صفحات سورية

الهلال الشيعي قميص الفتنة الجديد

null
حنا عبود

لم يحدد مطلقو الهلال الشيعي هدفاً له سوى مناهضة السنة. أما الانخراط في النضال ضد الهيمنة الإسرائيلية والمشاريع الأمريكية المعدة لخلق شرق أوسط جديد، والتنمية الاجتماعية والعمل على وثيقة تفاهم وطني… فلا يوجد شيء منها على الإطلاق. فهدف الهلال خلق واقع «شيعي» يساعد إيران في تنفيذ مخططاتها التوسعية، كأن أمريكا غير موجودة بقواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، أو كأن أمريكا أعجز من أن تتصدى للتوسع «الشيعي» الخطير والداهم. لا، ليس عبثاً أنهم أحلوا «الخطر الشيعي» محل «الخطر الشيوعي».

وفي العدوان على لبنان عام 2006 أعلنت أميركا مرات أن ولادة الشرق الأوسط ستبدأ من لبنان، على أمل أن تنجح الحرب، ويتهافت السنة على منقذهم الأميركي للدخول في المشروع الجديد. فلا السنة تهافتوا ولا المشروع نجح.

فرق تسد

مروجو هذا المشروع يحصرونه في الصدام مع السنة، ويجعلونه بقيادة إيران. ولو كان القادة الإيرانيون يفكرون حقاً في هذا فإنهم أشبه بفراشة تحرق نفسها في وهج المصباح. فاليوم يقدر عدد الشيعة بأكثر من 140 مليونا، في حين يقدر السنة بأكثر من مليار نسمة. وأي مشروع شيعي يقوم على الصدام سيكون خاسراً… وأرعن. والتجربة القريبة مثال واضح، فقد انهار الاتحاد السوفييتي تحت ضربات المجاهدين السنة، ولا نظن أن «الهلال الشيعي» في وضع أفضل من الاتحاد السوفييتي، من جميع النواحي. إن مناجزة السنة ليست أكثر من انتحار.

لو اقتنع السلطان سليم أن في مقدوره إنشاء «هلال» شيعي لما توانى، ولكنه استوعب الوضع القائم ورأى أن مثل هذا الهلال لا يمكن أن ينشأ في هذا المحيط الهائل، فقام بالتخلص من شيعته، فأجهز على أكثر من أربعين ألف شيعي، من بينهم أقرب أقربائه (ولم يعرف إلا فيما بعد أن زوجته وأباها على المذهب الجعفري). وبهذه الطريقة حصل على لقب «فاتح» من الشعوب الإسلامية التي خضعت له.

وقبله قام صلاح الدين الأيوبي بالقضاء على المخالفين، ولاحق كل المذاهب، حتى المذهب الشافعي لم ينج منه.

هل كان صلاح الدين -أو السلطان سليم- فقيهاً بالمذاهب حتى يختار الأفضل منها؟ كان هدف صلاح الدين إنشاء دولة موحدة أمام الغزاة الصليبيين، ففرض عليه الواقع مثل هذا التصرف.

حروب الأكثرية

وما أكثر أمثلة الانتحار أمام سور الأكثرية في التاريخ، فالألبيجيون خالفوا الكاثوليكية في المعتقد. لم يشنوا عليها حرباً ولا هاجموا ممتلكاتها، ومع ذلك أبادتهم، بالتعاون مع إقطاعي كان يهزأ بكل معتقدات الكنيسة، حتى أنه كان يدرب فرسانه على الرماية بوضع الصليب أمامهم وتسديد النبال على المصلوب. وعدته الكنيسة بأن كل ما «يحرره» يصبح من أملاكه، فأظهر «إيمانه» وقضى على «أعداء الله» وضم الأراضي المحررة. للواقع سلطة قد تتخذ الدين لباساً.

إذا كان الخوارج قلة ابتعلهم المحيط، فإن العباسيين لم يكونوا قلة، فقد وجدوا الجو السني سائداً، فتخلصوا من شيعتهم، فقضى أبو جعفر المنصور على الثائر المشهور أبي مسلم الخراساني، وقضى هارون الرشيد على البرامكة، حتى لم يترك في دياره برمكياً واحداً. والقصص التي تظهره نادماً ليست أكثر من قصص أدبية، تروى في الأسمار.

وكانت الشيعة تسود المغرب العربي، فلما أدرك الحكام الجوّ، تحولوا وحوّلوا شعوبهم إلى سنة… وهناك الكثير من الأمثلة على أن من يعمل فعلاً على إنشاء «هلال» فإنه لن يرقص في العيد.

والذي نظنه أن السياسة الإيرانية تعمل على التقارب مع السنة وليس على معاداتها بتبنيها المشترك بين المذهبين. وعندما نشر سلمان رشدي «الآيات الشيطانية» وتهجم فيه على عائشة زوج الرسول، لم يهدر دمه مركز سني، بل مركز شيعي، ففتوى الخميني أشهر من أن نعيد نصها. كما أن السياسة الإيرانية تبنت منذ البداية القضية الفلسطينية، ومحاربة المشاريع الغربية في الشرق الأوسط، قبل ظهور مصطلح «الهلال الشيعي» بزمن ليس بالقصير.

واليوم نلاحظ أن الدعاية الغربية ومن يؤازرها تركز على تهمة مريبة، وهي أن إيران متحالفة مع الولايات المتحدة لاقتسام المنطقة.

لنفرض أن التساوم قائم والاتفاق قادم، فماذا يجب أن يفعل العرب؟ هل ينسون ما هم فيه من فقدان للقرار، ومن جوار لإسرائيل المدججة بالأسلحة والخصومة، ومن ظهور شرق أوسط جديد، حتى يوجهوا همهم إلى «الهلال» الشيعي، قميص الفتنة الجديد؟ هل التصدي للمشروع الأميركي والإسرائيلي هو تهديد لنا فعلاً؟… أيعقل أن نكون من صانعي هذا المشروع نحن وإسرائيل معاً دون أن ندري؟

حل القضايا هو الحل

حتى نقضي على «الهلال الشيعي» وحتى نفوّت الفرصة على إيران والولايات المتحدة في اقتسام المشرق العربي، ليس هناك سوى طريق واحد، وهو الاهتمام بحل قضايانا، من أمثال القضية الفلسطينية، وقضية التسلح النووي الإسرائيلي، وقضية المجتمع المدني، وقضية التنمية الاجتماعية، وقضية التخلف العلمي والتكنولوجي، وقضية الأمن الغذائي والدفاعي والإمساك بالقرار الفعلي.. وحرية الفكر.. وقتها نكون أقوى على مواجهة كل الأهلة التي نرى فيها خطراً علينا.

فمن يقف إلى جانب هذه القضايا، سواء الولايات المتحدة أو إيران أو روسيا أو الصين أو ماليزيا، أو موناكو، أو جامايكا أو تاهيتي.. فما علينا سوى الاستفادة من تأييدهم لمتابعة الطريق حتى النهاية. أما من يقف ضد هذه القضايا -الواقعية وليست الدعائية- فالصدام معهم حتمي، وإن تأخر لأسباب وأسباب.

بعد الحرب الجورجية أعلن وزير خارجية روسيا أن سورية ستحصل على كل ما تريد من التسلح، كما أعلن الرئيس الروسي أنه يدعم حق إيران بلا تحفظ. فهل انضمت روسيا إلى «الهلال الشيعي»؟

بقي أن نذكّر القارئ الكريم أن روسيا اليوم ليست شيوعية… ولا شيعية. فمن كان ينتظر ظهور الهلال الشيعي، فلن يشهد العيد، بل يشهد ظهور أهلة وطلوع بدور من نوع آخر، من نوع مختلف تماماً…

كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى