صفحات الناس

مخاوف من السياسات الاقتصادية للحكومة في سوريا

null
بهية مارديني من دمشق:  يسود قلق بين صفوف النخب الاقتصادية من السياسات في سوريا ، ومخاوف من أداء الفريق الاقتصادي للحكومة، واتضح هذا مؤخرا من خلال قرارين الأول قد يطال الليرة السورية في تخفيض سعر صرفها والثاني في السير  في خطوات خصخصة غير مدروسة رغم نفي الدكتور محمد الحسين وزير المالية السوري لكلا الأمرين.وفي حين أكد مسئولون حكوميون بارزون أن اقتراح تخفيض سعر صرف الليرة السورية يدرس بعناية وترو، نفى وزير المالية السوري أن يكون هناك نية لدى السلطة النقدية أو الحكومة بتخفيض سعر صرف الليرة السورية بقرار كما أن بعض أعضاء مجلس الشعب يرون أن تصريحات الدكتور عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ومفهومه للخصخصة تمثل التفافاً على ما أقره المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم، وما أقرته القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، ولم يبدد القلق نفيُ وزير المالية أمام المجلس أن تكون الخصخصة واردة في خطط الحكومة.
لا تخفيض لسعر صرف الليرة
وأكد وزير المالية السوري انه لا تخفيض لسعر صرف الليرة، لافتا إلى أن انخفاض أو ارتفاع هذا السعر تحكمه معطيات السوق وظروف الاقتصاد السوري واحتياجاته. وقال وزير المالية في تصريح لوكالة الأنباء السورية سانا إن سعر الصرف الليرة السورية النافذ حالياً حددته آلية السوق وهذا السعر يتغير يومياً حسب أسعار الصرف للعملات الأجنبية. وأضاف أن السلطة النقدية تتابع ما يجري في أسواق أسعار الصرف العالمية مشيرا إلى أن سعر الصرف الليرة السورية سجل استقراراً خلال السنوات الأخيرة.
كلام الوزير السوري ونفيه جاء في اليوم التالي لتقرير موسع في جريدة حكومية “الثورة”حول أن تخفيض سعر صرف العملة هو إجراء متبع في اغلب الدول لكسب قدرة تنافسية في السوق العالمية وانه بحسب المختصين ليس هناك أولوية في سورية لمثل هذا الإجراء خاصة أن صادراتنا الصناعية محدودة جدا
واعتبر التقرير انه في المرحلة الحالية ليس هناك مشكلة بسعر الصرف بقدر وجود مشكلة بالقيمة الإجمالية والآلية المتبعة.الآراء الاقتصادية تؤكد أن خفض سعر الصرف سيؤدي دورا بارزا في زيادة التضخم وفي تخفيض القدرة الشرائية لليرة وهذا ما سيزيد الأعباء المعيشية للمواطن السوري لذلك لابد من القيام بنوعين من الدراسات قبل التخفيض، الأولى تحديد القيمة الشرائية لليرة السورية في السوق المحلية ومن ثم مقارنتها بسلة من العملات من حيث قيمتها الشرائية.‏
وطرح التقرير أسئلة من قبيل ما هي الانعكاسات المحتملة لهذا التخفيض في حال إقراره على الاقتصاد الوطني وعلى مجمل الأوضاع الاجتماعية للمواطنين السوريين؟ وما هي الآثار التضخمية التي يمكن أن تنتج عن هذا القرار إذا صدر؟وحمل التقرير تصريحات للدكتور فؤاد عيسى الجوني وزير الصناعة يؤكد أن هذا الاقتراح كان من ضمن حزمة مطالبات بهدف دعم الصناعة السورية وخاصة الصادرات الصناعية والأمر يدرس والقرار بيد مجلس النقد والتسليف بحيث لا يؤثر سلبا على النواحي الاقتصادية الأخرى وإذا كان هناك ضرر من هذا الاقتراح فلن نأخذ به لان المهم في النهاية خدمة الاقتصاد الوطني. وأضاف الجوني أن هناك تجارب كثيرة في العالم عملت على تخفيض سعر صرف عملتها بهدف زيادة الصادرات وقد نجحت ومنها تجربة الصين والامر سيدرس بعناية وترو.
ورأى الدكتور حسين العماش الباحث الاقتصادي أن القاعدة الأكاديمية حول تخفيض سعر صرف العملة له حسنات وسيئات والحسنة الأولى لتخفيض سعر صرف العملة إنها تساعد على زيادة وتيرة الصادرات والتأثير الايجابي لتخفيض سعر الليرة سيكون اقل بالوضع الراهن لو أن هناك إمكانية وجود قابلية للتحويل تصبح أسعار المستوردات أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلك السوري وبالتالي يقل الطلب عليها، إذا تخفيض العملة يزيد الصادرات ويخفض الواردات وهذا مرتبط بالمرونة السعرية داخل سورية.
وحول الآثار التضخمية التي يمكن أن تنتج عن هذا القرار إذا صدر يقول الدكتور الياس نجمة الأستاذ في كلية الاقتصاد جامعة دمشق “حسب النظرية التقليدية إن كل تخفيض لسعر النقد سيؤدي إلى زيادة سعر المستوردات وزيادة تكاليف إنتاج ما هو معتمد على المستورد وبالتالي فإن كل الدول تخشى من تخفيض أسعار النقد، لذلك يجب أن نكون حذرين جداً من كل قرار نأخذه” .
ويؤكد إننا نعيش الآن أزمة مضاعفة جراء واقع الأزمة المالية العالمية وقد بدأت الأزمة في سورية عملياً في 1 مايو (أيار) 2008، وبالتالي فإن آثار الأزمة العالمية جاءت إضافة لآثار الأزمة جراء رفع أسعار المشتقات النفطية التي أضرت بالصادرات الصناعية السورية نظراً لتراجع تنافسيتها بسبب تزايد التكلفة الناجمة عن زيادة أسعار المشتقات النفطية، والتي أدت إلى زيادة الأجور، وارتفعت عناصر التكلفة كلها من مواد أولية ويد عاملة .. الخ، وبهذا أصبحت تنافسية المنتجات السورية اقل بسبب زيادة التكلفة.‏
انتقادات قاسية لسياسة الحكومة
من جانب آخر تعرضت السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة لانتقادات قاسية، وأثارت تساؤلات وردود فعل قلقة في مجلس الشعب أثناء مناقشته قطع حساب موازنة 2007.
فقد رأى الأعضاء الشيوعيون في المجلس أن تصريحات النائب الاقتصادي ومفهومه للخصخصة تمثل التفافاً على ما أقره المؤتمر القطري العاشر، وما أقرته القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية.
وأورد أعضاء المجلس في مداخلاتهم وقائع وأرقاماً تبين تدني نسب التنفيذ في المشاريع والمؤسسات العامة، وتنامي الفقر والبطالة، ومعاناة القطاع العام الصناعي، وتساءلوا عن مصير التوصيات والاقتراحات التي يكررها المجلس في دوراته، وأثناء قطع حساب الموازنات المتتالية، وطالبوا بتفعيل المادتين 140 و141 من النظام الداخلي للمجلس.ونشرت جريدة سورية معارضة “النور” بعضاً من مداخلات الأعضاء حيث أشار النائب عبد الرزاق الدرجي انه بتاريخ 22/2/2009 قرأ تصريحاً للنائب الاقتصادي جاء فيه: “نحن نعمل في إطار السياسات التي حددها المؤتمر القطري، وهذا المؤتمر لم يتبنّ الخصخصة، وبالتالي فأنا لا أستطيع أن أطرحها كأحد الخيارات ما لم تتبنها مؤسسة المؤتمر القطري التي رسمت الملامح الجديدة للاقتصاد السوري، ولكن دعنا نتفق على تعاريف الخصخصة بمفهوميها الواسع والضيق. فالتعريف الواسع للخصخصة يتضمن ثلاثة مكونات، أولاً السماح للقطاع الخاص بالعمل في مجالات كانت محصورة بالقطاع العام، وهذا يسمى في عالم الاقتصاد جزءاً من الخصخصة، وهو ما طُبّق في سورية، فالأسمنت والطاقة الكهربائية وحالياً الطرق السريعة وغيرها، كانت حكراً على القطاع العام، ثم أصبحت متاحة للقطاع الخاص. والمفهوم الآخر هو السماح للقطاع الخاص بإدارة المرافق العامة، وهذا ما تم من خلال مرفأ الحاويات في طرطوس واللاذقية. أما المكوّن الثالث للخصخصة فهو بيع أصول القطاع العام إلى القطاع الخاص، ونحن ليس لدينا قرار سياسي بالبدء بتطبيق هذا المكون الضيق”.
معتبرا انه في هذا التصريح مؤشر واضح للالتفاف على ما أقره المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي، ولما أقرته القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، وللتوصيات التي أكدتها الاجتماعات السنوية لفروع الجبهة بضرورة دعم القطاع العام وحمايته وإزالة جميع المعوقات التي تعترضه، والإبقاء على قيادته للمرافق الحيوية والإستراتيجية؟في حين قالت النائب هدى مليحي أن البيان أورد أن هناك نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.1% بين عامي 2006 و2007 وأن عام 2007 شهد استقراراً لسعر صرف الليرة السورية، ومع هذا فإن بيانات الواقع تشير إلى صعوبات عديدة عاناها اقتصادنا خلال 2006 و2007، وقالت انه على الرغم من عدم وجود بيانات دقيقة حول ظاهرة الفقر، لكن من الملاحظ أن هذه الظاهرة في ازدياد، وأن الطبقة المتوسطة بدأت تتدهور وتتلاشى لينقسم المجتمع إلى طبقتين فقيرة وفاحشة الثراء، ولعل طوابير الموجودين على نوافذ المسح الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل دليل على امتداد هذه الظاهرة وتحدثت عن استشراء ظاهرة الفساد والعجز عن مواجهتها أو الحد منه.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى