صفحات الحوار

لقاء مع الناشط في إعلان دمشق الوطني بير رستم: نعود عندما تصبح سوريا حرّة!

null
حاوره جهاد صالح
يعتبر الأستاذ بير رستم العضو القيادي في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، والذي هو أحد الأطراف المنتمية الى “إعلان دمشق للتغيير الوطني”، ناشطا وأديبا استطاع أن يرسم لنفسه طريقا رغم الأسلاك الشائكة والثقافة القمعية، فأصبح من الكوادر الفعالة والنشطة داخل الإعلان ومساهمته في تشكيل المجلس الوطني لإعلان دمشق من خلال حضوره لجميع الجلسات التحضيرية واللاحقة، وحصوله على نصيبه وحصّته من الإعتقال والإستجوابات التي طاولت كوادر وقيادات المجلس الوطني، إلى أن وضع أمام خيار واحد هو المنفى القسري. البداية من اسطنبول، ثم بيروت عاصمة الحريات والمثقفين، وفيها كان لقاؤنا التالي:
***
لنتحدث بداية عن ظروف اعتقالك. ماذا جرى معك داخل المعتقل؟
ـ قبل الإعتقال الأخير تعرضنا للكثير من الإستجوابات الأمنية، ومنذ بداية الألفية الجديدة ومن خلال نشاطاتنا الأدبية ومشاركاتنا في المهرجانات والمنتديات الثقافية سواء في الداخل (داخل البلد) أو من خلال المشاركة في مهرجانات أدبية في الأجزاء الأخرى من كردستان، كنا نتعرض للتحقيق والإستجواب من قبل سائر الفروع الأمنية في سوريا. ولكن إثر مشاركتنا الأخيرة في المجلس الوطني لقوى اعلان دمشق، كما رأيتم، تعرض معظم كوادر وقادة الإعلان للملاحقة والاعتقال، وقد كنت من بينهم­ في المرة الأولى­ وعلى أثر ذلك تم توقيفنا لمدة يومين في فرع أمن الدولة بحلب، وأخلي سبيلنا مع عدد كبير من كوادر الإعلان، مع الإبقاء على ثلاثة عشر قيادياً من قياديي الإعلان والذين ما زالوا رهن الاعتقال.
ولكن بعد أكثر من شهرين من الإعتقال الأول فوجئنا بالإستدعاء الأمني الجديد، وخاصة أنه جرى من قبل الأمن الجوي، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها استدعاؤنا من قبل هذا الفرع، ومثل كل مرة أبلغنا قيادة الحزب وبعد أن تمت الموافقة على أن نلبي الاستدعاء، بالفعل قمت في صباح الخامس عشر من شهر آذار بمراجعة فرع الأمن الجوي بحلب، ولكن ما إن أحتجزت من قبلهم حتى أرسلوا دورية أمنية إلى بلدتي (جنديرس) ليطوقوا البيت ويستولوا على كل أرشيفي الأدبي والسياسي، وحجز كل شيء وحرق كل ملفاتي وأرشيفي، ورهن الكمبيوتر الخاص بي لديهم حتى اللحظة؛ وخلال الأيام الثمانية التي أحتجزت في منفردات (ثلاثة أيام في حلب وخمسة في دمشق) تعرضت لأكثر من عشر جلسات استجواب أمنية وخاصة في دمشق، وأنتم أدرى بالظروف التي تجري فيها التحقيقات في أقبية فروع الأمن السوري وما يتعرض له المواطن السوري من إهانات وضغوطات نفسية وجسدية.
ولماذا سمحوا لك بالخروج من سوريا؟
ـ سؤال مهم وإن كان يحمل في طياته بعض الشكوك، ولكن أعتقد إن الغاية من طرحه هو التوضيح والتفسير أكثر ما هو. أعتقد أن النظام الأمني السوري يلعب لعبة ذكية مع الكوادر السياسية والثقافية السورية، ومنذ مدة لا بأس، بها يفتح المجال أمام هذه الكوادر لأن تنشط بعض الشيء، ولكن دون أن تتجاوز الخطوط الحمر التي رسمها، وهكذا يكون قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو من جهة يعمل على تهدئة الداخل ويخفف من حالة الاحتقان، من خلال نشاط محدود للمعارضة من دون أن تمّس مصالحه وتسيّده، ومن جهة أخرى يساوم الخارج من خلال هذا الهامش الديمقراطي في الداخل للحصول منه على بعض مطاليبه؛ وكل هذا ضمن لعبته وأجندته السياسية، ولكن ما أن يتجاوز أحد الكوادر والشخصيات السياسية أو الفكرية تلك الخطوط الحمر، أو تتسع دائرة تأثيره حتى يتعرّض للضغوط الأمنية والاعتقال المتكرر بغية دفعه إلى خيارات محددة، فإما الرضوخ والإستسلام، (لا نعني بالتأكيد العمالة لهم مع أنهم يطلبون ذلك علانية وجهراً ومن دون خجل) أو في الأقل أن يتوقف عن كل نشاط أدبي وسياسي وفكري، وهذا يعني موتا معنويا وفكريا لأي ناشط سياسي. وإن لم يرضَ بهذا المصير لنفسه، فليس أمامه إلا الهجرة والتشرد إلى بلاد وأوطان أخرى، وها نحن نعيش ذلك بحيث بات أكثر النشطاء والكتّاب والسياسيين السوريين، ومن بينهم الكرد، إما خارج البلاد وإما في السجون وأنا واحد منهم.
قد يكون النظام نجح في اعتقال قيادات الإعلان وإسكات صوتهم في الداخل، لكنه شرّع الإعلان حين اكتسب تأييدا من العديد من دول أوروبا وأميركا وغيرها، أي حصل الإعلان على ترخيص من خارج الحدود(كتنظيم وطني وديمقراطي)!
ـ طبعاً فإن أي حراك سياسي لقوى المعارضة وما يقابله من إجراءات أمنية قمعية ومستبدة تجد لها صدى في الداخل والخارج، وهذه هي الحال بالنسبة لقوى اعلان دمشق، وما قامت به من نشاطات سواء في سوريا أو في الدول التي تتواجد على أرضها بعض رموز الإعلان، ومنها الولايات المتحدة الأميركية؛ أما النشاط الأخير المتمثل بانعقاد المجلس الوطني لقوى الإعلان في العاصمة السورية دمشق، وبعدد يتجاوز المئة والستين مندوباً ومن مختلف الأطياف الوطنية والعرقية من كرد وعرب وآشوريين، وكذلك من تيارات دينية وسياسية وإيديولوجية متباينة وتوافقهم (مع تحفظنا على بعض النقاط) على مشروع وطني سوري، فقد جاء بمثابة رسالة قوية للنظام السوري وكذلك للدول الأوروبية وأميركا، بأنه ليس صحيحا ما يدّعيه النظام بأنه لا بديل عنه (أي النظام) غير الإسلاميين السلفيين، بل هاهي المعارضة الوطنية السورية تشكل مجلسها (برلمانها) وبالتالي فهي قادرة على تشكيل حكومتها الائتلافية عند الحاجة وفي الحالات الطارئة، وهذا أدخل الأجهزة الأمنية في حالة استنفار لقمع هذه الأصوات الوطنية سواء من داخل قوى الإعلان، أو من خلال التضييق والاعتقال والتهجير والنفي، وهذا ما أعطى بعداً دولياً لكل المعارضة السورية وليس لقوى الإعلان فقط، وإن كانت قوى الإعلان على رأسها.
لكن حالياً دخل النظام في سوريا في مرحلة المساومات وإعادة انتاج نفسه من جديد، وخاصة من خلال دوره الخفي في مؤتمر الدوحة الخاص بلبنان، وهو سائر نحو السلام مع اسرائيل. ألا يشكل ذلك خطراً على الديمقراطية ودولة القانون مطلب المعارضة السورية. هل يمكن حدوث صفقة وتسوية مصالح على حساب الداخل السوري؟
ـ للسياسة جانبها السيئ، فليس هناك الخير المطلق، ويمكن من خلال هذه الرؤية أن ندرك بأن هناك بعض الظلال والأماكن المظلمة في السياسة الدولية تجاه قضايا الداخل من ديمقراطية وحريات وحقوق إنسان، وكذلك القضايا العرقية الأثنية والتي ما زالت عالقة كالقضية الكردية وتقسيم كوردستان بين دول عدة إثر اتفاقيات استعمارية من لوزان وغيرها، وبالتالي ليس مستبعدا أن تتم تسوية (صفقة) مرحلية في هذه الفترة بحيث يتم احتواء سوريا لحل بعض القضايا العالقة في المنطقة، مثل لبنان، وأيضا التسوية السورية الإسرائيلية أو قضية السلام الشامل والعادل بحسب تعبير النظام، تالياً الضغط على المعارضة لأن تتريث قليلاً ونقصد ضغط الظرف والحالة، كون المعارضة تدعي بأنها غير خاضعة لأجندة وقوى خارجية، وهكذا يتم تأجيل السياسة الداخلية وحلولها لفترة زمنية اضافية؛ لكن لانعتقد بأن هذه الصفقة سيكتب لها النجاح، أو على الأقل سوف تستمر لعقود وعقود. هذا نوع من التهدئة لالتقاط الأنفاس لكل الفرقاء وسوف نجد لها في المدى المنظور جولات أخرى من الصراع وربما الدموي في المنطقة كون الأجندة المطروحة هي أجندة صراع لا مهادنة، وحركة التاريخ، تسير الى الأمام.
هل أنتم، كسوريين، متفائلون بالتغيير داخل سوريا، والحصول على وطن ديمقراطي، مع العلم بأن هذا التفاؤل كان موجوداً لدى أقطاب المعارضة السورية عند وفاة حافظ الأسد. أم أن الكابوس سيستمر لعقود أخرى طويلة؟
ـ نحن محكومون بالتفاؤل وأقصد الإنسان عموماً، فلولا هذه الصفة في الكائن البشري لما كانت الحياة مستمرة أصلاً، ولكن نعتقد أن الظرف والمناخ السياسي الدولي بين المرحلتين(مرحلة الأب والإبن) مختلفة إلى حد كبير، ولا نريد أن ندخل هنا في تفاصيل ودقائق المرحلتين. مرحلة الأسد الأب كانت مرحلة صراع القطبين العالميين الذي كان يعطي لهذه الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الحق المطلق في استبدادها الداخلي وقمعها لشعوبها مقابل الحفاظ على مصالح حلفائها الإقتصادية والسياسية في المنطقة،أما المرحلة الجديدة فجاءت متلازمة مع الاهتمام العالمي بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير، وبمعنى ما فإن العولمة شملت ليس فقط القضايا الاقتصادية والمالية، وإنما الجوانب الفكرية والحقوقية، وهذه بعض منافع العولمة وجوانبها الحضارية والإنسانية، وبالتالي يمكن القول إن مشروع التغيير الديمقراطي في سوريا قد يتأخر ويؤجل بعض الشيء، ولكنه آتٍ لا محالة.
الأكراد في سوريا يعتبرون أنفسهم صنّاع الحرية والتغيير وحطبهما، وبالمقابل ما زالت ثقافة التمييز تمارس في حقهم حتى من قبل بعض القوى المعارضة. هناك ضبابية سياسية وفكرية تجاه الحقوق الكردية في سوريا في الوسط السوري المعارض؟
ـ يا للأسف هذا هو الواقع. واقع توارثناه جميعاً (المضهَد والمضطهِد) أي إن العلة تكمن في الثقافة والعقلية والمناخ الثقافي والفكري الذي عشناه ونعيشه. إن ثقافة المنطقة ومنها الإسلامية الدينية والقومية العربية تعتبران بأن العنصر العربي هو مركز الحضارة والكينونة، أما الأقوام والأديان والعناصر الأخرى فليست سوى أفلاك وأقمار حول هذا المركز (الشمس). هذه الثقافة القائمة على التمييز لا بد أن تكون لها تداعياتها الإجتماعية والسياسية والأخلاقية. ناهيك عن الجوانب الحياتية الأخرى، فالعلة والمشكلة ليست في موقف السلطة أو المعارضة من القضية الكردية، وإنما في الموقف الفكري والسياسي القائم على أساس أن العربي هو الأساس والحقيقة وليست المجموعات والعناصر الأخرى إلا حالات طارئة مرضية سرطانية يجب استئصالها. وهكذا فإن المطلوب من القوى والفعاليات الفكرية والثقافية أن تعمل على تصحيح جملة مفاهيم فكرية وسياسية وأخلاقية بحيث تنسجم مع الحقيقة والواقع الراهن، وليس مع مفاهيم قائمة على أوطان وهمية في خيالات مجموعة من القوميين والإسلاميين المغالين.
شهدت عواصم القرار في الآونة الأخيرة حراكاً ونشاطاً واضحاً لقوى المعارضة السورية، وصلت إلى الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي ومجلس اللوردات. هل يؤثر هذا على السلطة السورية. أيمكن أن تكون المعارضة من الخارج بديلاً عن المعارضة الداخلية التي ضربت وتضرب بقوة بيد الأمن السوري؟
ـ من المؤكد إن أي حراك ونشاط سياسي سواء في الداخل أو في الخارج سوف يؤثر على النظام، إن كانت هذه الأنظمة الشمولية والإستبدادية، وخاصة في حالات التيقن من أنها إلى الزوال، فقد فقدت صلاحيتها بالنسبة لعواصم دول القرار. نعم إنها في هذه الظروف تتمرد على أسيادها أحيانا وتعاند قرارات المجتمع الدولي وترفضها، وهذا ما رأيناه من أنظمة بغداد وبلغراد السابقة، وما آل إليه مصيرها، وكذلك نراه اليوم في أنظمة أخرى على شاكلتها كالنظامين السوري والإيراني ولو بدرجات مختلفة بحسب أجندة وقوة وامكانيات كل نظام. ولكن المؤكد أن الحراك الأخير لقوى المعارضة السورية في الخارج يقلق النظام بشكل كبير، وما تخوينه لها إلا ردة فعل قوية من قبله وذلك نتيجة تأثر النظام بتلك الأنشطة وذاك الحراك، فعلى قدر الألم يكون الصراخ والعويل. أما بخصوص الفصل بين المعارضة في الداخل والخارج فإننا لسنا من مناصريها بل نعتبر أن المعارضة الخارجية هي جزء وامتداد للحالة الداخلية من حيث الانتماء الوطني والأثني وكذلك بأجندتها السياسية والمطلبية، أما الفصل فيما بينهما فهو صنعة من النظام لضربها وإضعافها عموماً، وصنعة من المعارضة نفسها (في الداخل) ناجمة عن خوفها من استبداد النظام واشتداد قمعه لها.
في رأيك ما هو السبيل الأنجع لخلاص الشعب السوري من الاضطهاد وحرمانه الحريات الأساسية؟
ـ ما من وصفات جاهزة وناجعة لأي حل من الحلول ولأية قضية مهما كانت واضحة أو معقدة، لكن الفعل الجماهيري والتاريخي لمسيرة الحياة والمجتمعات وكذلك المناخ السياسي والثقافي العام وحالة القوى والتوازنات الدولية ومجموع التأثيرات الأخرى، سواء كانت داخلية وطنية أو خارجية دولية، تسهم جميعها في ايجاد الحلول للمسائل والقضايا العامة. والحالة السورية ليست استثناء عن القاعدة، وهكذا ومن خلال قراءة موضوعية لمجمل الظروف والمناخات التي تعيشها سوريا بلداً وشعباً ونظاماً، وعلى ضوء التوازنات الموجودة، فإن الشعب السوري وفي ظل القبضة الأمنية المتشددة وحالة ضعف المعارضة عموماً، لا يستطيع القيام بأي حراك سياسي فعلي للوصول إلى الخلاص من دون مساعدة خارجية دولية.
أصبحت قسراً رقماً في عداد الأرقام المنفية. ما هو الوقت المناسب لعودة المنفيين السوريين إلى وطنهم؟
ـ عندما تستعيد سوريا حريتها شعباً وسلطة ونظاماً، وتصبح وطناً حقيقياً لكل السوريين على مختلف انتماءاتهم العرقية الأثنية والدينية والأيديولوجية السياسية، أي عندما يكون الشعب السوري قادراً على ممارسة حقه الطبيعي والحقيقي في رسم سياسة البلد من خلال انتخابات برلمانية حقيقية، وتكوين وتشكيل المؤسسات التنفيذية والقضائية لإدارة البلاد، وفي ظل أجواء ومناخات ديمقراطية ليبرالية حرة، بحيث تكون حرية الرأي والتعبير مصانة بالقانون والدستور الجديد للبلاد. بكلمة واحدة: عندما تصبح سوريا حرّة.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى