسان ،وما شابهها فهذا مطلب صحيح وواجب دائم على كلّ القوى السياسية المعارضة ، ولكن في حال الوصول إلى الدوائر الأمنية الغربية وخاصة الأمريكية منها كما فعل بعض السوريين الذين زاروا الولايات المتحدة ، أو الذين تمّ استدعاؤهم إليها، فهو عمل خاطئ ومدان ،لأنّه الطريق نفسه الذي اتبعته المعارضة العراقية في البداية ، وقد أدّت هذه الخطوة الخاطئة إلى حرف نضالها عن مجراه الصحيح ،ممّا أوصلها فيما بعد إلى التبعية ، وعمالة بعضها ….فالمنطلقات الخاطئة ولو كانت جنينية في البدء تكبر في عصر الانحطاط تحت ضغط وقمع وديكتاتوريات الأنظمة من جهة ، وتشجيع ومغريات الدوائر السياسية والأمنية الأمريكية من جهة ثانية ، وخاصة في ظلّ العجز الذاتي في تأمين الضغط الشعبي الداخلي المباشرلإجراء عملية التغيير …فالنقاط العشر في الساحة الفلسطينية أوصلتنا بالتدريج إلى /أوسلو/ ، وما بعدها ، وأصبحت هذه النقاط وراء ظهر فريق أوسلو ومن تراث الماضي …وبعض القوى اللبنانية كان لها تاريخ نضالي أصبحت تفتخر بأنّها جزء من المشروع الأمريكي،وقوى وعناصر عراقية كان لها ماض وطني معاد للاستعمار وضعت نفسها بالتدريج في صف التبعية ، وربما العمالة للاحتلال ، وقوى وعناصر سورية يسارية كانت في طليعة المناهضين للإمبريالية أصبحت تكيّف نفسها للتعامل والتعايش مع سياساتها ….

– وعلى كلّ حال ، شكّل الموقف من العامل الخارجي ،وتجليّات هذا الموقف في ساحتنا العرلبية ( فلسطين ،العراق ،لبنان ) نقطة الخلاف الجوهرية داخل إعلان دمشق ،والتي سبّبت تفجير الصراع داخله ،وإبعاد حزبين رئيسيين عن الأمانة العامة لإعلان دمشق ليتسنّى لتحالف التيار الليبرالي حرية العمل داخل إعلان دمشق ، وقيادته بالوجهة التي تنسجم مع أفكار هذا التيار من خلال هيئة رئاسة الأمانة العامة المكوّنة من خمسة أشخاص ،كما أشرت سابقاً ، هذه الهيئة التي أشادت في بلاغ لها بتاريخ 13/12/2007 بحزب الاتحاد الاتحاد الاشتراكي ” للدور الذي قام به إن لجهة إنجاح عقد المجلس الوطني ،أو في تشكيل ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ، واعتباره شريكاً أصيلاً في مسيرة الإعلان ،وتطلعهم للعمل معه من أجل إنجاز التغيير الوطني الديمقراطي المنشود في سورية ،تمنوا على الحزب التراجع عن قرار التجميد ، وقبول نتائج المباراة الديمقراطية الأولى في تجربة الإعلان بروح رياضية …”

وهنا نتساءل هل جرت العادة داخل أي ائتلاف جبهوي أن يجري فيه التصويت بهذه الكيفية التي تمّت ؟ وإن كانت من حيث الشكل ديمقراطية ، ولكن من حيث الجوهر فهي إعادة صياغة إعلان دمشق بالاعتماد على المستقلين لإزاحةحزبين رئيسيين ، وهذا بجوهره عمل غير ديمقراطي لأنّه استعاض عن هذين الحزبين بشخصين مستقلين ، وقد جرت العادة في ظل التحالفات الائتلافية توزيع مقاعد الأحزاب بالتوافق ، ثمّ يتمّ اعتماد آلية ديمقراطية ومنطقية متفق عليها لتأمين مشاركة المستقلين ، لأنّ الائتلاف ليس حزباً ، والعملية ليست انتخاباً مباشراً من الشعب ، والمستقلون قد يأتون ،أويُدفَعون إلى المجيء لحسابات انتخابية أو انتهازية، وفي جميع الحالات لايجوز تجاوز أحزاب رئيسية عن هيئات قيادية لأي عمل جبهوي …وهنا يبرز أمامنا السؤال التالي :ألا يدعو للاستغراب كيف أنّ رئيس التجمع الوطني الديمقراطي ورئيس أكبر حزب معارض ،وبالرغم من الدور الذي لعبه هذا الحزب في تشكيل ائتلاف إعلان دمشق ،وإنجاح عقد المجلس الوطني لايجد له مكاناً في الأمانة العامة لهذا الائتلاف ؟ وكذلك الأمر بالنسبة للمناضل : فاتح جاموس الذي يترأس حزب العمل الشيوعي ، وقضى سنوات طويلة في غياهب سجون النظام السوري يُستبعَد أيضاً ، وهل هذا مجرّد صدفة ؟ وهل تغييب رئيسي حزبين هامين عن الأمانة العامة هو عمل ديمقراطي حقاً في جوهره ؟،وهل قدّمت خدمة لإعلان دمشق ؟ وهنا قد يستغرب البعض تجاهلي لنجاح السيدة:ندى الخش وهي من حزب الاتحاد الاشتراكي ، وبالتالي يُعتبَر هذا الحزب ممثلاً في الأمانة العامة ،وهذا الاستغراب مشروع في الوهلة الأولى إذا نظرنا إلى الأمور نظرة سطحية ،أي لم نعرف خلفية انتخابها ،والتي تستهدف التمويه وحجب الأضواء عن إبعاد شخصيتن قياديتين بارزتين في التيار القومي ،لهما خبرة طويلة في هذا المجال هما السيدان : حسن عبد العظيم ، وعبد المجيد منجونة عن لعب دور فاعل ومؤثر في التأثير على مسيرة إعلان دمشق في ظل قيادته الجديدة، لأنّ السيدة ندى الخش ومع احترامنا لكفاءتها وإمكاناتها لاتمتلك الخبرة الكافية التي تساعدها على سدّ فراغ غياب هذين العضوين البارزين في قيادة حزب الاتحاد، ووزنها السياسي الحقيقي مرهون بمدى تمثيلها لحزبها ،والتعبير عن توجهاته السياسية….

-وأخيراً نستطيع القول : إنّ الخلافات حول وجود ،أوعدم وجود مشاريع أمريكية وصهيونية في المنطقة ، والموقف منها ،والهوية العربية والانتماء ، والتسوية ،والموقف من المقاومات العربية هي خلافات جوهرية ملموسة بين تيارين تبلورا بوضوح داخل إعلان دمشق ، ولذلك من المتعذر الانطلاق معاً بعد هذا التبلور بدون إيجاد أرضية سياسية مشتركة قائمة على الثقة المتبادلة ،والتصميم المشترك على طريق التغيير الديمقراطي الجذري المنشود …وفي حال تعذر ذلك فالساحة الداخلية المعارضة تتسع لأكثر من تيّار ، وتصبح الجماهير الشعبية هي صاحبة القول الفصل تجاه أيّة مستجدّات سياسية تفرض نفسها على كافة الأطراف المعارضة في سورية …

– إنّ انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق عمّق أزمة هذا الإعلان بدلاً من أن يصهره أكثر ، ويدعم مسيرته السياسية ، إذ ضاقت هوامش التقاطع بين تحالف التيار الليبرالي ، والتيار القومي اليساري التي تؤهلهما لاستمرار النضال المشترك لإجراء التغيير الديمقراطي المنشود ، وكان من نتيجة ذلك اتخاذ حزب الاتحاد الاشتراكي قراراً بتجميد عضويته من إعلان دمشق ، وكذلك فعل بعده حزب العمل الشيوعي ، بينما انطلقت القيادة الجديدة لإعلان دمشق لتدافع عن وجهة نظرها حيال ما تمّ ، حيث ترى أن عدم انتخاب ممثلي حزب الاتحاد والعمل لم يكن متعمّداً ، وإنّما كان خياراً ديمقراطياً …

بينما لجأ النظام السوري كعادته إلى نهجه الأمني القمعي في التعامل مع أطراف المعارضة ، حيث أقدم على حملة اعتقالات للعديد من أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق ، وعلى رأسهم المناضلة : الدكتورة فداء الحوراني ، وهنا لابدّ من التأكيد مجدّداً على توجيه أشدّ الإدانة لهذه الاعتقالات ، ومطالبة السلطات السورية بإطلاق سراحهم ،واحترام حرية التعبير ، والعمل السياسي ، وحقوق الإنسان …

– أسرع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في توجيه رسالة تهنئة إلى القوى المشاركة في تجمّع إعلان دمشق ، وممّا جاء في ردّ السيّد رياض الترك على هذه التهنئة بقوله:” لقد قرأت تحيّة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين لنا عبر الأنترنيت ، ونحن نشكره على ذلك ،لأنّه في الحقيقة هو يهنّئ نفسه لأنّه عضو أساسي ضمن تجمّع إعلان دمشق ، ولكنّه مبعد قسريّاً بسبب الظروف غير الطبيعية التي تحرم الإخوان من التواجد السياسي وفق القانون 49 ..الخ( قدس برس 7/12/2007 ) .

وهنا تتأكّد ازدواجية جماعة الإخوان المسلمين في العمل السياسي ، ولا أعتقد أنّ أحداً اعترض على حقها في المشاركة في إعلان دمشق ، ولكنّ الاعتراض والنقد توجّه لها عندما أقدمت على تقديم صكوك الغفران ل/ عبد الحليم خدّام / ، وجهدت لتبييضه سياسيّاً ، والعمل تحت قيادته في جبهة الخلاص ، وسمحت لبيضته التي أودعها في عشها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق أن تفقس ، من خلال رسالة شفهية منمّقة ربّما وجّهها إلى عدة جهات معارضة لتكون القشة التي تحميه مستقبلاً من المحاسبة ، ولضمان موطئ قدم جديد في أي نظام بديل …

– سعت القيادة الجديدة في إعلان دمشق لإيصال صوتها إلى العالم ، وتوضيح توجهاتها السياسية ، وخاصة الخارجية منها ، مستفيدة من ” أمانة بيروت لإعلان دمشق ” الذي يقوده السيد : مأمون الحمصي (نائب سالق في مجلس الشعب السوري والمعتقل لمدة خمس سنوات في سورية) للقيام بنوع من العلاقات الخارجية لصالح الإعلان ، حيث توجّه إلى واشنطن بعد ثلاثة أيام من عقد المجلس الوطني ، ومقابلة عدد من المسؤولين الأمريكيين ،وعلى رأسهم الرئيس :بوش نفسه، ونظراً لأهمية هذه الزيارة ،وجدت من المفيد عرض وتحليل حيثيات هذا اللقاء وما رشح عنه من معلومات :

وفقاً لما نُشِر في موقع “أخبار الشرق ” التابع لجماعة الإخوان المسلمين السورية في الخارج ، فإنّ أوّل المعلومات الواردة حول الموضوع وردت في مقال للصحفي / ديفد شينكر/ في مقال بنشرة “كاونترتيروزم” يوم 8/12/2007 ، وقد أفاد “بأنّ الوفد ضمّ كلاًّ من البرلماني السوري السابق مأمون الحمصي، و الناشط السوري في واشنطن / عمّار عبد الحميد / ، والناشط الكردي السوري المقيم في ألمانيا / جنكيز خان حسو/ (* ملحق مختصر عن عمار عبد الحميد في نهاية المقال ، وعن ديفد شينكر) وبأنّ “القليل ممّا دار في ذلك الاجتماع تمّ معرفته ” ،وأضاف ” قيل أنّ الحمصي وعبد الحميد دعيا في الاجتماع إلى زيادة الضغط على سورية فيما يخصّ حقوق الإنسان “.

وتزيد “أخبار الشرق” في التوضيح فتقول : ” لكنّ مصدراً أمريكياً قريباً من اللقاء أبلغ أخبار الشرق أنّ الرئيس بوش أكّد لضيوفه أنّ المحادثات مع النظام السوري غير متوقعة ، لأن” سلوك النظام لن يتغيّر إلاّ بمعجزة ” وتعتبر أخبار الشرق بأنّ هذا يُعتبَر موقفاً جديدا في السياسة الأمريكية التي بقيت تعلن حتى الآن سعيها إلى تغيير سلوك النظام السوري ، وليس تغيير النظام . أمّا كيف حدث لقاء بوش مع الوفد فيوضّحه المصدر الأمريكي لأخبار الشرق ” بأنّ اللقاء جاء ردّاً على دعوة الوفد السوري إلى مؤتمر أنابولس حتى لايقرأ السوريون الدعوة إلى أنابولس بأنّها انفتاح على النظام السوري الذي ما زال أمامه الكثير ليخوض حواراً مع الإدارة الأمريكية وإنّما كان الغرض من دعوة سورية هو ” دعم الموقف الفلسطيني عند إطلاق عملية السلام “، وتوضح “أخبار الشرق” بأنّ الخارجية الأمريكية هي التي رجّحت كفة دعوة الوفد السوري الرسمي إلى أنابولس ، الأمر الذي أغضب مسؤولين في مجلس الأمن القومي الأمريكي التابع للبيت الأبيض ، وتشير إلى أنّ المجلس المذكور هو الذي دعا إلى هذا اللقاء الذي تمّ يوم الثلاثاء 4/12/2007 ،واستغرق 55 دقيقة “،وتعود “أخبار الشرق وعلى لسان المصدر الأمريكي ليذكر :” إنّ الرئيس بوش أبدى اهتماماً كبيراً بانتهاكات حقوق الإنسان خلال اللقاء ، واستمع باهتمام إلى محدّثيه وهم يؤكدون له رفض المعارضة السورية بكل أطيافها أيّ عمل عسكري ضدّسورية ،وأيّ احتلال أجنبي ،كما استمع إلى تحذير المعارضين السوريين من التعامل مع النظام السوري ،ودعوتهم إلى عزله ،وإلى التعامل مع الشعب السوري ، ووضع حقوقه في صلب اهتمام السياسة الأمريكية ” …

وهكذا يثبت بأنّ دعوة وفد من المعارضة السورية برئاسة الحمصي تمّت عن طريق مجلس الأمن القومي الأمريكي ، وبمبادرة من هذا المجلس ، وبأنّ المصدر الأمريكي الذي اتصل بأخبار الشرق ومبادرة منه أيضاً ليس سوى موظف في مجلس الأمن القومي (حسب تقديري) ، كما اتضح الهدف الأمريكي من ذلك هو ( الزكزكة ) على النظام السوري ، وتوجيه المزيد من الضغوط عليه لتفيير سلوكه في فلسطين والعراق ولبنان ، أي قطع علاقاته مع مقاومات هذه الساحات ، وقد أشار وفد إعلان دمشق إلى هذه النقطة في لائحة المطالب التي قدّمها إلى الرئيس بوش بالفقرة 8 كما وردت في بيانه حول الزيارة ،وفقاً للصيغة التالية :” وضع حدّ لعدوانية النظام على دول الجوار – لبنان. العراق . فلسطين- وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية .” كما شكرت أمانة بيروت لإعلان دمشق الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس جورج دبليوبوش لدعمه الحقيقي لنضال الشعب السوري من أجل الحرية .”

وهنا ، ومن حقي وواجبي أن أوضح رأيي حول هذا اللقاء دعوة ،ومضموناُ ، وأهدافاً بالقول :إنّه من الخطأ السياسي الكبير مطالبة الرئيس بوش بالتعامل مع الشعب السوري وتأمين حقوقه ومصالحه ، لأنّ مَن يدعم ويحمي القتلة والمجرمين في فلسطين المحتلة ، وقتلت قواته ما يزيد عن مليون عراقي ، ودمّر العراق ،وخرّب نسيجه الوطني ، وأمر بالعدوان الإسرائيلي على لبنان ،ودعّمه ، وحماه ….الخ لايمكن أن يكون مؤهّلاً ،ولا جديراً بالثقة لكي يقوم بتأمين حقوق أي شعب على وجه الكرة الأرضية …لأنّ الإدارة الأمريكية ليست جمعية خيرية توزّع صدقاتها وهباتها على الشعوب لوجه الله ، وإنّما تعمل وفقاً لرزنامة مصالحها ، ويبدو أنّ بعض المعارضين السوريين لم يتعلّموا شيئاً من دروس فلسطسن والعراق ولبنان وافغانستان والصومال والسودان ..ولم يشهدوا بأمّ أعينهم ماذا قدّمته هذه الإدارة للشعب الفلسطيني الذي يتعرّض يومياً لجرائم حرب إسرائيلية موثّقة بالصوت والصورة وعلى مرأى ومسمع العالم بأسره ، بالرغم من انجرار أعمى من قبل فريق أوسلو وراء الأوهام المعلّقة على بركات الإدارة الإمريكية التي لم تقدّم شيئاً ملموساً سوى الأسلحة والقذائف الحديثة المحرّمة دولياً للكيان الصهيوني ليقتل ،ويدمّر بها الشعب الفلسطيني في غزة البطلة وغيرها من الأرض العربية المحتلة ، ثمّ تقديم الحماية لهذا الكيان في مجلس الأمن ، ليبقى يعربد بعيداً عن أيّ حساب ،أوعقاب …

كما أضيف هنا بأنّ تعبير المعارضة عن رفضها لأي هجوم عسكري على سورية أو احتلالها ، لن يكون إلاّ نوعاً من تبرئة الذمّة مستقبلاً ، ولن يقدّم أو يؤخّر شيئاً إذا كان المخطط الأمريكي يستهدف ذلك ، فالمصلحة الأمريكية والصهيونية هي التي تقرّر وتحسم ، وهل تستطيع هذه الرغبات أن تمنع الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط من وقف تحركات قطعه لإرهاب شعوب المنطقة ، أولجمها عن أيّ عدوان محتمل ؟… وعلى كلّ حال ، فإنّ تغيير الأنظمة يجب أن يتمّ بقوى الشعوب وكفاحها ، وليس سلعة غربية نستوردها …

وبتاريخ 14/12/2007 صرّح الرئيس بوش :” أصفّق للتشكيل الأخير للمجلس الوطني لإعلان دمشق فإنّ النساء والرجال الشجعان الذين شكّلوا هذا المجلس يعكسون رغبة أغلبية الشعب السوري للعيش في الحرية والديمقراطية والسلام في وطنهم ومع جيرانهم وطالب بالافراج عن المعتقلين …” وفي لقاء صحفي أجرته وكالة قدس برس مع السيد : رياض الترك أعرب عن ترحيبه بهذا التصريح وتابع قائلاً :بغض النظر عن قائلها إن كان جادّاً أو تأثر بهذه الاعتقالات ،لأنّه قام بعمل إنساني نبيل ” وشكر الرئيس بوش على ذلك …فلو كان بوش من أصحاب السوابق في الأعمال الإنسانية النبيلة لتحرّكت مشاعره تجاه المجازر الإسرائيلية المستمرة في فلسطين المحتلة ،ولحاكم جنوده وضباطه وشركاته الأمنية التي تبطش بالأبرياء في العراق وغيرها ، ولما أقام معتقل غوانتنامو والسجون الطائرة …الخ

وتتقاطع “حبهة الخلاص ” في عقد الآمال على الإدارة الأمريكية ، وبشكل متكامل مع إعلان دمشق حيث أرسلت هذه الجبهة رسالة إلى بوش والبابا بتاريخ 3/1/2008 تطالبهما ” بالاهتمام إلى معاناة الشعب السوري ،وناشدتهما التحرّك من أجل تحقيق طموحات هذا الشعب إلى التحرّر والحرية والديمقراطية …واتهمت الرئيس السوري بالتسبّب بالكثير من شقاء الدول المجاورة …الخ ” وما زج قداسة البابا في الرسالة نفسها الموجهة إلى بوش إلاّ للتمويه على الوجهة الأصلية للرسالة ، والمراهنة على الدور الأمريكي في عملية التغيير داخل سورية … علماً أنّ عبدالحليم خدّام كان دائماً تحت الطلب للإدلاء بتصريحات وشهادات يعبّر فيها عن مواقف أشد المتطرفين في تيار الموالاة اللبناني، وعن الانحياز المفضوح ضد المعارضة الوطنية اللبنانية والمقاومة الإسلامية ، وبشكل يتطابق مع مواقف المسؤولين الأمريكيين من الوضع اللبناني …

تجميد حزبي الاتحاد الاشتراكي ،وحزب العمل الشيوعي عضويتهما في “إعلان دمشق ” :

– قبل الخوض في التفاصيل نودّ الإشارة إلى أنّ السبب الحقيقي – حسب تقديري -لعدم انتخاب ممثلين عن حزبي الاتحاد الاشتراكي ، والعمل الشيوعي يعود إلى الاختلاف في الرؤى السياسية مع تحالف التيار الليبرالي داخل ّإعلان دمشق” حول العديد من المسائل التي أشرت إليها في الحلقتين السابقتين من هذا المقال ، ولكن لابدّ من الاعتراف أيضاً أنّ قيادة حزب الاتحاد ارتكبت مجموعة من الأخطاء تتعلّق بتقدير الموقف السياسي داخل إعلان دمشق ، وعدم التحضير الجيد لتأمين فعالية أفضل داخل المجلس الوطني منها :

1 – القبول منذ البداية بهيمنة بعض القوى داخل الإعلان ، وباعتماد لائحة داخلية لاتنسجم مع روحية الائتلافات في العمل المعارض ، وتسمح للمستقلين لعب دور أكبر من حجمهم الحقيقي لصالح هيمنة التيار الليبرالي ، لأنّ التهديد بتجميد العضوية في البداية كان يعطي ثماراً إيجابية أكثر من التجميد نفسه بعد الانتخابات ، ولبدا الخلاف موضوعياً ومبرراً ،بدلاً من أن يبرز على السطح ذاتياً …

2 – ويبدو أيضاً أنّ تقدير الموقف أثناء جلسات المجلس الوطني لم تكن دقيقة ، وبالتالي فإنّ الاختلاف ، وتجميد العضوية كان من الأفضل أن يتمحورحول الأفكار السياسية ، وليس على نتائج الانتخابات .

3 – غياب التنسيق داخل أغلبية أحزاب التجمع من أجل المساهمة بفعالية في تحضير وثائق المجلس وجلساته ، والسعي المشترك لتأمين حشد وحضور كافة ممثلي التجمع في المجلس الوطني …

4 – يبدو أنّ قيادة الاتحاد الاشتراكي ما كانت تتوقع في لحظة من اللحظات أن لاينجح رئيس الحزب في الأمانة العامة لإعلان دمشق ، والذي هو رئيس التجمع الوطني الديمقراطي أيضاً ، أي أنّها كانت تعتبر تمثيله عبارة عن تحصيل حاصل ليس إلاّ، وهي بذلك لم تستطع معرفة النوايا الحقيقية للتيار الليبرالي داخل المجلس الوطني ..

5 – إنّ الخطأ في تقدير الموقف داخل إعلان دمشق جعل قيادة حزب الاتحاد تتفاجأ بما خطّط التيار الليبرالي لجلسة المجلس الوطني ممّا أربكها ، وخاصة عندما فشلت اقتراحاتها في إيجاد صيغة محددة لقيادة جماعية لرئاسة إعلان دمشق لتجنيبها الاستئثار من قبل أي طرف عندما طالبت بجعل رئاسة الأمانة العامة بالتناوب ، أوجعلها جماعية عن طريق هيئة رئاسة … ومن المحتمل أن تكون قيادة حزب الاتحاد قد خططت لأن يكون السيد حسن عبد العظيم رئيساً للمجلس الوطني ، والسيد عبد المجيد منجونة ممثل الحزب في الأمانة العامة ، وعندما قُطِع الطريق على وصول عبد العظيم إلى رئاسة المجلس تمّ ترشيح الاثنين للأمانة العامة ممّا ساعد على تبديد اصواتهما …

وعلى كلّ حال ، حاول البعض أن يُرجِع سبب تجميد حزب الاتحاد عضويته من “إعلان دمشق” إلى نتيجة الانتخاب داخل المجلس الوطني ، وبالرغم من أنّ الصورة تبدو كذلك بملامحها الخارجية ، إلاّ أنّ هذه النتيجة لم تكن سوى الذريعة فقط ، بينما يعود السبب الحقيقي إلى الخلافات السياسية والتنظيمية التي أوصلت الأمور إلى هذه النتيجة …

– أمّا بالنسبة إلى حزب العمل الشيوعي ربّما كان يتوقع أن يكون لمذكّرته القيّمة التي قدّمها للمجلس الوطني فعلها داخل المجلس ، وتترك بصمات إيجابية على توجهاته ، ولكنّ تحالف التيار الليبرالي عاقبه على هذه المذكرة بعدم انتخابه ،وقطع الطريق على تمثيله في الأمانة العامة ،هذا إن لم يكن لاعتبارات أخرى، وبالتالي لم يقدّروا بشكل صحيح التوجهات الحقيقية لهذا التيار ، وتركيبة المجلس الوطني ، كما أنّ تجميد عضوية الاتحاد شجّعتهم على اتخاذ قرار التجميد أيضاً …

وهكذا كانت المحصّلة النهائية لعقد المجلس الوطني سلبية بدلاً من أن تشكّل نقلة نوعية على طريق تعزيز ،وتمتين العمل المعارض من أجل التغيير الديمقراطي الجذري المنشود ،حيث أنّ إعلان دمشق أصبح بعد المجلس بين مطرقة النظام الأمنية ،وسندان أزمته الداخلية ، ولذلك لجأ مؤيدوه في الخارج لمضاعفة نشاطاتهم وتشكيل فروع في العديد من الدول الغربية .

أمّا بالنسبة إلى التيار القومي ، فقد أعدّ حزب الاتحاد الاشتراكي مشروع إعلان مبادئ للحوار الوطني الديمقراطي ، وقام بنشره وتعميمه بهدف إغنائه ” من قبل كافة القوى والأحزاب السياسية ،والشخصيات الوطنية المعارضة داخل وخارج التجمع الوطني الديمقراطي وإعلان دمشق …وذلك من أجل إعادة التأسيس لتحالف سياسي ديمقراطي يضم الطيف الأوسع من المعارضة في سورية بهدف التغيير الوطني الديمقراطي السلمي .” ( كماورد في نص المشروع المقترح).

ويُعتبَر ما ورد في مشروع إعلان المبادئ هذا تطويراً نظرياً إيجابياً لأفكار التجمع الوطني الديمراطي ، و”إعلان دمشق ” ،واستكمالاً للثغرات والنواقص في منطلقاتهما السياسية …

ملاحظات واستنتاجات :

– إنّ أزمة إعلان دمشق الداخلية هي تعبير عن صعوبة الانسجام والتكيّف بين التيار الليبرالي بتوجهاته السياسية التي أشرت إليها في حلقات هذا المقال ، وبين التيار القومي اليساري وأهدافه السياسية وتطلعاته القومية المعادية للمشاريع الإمبريالية والصهيونية ، وخصوصاً بعد أن مرّت إمكانية التعايش بينهما باختبار سلبي خلال التحضير للمجلس الوطني ،وأثنائه ، وظهور النوايا الحقيقية للتيار الليبرالي ..

– يبدو أنّ حزب الاتحاد اختار السير على طريق بلورة تيار معارض أكثر انسجاماً بتوجهاته السياسية ، ومستوعباً الخلل الذي شاب مسيرة إعلان دمشق وساعياً لتجاوزه من خلال خط معاد للتحالف الامبريالي – الصهيوني بشكل واضح ، ومنسجم مع تطلعات الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية في كل مكان ، واهتمام أكبر بمسألة العدالة الاجتماعية، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية والمعاشية والاجتماعية البائسة التي تعيشها معظم الشرائح المكوّنة للمجتمع في سورية ، وتُعتبَر هذه المسألة شديدة الأهمية ،لأنّ تبنّيها ،والنضال الجدّي لتحقيقها سيفسح المجال للجماهير السورية ، ويشجعها على العودة ثانية للعمل السياسي ،وزج طاقاتها في عملية التغيير الديمقراطي المنشود …ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل أقدم حزب الاتحاد الاشتراكي على هذه الخطوة بمبادرة منه فقط ؟ أم نتيجة تفاعل وتشاور مسبق مع معظم أطراف التجمع الوطني الديمقراطي ،والقوى السياسية والاجتماعية الأخرى ؟ وإذا تمّ ذلك فاحتمال نجاحها سيكون كبيراً …

– وهكذا يبدو أنّ التطورات الأخيرة في صفوف المعارضة السورية قد أدّت إلى تبلور تيارين جديدين معارضين يلتقيان في مسألة الرغبة الأكيدة في عملية التغيير ، ويختلفان في مسألةالعدالة الاجتماعية ، والعلاقةوالتناغم مع الخارج ، والموقف من المشاريع الأمريكية – الصهيونية ، والأنظمة التابعة للإدارة الأمريكية ، والمقاومات العربية…ولكنّ هذا التبلور والتباعد بالرغم من سلبيته ، قد يخلق حراكاً سياسياً جديداً ، ويفسح المجال لتنشيط الساحة السورية الراكدة ، ويزج بقطاعات مهمة من الشارع السوري في العمل السياسي …ولكن مهما كانت التطورات يبقى من واجب القوى المعارضة أن لاتفرّغ نضالها في مسارب جانبية ، ويبقى هدفها الأساسي هو السير الجدّي على طريق التغيير الديمقراطي بعيداً عن المهاترات السياسية والاتهامات المتبادلة …

– إنّ المراهنة على الخارج في عملية التغيير ليس إلاّ خطأً كبيراً قد يؤدّي إلى منزلقات خطيرة ، لأنّ الدول العظمى لاتوزّع هباتها بالمجان على الشعوب المظلومة والمستضعفة في العالم ، ومَا المراهنة على تجيير سياسة هذه الدول لصالحه إلاّ ضرباً من الوهم القاتل ، سيجعل صاحبه في المحصلة النهائية ،شاء أم أبى أداة رخيصة بيدها ، لأنّ الطرف الأقوى هو الذي يجيّر الطرف الأضعف لصالحه ، وما الامبريالية الأمريكية سوى المرابي الأكبر في العالم الذي يغرقك بديونه حتى يفلسك ، وبعد ذلك تصبح الخيارات أمامك صعبة ،وتتراوح بين الانتحار السياسي والتبعية ،وربّما العمالة ، ودروس المعارضة العراقية شاهد حيّ طازج ماثل أمام أعيننا ، ولانتمنّى لأيّ طرف سوري أن يمرّ بتجربتها المرّة…ولذلك يجب أن تبقى المراهنة الحقيقية على تنظيم وحشد وتعبئة وتوحيد طاقات شعبنا لتصعيد كفاحها الديمقراطي من أجل التغيير الديمقراطي الجذري المنشود..

وأخيراً ، من المفيد الإشارة إلى أنّ لوحة الصراع في المنطقة متكاملة ، ومن الخطأ الفادح تجزئة رؤيتها والنضال ضدها ، لأنّ عدوّنا واحد هو التحالف الإمبريالي – الصهيوني ، ومشروعه واحد يشمل وطننا العربي ، وما يحيط به من جوار ، ولذلك فإنّ أيّة نظرة قطرية ضيّقة ، ومحاولة تقزيم الصراع لن يجدي شيئاً إلاّ كما أجدى مع ملوك الطوائف في الأندلس ، فنجاح أيّة مقاومة في أيّ مكان من وطننا والعالم هو نجاح لكل صاحب حق مسلوب ،أو مضطهد أينما وُجِد ، وكل مراهنة على إيجاد أرضية مشتركة للتعايش مع المشاريع الامبريالية والصهيونية ليس إلاّ وهماً ،لأنّها تستهدف المزيد من تفتيت وتمزيق أشلاء أمتنا العربية ونهب خيراتنا ، وتأبيد هيمنة أعدائنا على أقطارنا ، وما سعارالتحالف الإمبريالي – الصهيوني وتصاعد عربدته ، وحشدجيوشه في وطننا العربي ، وجواره ، إلاّ دليل على مدى فعالية المقاومة الحقيقية الصادقة لمشاريعه ،حيث أنّ تضحيات وبطولات المكافحين الصامدين من أبناء أمتنا ، وبالتعاون مع شرفاء ومناضلي العالم قد تسرع في دحر العتاة الطغاة ، مهما أبدوا من جبروت وطغيان …فالنصر دائماً حليف الشعوب المكافحة ضد أعدائها مهما طال الزمن…

في : 11/3/02008

****** ****** ****** ****** ****** ******* ******* *******

ملحق توضيحي : – مَن هو عمّار عبد الحميد : هوقاص وشاعر سوري ، ركب موجة الليبرالية عقب احتلال العراق2003 ، وسأفسح المجال له هنا ليعرّف عن نفسه في مقال في نيسان2004 :” ولقد كنت معنياً، وبشكل شخصي، بإطلاق مبادرة أخرى، هي مشروع ثروة، (موقع على الانترنيت) http://www.tharwaproject.com ، المشروع الذي طالما رأيته كواحد من الطرق التي تمكن العالم العربي من مخاطبة مشاكله المتعلقة بأقلياته الدينية والعرقية. وعلى الرغم من إقليمية أهداف المشروع، وعالمية ألوان مجلسه الاستشاري، إلا أن مكاتب مشروع ثروة موجودة في دمشق، وسوف تستمر إدارته من هناك. (تعني كلمة ثروة، الغنى، بالعربية). ترافق إطلاق مشروع ثروة قبل شهر من اليوم، وبشكل غير مقصود، مع أحداث الشغب الكردية الأخيرة التي هزت شمال سورية. وقد تضافر اجتماع هذا الأمر مع الأسماء البارزة في مجلسه الاستشاري (مثل سعد الدين إبراهيم، وهو باحث اجتماعي مصري معروف، وجيل كابيل الخبير الفرنسي في الإسلام السياسسي، وفلينت ليفيريت، وهو عضو في منظمة بروكين المؤسساتية)، إضافةً إلى حساسية موضوع حقوق الأقليات في العالم العربي بشكل عام، لتحقيق صداً ملحوظ للمشروع، وطنياً وإقليمياً وعالمياً. ،( من مقال له في عام 2004 ) وفي عام 2005 توجّه إلى الولايات المتحدة ليقيم فيها ، ومن هناك رصده /زهير العمادي /ليكتب عنه في مقال عنوانه :”أمراء المعارضة السورية وإغراءات الحياة في واشنطن” مايلي :”إنّ آخر القادمين الجدد والطامعين ببريق الشهرة ..والدولارات ، والمنافس اللدود ل/الغادري/ هو اليوم (عمار عبد الحميد ،الذي عيّنه مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط زميلاً زائراً فيه ( وهو المركز الذي أُعطِيَ اسم مموّله الرئيسي الثري الإسرائيلي سابان).بادر المركز الذي الذي يرأسه /مارتين أنديك/(الرئيس السابق لأحد أقوى مراكز اللوبي الإسرائيلي في واشنطن والسفير الأمريكي إلى إسرائيل ومساعد وزير الخارجية الأسبق) لتوظيف جهود السيد عبد الحميد بشكل فوري ،في خضمّ الجهود الهادفة للتحريض ضد سورية والنيل منها ،ذلك عبرإشراكه كأحد المناظرين في ندوة بعنوان “سورية بعد ميلس التي عُقِدت في مقر المركز في واشنطن بتاريخ27/10/2005 ،والتي تملّكني فضول للذهاب إليها والاستماع لما يحمله هذا القادم الجديدفي جعبته ….أدار الندوة مارتين أنديك الذي استهلّها بالتعريف ب/عبد الحميد/ الذي تمّ تقديمه إلى الجمهور وكأنّه/ سيمون بوليفار/ سورية الذي قدم بعد طول انتظار ليحرّر دمشق ،وقيل له أثناء التقديم أنّه ،البطل الكبير”، وأنّه خبير في شؤون الأقليات وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط .”

الصحفي :ديفيد شينكر : هو خبير السياسات العربية بمعهد واشنطن …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى