بدر الدين شننصفحات سورية

وتبقى المعارضة عصية على القمع وعلى الانتهاء

null
بدر الدين شنن

دون الدخول بالتفاصيل والجزئيات في الحراك السوري المعارض ، ورغم الأخطاء في التعاطي مع معادلة ( داخل / خارج ) ومعادلة ( ديمقراطية / عدالة اجتماعية ) ورغم الضربات القمعية المتلاحقة ، التي تعرض لها ، فإنه يمكن القول ، أن المعارضة في السبع سنوات الماضية قد انتقلت إلى مرحلة جديدة في المشهد السوري .
أصبحت حركتها ملموسة أكثر ، وموقعها أوضح في خريطة البلد السياسية . لم يعد النظام طليق الرغبة في إنكار وجودها وعدم أخذه بالحسبان حضورها على مستوى الداخل والخارج . ولم يعد المهتمون بالشأن السوري يتصرفون تجاه سوريا في شيء دون أن يفكروا بها وبدورها . ولعل ردود فعل النظام القمعية على حراكها المتعدد ، وخاصة بعد انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق ، هي التعبير الأكثر دلالة على ذلك . ويمكن من خلال قراءة تصاعدية ونوعية وانتقائية هذه الردود فعل ، قياس التأثير لهذا الحراك واستشفاف آفاقه الواعدة .

بمعنى أن المعارضة ، خلافاً لتصورات الأجهزة الأمنية وتصورات قليلي الصبر لم تنته .. ولن تنتهي ، لأنها حاجة موضوعية شعبية عريضة وحق إنساني مشروع . ومن البديهي يمكن القول ، لو أن المعارضة تجنبت أخطاءها لكانت الآن في موقع أفضل وسجلت نجاحات أكبر .

وهذه النظرة التقييمية المتفائلة نسبياً ، لم تأت من موقع الانحياز للمعارضة فحسب ، وإنما من خلال المعايشة والمشاركة اليومية لفصولها ومراحلها وتوالياتها ، منذ إعلان البلاغ العسكري الانقلابي رقم واحد عام 1963 ، الذي أعلن حكم الاستبداد وأعلن معه ولادة المعارضة ضده ، ولم تأت بدافع مبدئي أخلاقي في محنة المعارضة الراهنة فحسب أيضاً ، وإنما أتت محصلة لحسابات ملموسة ، بدلالة مراحل سابقة ، كانت فيها المعارضة ، إما في السجون والقبور دون أصوات إنسانية وا سعة تحتج على الظلم اللاحق بها ، وإما تحت الأرض دون القدرة على ملامسة دفء الاتصال بالشعب ، وإما خارج الحدود مشردة تقرع أبواب أصحاب الضمائر الشريفة دون إعلام نزيه ذي وزن ، يردد صدى نداءاتها وا ستغاثاتها وصرخاتها ، كما هي عليه اليوم . وبدلالة أنها لم تبلغ تنظيمياً من حيث التنوع والتعدد والتحالف كما هي عليه اليوم . وبدلالة متألقة أن السجن ، في سبيل التغيير الوطني الديمقراطي ، لم يكن محسوباً ومألوفاً ، كما هو عليه اليوم . وبدلالة ، وهذا بالغ الأهمية ، أن التيار الشعبي الكاسح بحجمه .. والمعارض بمطالبه المعيشية والاقتصادية والديمقراطية ، لم يكن يستوجب ، لدى عدد من قوى المعارضة الاهتمام به وإدخاله في حساباتها وبرامجها السياسية ، كما هو عليه اليوم .

لقد اجتاز الحراك المعارض مرحلة التذرر ، ودخل مرحلة التجمع والتحالف . حتى الآن لدينا ثلاث تكتلات هي إعلان دمشق وجبهة الخلاص والتجمع اليساري الماركسي – تيم – . وجميعها وإن حملت خلفيات وطروحات متمايزة ، إلاّ أنها تتقاسم رفض الاستبداد المتمثل بالد ستور الراهن وبحالة الطواريء والأحكام العرفية وملحقاتها من محاكم عسكرية وأمن دولة وغيرها ، وتتقاسم ، وإن تعددت الخرائط ، مشروع بناء نظام وطني ديمقراطي ، كما تتقاسم أيضاً وأيضاً غضب النظام والأجهزة الأمنية . وتشتبك سياسياً مع النظام من مواقعها المتعددة حول محاور الرفض والتغيير . ولايقلل من دلالة هذا التقاسم ، بل ربما يقويه ويسد ثغرات فيه ، الاشتباك الحواري اللافت فيما بينها حول الأولويات والخواتم في الفعل المعارض ، وحول المسارات والمواقف ، إن في عمق الداخل و استعصاءاته الاقتصادية والاجتماعية ، التي بلغت تخوم الجوع للأكثرية العظمى من الطبقات الشعبية ، والتي تهدد بطوفان اقتصاد السوق وآلامه الاجتماعية ، أو في العلاقة مع الخارج ومخاطر تداعياتها الموسومة بالسؤال والمسؤولية .

على أن هذه النظرة من طرف آخر ، لاتنفي الإشكالات السياسية والفكرية ، التي اكتنفت العمل المعارض ، منذ انطلاقته الجديدة مع إطلالة القرن الحالي ولاتزال . والتي أدى عدم إعطائها حقها في المعالجة في البدايات إلى حرفه عن مساره الشعبي .. وعن حامله الاجتماعي .. وعزلته في دوائر محددة من الفعاليات الثقافية والليبرالية ، وأفضت إلى تحديد السمت السياسي الملتبس لمسار المعارضة ، وتجاهل البعد الاقتصادي والاجتماعي للتغيير ، وتجاهل أن وجود خلفيات وانتماءات اجتماعية متعددة بين القوى المعارضة يتبعها بالضرورة سموتاً متعددة ، تؤدي إلى تبني أ شكال متباينة في بناء معارضة الاستبداد ، وفي نظام ما بعد الاستبداد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، إضافة إلى ما يتبعها بالضرورة أيضاً من أبعاد جديدة معاصرة للديمقراطية .

طغيان الطابع الليبرالي النخبوي وسط أركان المعارضة ، غلّب فكرة التأجيل ، أو ألغى ، معالجة هذه الإشكالية ، وطرح سمتاً وسطا ” الديمقراطية .. حاف .. ” بذريعة لملمة الصفوف أولاً وبعدها صناديق الاقتراع هي الحكم . وهذا الأساس الفاقد للتماسك في العمل المعارض ، هو الذي انتهى موضوعياً وليس المعارضة .

والمعارضة باعتبارها تعبير أصيل عن حاجة سياسية واجتماعية موضوعية .. وعن حق إنساني مشروع في مواجهة الاستبداد من أجل الحرية والمساواة في الحقوق هي باقية .. لأنها ملك الشعب .. وهي لهذا تحديداً عصية على القمع وعلى الانتهاء .

ما هو مطلوب الآن ، هو قراءة المشهد المعارض الجديد في الداخل ، الذي تشكل في الأسابيع الأخيرة ، بعيد انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق ، وماأعقبه من تداعيات ، ومن اعتقالات وضغوطات في وسط الإعلان وفي أوساط معارضة أخرى ، قراءة متأنية ببصيرة منفتحة قبل العيون المفتوحة ، لاسيما مارافق ذلك من مناقشات وحوارات علنية حول الأمور الخلافية بين قوى الإعلان والمهتمين بالشأن السوري المعارض .

وهنا مع حفظ الحقوق واحترام النوايا الحسنة ، لابد من الإشارة إلى تجاوز التأثر بالقمع وبجدلية ( محلي – إقليمي – دولي ) المعقدة ، المتداولة أحياناً خارج سياقها الموضوعي ، وتجاوز المواقف المسبقة المثيرة للجدل ، عند البحث عن رؤى ودروب جديدة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى