بدرالدين حسن قربيصفحات أخرى

تماسيحهم تطير إذا شدت حيلها

null


بدرالدين حسن قربي

هل يمكن للتمساح أن يطير..!!؟ عندما تكون الإجابة السريعة بالإيجاب على هكذا سؤال، فلا شك أن فيها شيئاً من العَبَط، ولكن ماذا عن الجواب في الإجابة المتأنية والمتروية التي تريد أن تقنع الناس بطريقة ما أن التمسـاح يمكن له أن يطير رغم علمهم بالمثل القائل: إن الأفيال لاتطير…وتسألني كيف..!؟

يسأل المدرس تلاميذه الصغار عن طائر يبدأ اسمه بحرف التاء، فيجيب أحدهم بأنه التمساح. اتهام المدرس لطالبه بالغباء الشديد على إجابته جعله يسأله عن أبيه وعمله، فأجابه الطالب أبوالتمساح الطائر: أبي يعمل مخابرات أمن دولة. فاستدرك المدرس نفسه عن وصف التلميذ بالغباء ليقول له: (شوف يابني بدك) الصحيح إذا التمساح شد حيله فممكن له أن يطير.

ومن ثمّ وبمنطق شد الحيل استطاع المدرس الخروج من المأزق ابتداءً، وهو منطق يواجهه الكثيرون في حياتهم ويجدون فيه خروجاً من مأزق دخلوه وحلاً لأزمة وقعوا فيها. منطق يرفضونه من الناحية النظرية، ولكنهم على أرض الواقع يمارسونه في تسويغ غير المعقول وغير الممكن بل والمستحيل بشرط شد الحيل. ولكن الأبلغ من الجميع من يعتقد ويسوغ هكذا منطق، ويسوّقه من دون حاجة حتى لشد الحيل، ويخالف بهذا طبائع الأشياء ومكوناتها.

يعتقد الكثيرون من عروبيين وعلمانيين وإسلاميين وليبراليين بحتمية الدعم وضرورته لنظام ثوري استبدادي نهّاب احتل مراتب متقدّمة على مستوى العالم قمعاً وديكتاتوريةً وفساداً حتى يبقى حيله مشدوداً لتستطيع تماسيحه الطيران والمواجهة لأعداء الله والأمة والوطن ومشاريعهم من الأمريكان والصهاينة، وكأن عزمه وحيله يصبح محلولاً أو (فشوشاً) إن تمتع مواطنوه بالحرية والكرامة والديمقراطية، ويعتقدون أيضاً أن تماسيح تأكل طعام الملاييين من جماهير الناس، وتسرق قوتهم ولقمة عيشهم ودواء مرضاهم وحليب أطفالهم وعرق عمالهم وفقرائهم، وتدوس كرامتهم قادرة على تحرير الأوطان، ولكن إذا شدوا حيلهم..!!.

يعتقد الكثيرون ويسوّقون أن القضية الفلسطينية محلولة ومنتهية، إذا ما اتحدت الأمة العربية من مسقط إلى نواكشوط ومعها العالم الإسلامي من جاكرتا حتى داكار، وإذا ما الأمم المتحدة والحكام العرب ومعهم الاتحاد الأوروبي وأحرار العالم شـدوا حيلهم..!!! والأنكى استغراب الكثيرين وتساؤلهم حسب منطقهم، لماذا هالتماسيح لاتشد حيلها وتطير..!!، ويعتقدون أيضاً أن المنظمات الفلسطينية العشرة المتفرقة الحيل والمقيمة في دمشق بما فيها حماس والجهاد والمتخاصمة مع أطراف فلسطينية أخرى ضمناً السلطة بما قالت وأذاعت في المؤتمر الوطني الفلسطيني في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي في دمشق بأن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر كائن، بل وأشد منه سيكون، ولكن إذا شدوا حيلهم..!!.

يعتقد الكثيرون أن توازن الرعب تحقق، وأن تحرير فلسطين من الماء إلى الماء بات محسوماً، وأن رمي الصهاينة خارج فلسطين أمره وشيك، وأن وقتهم وعهدهم قارب على الانتهاء، وأن دم أحد جنود الإمام المهدي المخفيين سيُخرج إسرائيل من الوجود، وسيعجل بهلاكها وتدميرها ومسحها كدولة عضو في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وأن بداية التأريخ لمرحلة السقوط بدأت، وأن الطلقة الأولى لأم المعارك انطلقت، وأن شمس الأمة الواحدة طلعت، ويامحلى النصر بعون الله، ويعتقدون أيضاً أن عودة المهدي المنتظر باتت وشيكة، وأنه برجعته سينقذ العالم الغارق بالفوضى والفساد ويفرض العدالة، ويقيم دولة العدل النووية العالمية، وأن مشكلات الخلائق ومعاناتهم وآلامهم ومظالمهم فقراً وحاجةً ومرضاً وجوعاً وتيهاً وضلالاً ستنتهي بعودة إمام الزمان المخلّص والمنقذ المرهونة عودته بشيوع الظلم والفساد، وطفحان الجور والاستبداد في الأرض وكثرة القتل وإراقة الدماء، ومن ثم فإن ممارسة أعمال العنف قتلاً وتفجيراً مما نسمع ونشهد من كثرة المجازر والقتل الجماعي والعمليات الانتحارية أمر مطلوب في منطقتنا ولاسيما العراقية لتدفع بالمهدي المنتظر وتعجل بخروجه، ولكن إذا ماجماعات القتل الطائفي والذبح المذهبي شدوا حيلهم..!!.

يعتقد الكثير أن مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وقّعت معاهدات سلام مع إسرائيل، وأن سورية وقعت معاهدة فك الإرتباط (نهاية الحرب) بين النظام السوري وإسرائيل بعد حرب تشرين 1973 وهي بمثابة هدنة مضى عليها عشرات الأعوام، ويعتقدون أن لبنان أرضه محررة كاملة مكملة حتى الحدود الدولية إلا شريط شبعا لمن يعتقد بلبنانيته والذي كان أمانةً عند النطام السوري الجار فضيعه مع ماأضاع من الجولان، ويعتقدون أن أغلب الدول العربية معترفة بإسرائيل بشكل ما ومتفاهمة معها. ويعتقدون أن غزّة هاشم المحاصرة قادرة على أن تلهب الشرق الأوسط بحرب لها أول وليس لها آخر، وليبدو المشهد الغزّاوي تراجيدياً مأوساوياً يدمي القلب بين أعداء لنا صهاينة مغتصبين مجرمين، وإخوة لنا فلسطينيين صابرين محتسبين، ومقاتلين عن حقهم ولحقهم أشداء مستبسلين، وأنظمة قامعة مصالحة، وشعوب مقموعة عاجزة، ويعتقدون أيضاً أن مناضليها سوف يحققون على حصارهم وجوعهم ومعاناتهم ماعجزت عنه الدول العربية وأنظمتها المسالمة والصامدة والقامعة والممانعة، ولئن سألتهم كيف..!؟ أجابوا بشد الحيل.

منطق شـد الحيل لحل الأزمات والخروج من مشكلات دخلناها طوعاً أو كرها هو منطق منقطع وغير مجدٍ ولاسيما على المستوى الدائم والبعيد. منطق أن شد الحيل يمكّن التمساح من الطيران هو منطق عديمي الرأي والمنطق في أحسن الأحوال، وفي غير هذا الاعتبار فهو منطق ماسحي الجوخ والكذابين الدجالين ممن ضيعوا البلاد والعباد، وأكثروا فيها الفساد. وهو منطق يراد له أن يسود بأي طريقة حتى لانستغرب يوماً يأتي على الناس نراهم فيه من طهران إلى دمشق حتى غزّة وجنوب لبنان يكونون فيه سواء، تطير فيه تماسيحهم بحيل وبلا حيل، وويل يومئذ للأفّاكين.

قال مَن في طهران: وحدة العالم الإسلامي سوف تُحقق شيئاً في مواجهة الشيطان الأكبر ولكن لوحدها إيران قادرة على تلقينه درساً لاينساه.

وقال مَن في دمشق: سنشعل المنطقة من بحر قزوين إلى البحر المتوسط، وقال: هذا العام وربما أشهر من هذا العام ستُحدّد مصير ومستقبل المنطقة وربما العالم كله.

وقال مَن قال مِن أهل غزّة: صواريخنا وإن كانت لاتتجاوز حدود مستعمرة سديروت، لكنها لن تتوقف. فكّوا عنا الحصار وستجدون الشعوب الإسلامية بآلافها المؤلفة قادمة لمساعدتنا. لتتوحدْ الأمة ولتقطعْ البترول والغاز والماء عن الصهاينة، ثمّ انظروا في حالهم كيف يكون..!!

وقال مَن قال مِن أهل لبنان: الدمار موعدهم، والإخراج من الوجود مصيرهم، ومفاجآتنا نُذُر وإلى الهلاك مآلهم.

سـألت صامتاً عُلّم منطق الطير صمته حال، عما قيل وعمّن قال وعن المآل، هزّ الرأس وقال:

من الماء إلى الماء شعب الله المحتار، بعض طيوره ضاقت بها الديار، وبعضها مازال في الأوكار، غرِِّيدها وكنارها في حصار، وبعضها في سجون الفجّار، وبعضها رهائن عند الأشرار، تماسيحهم بشد الحيل طيور، خضرتهم بماعملوه صحاري. ثم يسألون: ماللطير ومالنا لانرى الهدهد بل أين الأطيار..؟

لابديل مهما طال الزمن واشتدت المحن عن إعمال العقل والبحث عن حلول وخيارات أفضل تصوَّب فيها الإجابات وتصحح

فيها الأفكار، لأنه خير وأبقى للأبرار، من منطق تمساح خلقه ربي للماء، ويراد له أن يطير بشد الحيل والعناد والإصرار.

خاص – صفحات سورية –


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى