حسين العوداتصفحات سورية

نهوض حذر للعلاقات السورية ـ الروسية

null
حسين العودات

سواء أقامت روسيا قاعدة لصواريخ (الاسكندر) في سوريا أم لم تقم، وسواء زودت سوريا بقواعد صواريخ مضادة للطائرات والدبابات أم لم تزودها، ورغم تأكيد وزير الخارجية الروسي أن بلاده لن تخل (بالتوازن) العسكري في الشرق الأوسط، فإن العلاقات السورية الروسية تقف على أبواب مرحلة نوعية جديدة.

وسارت الخطوة الأولى في طريق تستأنف فيه مسيرة تلك العلاقات الاستراتيجية السورية ـ السوفييتية التي وصلت في ثمانينات القرن الماضي إلى عقد اتفاقية تحالف وصداقة بين البلدين كان الجانب العسكري أهم ما فيها، حيث كانت سوريا في ذلك الوقت الصديق المحبب (وربما المدلل) للاتحاد السوفييتي في المنطقة.

وكانت تعتمد عليه اعتماداً كبيراً بسبب نسج علاقات متشعبة بين الطرفين شملت مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وقد كان الرئيس الراحل حافظ الأسد، مع ذلك، حريصاً على استمرار تلك العلاقات رغم حذره الشديد من أن يتهم بأنه رجل السوفييت أو أن سوريا تدور في الفلك السوفييتي.

وحرصه في الوقت نفسه على إبقاء علاقات سوريا طيبة مع البلدان الأخرى (عربية وأجنبية) بما فيها تلك التي كانت معادية للاتحاد السوفييتي أو التي على خلاف استراتيجي أو إقليمي معه، واتخاذه قرارات أو قيامه بممارسات لم تكن السياسة السوفييتية ترضى عنها مثل دخول القوات العسكرية السورية لبنان (1976) أو اعتداله تجاه السياسة الأميركية في المنطقة.

بقيت السياسة السورية محافظة على العلاقات مع روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ولعل حاجتها للسلاح الروسي (وروسيا هي المصدر الوحيد لسلاحها) وحاجتها لموقف روسيا في مجلس الأمن وكسب تأييده، كانت السبب الرئيسي الذي اضطر سوريا (وربما أجبرها) على استمرار إبقاء العلاقات طيبة ولو بحدها الأدنى، رغم ضعف روسيا في عهد يلتسين ووقوفها على أبواب الغرب بانتظار المساعدات الاقتصادية والقبول بمنحها دوراً في السياسة العالمية.

ويبدو أن السياسة السورية حرصت منذ تولي الرئيس بشار الأسد مهماته على استمرار هذه العلاقات والعمل على تطويرها للسببين السابقين (التسلح والموقف السياسي) وكانت سوريا منذ مجيء فلاديمير بوتين تضغط باتجاه تطوير العلاقات وزادت تمنياتها وضغوطها بعد خروج قواتها العسكرية من لبنان ومحاولة الغرب (الأميركي والأوروبي) عزلها، واتخاذ قرارات عديدة في مجلس الأمن ليست في صالحها.

وقد استعانت بالسياسة الروسية أكثر من مرة، وتواصلت سراً وعلناً مع إدارة بوتين لو تمنت عليها الوقوف إلى جانب سوريا، وقد استجابت هذه للمطالب السورية، وقدمت النصائح ثم الدعم وكانت العلاقات تتوثق بين الطرفين بثبات مع قليل من البطء.

استثمرت السياسة السورية محاولة النهوض الروسي بعد أحداث جورجيا فأيدت صراحة موقف روسيا (ولعلها الدولة الوحيدة مع بيلاروسيا) التي أيدت الموقف الروسي علناً وبدون تحفظ، وربما أعربت عن استعدادها لقبول إقامة قاعدة صاروخية روسية على غرار تلك التي أقامها الأميركيون في بولونيا (نفت سوريا ذلك) وبالإجمال كانت زيارة الرئيس الأسد مناسبة لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين قريبة من التحالف بينهما عسكرياً وسياسياً.

ووجدت روسيا في العلاقة الجيدة مع سوريا إضافة هامة للشروط الإيجابية لنهوضها الإقليمي ومطامحها الدولية، فاكتمل الأمر بتيقن كل من الطرفين أن مصالحه ليست قليلة الأهمية لدى الطرف الآخر، ولكن رغم هذه المصالح الكبيرة ومتعددة الجوانب فهناك محاذير يدركها كل من الطرفين ويأخذها في اعتباره:

فالطرف الروسي مازال واقعياً وغير موهوم بقدراته الاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية بشكل عام ولا يريد التورط بأي نوع من السياسات التي يفهم منها عداؤه لأوروبا والولايات المتحدة، ويرفض عودة الحرب الباردة حيث لم يتح له بعد أن يكون قطباً عالمياً وشريكاً كامل الشراكة في الصراعات العالمية، ولذلك حرص وزير الخارجية الروسي على التأكيد أن بلاده لن تزود سوريا بأسلحة تخل بالتوازن في الشرق الأوسط.

وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة وتخشاه إسرائيل خاصة بعد افتضاح دورها في جورجيا أي أن روسيا تريد البقاء ضمن اللعبة المعمول بها منذ أكثر من عشر سنوات وبالتالي فإن علاقاتها الجديدة (ظاهريا) ليست نوعية بما يخل بالتوازن الإقليمي أو الدولي، وعليه فإن الأسلحة التي ستقدم إلى سوريا ستكون دفاعية لكنها أكثر دقة وحداثة، وعلى أية حال فلن يكون مداها أكبر من الأسلحة الموجودة لديها الآن والقادرة على الوصول لأي مكان في إسرائيل.

أما الطرف السوري فهو حذر أيضاً رغم أنه الأكثر استفادة من دفع العلاقات بقوة، لكنه لا يرغب أن يُسمى حليفاً لروسيا مما يسبب فتوراً أوروبياً معه وفي علاقاته المستأنفة حديثاً مع دول أوروبا أو تجاه علاقاته المحتملة مع الولايات المتحدة بعد الانتخابات الأميركية المقبلة ومحادثاته غير المباشرة مع إسرائيل، ولذلك أكدت سوريا أنها لم تدعُ روسيا لإقامة قاعدة صاروخية على أراضيها وحاولت نفي هذه الأقوال.

لكن هذا الحذر من الجانبين لا يلغي أن العلاقات الوثيقة بين الجانبين سوف تعزز دور روسيا في الشرق الأوسط وربما دورها العالمي، وتشكل رسالة لا لبس فيها للولايات المتحدة وأوروبا تؤكد لهما ضرورة أخذ الموقف الروسي شرق الأوسطي بعين الاعتبار مستقبلاً، وهذا يضاف إلى دورها الناهض في القوقاز ووسط آسيا، ودورها الاقتصادي المتنامي مما يؤهلها للدخول شريكاً متكافئاً في السياسة العالمية.

وفي الوقت نفسه فإن الحذر السوري لا ينفي أن سوريا سعيدة بما حصلت عليه من أسلحة متطورة، ومن رغبة قرار روسي بدعم الموقف السوري إقليمياً وفي مجلس الأمن، بحيث تصبح السياسة الروسية درعاً يصّد بعض المخاطر عن سوريا وتدعم مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل حالياً والمباشرة مستقبلاً، فضلاً عن دعم موقفها الإقليمي، وأخيراَ في ممانعة روسيا للعقوبات الشديدة على إيران الحليف الرئيس لسوريا في المنطقة، وهي بمجملها مكاسب لا يستهان بها.
(كاتب سوري)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى