صفحات العالم

القليل من الحذر

حسام عيتاني
إعلان رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس يادلين ان ايران تخطت «العتبة التكنولوجية» في برنامجها النووي، معطوفا على قرب تولي العنصري افيغدور ليبرمان وزارة الخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو، ينبغي ان يوضعا في سياق واحد مع تعدد محاولات الانفتاح والحوار بين الدول الغربية و»المعتدلة» وبين دول واحزاب عربية ترفع شعار المقاومة او الممانعة.
يستسهل سياسيونا القفز الى صيغ بسيطة من الاستنتاجات، فيظهر من يقول ان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، اكتشفت عقم سياساتها في المنطقة في الاعوام القليلة الماضية وانها تبحث عن مخارج تكفل لها الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه. التعبير الاصرح عن هذا الضرب من الرؤية جاء من المعارضة الافغانية التي تعتقد ان دعوة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الحوار مع «المعتدلين في حركة طالبان» هي بمثابة الهزيمة للقوات الاميركية التي قال اوباما انها «لا تحقق الانتصارات في افغانستان».
ابسط ما يقال في المقدمة هذه انها تحمل نصف الحقيقة. غني عن البيان ان الهجمة التي بلغت ذروتها في اجتياح العراق، قد فقدت زخمها وبدأت الولايات المتحدة عملية مراجعة شاملة لسياساتها منذ 11 ايلول 2001، من اعتمادها المفرط على القوة العسكرية الى ممارسة الضغوط غير الموفقة على الدول العربية «لنشر الديموقرطية» لكن، في المقابل، تَغَيُّر الادارات والسياسات لم يترافق مع تغير المصالح. وهذه مسألة جوهرية في توقع المسارات المقبلة. فالنفط ما زال هنا، في الشرق الاوسط، وكذلك اسرائيل. و»حمايتهما» مهمة استراتيجية لم تقل الولايات المتحدة في لحظة من اللحظات انها تخلت عنها.
استطرادا، سيكون من المفاجئ للغاية رؤية الولايات المتحدة التي تمثل وتقود الغرب، توافق على الخروج من العراق والسماح بتراجع نفوذها في الخليج، في الوقت الذي يعيش الغرب اسوأ ازمة اقتصادية منذ ثمانين عاما. بكلمات اخرى، ليست واشنطن في وارد ترك النفط، بكل ما يعني التحكم بأسعاره وبطرق إمداده، خارج سيطرتها المباشرة في الوقت الذي تؤدي الطاقة جزءا متعاظم الاهمية في عملية اتخاذ القرارات السياسية. بل لعله ليس كشفا عظيما القول ان تطبيق برامج إدارة اوباما الرامية الى امتصاص آثار الانهيارات الاقتصادية المتفاقمة (بحسب ما أكد صندوق النقد الدولي قبل يومين)، يحتم الحفاظ على سعر منخفض للنفط خصوصا وان مشاريع الانتقال الى الانواع البديلة من الطاقة اصيبت، مثل غيرها من المشاريع، بشظايا الازمة الاقتصادية.
لقد منعت الولايات المتحدة صدام حسين من السيطرة على نفط الكويت، ومن باب اولى الا تقبل في الظروف الاقتصادية الكارثية الحالية، بأن تسيطر أي قوة معادية على نفط العراق الذي يفوق نفط الكويت بكميات ضخمة.
كيف يُترجم هذا الكلام في السياسة؟
تفسير الكلام أعلاه موجود في ان الولايات المتحدة معنية بخفض مستوى التوتر من دون ان تتراجع عما تعتبره مصالح استراتيجية. فمن الاسراع في سحب القوات الاميركية من العراق الى «عدم الاعتراض» على الحوار البريطاني مع حزب الله، ومن القمة الثلاثية المصرية ـ السورية ـ السعودية الى تقدم الحوار الوطني الفلسطيني الى دعوة ايران الى المشاركة في مؤتمر حول افغانستان، يمتد خيط واحد سمته التهدئة العامة.
المعسكر المقابل يتلقى هذه الاشارات بترحيب واضح. لكن، وبغض النظر عن بعض الاقوال الظافرية التي تنعى مبكرا الدور الاميركي في المنطقة، يكمن السؤال في مستوى الاستجابة الذي ستعتمده قوى الممانعة.
الحذر شديد الاهمية في هذه المفاتحات، ليس فقط بسبب انعدام الثقة المتبادل بين الجانبين، بل لأن العملية برمتها تتصف بالهشاشة وبقدرة العديد من الاطراف على تفجيرها من الداخل.
هذا ما يمكن استنتاجه، على سبيل المثال، من تصريح عاموس يادلين الذي لن يكون بعيدا عن استغلال الحكومة الاسرائيلية المقبلة اذا رأت فيه ما يبرر محاولتها لقلب الطاولة في المنطقة. لقد اعطت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية الذريعة الى المؤسسة السياسية، ولهذه ان تختار كيف تستخدمها.
جلي تماما ان الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين و»المعتدلين» قرروا التخلي عن نهج جورج بوش وانهم على استعداد لدفع ثمن معقول. يبقى على المعسكر المواجه ان يلتقط هذه السانحة والا يترك الساحة مباحة ليملأها نتنياهو وليبرمان ومن هم على شاكلتهما.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى