الدور التركي في المنطقةزين الشاميصفحات العالم

تركيا وإسرائيل… توتر موقت

زين الشامي
لا يخفى على أحد أن العلاقة التركية – الإسرائيلية تعيش منذ الحرب الإسرائيلية على غزة أو ما يُعرف باسم عملية «الرصاص المصبوب» خلال شهري ديسمبر 2008 ويناير 2009 حالاً من الضبابية والبرودة على المستويين السياسي والديبلوماسي، تقابلها برودة مماثلة على المستوى الشعبي، فالشارع التركي عبّر أكثر من مرة عن تضامنه وتعاطفه مع مأساة أشقائه المسلمين في الأراضي الفلسطينية، وندد بالعمليات العسكرية ضد الأبرياء في غزة، فيما يرى الكثير من الإسرائيليين أن تركيا اليوم في ظل حكومة «حزب العدالة والتنمية» ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان باتت أقرب بكثير إلى خصومهم من العرب والمسلمين في الشرق الأوسط.
العلاقات التركية – الإسرائيلية تعود إلى تاريخ قيام إسرائيل، وقد كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بها، وذلك عام 1949. أيضاً شهدت العلاقة الثنائية خلال العقود الأخيرة حالاً متقدمة من التقارب والتعاون وصلت إلى درجة توقيع البلدين على الكثير من الاتفاقيات العسكرية والأمنية، وتكللت بتفاهمات على إقامة مناورات عسكرية مشتركة أو ثلاثية بمشاركة وحدات عسكرية أميركية، في وقت كانت تنظر بعض الدول العربية شذراً إلى ما يجري وما وصلت إليه هذه العلاقة.
لكن وبغض النظر عن موقفنا كعرب من هذا المستوى المتقدم، فلابد من الإقرار أن الطرفين اجتمعا والتقيا ليس حباً «بسواد عيني» بعضيهما كما يقال، بل إن المصلحة هي من شكلت نقطة الانطلاقة والركيزة الأساسية لهذا التقارب. فتركيا التي تبنت النهج العلماني في وقت مبكر من عشرينات القرن الماضي، عملت على التخلص من إرث الإمبراطورية العثمانية مع ما يمثله ذلك كله من موروث ثقافي وسياسي وديني. لذلك كان من الطبيعي أن تبتعد عن الدول العربية، وكان من الطبيعي أن تشعر بعض الدول العربية أن تركيا باتت تنتمي إلى عالم وثقافة ومفاهيم مختلفة، وقد تكرس ذلك في ما بعد حين اختارت أنقرة طريق الاتحاد الأوروبي ومحاولة الانضمام إليه. هنا يمكن القول إنها وجدت في العلاقات مع إسرائيل مفتاحاً، أو ربما جسراً لها إلى الاتحاد الأوروبي ولعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة.
من ناحية ثانية، أدركت تركيا أهمية إسرائيل في مواجهة اللوبي اليوناني، واللوبي الأرمني في الكونغرس الأميركي ودوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، فعملت على ما من شأنه كله كسب إسرائيل و«استخدامها» للحفاظ على علاقات طيبة وقوية مع الغرب سواء كانت أوروبا أو الولايات المتحدة. بدورها، أدركت إسرائيل ووجدت في تركيا خير حليف شرقي أوسطي لها في مواجهة الدول العربية، خصوصاً سورية والعراق، وهما الدولتان اللتان بقيتا لفترة طويلة على علاقة متوترة مع تركيا.
وكما قلنا، فقد دخلت هذه العلاقات أخيراً في مرحلة جديدة سمتها الغالبة التوتر وعدم الثقة المتبادلة، وقد اتضح ذلك جلياً في أعقاب الحرب على قطاع غزة، إذ أثارت هذه العملية غضب الحكومة التركية، لأنها جاءت في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت لأنقرة، وهي الزيارة التي ركزت على البحث في عملية السلام السورية – الإسرائيلية عبر الوساطة التركية وتحت رعاية رئيس الوزراء التركي، لا بل إن أولمرت لم يبلّغ أردوغان شيئاً عما يتم التخطيط له، رغم ارتباط البلدين بالعديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية؟
وبعد وصول حكومة بنيامين نتنياهو إلى الحكم بعد تلك العملية العسكرية بوقت قصير، بقي التوتر يخيم على العلاقة الثنائية. ورغم أن العلاقات المؤسسية والزيارات لم تنقطع بين مسؤولي البلدين، إلا أننا بتنا نشاهد بين الفترة والأخرى إشارات واضحة للتدهور عكسته أخيراً الأزمة الناشئة عن سوء الاستقبال المبرمج له وغير اللائق ديبلوماسياً من قبل نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون للسفير التركي في إسرائيل أوغوز تشليكول.
فيما بعد، ورغم الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى تركيا، ورغم أنها تركت صورة إيجابية، ورغم تأكيد الطرفين رغبتهما في تجاوز الخلافات والإعلان عن قرب حصول تركيا على صفقة طائرات إسرائيلية من دون طيار، نقول رغم ذلك كله، يبدو أن حال عدم الثقة هي المهيمنة اليوم على العلاقة بين الحكومتين. ومن المرجح أن يكون هناك مزيد من الصعوبات في المستقبل، في ظل استمرار كل من «حكومة العدالة والتنمية» برئاسة رجب طيب أردوغان وهيمنتها على الحياة السياسية في تركيا، وأيضاً في ظل استمرار الحكومة اليمينية برئاسة الثنائي نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان.
لكن لابد من القول إنه ورغم هذا التوتر، فلن يقدم أي منهما على هدم ما تم بناؤه في الماضي. التاريخ يقول إن تركيا أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل، والتاريخ يقول أيضاً إن أخطر الاتفاقيات العسكرية والأمنية التي توصلا إليها، جاءت فيما كان نجم الدين أربكان في الحكومة التركية… ومعروف أن أربكان هو الأب الروحي في «حزب العدالة والتنمية» في تركيا.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى