صفحات أخرى

الدراما السورية: تاريخ وأعلام.. التأريخ يتفوق على النقد

دبي – حكم البابا
يستعرض تقرير “العربية.نت” للكتاب في مادته الرئيسية هذا الأسبوع الكتب الثلاثة التي أصدرها الناقد السوري محمد منصور باكورة سلسلة تهدف إلى تسليط الضوء على الدراما التلفزيونية السورية، عبر رصد تجارب مخرجيها وهي “علاء كوكش: دراما التغيير والتأسيس”، “غسان جبري: دراما التأصيل الفني” و”بسام الملا: عاشق البيئة الدمشقية”، والتي يقدّم من خلالها سواء في اختياره لأسماء المخرجين الذين ناقش تجاربهم في كتب سلسلته الأولى، أو في لهجته المتعاطفة بشكل لا يخفى على القارئ مع تجاربهم، سيرة احتفائية لهم ولأعمالهم، لا يقلل من قيمتها التأريخية أولاً والنقدية تالياً.
كوكش وجبري والملا: 3 مخرجين في عين محب
تتويجاً لعشرات المقالات والدراسات التي نشرها الكاتب السوري محمد منصور (الذي يعتبر واحداً من أكثر المتابعين لمسيرة الدراما التلفزيونية السورية خلال العقدين الأخيرين) في الصحف والمجلات السورية والعربية، والعديد من الندوات التلفزيونية التي أعدها حولها، صدرت أخيراً كتبه الثلاثة الأولى ضمن سلسلة “الدراما السورية: تاريخ وأعلام” التي تحاول أن تؤرخ لهذه الدراما التي تقترب اليوم من إتمام عقدها الخامس.
وفي هذه الكتب الصادرة حديثاً عن دار كنعان الدمشقية “علاء كوكش: دراما التغيير والتأسيس”، “غسان جبري: دراما التأصيل الفني” و”بسام الملا: عاشق البيئة الدمشقية” يختار منصور الدخول إلى مشروعه التأريخي والنقدي من بوابة الحديث عن الشخصيات التي ساهمت سواء في تأسيسها أو في انتشارها متناولاً 3 من مخرجيها، يجمعهم الابداع وتفرقهم الأجيال، وهذا الاختيار يطرح سؤالاً أساسياً وإشكالياً ومكرراً حول دور العناصر الأخرى المساهمة أو المؤسسة أو المشاركة في هذه الدراما، كالكاتب أو النص الذي يعتبره سيناريست بحجم أسامة أنور عكاشة هو النجم الحقيقي في التلفزيون، أو الممثل النجم خاصة بالنسبة لتجارب معروفة وشهيرة طغى اسم نجمها على اسم مخرجها كتجربة الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي على سبيل المثال، والتي تعرف باسمهما، في حين أن آخر هموم المشاهد هي معرفة أسماء مخرجي الأعمال التي قدماها أو مؤلفيها، لكن وكما يبدو من تخصيصه كتبه الأولى في سلسلة الدراما السورية لثلاثة مخرجين فإن الكاتب انحاز في هذا الصراع الأزلي بين المؤلف والمخرج والممثل النجم لصالح المخرج.
في كتابه الأول “علاء الدين كوكش: دراما التغيير والتأسيس” يرصد المؤلف تجربة المخرج علاء الدين كوكش، أحد المخرجين الأوائل الذي صنعوا هوية الدراما السورية في زمن الأبيض والأسود (أولى أعماله الدرامية تعود إلى عام 1963)، ويتناول في 17 فصلا تتوزع على 5 أبواب تجربة كوكش التلفزيونية وأعماله التي غدا قسم منها بمثابة الكلاسيكيات في تاريخ الدراما السورية اليوم مثل “حارة القصر/ أسعد الوراق/ تغريبة بني هلال/ أبو كامل”، فارداً القسم الأكبر من صفحات الكتاب لها، إلا أنه ورغم تركيزه على شغل كوكش التلفزيوني لا يتجاهل نشاطه في الحركة الثقافية السورية عموماً، وعلى الأخص تجربته الرائدة في المسرح، حين قدم أواخر الستينات من القرن الماضي عرضه المسرحي الشهير “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” عن نص سعد الله ونوس، أو حين كتب نصوصه المسرحية في تسعينات القرن العشرين، ثم اتجه إلى كتابة القصة القصيرة فضلاً عن التمثيل في السينما والتلفزيون، ما يعطي صورة أقرب إلى الاحتفائية للمخرج علاء الدين كوكش، تصوره للقارئ باعتباره أسيراً لتقاليد العمل التلفزيوني الكلاسيكي في مجمل الأعمال التي قام بإخراجها، لكنه في ذات الوقت ومن خلال مسيرته كمثقف وفنان وعبر مجمل ما قدم يبدو مسكوناً بهواجس التنوير والتغيير والتحرر من رواسب الماضي.
في الكتاب الثاني “غسان جبري: دراما التأصيل الفني” يتناول المؤلف تجربة المخرج غسان جبري، الذي يعتبر من مخرجي البدايات الأولى في الدراما السورية، والذي أسهم مع مجايله علاء الدين كوكش في بلورة هوية هذه الدراما عندما كانت لاتزال في خطواتها الأولى (قدم أول أعماله الدرامية عام 1962)، لكنه كان أكثر اهتماماً بصياغة الجوانب الشكلية لدراماه، وباكتشاف إمكانيات العمل في الأستوديو وتطويرها، ولذلك يعتبر منصور أن غسان جبري أسهم بشكل أكثر فاعلية في التأصيل الفني للدراما التلفزيونية، وتكريس خصوصيتها الشكلية، على مدى أكثر من 45 عاماً من العمل الفني المتواصل قدم خلالها أكثر من 40 عملاً بين تمثيلية ومسلسل، وأخرج أعمالا في استوديوهات دمشق وقطر والإمارات والكويت وبيروت وأثينا ولندن، واستطاع أن يضيف لتراث الدراما السورية الكثير، مثل مسلسلات “دولاب/حكايا الليل/ انتقام الزباء/ طرفة بن العبد/ القيد” والتي لاتزال تعد حتى اليوم من الأعمال المميزة في هذه الدراما، فضلاً لقيمتها التاريخية والريادية، من دون أن يخفي المؤلف انحيازه لأعمال جبري القديمه إذا ما قورنت بالأحدث، وإضافة لنشاط جبري التلفزيوني يهتم مؤلف الكتاب بتقديم صورة أرادها أن تكون شاملة عن شخصية غسان جبري الفنية، بدءاً من جذور نشاطه المسرحي في الأندية الفنية في دمشق في خمسينات القرن العشرين، وانتهاء بكتابته للنقد الفني حيث يورد نماذج من كتاباته، ونشاطه في تدريس التمثيل والإخراج التلفزيوني.
للوهلة الأولى لا يبدو للقارئ المتابع أن هنا رابطاً بين الكتابين الأول والثاني من السلسلة عن كوكش وجبري، وهما من مخرجي البدايات في الدراما السورية، وبين بسام الملا موضوع الكتاب الثالث “بسام الملا عاشق البيئة الدمشقية”، على الأقل جيلياً وزمنياً (قدم أول أعماله الدرامية عام 1990)، وهو أمر لا يبدو المؤلف قادراً على إقناع القارئ المتابع من خلال تبريره له بأن الملا يشكل امتداداً أصيلاً استطاع أن يستوعب أهم ما في تلك التجارب الريادية شكلاً ومضموناً، ويضيف إليها خبرة فنية فهمت آفاق تطور التقنيات التلفزيونية في العصر الذي بدأ العمل فيه أواخر ثمانينات القرن العشرين، فبسام الملا ليس الوحيد من بين عدد غير قليل من المخرجين السوريين الذي استوعبوا تجارب الرواد، واستفادوا من تقنيات التلفزيون الحديثة، وما فعله لا يتعدى صناعة أعمال أقرب إلى الكلاسيكية الجديدة، وجزء كبير من شهرته وشهرة أعماله يدين بهما لمشاعر الحنين إلى زمن جميل مضى تثيره تلك الأعمال في نفس مشاهد التلفزيون.
يستعرض منصور في كتابه عن الملا مسيرته منذ بدأ كمنفذ للبرامج في التلفزيون السوري عام 1977، وحتى تحوله إلى واحد من مخرجي الصف الأول في سورية، مركزاً على في الباب الذي خصصه لقراءة نماذج من مسلسلاته، على أعمال الدراما الشامية التي قدمها “أيام شامية/ الخوالي/ ليالي الصالحية/ باب الحارة” دون أن ينسى تجربته في الدراما التاريخية من خلال مسلسل “العبابيد” عن زنوبيا ملكة تدمر الذي لم يحظ بالنجاح، وبطريقة ما سيشعر القارئ بأن انتماء محمد منصور الدمشقي جعله يتعامل بقدر كبير من التعاطف مع دراما البيئة الشامية التي أحياها بسام الملا وإن بحس أقرب إلى الفولكلوري، وجعل منها لوناً رائجاً تجارياً وشعبياً، وهو تعاطف يبدأ من عنوان الكتاب أصلاً، مروراً بالطريقة التي روى ووثق بها أصداء الجزء الثاني من مسلسل (باب الحارة) بإسهاب.
وإذا كانت من ملاحظات يمكن أن تسجل على تجربة محمد منصور في سلسلته عن الدراما السورية، فهي بالتأكيد ستتناول الجانب المجاملاتي من الكتب، وستظهر أكثر في كتب السلسلة القادمة، ومع تناول المؤلف لمخرجين اختلف مع أساليبهم طويلاً عبر عمله الصحافي النقدي، ما سيقلل من قيمة كتبه الحالية إذا ما عوملت باعتبارها كتباً نقدية لا تأريخية.
الكتاب: علاء كوكش: دراما التغيير والتأسيس”/ “غسان جبري: دراما التأصيل الفني”/ “بسام الملا: عاشق البيئة الدمشقية”
المؤلف: محمد منصور
الناشر: دار كنعان/ دمشق
الطبعة الأولى 2009.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى