صفحات سوريةمعقل زهور عدي

إعلان دمشق هل حان وقت إعادة التموضع السياسي؟

null
معقل زهور عدي
يؤشر بيان إعلان دمشق الصادر في 5/9/2008 (بيان إلى الرأي العام حول المتغيرات في سورية والمنطقة) لرغبة واضحة في إعادة التموضع السياسي في ضوء (المتغيرات في سورية والمنطقة)، بحيث يتم الانتقال من فكرة المعارضة المطلقة إلى فكرة معارضة نسبية تضع في الحساب وجود قاسم مشترك مهم مع نظام الحكم.
في الحالة الأولى (المعارضة المطلقة) كان لدينا (وفق تصور ساد لفترة داخل إعلان دمشق) قطبان سياسيان، الحكم من جهة والمعارضة من جهة أخرى، واحد يمثل
(الشر) وآخر يمثل الخير، واحد يمثل الماضي وآخر يمثل المستقبل، وبين هذين القطبين ليس ثمة من مكان للوقوف، فاما ان تكون مع النظام او مع المعارضة، وحين يتم اسقاط فكرة المعارضة على أرض الواقع تصبح (اعلان دمشق) ولاشيء غيره.
هذا التصور النمطي كان الأرضية التي دفعت اعلان دمشق لفكرة تكوين مجلس وطني، لايمكن تفسيره سوى بكونه هيئة مرجعية لسلطة في الظل (في الحقيقة جاء كبديل لفكرة المؤتمر الوطني مع اعطائه شكل مؤسسة دائمة).
يذكر كثيرون بالتأكيد كيف كان يتم مواجهة أي نقد للاعلان والتهرب من استحقاق ذلك النقد باعتباره خدمة للنظام في ترجمة واقعية أمينة للمقولة سيئة الذكر (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، مثل ذلك السلوك لم يكن ليبنى على غير ارضية فكرة المعارضة المطلقة (القطبية) التى أشرت اليها.
في حقل السياسة الخارجية كان اعلان دمشق يجتهد دوما ليرى نفسه في المكان الآخر، فحين يقف النظام مع حزب الله يبتعد اعلان دمشق عن حزب الله، ولسان حاله: (الا يكفي أن النظام صديق لحزب الله؟)، وحين تقف ايران مع النظام يقف اعلان دمشق ضد ايران، وحين يقف وليد جنبلاط ضد النظام يصبح وليد جنبلاط على حق! الخ..
لكن مانشهده الآن هو بداية انعطاف ذي مغزى بسياسة اعلان دمشق، فهاهو اعلان دمشق يبدأ بالنظر بعينين بدل عين واحدة فـ(واجبه الوطني) أصبح يملي عليه اتخاذ (موقف ايجابي من التطورات المستجدة في سورية والمنطقة)، بل لقد بلغ به الحماس حد اتهام أولئك الآخرين الذين يتحفظون على نهج المفاوضات مع إسرائيل بـ(الكيدية) كما ورد حرفيا في البيان (لا أدري الكيدية لمن؟).
لابأس ..ماذا يريد اعلان دمشق من النظام الآن على صعيد السياسة الخارجية؟
حسب البيان: ان يكون جديا أكثر في العملية السلمية التي تستحق الدفع بها، وان يكون جديا أكثر في الابتعاد عن ايران، وان يبتعد عن سياسة المحاور (التحالف مع روسيا)، وبطريقة غير مباشرة أن يكون جديا في الابتعاد عن (التدخل) في فلسطين والعراق ولبنان (دعم المقاومات).
ما يعتقده اعلان دمشق ويريد قوله هوالآتي:
النظام يقترب من خطنا السياسي الخارجي، هذا جيد، ونحن نؤيده، بل ونأمل أن يدرك النظام أن الاقتراب من خطنا السياسي يطرح نوعا من الأمل في فتح صفحة جديدة. هكذا تبدأ لغة التغيير الشامل والقطبية بالتنحي مفسحة المجال للغة أخرى أكثر تواضعا وواقعية ودفئا لعل وعسى تجد أذنا صاغية مع مرور الزمن.
ليس صدفة أن يترافق هذا الخطاب الجديد مع الإشارة إلى أن إعلان دمشق لا يمثل كامل المعارضة الوطنية الديمقراطية بل طرفا منها. وهي نتيجة حسنة للواقعية الجديدة، لكنها تشير أيضا لانتهاء رغبة الإعلان في ضم أطراف لا تشاركه رؤيته السياسية، وعلى تلك الأطراف أن تأخذ ذلك بالاعتبار.
في أوساط النخب الثقافية السورية كان ثمة مفهوم ملتبس لإعلان دمشق، فقد اعتبره البعض مظلة للمعارضة السورية على اختلاف أطيافها ورؤاها السياسية، مظلة ذات وظيفة واحدة هي الديمقراطية، وان ماعدا ذلك فهو تفصيل او ينبغي ان يكون كذلك، لكن الذي يتأكد يوما بعد يوم أن اعلان دمشق تحالف معارض برؤية سياسية محددة، تتجسد في السياسة الخارجية أكثر من غيرها، تلك السياسة التي لا تستطيع أطراف أخرى معارضة هضمها والقبول بها.
ومن الخير والحالة هذه عدم إضاعة الجهد في محاولة اختراع سياسة وسطى بين سياستين، بل مجرد البحث عن درجة من التنسيق كي لا يتحول الاختلاف إلى نزاع لا معنى له، يمكن النظر إليه باعتباره ترفا لا تحتمله السياسة في سورية.

‘ كاتب من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى