حسين العوداتصفحات سورية

سوريا وأميركا تغيير من طرف واحد

null
حسين العودات
سدت سوريا الذرائع الأميركية كلها دون أن يلين موقف الإدارة الأميركية منها، أو تغير هذه الإدارة سياساتها ومواقفها من العلاقات مع سوريا، ومن الدور الإقليمي السوري، ودون أن تخفف ضغوطها المباشرة أو غير المباشرة على سوريا، أو تلغي العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية عليها، أو حتى دون أن تتجاهل تطبيق هذه العقوبات وهو أضعف الإيمان.
وما زالت تماطل في تعيين سفير لها في دمشق بعد أن فرغت سفارتها من السفير منذ عام 2005، وتُسرب من فترة لأخرى خبراً يوحي بأنها اختارت السفير (العتيد) الذي سيلتحق بالسفارة في الأسابيع أو الأشهر القادمة.
وفي الخلاصة لم تتغير السياسية الأميركية من سوريا تغييراً في الموضوع والبنية، ولم نشهد سوى تغيير شكلي متمثل في زيادة عدد الوفود والمبعوثين الحكوميين وشبه الحكوميين الذين يزورون سوريا، حتى لا يكاد يخلو شهر من زيارة مبعوث أميركي.
ولكن دون أن يترافق ذلك مع زيارات عكسية مماثلة، أي زيارة مبعوثين أو وفود سوريا إلى الولايات المتحدة، أو التلويح بأن الإدارة الأميركية في طريقها لتطبيع العلاقات تطبيعاً جزئياً أو شاملاً، بل عندما صرح سفير سوريا في الولايات المتحدة قبل أسبوعين أن الإدارة ستخفف العقوبات، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية على لسان مصدر رسمي تكذيباً صريحاً لهذه التصريحات ونقداً لا يخلو من القسوة للسفير السوري.
فرضت إدارة الرئيس بوش عقوبات اقتصادية على دمشق خلال السنوات الأربع الماضية، وحاولت فرض حصار سياسي عليها، وأقنعت حلفاءها الأوروبيين بتجميد علاقاتهم السياسية مع سوريا، وهذا ما فعلوه طوال ثلاث سنوات، وعرقلوا توقيع اتفاقات ثنائية بين دولهم وبينها أو بينها وبين المفوضية الأوروبية، بما في ذلك اتفاق الشراكة المتوسطية.
حيث سوريا هي البلد المتوسطي الوحيد الذي لم توقع معه هذه الاتفاقية، هذا إضافة لفرض العقوبات الاقتصادية الأميركية التي شملت الشركات الأميركية، أو الشركات الأجنبية المساهمة فيها هذه الشركات ومنتجاتها ونشاطاتها الاقتصادية، حتى وصل الأمر لتجميد أموال شخصيات سورية أمنية ومن رجال الأعمال أو أثرياء.
وكانت التهمة الأميركية والأوروبية المعلنة هي أنها تدعم (الإرهاب) ممثلاً بحزب الله وحماس والمقاومة العراقية، وتتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، وتقيم تحالفاً (عدوانياً) مع إيران معادياً للسياسة الأميركية، فضلاً عن موقفها تجاه التسوية مع إسرائيل،
لم تجدِ الضغوط على سوريا نفعاً، فلم تكن تأثيرات العقوبات الاقتصادية كبيرة، ولم يشعر الشعب السوري بوجودها سوى في بعض التحويلات المالية، كما أن شبه المقاطعة السياسية الأوروبية لم تكن فعالة، بل ربما أدت إلى موقف سوري يشبه التحدي، ولعل هذا هو الذي دعا الرئيس ساركوزي لاقتراح أسلوب آخر للتعامل مع سوريا قد يكون مجدياً أكثر من أسلوب الضغط والحصار والعقوبات.
وهو أسلوب الحوار، الذي قد يجدي بعد أن أدركت السياسة السورية صعوبات بقائها تحت سيف النقد الأميركي والأوروبي، وربما العداء الأميركي والأوروبي، واقتناعها بضرورة الاعتدال وصولاً إلى تفاهم يعدل الموقف منها، واقترح ساركوزي مباشرة أو مداورة أن تغير السياسة السورية أهدافها، وأساليبها، واقنع السوريين والإدارة الأميركية بأن هذه السياسة مفيدة لكليهما.
وأنها أجدى من المناكفة والاستفزاز، فقبلت الإدارة الأميركية هذا المقترح كما قبلته سوريا، وبدأت على الفور تغيير سياستها في لبنان والكف عن التدخل في شؤونه، وباشرت تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالعلاقات بين البلدين (تبادل التمثيل الدبلوماسي، ترسيم الحدود.. الخ) مما أتاح للسياسيين اللبنانيين حل خلافاتهم وتشكيل حكومتهم وانتخاب رئيسهم وإجراء انتخابات دورية، دون تدخل سوري غير عادي.
وفي الوقت نفسه تصالحت سوريا مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وأقنعت حماس بالتهدئة والاعتدال، وشددّت على تسرب المسلحين إلى العراق وبدأت مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية تركية، وأخذت تعمل جاهدة لتكون علاقاتها مع إيران (مميزة) دون أن تكون تحالفية، وتصالحت مع بعض البلدان العربية.
وقد(كافأت) الإدارة الأميركية سوريا على هذه السياسة بعد تولي الرئيس باراك أوباما مهامه، بأن فتحت الباب للوفود الأميركية الحكومية وغير الحكومية لزيارة سوريا، سواء من أعضاء الكونغرس، أم من وزارة الخارجية، أم أخيراً من القيادة العسكرية للمنطقة الوسطى من الجيش الأميركي في العراق، لبحث ليس فقط مسألة تسلل المسلحين إلى العراق وإنما أيضاً دراسة أمن العراق بعد الانسحاب الأميركي.
وهذا ما استنكره الناطق باسم الحكومة العراقية الذي أكد أن بحث أمن العراق هو من صلاحيات الحكومة العراقية وحدها، وقرر رئيس الوزراء العراقي في إثر ذلك زيارة سوريا.
وهكذا، سدت السياسة السورية الذرائع كلها، ونفذت معظم ما كانت تتمناه الإدارة الأميركية والدول الأوروبية منها، ولم تبق السياسة السورية مزيداً لمستزيد، وحتى الساعة، ورغم هذا، ومع أن الإدارة تغيرت والظروف تغيرت، ما زالت الإدارة الأميركية ثابتة على مواقفها المتشددة تجاه سوريا، فلا هي ألغت العقوبات ولا خفضتها، ولا عينت سفيراً جديداً، ولا أوحت برغبتها في تطبيع العلاقات مع سوريا .
البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى