صفحات سورية

الأمن القومي

null
سليمان تقي الدين
تشن الدول حروبها تحت شعار الدفاع عن الأمن القومي. قطعت أميركا آلاف الأميال وعبرت المحيطات والقارات واحتلت أفغانستان والعراق باسم الدفاع عن أمنها القومي! غزت روسيا جورجيا دفاعاً عن أمنها القومي. كل الدول ترسم سياستها، بما في ذلك السياسات الاقتصادية انطلاقاً من مقولة الأمن القومي. قامت ثورة عبد الناصر أصلاً من معركة الفلوجة على إدراك ان إسرائيل تشكل تهديداً للأمن القومي في مصر بداية، ثم طور قائدها نظرته تلك إلى الأمن القومي العربي ورسم استراتيجية الدوائر الثلاث، العربية، الإسلامية، الآسيوية الافريقية. ثم ربط الأمن القومي بالتنمية.
نحن اللبنانيين اخترعنا شيئاً جديداً أسميناه استراتيجية دفاعية. في حقيقة الأمر نحن بحاجة إلى الأمن القومي، إلى بلورة المصالح العليا للدولة، تحديد إمكاناتها ومقدراتها وميزاتها الاقتصادية والثقافية وعناصر قوتها ومجال فعالية تلك العناصر، تحديد العدو والصديق ووضع خطة للدفاع عن هذه المقومات بجميع مفرداتها. الاستراتيجية الدفاعية تعبير عسكري تقني يتصل بنوع الأسلحة المستخدمة والمنشآت التي يجب حمايتها ومركز الثقل في تكوين القوة العسكرية براً وبحراً وجواً، وطريقة تموضع الوحدات الخ… يضع العسكريون وحدهم الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن تبقى من أسرار الدولة، في ضوء الامكانات المتاحة للبلاد. يتسلّى اللبنانيون اليوم بشعار الاستراتيجية الدفاعية ويتبارون في تقديم التصورات لذلك. انه لعب في مجال
الحديث عن المصير الوطني. انه صورة عن هزال الطبقة السياسية وخفّتها في التعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى. نحن بحاجة إلى البحث العميق في أمننا القومي، أية سياسات خارجية نعتمد ومن هي القوى والجهات التي تهدد مصالحنا العليا ومن هي القوى التي تساهم في دعم استقلالنا. ما السياسات الاقتصادية التي يجب أن نعتمدها لبناء مجتمع قوي معافى يوظف جميع طاقات السكان ويجعلهم يتشبثون بأرضهم. ما هي الخيارات الثقافية والتربوية التي نعتمدها لحفظ وحدتنا الوطنية وتطويرها. ما هي القرارات السياسية التي تعزز مؤسساتنا وتطور وتعمق تجربتنا الديموقراطية ومشاركة الشعب في إدارة شؤونه. كيف نجعل الدولة في وقتنا الحاضر اطاراً ناظماً لعمل المجتمع دون أن تكون قيداً على المبادرة الحرّة وعلى النهوض الاقتصادي. كيف نستخدم ميزاتنا التفاضلية البيئية والسياحية والأسبقيات العلمية والاستعدادات الفطرية لدى اللبنانيين في المنافسة مع المحيط.
كيف نعالج مشكلات التنوع والتعدد الطائفي والثقافي والسياسي ونجعله وسيلة لإغناء تجربتنا الإنسانية. كيف نستطيع أن نضع إمكانات الاغتراب اللبناني (الهجرة والانتشار) في خدمة تكبير حجم لبنان على المستوى الدولي وحماية حضوره ومصالحه واستقلاله وعلاقاته.
هذه هي المسائل التي لم يسبق للبنانيين أن توافقوا عليها وصارت جزءاً من نمط حياتهم وعيشهم وشكلت جوامع لوحدة الدولة والمجتمع. هذه هي القضايا التي تشكل في مجموعها الأمن القومي لدولة من الدول وهي التي يجب أن تكون موضوع الحوار الحقيقي والهم المشترك. لقد تاه اللبنانيون خلف الشعارات الزائفة وما يزال مصيرهم رهن المصادفات والسياسات الدولية ورهن ردود فعل الطبقة السياسية العاجزة. آن لنا أن نبحث في مصطلحات اللغة السياسية وتصويبها.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى