صفحات مختارة

اقتصاد الفضاء الإعلامي

سمير التنير
يشهد العالم اليوم ثورة غير مسبوقة في مجال إنتاج الصورة وتوزيعها. وهي ثورة أتت إثر النجاح الهائل في توظيف نتائج تكنولوجيا الاتصال عبر الوسائط الفضائية، في مجال الإعلام المرئي. وإثر ذلك أقيمت محطات فضائية في العقد الأخير من القرن العشرين. وقد أطلقت منذ ذلك الوقت إمكانيات تعميم البث الفضائي عبر آلاف الفضائيات الإعلامية التي خرجت الى الوجود. وقد احتدم التنافس بين تلك المحطات، واشتد الرهان على الوظائف الاستراتيجية التي بات بوسع الإعلام الفضائي أن ينهض بها، مثلما يمثله الرخص النسبي لكلفة البث الفضائي اليوم بما كان عليه أمره في أول انطلاقته مع محطة السي. ان. ان. ولا يضارع هذه الثورة الثقافية أهمية إلا النتائج الكبرى التي ولّدتها على صعد الثقافة والسياسة والاجتماع.
ولا بد لنا ونحن بصدد الحديث عن الإعلام العربي المعاصر وتشخيص مشكلاته وقضاياه أن نشير الى واقع الإعلام في عالم اليوم من حيث حجمه وسماته والقوى التي تهيمن على حركته وتوجه مسيرته. وأبرز ما يميز واقع الإعلام في عالم اليوم انه يتسم بما يسميه علماء الاتصال والباحثون الإعلاميون »بالاختلاف الإعلامي« بين دول العالم وشعوبه، ويتمثل هذا الاختلاف في عدد من المظاهر البارزة من أهمها:
ـ احتكار الغرب لصناعة تقنية المعلومات والاتصال والإعلام.
ـ سيطرة وكالات الأنباء الكبرى الخمس على الساحة الإعلامية، من حيث استقاء الأنباء وتوزيعها على النطاق الدولي، حيث يحصل العالم على h` بالمئة من أخباره من لندن وباريس ونيويورك وموسكو. وهذه الوكالات هي رويترز البريطانية، ووكالة الصحافة الفرنسية، ووكالتا الاسيوشيتد برس واليونايتد برس انترناشيونال الاميركيتان ووكالة ايتار ـ تاس الروسية.
ـ تميز التبادل الإخباري (أو التدفق) بين الدول الصناعية والدول النامية باختلال نوعي، بالإضافة الى الاختلال الكمي.
ـ هيمنة المادة الإعلامية الغربية والمضمون البرامجي المنتج في بيئات غربية على النطاق الدولي. ويتضح ذلك في المجال التلفزيوني من خلال أربع شركات غربية رئيسية هي وكالة الأخبار المصورة البريطانية، واليونايتد برس، والنيوز فيلم الاميركيتان، والوكالة الألمانية، على مجال الأخبار التلفزيونية المصورة. وكذلك من خلال حجم الأفلام والبرامج والمسلسلات والمواد الإعلامية التي تبيعها شركة سي بي اس الاميركية الى a“ دولة في العالم. بينما تصل شركة ايه بي سي الى f` بالمئة من تلفزيونات العالم.
واذا انتقلنا الآن الى الفضاء المعلوماتي والى موقع البحث الاشهر »غوغل« نرى ان تلك الشبكة أصبحت خلال ثماني سنوات فقط مرادفة للبحث نفسه. لقد أنشأ تلك الشركة شابان متحمسان هما سرغي برين ولاري بايج اللذان عملا أولا في مرأب سيارات قبل أن ينتقلا الى وادي السيليكون في أواخر التسعينيات. الشركة التي قامت في الأساس على برنامج متميز للبحث على شبكة الانترنت ما لبثت أن تطورت لتصبح منظومة متكاملة من الخدمات والأفكار الجديدة والمتمحورة في الأساس حول احتياجات المستخدم، أو في بعض الأحيان حول خلق احتياجات للمستخدم لم يكن ربما يفكر فيها. ان الكل يشترك في التفكير ولا ترمى أي فكرة في الزبالة حتى لو كانت فكرة مجنونة.
تشمل نشاطات غوغل خدمة البحث على الانترنت، والبريد الالكتروني والأخبار وأخيرا خدمة »غوغل ايرث«. ومنذ سنين بدأ التركيز جدياً على المنطقة العربية وعلى اللغة العربية كإحدى اللغات التي ينبغي أن تتوفر فيها خدمة غوغل. ولكن الدراسات التي قامت بها بيّنت، على خلاف باقي الدول، التي يجري فيها التعامل مع الانترنت والتكنولوجيا عموما باللغة الانكليزية. وذلك (كما يقول أصحاب الشركة) يرجع الى صعوبة اللغة العربية، وصعوبة التعامل معها تكنولوجيا، مما يضع تحديات كثيرة أمام أي مبرمج. ويقدر حجم مستخدمي الانترنت في العالم العربي بـbf مليون مستخدم، وتشير التوقعات الى أن الرقم قد يصل الى e` مليون مستخدم في عام b`a`.
تعمل »غوغل« على خطين في موضوع زيادة المحتوى العربي على الانترنت. تحت مظلة عامة تتمثل في تعريب خدماته. فهي من جهة تؤمن خدمات تساعد على إظهار المحتوى العربي الموجود أصلا على الشبكة، لكن كان يصعب الوصول اليه، ومن ناحية أخرى يساهم تعريبها للخدمات في دفع المستخدم العربي الى إنتاج محتوى بلغته.
فقدم أخبار غوغل خدماتها باللغة العربية. وبهذه الطريقة ظهر الناشرون الصغار في العالم العربي على الانترنت في مكان واحد.. كما عُرّب البريد الالكتروني. وأخذت على عاتقها مهمة صعبة بزيادة المحتوى العربي من خلال فتح المحتوى الانكليزي أمام الذين لا يتكلمون اللغة الانكليزية، فأنشأت آلة الترجمة. وهي ليست دقيقة اليوم، ولكنها قادرة على جعل أي شخص يفهم الموضوع الذي يتحدث عنه الموقع. ويقوم بمهمة تعريب هذه الخدمات مهندسون ومبرمجون عرب في مركز »غوغل« في ماونت فيو (في وادي السيليكون) في كاليفورنيا.
أما في ما يخص »غوغل ايرث« فقد أطلقت الشركة منذ وقت قصير نسختها العربية منه. ويلاحظ دائما أن هناك مناطق عن كرة غوغل الارضية يمكن تكبيرها الى درجة قد يكون من الممكن رؤية تفاصيل الأبنية على خريطة معينة. أما صور غوغل ايرث فهي صور متاحة تجاريا. فالشركة لا تملك أقمارا اصطناعية، بل هي تأخذ الصور من شركات تملك أقمارا اصطناعية وتبيع صورها تجاريا.
وبالانتقال الى مسألة المدونات على الانترنت فهي أصبحت كثيرة العدد وتعد بالملايين. في ذلك يقول الصحافي الاميركي الشهير توماس فريدمان انه عندما يصبح لكل شخص مدونة أو صفحة على موقع »ماي سبيس« أو »فيسبوك« فإن الجميع يصيرون ناشرين، وعندما يصبح لكل شخص هاتف جوال مع كاميرا، فإن كل شخص يصير مصوراً فوتوغرافيا، وعندما يصبح لكل شخص القدرة على تحميل فيديو في موقع »يوتيوب« يصبح الجميع صانعي أفلام. وعندما يصبح الجميع ناشرين ومصورين وصانعي أفلام، يصبح كل شخص شخصية عامة. جعلت المدونات المناقشات الكونية أكثر ثراء وجعلتنا أكثر شفافية. لقد انتشرت ثقافة المدونات انتشارا واسعا جدا. فدور النشر حاليا تتسابق على نشر كتب (روايات تحديدا) من المدونات.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى