صفحات أخرىفلورنس غزلان

هل من واجب الفقراء والجياع الصيام في شهر رمضان؟

فلورنس غزلان
كثر الإفتاء وانتشرت أعداد مَن يفتي، صار الإسلام مطية لكل من هب ودب يحق له الإفتاء والمحاسبة ويعتبر نفسه من أهل الحسبة، يقيم الدعاوي باسم الإسلام ،وينصب نفسه حامي شرفه وقيمه من الضياع،  متخذاً من حرفية النصوص قاموساً دون مراعاة لوقت أو مناسبة أو تاريخ،  دون مراعاة لأسباب نزول ولا لفروق مرحلية وتاريخية لا تنطبق على اللحظة الراهنة والواقع…خاصة مع  انحسار الاجتهاد وتقلصه،  يحق لكل من وضع عمامة أو أطلق لحية أن يفتي ويشرع يحرم ويحلل ، يُكَّفِر ويمنح بطاقات جنة وإيمان، فإلى مَن ننصت ولمن نستمع وعلى من نتكل؟…ونخص فيهم  صنيعة أنظمة يهتفون ويدعون باسمها،  ويضربون بسيفها لأن سيوفهم من سلالة” ذو الفقار” أو آل البيت وأهله …فهذا ينتمي لعلي وذاك لعمر،  ونحن ننتمي لأنفسنا ، ننتمي للعقل والمنطق والزمان والمكان الذي نعيش فيه ونتفاعل معه وعلينا تطويره بما يُقدم ولا يؤخر يُنهض ولا يُجهض، يعفو ويغفر ولا يقيم حدوداً،  يُحرر العقل والفكر من شوائب العفن وفيروسات الفهم الخاطيء وسوس الأسلمة سياسية الهدف قبل أن تكون دينية الخلق والتهذيب ، أساس الإيمان وعماده أن يكون ذاتيا بينه وبين خالقه لا للتصدير والتهويل والتخويف والتخوين، أن يكون الدين لله والوطن للجميع، وطن يتسع للاختلاف والتنوع والتساوي دون تمييز أو تفضيل  لعرق أو دين أو جنس أو طائفة، الانتماء للوطن والمواطن الإنسان هو الفاعل والباني ،يؤسس للعام وكأنه خاص ويبني الخاص من أجل العام، ألم يقل تعالى:” لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى” …ثم :” لا إكراه في الدين”.
ليس بيننا من استشير في دينه صغيراً ولا كبيرا، فقد ورثناه كما نرث لون جلدنا وعيوننا،  لا تجعلوا من أنفسكم أولياء علينا وقد خُلقنا أحرارا…لا تفرضوا علينا شريعة أو قانونا لم نصوت عليه بنعم أو لا..بما يوافق وضعنا وزمننا وعالمنا الذي ننتمي إليه، لماذا لا ترتفع أصواتكم يامشايخ التكفير والتحريم والتحليل بوجه العسف والظلم ، بل تدخلون بأكمامكم وتخفون رؤوسكم كالأنعام عندما يتطلب الموقف رجولة …عندما يتطلب الموقف صرامة وألسنة لا تخاف السلطان ، وتسعى لإقامة العدل والقانون الذي اختاره الإنسان.
واليوم أعيد عليكم السؤال وقد أقبل رمضان…وكما تعلمون رمضان كريم، فهلا تكرمتم وتنافحتم لفتوى أهم بكثير من فتاويكم في إرضاع الكبير؟!
هلا فتوتم وخطبتم بأوضاع الفقراء والمحرومين من أبناء وطنكم السوري وكيفية محاربة الفقر وإيجاد حل لأزمة البطالة لدى شبابكم وما يعانوه من مشاكل في سكن صحي وجسد صحيح يجد العلاج والدواء والمدرسة والجامعة والأهم يجد الغذاء،  بدلاً من  تناولكم لأوضاع المرأة وتعلمها ونزولها للعمل وحقها في الانتخاب ومنح الجنسية لأبنائها وإدارة الحياة العامة كشريكة لكم في الوطن، حين تتصدون لمطالبها وتتهمونها بالأمركة لمجرد أنها تحاول الخروج من شباككم في إعادتها لعصر الحريم.
ألا يكفيكم الحديث والإفتاء بمسلسل ” نور ” التركي ؟ …فقد سال الكثير من الحبر في صفحاتكم الورقية والالكترونية ، ناهيك عن خطب الجمعة وكل أيام الأسبوع بما يتعلق بتحريم هذا المسلسل واعتباره ناشر للفساد في الأرض!…ياحُماة الإيمان والإسلام…ألا تسألون أنظمتكم وأنفسكم : لماذا يقبل المواطن على مثل هذه المسلسلات؟…لماذا تهرع الصبايا والنساء والشباب والشيب إليه؟
ألا يعني هذا أن جُل وطننا العربي يعيش خواءً عاطفياً مريعاً؟
ألا يعني هذا أن عليكم أن تكفوا عن وضع التحريم والتكفير أمام الجيل الشاب وتتركوه يقرر ويختار…كُفوا عن الوصاية…كفوا عن اعتبارنا قُصَّر…وما نحن بقاصرين..
اسألوا حكامكم …لماذا تشعر المرأة أنها بحاجة لكلمة حنان ؟ لماذا تسأل زوجها أن يخاطبها مثل مهند لنور؟….لماذا تحلم الفتاة بشاب يحبها كمهند؟ لماذا يحلم الشاب بفتاة مثل نور؟
اسألوا الشيخ العظيم ، الذي أفتى بتحريم الصلاة لمن ترتدي قميصا يحمل صورة مهند أو نور!، لأن الصورة تأتي بالشيطان للمكان وتجعل الملائكة تهرب!!!  …إنها مجرد صورة…فماهذه الملائكة التي تهرب من صورة؟ وكيف تستقطب وتجذب صورة الشيطان رغم أن المصلي أو المصلية يقرآن سوراً وآيات من  القرآن؟ اترك الحكم للقاريء ، الذي تجعلون منه مسخاً لا يستخدم عقله…تستبيحون إنسانيته وتجردونه من التحكيم السليم والرؤيا المنطقية.
لأنكم تضعون أمامه سدوداً من المحرمات، لأنكم تحسبون عليه أنفاسه، لأنكم تركتم أنفسكم وأولادكم يعيشون بوجهين…وجه للخفاء ووجه للحقيقة…على مبدأ :” وإذا بليتم بالمعاصي فاستتروا” فغدا كل ماهو مخفي حلال!!…لأن كل شاب وكل فتاة يرى في الآخر ثعلبا وذئبا يرتدي ثوب إنسان…لأنكم لم تمنحوهم الثقة بالنفس أولا وبالآخر ثانيا…لأن الآخر على الدوام يتربص بهم ويريد بهم شراً!!
فكيف تبنى مجتمعات تقوم على الشك؟ كيف تبنى أوطان يعيش مواطنها بأكثر من سحنة ويرتدي جلداً جديداً لكل مناسبة ؟…بل ويُصدِر الأحكام مثلكم بالضبط ويورثها لأبنائه من بعده…وهكذا ندور في حلقة مفرغة خالية من  حكمة العقل ، تقتصر على تعاليم السلطة والشيوخ التابعين، تهلل وتصفق ولا تحلل وتدرس، تحفظ كتب المدرسة ولا تقرأ رواية ، تدرس لتنجح وتحصل على شهادة( دكتور) …يمنحه لقبا ومركزا اجتماعيا لا يفهم إلا بحساباته البنكية والشفطية والنهبية” مدردح ، تاجر حتى بأعضاء البشر وأجسادهم…تاجر حتى ببيع الوطن ، ينتمي لمن يجعله رابحا على الدوام..” هذا هو انتماء البعث..هذه هي تربية الحزب القائد…وبعد هذا ينعت معارضيه” بوهن عزيمة الأمة وإضعاف الشعور القومي”!!!أين هو هذا الشعور وهو ينهب الوطن ؟ أين هو هذا الانتماء وهو يسرق مصنع ووظيفة من الوطن وأدوية المريض ؟!!أحيلكم على المرصد السوري وسيريا نيوز لمعرفة خفايا الفساد في مشافي اللاذقية ومرفأها وطرطوس وحمص ودرعا…الخ
هذا المواطن ، الذي يخلق وقد رسمت له معالم الطريق  .. وقد خطط له كيف يسير وأي نهج يحميه من شر السؤال واجتياز الخطوط الحمر! أُعدت له الوسائل  ورُسمت الغايات…منكم …من الأهل …من السلطة….من قانون لم يختره…وربما لا يؤمن به…أو يحاول خرقه عند أول فرصة….ويبحث عن طرق مختلفة لهتكه …
لهذا …عليكم اليوم …أن تخرجوا من ثوب اللامبالاة …ألا تديروا الظهر لمشكلة الفقر ومعضلته المخيفة…بل قنبلته الموقوتة…فقد استفحل الأمر…وبات يهدد وينذر بعواقب خطيرة…
سورية مقبلة في العشر سنين القادمة…على مرحلة من جوع يشبه جوع أثيوبيا أيام الثمانينات…وعطش لا يشبه إلا سواه….
لماذا لا تخطبون وتفتون…كيف سيصوم الفقير ، الذي لا يجد خبزا ولا حتى وجبة من المُجَّدَّرة في بيته؟…طبق المجدرة في سورية يكلف مايعادل 400 ليرة سورية،(عماده عدس ورز أو برغل) على هذا الأساس يمكنكم أن تحسبوا ماذا يتناول في إفطاره.!!
في 01/08/2008 وعلى موقع المرصد السوري ونقلاً عن موقع سيريا ستيبس جاء مايلي: قدَّر الدكتور قدري جميل أن الحد الأدنى لمستوى المعيشة الوسطي للأسرة السورية ، أي مايسمى بخط الفقر المطلق يعادل(27160 ل . س ) وذلك في ورشة العمل، التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية السورية، تحت عنوان ” المنعكسات الاقتصادية والاجتماعية لسياسات رفع الدعم” وقدرت الدراسة، أن الفرد يحتاج لمواصلة حياته الطبيعية ل 1400 سُعرة حرارية يوميا من الغذاء الأساسي ، أي يحتاج لما يعادل 97 ل . س يوميا كحد أدنى للغذاء،  وهذا يعني أن الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تحتاج ل( 16296 ل . س)  لتصرفها على الغذاء الضروري فقط للسعرات الحرورية، فماذا يفعل المواطن الذي لا يتجاوز متوسط دخله  العشرة آلاف ليرة سورية ولديه على الأقل ثلاثة أطفال؟
زوروا فقط أحزمة الفقر المنتشرة كالفطر وأحيائه المعدمة حول دمشق ( عاصمة الثقافة لعام 2008)!…زوروا فقط الأحياء التالية:” حي الورود، حي الشهداء، حي تشرين، عش الورور، حي البوابة، بستان بدور، ولا تنسوا مخيم اليرموك ومخيم فلسطين والدويلعة”!
كيف سيمر رمضان على هؤلاء ياشيوخنا الأشاوس؟ ….هل ستنقذهم زكاة فطركم من غائلة الجوع؟ هل ستحل مشكلة البطالة في سورية من تبرعاتكم الكريمة،( التي تبني المساجد والقنابل البشرية المعدة للقتل)  أم من مخططات السلطة للتغلب على الفقر ومكافحته بأساليب ناجعة؟ كأساليب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي تقول أنه” لا يوجد عندنا فقراء، بل ذوي دخل أقل”!!
ماهي الغاية من الصيام؟ أليس الإحساس بجوع الفقير؟، لأن الله الرحيم لا يحتاج لإثبات لألوهيته ووجوده من خلال صيام الفقير الجائع…بل يطالبكم كخطباء مساجد وأئمة جوامع، أن تكون لكم أفئدة وعقول قادرة على الإبصار والتبصر والمساهمة بحل معضلات المجتمع لا تراكمها والتصفيق لسارقي ثرواتها  وفاسديها بتناولكم طعام الإفطار على موائد الرحمن!،  التي يمدونها للتكفير عن سرقاتهم لأن عيار إيمانهم يصاب بانفتاح للشهية في رمضان..
ألا تبحثون عن فتوى تجعلنا نترحم على القرمطي حمدان بن الأشعث؟ ربما تعتبرونه كافرا وخارجا عن الإسلام وشريعته…لكن حكموا ضمائركم في أهلكم، فنسبة الفقر في سورية ومن يعيشون تحت خطه السوري لا العالمي…يزيد على 46% من السكان، فكيف يصوم هؤلاء وفي عز الصيف وحرارة التصحر  تفوق الأربعين؟..أهذه دمشق التي عَدَلَ عن دخولها النبي محمد كي لا يفسده جمالها واعتبرها جنة الله على الأرض؟ هل هي عاصمة للثقافة، أم عاصمة الفقر والتلوث وشح المياه والكهرباء وعاصمة للفساد ؟…لنبكي دمشقنا…فلم يعد لدينا مانقوله…وليس بيدنا ما نفعله…حين يكون حُماتها هم حراميها…وحين يكون شيوخها هم الصامتين المداهنين الأفاقين…
ربما يكون رمضان هذا العام هو رمضان الكفر بالسلطة وشيوخها مُسبقي الصنع.
باريس 18/08/2008
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى