ما يحدث في لبنان

تهديد السيادة …

سليمان تقي الدين
لدينا مجموعة من السياسيين لا تعيش إلا على الأزمات. كل خطابها تحريض، كل مشروعها مواجهات مع الداخل والخارج. كل تاريخها نزاعات. لم تدعم سلطة الدولة يوماً. لم تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية. لم تعمل للاصلاح. لم تتقدم ببرنامج أو تصور فيه بعد وطني.
منذ أربع سنوات تردد هذه المجموعة كلمات »الدولة« و»السيادة«. لا الدولة قامت ولا السيادة اكتملت. الدولة الى مزيد من الضعف في هيبتها ومؤسساتها، والسيادة في خطر. سبب ذلك أن الدولة في نظر هؤلاء لن تكون أكبر من مواقعهم الفئوية، والسيادة ليست ابعد من خصوماتهم السياسية الخارجية. والحال في لبنان أنه لا يمكن بناء الدولة إلا على إجماع وطني ولا يمكن بناء سياسة خارجية إلا بالوفاق.
تعرضت أهم مؤسسات الدولة الى عملية إرهابية في الشمال فقامت هذه المجموعة من السياسيين بوضعها في خانة الاعتداء من جهة إقليمية معينة. تعرضت سوريا لعمل إرهابي كبير فأشارت الى خطر تنامي الحالة السلفية القتالية التكفيرية في الشمال. اطلقت بوجهها تهمة التدخل في شؤون لبنان والتحضير لأعمال عدائية ضده. هذا الموقف لا يعالج الحالة الإرهابية ولا يحمي السيادة. هناك علاقة جدلية أكثر من قوية بين معالجة شؤوننا في الداخل وحل مشكلاتنا الأمنية والسياسية وبين حفاظنا على استقلالنا وسيادتنا وحريتنا. الجواب الأول والبديهي على التحديات الخارجية أن ننقذ مشروعنا الوطني من الانهيار. ما هو قائم في الداخل الآن يشجع كل أشكال التدخل والطموحات والمطامع. من غير المعقول أن نظل نحول مشاكلنا الداخلية الى نتائج لفعل خارجي. ظاهرة التطرف والسلفية الصدامية والعنف السياسي والانفلات الأمني هي معطيات لبنانية بالدرجة الأولى. لا يفيد استخدامها في الشحن السياسي ضد الخارج.
في الجانب الآخر من المشكلة لم ينجح اللبنانيون عموماً في إيجاد تصور وطني للعلاقة مع سوريا. نظرة اللبنانيين على هذا الصعيد ما زالت في دائرة ألمع والضد، استخدام العلاقة ضد ضغوط الخارج، واستخدام ضغوط الخارج ضد سوريا. لم تصل العلاقة الى دائرة الثوابت والمسلمات الوطنية: استكشاف المصالح المشتركة، لا تهديد لأمن البلدين من أحد الاطراف، التعاون في مواجهة التحديات المشتركة. تحول خروج سوريا من لبنان عام ٢٠٠٥ الى استثمار سياسي داخلي وخارجي. لقد أراد البعض حكم البلد بمفرده وتوظيف هذا الحكم في مواجهة سوريا. كان هذا مشروعاً واهماً ومستحيلاً لأن قواه لا تختصـر الحياة الوطنيـة ولأن استنـاده الى الموجات الدولية لا يستقيم مع أحكام الجغرافيا والتبدّلات في المناخ الدولي والمصالح. سقط هذا المشروع بالتحول التدريجي في ميزان القوى والمعادلات في لبنان وفي المحيط الإقليمي.
طالت الأزمة مع مكابرة فريق سياسي في المقاومة، والتنكّر لميزان القوى السياسي حتى كانت صدمة ٧ أيار.
تمت المصالحة في »الدوحة« وضمنها موجب التوقف عن استخدام لبنان ساحة للنزاعات الاقليمية.
»فريق الأزمات اللبناني« لم يكف عن الاستقواء بالصراعات العربية العربية. وبتشويش الجمهور وتحريك حساسياته المرضية لهذا الموضوع. ثمة لحظة ما زال العالم يراهن فيها على استقلال لبنان وقدرة اللبنانيين على حل مشاكلهم بأنفسهم وإدارة شؤونهم. إفساد هذه اللحظة هو لعب بالمصير اللبناني الى حد يأس العالم من المشروع اللبناني، اليأس في الداخل واليأس في الخارج. المسألة بهذا الحجم. إذا لم ينجح اللبنانيون في استعادة وحدتهم وتفعيل مؤسساتهم ومعالجة نزعات التطرف واحتوائها ومحاصرة المشاريع العابرة للحدود والمستخدمة إقليمياً لتصفية حسابات سياسية ومصالح دول او جماعات، فإن السيادة تسقط من الداخل قبل ان يهدّدها الآخرون. الشكوى على »حائط باريس« كما واشنطن من قبل لن تغيّر سياسات الدول الكبرى. قضايا الشعوب الصغيرة تضيع في صفقات الدول الفاعلة. آن للبنانيين أن يحموا استقلالهم بوفاقهم، بقوة دولتهم لا بحماية الدول. خارج هذا المسار الوطني يستدعي اللبنانيون أنفسهم »الأمن المستعار« واحتمالات »الوصاية«!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى