صفحات مختارة

ماذا يعني أن تكون يساريا في القرن ٢١ ؟

null


مي غودمان : انتهى منتدى اليسار لعام 2007 في مدينة نيو يورك الأحد الماضي . كل ربيع يدعو المنتدى إلى أكبر لقاء هنا في هذا البلد لليسار العالمي . مع نهاية المائة اجتماع و ال 300 حدث ثقافي أساسي فإن منتدى اليسار قد جمع المنظمين و المثقفين من كل مكان في الكوكب .

أحد الذين تحدثوا في اللقاء كان البروفيسور و الناقد الثقافي و المنادي بالعدالة الاجتماعية كورنيل ويست . لقد وصف بأنه واحد من أكثر مفكري أمريكا الشعبيين حيوية و بلاغة . بروفيسور الدين و الدراسات الأمريكية الأفريقية في جامعة برينستون ، البروفيسور ويست ناقد للثقافة و يعمل الآن محللا لفن و لفلسفة ما بعد الحداثة ، و قد كتب أو شارك في العديد من الكتب عن الفلسفة و الأعراق و علم الاجتماع .

كتابه الأخير كان : مسائل الديمقراطية : كسب الحرب ضد الإمبريالية . و قد تحدث أمام أحد الاجتماعات في منتدى اليسار . بدأ كورنيل ويست بالحديث عن حالة اليسار السياسي في عام 2007 .

كورنيل ويست : ما الذي يعنيه فعلا أن تكون يساريا في بدايات القرن ال 21 ؟

ما الذي نتحدث عنه بالفعل ؟ و سأكون شفافا للغاية في حديثي معكم . إنه يعني أن تمتلك نوعا ما من حساسية بالغة ، أن تقوم بخيارات خاصة سياسية و أخلاقية ، و أن تمارس تركيزا تحليليا خاصا يركز على الكارثي ، الوحشي و المشين و المؤذي ، الذي يختبئ و يختفي غالبا في الخطابات الكريهة و المدمرة للسائد . هذا ما يعنيه أن تكون يساريا . دعونا نكون واضحين فيما يتعلق بالموضوع . أي إذا كنا مهتمين بالعنف البنيوي ( الذي يتعلق بالبنية الاجتماعية ) ، إذا كنت مهتما بالاستغلال في مكان العمل ، إذا كنت مهتما بازدراء المثليين جنسيا ، و إذا كنت تكترث للكراهية المنظمة ضد أصحاب البشرة الملونة ، إذا كنت تكترث لوضع المرأة في مرتبة أدنى ، إن هذا ليس لغوا فارغا على كومبيوترك الشخصي ، إنها دعوة إلى أنك ترغب في النضال ضد و محاولة فهم مصادر هذا الشقاء الاجتماعي على مستوى البنية الاجتماعية و مستوى المؤسسات و على المستويين الوجودي و الفردي . هذا ما يعنيه ، جزئيا ، أن تكون يساريا .

لذلك فإننا قد اخترنا أن نكون نوعا خاصا من البشر . و لذلك هي دعوة و ليست مهنة . إنها رسالة و ليست حرفة . لذلك فإنك ترى هؤلاء المحاربين يأتون إلى هنا سنة بعد أخرى ، لأنهم مقتنعون بأنهم لا يريدون أن يعيشوا في عالم و لا يرغبون بأن يكونوا بشرا حسب طريقة لا يستخدمون فيها مصادرهم الفكرية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية بطريقة ما ليتركوا هذا العالم و لو أفضل بأية درجة مما كان عليه عندما دخلوا إليه .

هذا جزئيا ما الذي يعنيه أن تكون يساريا . الآن ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلي ؟ ما يعنيه لي في الولايات المتحدة – و سأعود الآن إلى قبل 400 سنة إلى جيمس تاون . جميعكم يعلم أنه تمر هذه الأيام الذكرى السنوية ال 400 لأول مستوطنة بريطانية تمكنت من البقاء في العالم الجديد . كان هناك رونوك قبلها لكنها لم تتمكن من الاستمرار . جيمس تاون أخيرا ، صحيح ؟ و ماذا هناك في جيمس تاون ؟ نادي فرجينيا اللندني ، امتداد للإمبراطورية البريطانية ، تشق طريقها مع الزوارق الثلاثة التي لا حاجة لنا بها أن نذكر أسماءها هنا . و ماذا فعل هؤلاء المستوطنين ؟ لقد تفاعلوا مع إمبراطورية أخرى ، إمبراطورية البوهاتان ، التي كانت توجد على هذه الأرض مؤلفة من السكان الأصليين . ما حصل بالفعل هو تصادم الإمبراطوريتين . إنه عصر الإمبراطورية . لكن لماذا هم هنا ؟ للبحث عن الذهب و الفضة ، و بشكل ثانوي لتحضير ( جعلهم متحضرين – المترجم ) سكان البلاد الأصليين .

أي أننا حصلنا على أمريكا كشركة قبل أن تكون بلدا . إن جشع الشركة يوجد بالفعل في المركز فيما يتعلق بالشيء الذي يدفع هذه البلد . و جشع الشركات ، كما فهمه ماركس ، رأس المال كعلاقة اجتماعية ، علاقة غير متكافئة للقوة بين السادة و العمال ، بحيث أن أولئك الذين في القمة قادرين على أن يعيشوا حياة البذخ و أولئك الذين يعملون سيكونون ضروريين لكن أيضا أن يجري استغلالهم لكي ينتجوا الثروة .

بعد ذلك هناك الدين ، “لتحضير” سكان البلاد الأصليين . هنا لا يمكنك أن تتكلم عن الخبرة الأمريكية في هذا المجال – و أعتقد أن هذا صحيح بعدة وجوه عن خبرة العالم الجديد أيضا – دون أن نتحدث عن الدور المهيمن للدين كإيديولوجيا . كما أننا نعرف واحدة من الأسباب التي تفسر لماذا هذه الأعداد الكبيرة من مواطنينا اليوم في الولايات المتحدة ، لماذا هم ليسوا يساريين ، و ذلك تحديدا لأنهم لم يستيقظوا من مشيهم أثناء النوم . أنهم لم يقتنعوا بعد أن عليهم أن يختاروا أن يعيشوا حياتهم بالطريقة التي اخترناها ، جزئيا لأننا قد وصمنا بعلامة معادي للدين أننا علمانيون عديمو الخبرة أو أن هذا ما نملكه .

و هؤلاء هم 98 % من مواطنينا . لذا لا يهم عن أية منظمة سياسية يتحدث الأخ ستانلي فإنه سيكون غرامشيا ( نسبة للشيوعي الإيطالي غرامشي ، المترجم ) فيما يتعلق بها . إن عليه أن ينخرط في الثقافة الشعبية اليومية للناس و 98 % منهم يتحدث عن الله . إنهم ال 97،5 % من مواطنينا الأمريكان الذين يؤمنون بالله .

75 % يؤمنون أن يسوع هو ابن الله . 62% يؤمنون أنهم يتحدثون بعبارات حميمة مع الله مرتين على الأقل في اليوم . هذا هو من نتعامل معهم فيما يتعلق بمواطنينا الأمريكيين . يمكنك أن تتحدث عن منظمة لن تستمر مع مرور الوقت ، إن لم تكن تتحدث باستخدام مصطلحات غرامشية ( نسبة للشيوعي الإيطالي غرامشي ، المترجم ) عن كيفية استخدام الرأي و الرؤية و التحليل اليساريين ، في ضوء تراث الإيديولوجيات المسيطرة – المسيحية ، الإسلام ، اليهودية ، البوذية ، و غيرها .

لكن بعدها ، ماذا الذي حدث أيضا ؟ 1619 أصبح لدينا عبيدا بيض و عبيدا سود . أصبح لدينا أول جمعية تمثيلية تشكلت وفقا لنموذج الشركة ، لكنها كانت أيضا محاولة لاختيار أول جمعية تمثيلية عبر انتخابات ديمقراطية . اجتمعت يوم 30 يوليو تموز 1619 . لقد ألغيت في 4 أغسطس آب لأنها أصبحت حامية أكثر من اللازم . بعد ذلك بثلاثين يوما وصلت أولى المراكب و هي تحمل أول الأفارقة . في ذلك الوقت لم تكن العبودية قد جرى ربطها بالعرق أو باللون بعد . كان يمكن أن يكون لديك عبيدا بيض اللون أو سود اللون . لكن بالنسبة للعبيد ذوي البشرة البيضاء ، انظر إلى سجل عام 1621 ، كان لديهم أسماء مثل جيمس ستيوارت و تشارلز ماكغريغور . لكن عليك أن تنظر إلى الجانب الأيمن حيث سترى زنجي ، زنجي ، زنجي ، زنجي . إذا حتى قبل أن تصبح العبودية بنية مستمرة و قابلة للتوريث لتحقيق السيطرة و التي ستستغل عمل الأفارقة و ستخفض قيمة ما يكونون هم أنفسهم و ترى في أجسادهم مجرد شيء قذر ، كانت هناك فعليا مشكلة عدم وجود اسم للسود . التفوق الأبيض كان قد وجد فعلا كإيديولوجيا أخرى للهيمنة لتضمن أن هؤلاء الشغيلة لن يتحدوا معا .

و سيصاب جشع الشركة بالسعار وسط هذا الانقسام العميق جدا ، الذي لم يكن مجرد انقسام سياسي . إنه عملية خلق لعوالم مختلفة ، بحيث أن الفصل الأبيض المتفوق الواقعي سيكون جزءا من تشكيل الإمبراطورية الأمريكية و سيخلق عوالم مختلفة جدا و سيشكل تحديا رئيسيا لما يعنيه أن تكون يساريا في أمريكا بين 1776 و حتى 1963 عندما تمت الإطاحة بالأبارتيد الأمريكي التي تمت في أعوام الستينيات . و بعد فإننا نتصارع اليوم مع التراث ، مع انتصار حركة حرية السود و حرية كل البيض و السود – أعني الرفاق البيض و الملونين و الآسيويين الذين كانوا جزءا من حركة حرية السود التي قصمت ظهر الأبارتيد الأمريكي في أعوام الستينيات .

ما الذي أقوله ؟ الذي أقوله هو أنه على الأقل بالنسبة لي أن تكون يساريا في هذه الأيام ، بالطريقة التي بواسطتها – و أنا آخذ بكل الجدية حرص أنطونيو غرامشي على النوعية التاريخية للدعم الناشئ و التطور و التعريف التالي للإمبراطورية الأمريكية . و عندما تنظر عن قرب إلى هذه الإمبراطورية فإنها تبدو لي كما يمكن أن نتفق عليه عن الدور الرئيسي لجشع الشركة و الإيديولوجيات الدينية و التفوق الأبيض ، و الدور الأساسي للثقافة الرائجة و للشباب ، و أن تسلم بأنه عندما تتحدث عن التفوق الأبيض فإنك تتحدث بالفعل و بطريقة أو أخرى عن معاملة النساء ذوات البشرة السوداء . و إذا كنت تكترث لطريقة معاملة النسوة السود فإن عليك أن تهتم أيضا لطريقة معاملة النساء جميعا . هنا تحضر الإيديولوجيات الشريرة ، الأبوية . و نفس الشيء سيكون صحيحا فيما يتعلق بجيمس بالدوين و أودري لوردز ، المثليين جنسيا . الآن إلى أين يقودنا هذا ؟ حسنا ، بالنسبة لي – و جميعكم تعرفون عن حركة آداب المجتمع لتافيس سمايلي ، الكتاب الذي أصدر السنة الماضية ، و الذي اعتبر الكتاب رقم واحد من قبل النيويورك تايمز . لقد باع 400000 نسخة خلال 9 شهور دون أن تعقب عليه النيويورك تايمز أو أن يعقب عليه عرض اليوم التلفزيوني . حتى أوبرا لا يمكنها أن تنفخ فيه روحا أكثر . و هي تستطيع أن تنفخ الروح في بعض الكتب لتبيع نصف مليون نسخة هذه الأيام كما تعرفون ؟ يمكن سؤال سيدني بويتر و الأخ إيلي ويزلي عن هذا . لكن هذا الكتاب مر من دون ضجة .

لماذا ؟ لأن تافيس سمايلي يعرف أنه في الثقافة الأمريكية التي هي ثقافة سلعية تماما يقودها جشع الشركات ، تجارية تماما ، و تقوم على التسويق ، الذي يقوده جشع الشركات ، فإن عليه أن يكون قادرا على التواصل بطريقة تمكنه من هز الناس و هم يمشون أثناء نومهم ، الشيء الذي فعله كل سنة من على سي سبان ، و يستخدم موقعه لكي يثير قضايا الحق في الرعاية الصحية و تشكيل البوليس الذي يقوم على المجتمع المحلي بحيث يمكن التعامل مع و الحد من شيء من وحشية البوليس خاصة في مجتمعات السود و الملونين ذات الطبيعة البروليتارية و شبه البروليتارية و ما إلى ذلك .

انظر إلى صحيفة النيويورك تايمز التي صدرت يوم الأحد الماضي : المجلد الثاني كان رقم سبعة . باع 150000 نسخة خلال 3 أسابيع . 3 أسابيع . لقد عدنا للتو من زيارة ل 21 مدينة . و قد قمنا برحلة إلى 22 مدينة في السنة الماضية . وجدنا هذا الكتاب دون أن يتعرض له أحد بالتعليق و الاتجاه السائد في التلفيزيونات لم يذكره حتى .

ما الذي يجري ؟ هل بدأ العصر الجليدي بالذوبان ؟ هل أن السنوات ال 35 التي تحدث عنها الأخ ستانلي ، العصر الجليدي ، الفترة التاريخية التي كان فيها عدم التأثر لمعاناة الآخرين شيئا من الموضة – عدم الاكتراث هو خصلة تدفع أي ملاك إلى البكاء ، و تجعل صاحبها مثل الخرقة في مواجهة الكارثة . و من الصحيح أن الوضع في نيو أورليانز كان كارثيا حتى قبل إعصار كاترينا ، كان الوضع كارثيا في نيو أورليانز حتى بدون كاترينا .

يمكن أن نرى في بروكلين ، هارلم ، الجانب الجنوبي من شيكاغو ، باريوس في شرق لوس أنجلوس ، الأخوة و الأخوات البيض في كنتاكي ، أبالاتشيا ، يقاومون أوضاعا كارثية ، كارثية .

ماذا يعني هذا ؟ يعني أننا قد نكون في لحظة حيث ستوجد عدة إستراتيجيات في نفس الوقت . من الواضح أن الحزب الديمقراطي يبقى من دون دليل و من دون رؤية و رخوا في قسمه الأكبر . هل يعني هذا أن نسلم لهم ؟ كلا ، هذا لا يعني أن نسلم لهم ، لكن علينا أن نكون صريحين معهم . لكن قد تسمح لشخص ما بطريقة ما أن يقول – و هذا ما أعتقد أن الأخ ريك وولف يتحدث عنه فيما يتعلق بوضع حد لإجماع اليمين ، الطرق التي لا تصدق التي يمسك بها اليوم مواطنونا من اليمين بحلوق بعضهم البعض . إن اليمين البروتستانتي لا يمكنه أن يحتمل المسوقين الأحرار ، و لا واضعي الميزانيات المتوازنة .

هذا جيد . لندعهم يقاتلون . لندعهم يقاتلون . يقاتلون بعضهم بعضا . فسيصيبهم الضعف بهذه الطريقة .

لكن أي نوع من البدائل نملكه نحن ؟ أنا لا أملك جوابا على هذا السؤال . لا أعتقد أن اليسار يملك ما يكفي من الموارد ، ما يكفي من البشر ، ليشكل منظمة سياسية قوية ، يا ستانلي . يمكن أن نختلف حول ذلك . لقد أنهينا ساعتين من تناول الشراب ، لذا فإننا قد تبادلنا بعض النقاش . أعتقد أنه بأن نطرح القضايا فإن هذا يفرض علينا أن نصل إلى حقيقة ما نحن عليه فعلا .

هذا ما أحبه . إن هذا سقراطي . إن هذا محفز . الآن ماذا سنفعل بكل هذا ؟ أنا لا أعرف حقا . و السبب لماذا أقول هذا لأنه تاريخيا كانت معظم الحركات اليسارية تميل إلى أن تستجيب عمليا للنشاط الإصلاحي بحيث أن النضال ضد التفوق الأبيض كان هو الحافز الرئيسي . و هكذا عندما أفكر في كل العمل الذي أقوم به هذه الأثناء ، خاصة في أمريكا السوداء ، لكن طبعا الذي يعتمد في كل الأوقات على تحالف راهن مؤقت ، أن الهوية اليسارية لن تصبح الوسيلة الرئيسية التي سنستطيع بواسطتها إيقاظ الناس و أن يتفاهموا حول بؤسهم الاجتماعي ، أن يكونوا مستعدين لينهضوا بجرأة ، يشكلوا رؤية ، و أكثر أهمية أن يكون لديك مجموعة من البشر المستعدين لأن يعيشوا و يموتوا في سبيل قضية ، كما ترى ، لأنه لديهم قصص و أخبار أخرى يستخدمونها لتقوم بذلك .

لذلك فإنني سأقول أن مارتين كينغ و فاني لو هامر كانا أكثر أهمية من حزب الفهود السود . لقد كانوا يبنون فعلا على ما بناه مارتين و الآخرون ، بقدر ما أحب هيوي و بوبي سيل ( مؤسسو و قادة حزب الفهود السود – المترجم ) . لقد دفعوا الأمور أبعد . لكن الباب كان قد فتح من قبل تلك الفعاليات الإصلاحية . و ما أود رؤيته هو أن تصبح الإصلاحية الراديكالية مرة أخرى رائجة بين الشباب ، و عندها تتيح لليسار أن يأتي و يفعل فعله . هذا ما أتطلع إليه .

حديث كورنيل ويست أمام منتدى اليسار 2007 في مدينة نيويورك .

آذار (مارس) ٢٠٠٨ ، بقلم مازن كم الماز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى