صفحات سورية

المرحلة الانتقالية فـي العالـم

null
سليمان تقي الدين
يعيش العالم كله تقريباً في حال من الترقب لنتائج هذه المرحلة الانتقالية. الدولة العظمى في انشغال كامل عن العالم بانتخاباتها الرئاسية وبأزمتها الاقتصادية التي تراكمت وانفجرت على نطاق واسع مع الانهيارات في سوق البورصة. الدولة الأكثر تحريكاً لملفات المنطقة الأمنية والسياسية، أي اسرائيل، هي على مشارف تغيير حكومي وربما انتخابات نيابية عامة، وفي مراجعة شاملة لحساباتها بلغت حد القول على لسان رئيس حكومتها أن مشروع اسرائيل الكبرى هو حلم تلاشى، وأن الأوضاع الاقليمية لا تسير في خط يخدم تفوق الكيان الصهيوني ومناعته. إيران ترجئ انتخابات الرئاسة الى الصيف القادم حتى تنجلي السياسة الاميركية مع الرئيس الجديد المنتخب في الرابع من تشرين الثاني.
الصين وروسيا تحذران من عقم سياسة العقوبات على ايران وتدعوان الى الحوار والتفاوض معها حول ملفها النووي. سوريا وإسرائيل برعاية تركية ومن ثم فرنسية تتفاوضان بشكل غير مباشر تحضيراً لخيارات تتضح صورتها مع الادارة الاميركية الجديدة. لبنان ينعطف من التوتر والصدامات المسلحة الى اجواء الحوار والمصالحات وتستدير بعض القوى فيه الى مواقع وسطية بانتظار جلاء الصورة الاقليمية والدولية. مرحلة انتقالية كاملة الملامح رمادية غير حاسمة تكاد تغطي الساحة الدولية كلها.
لكن اذا كان التاريخ السياسي محكوما بوجهة معينة تصنعها معطيات الحاضر، فليس من الصعب أن نتوقع صورة المستقبل من حيث الحصيلة المؤكدة التي أفرزتها الصراعات السابقة. لقد أطل جمع من وزراء خارجية الولايات المتحدة السابقين ليضعوا أطراً صلبة لسياسة الولايات المقبلة فأجمعوا على ضرورة طي صفحة »الحروب الاستباقية« لصالح استخدام »القوة الناعمة« وأكدوا ان الدور القيادي للولايات المتحدة لا يمكن ان ينجح من خارج نظام التعاون مع قوى دولية فاعلة من بينها روسيا والصين والاتحاد الاوروبي. وطالبوا بالحوار والاحتواء لمصالح دول ذات تأثير في المنظومات الاقليمية كإيران وسوريا، وأبدوا تحفظات واضحة على التماهي مع سياسة اسرائيل ولفتوا الى اهمية المصالح الاميركية وأولويتها.
هذه الخلاصة التي انتهى إليها وزراء خارجية مميزون تستعيد عملياً توصيات لجنة »بيكر ـ هاملتون« أقله في منطقة الشرق الاوسط. لكنها تأتي في ظروف اكثر ضغطاً على سياسة واشنطن بعدما تحولت الحرب العراقية الى واحدة من وسائل استنزاف الاقتصاد الاميركي. فبعدما أفادت الولايات المتحدة خاصة في قطاعي تجارة النفط والسلاح من فرص الحرب في الشرق الأوسط لا سيما في حرب إخراج العراق من الكويت، وكذلك من تخويف المنطقة بالخطر الايراني، بدا واضحاً أن كلفة الحرب العراقية بعد الاحتلال قد بلغت مليارات الدولارات، وأن الاختلالات الاقتصادية التي رافقتها قد أدت الى انفجار أزمة البورصة، ولا سيما العقارية، على مستوى الاقتصاد العالمي.
يؤدي ذلك كله الى الاستنتاج ان مسلسل النهب الاميركي للنفط العراقي، والتحكم بتجارة النفط واستخدام فوائض أمواله ومدخراته لم يعد قادراً على انقاذ الاقتصاد الاميركي ولا سيما آلة الدولة نفسها، وأن حرباً جديدة لم تعد مغامرة بهيبة الولايات المتحدة العالمية فحسب بل هي مقامرة بمصيرها الاقتصادي كأهم دولة في العالم. كما أنه بات من الواضح ان هذا المسار الاميركي هو الذي يشجع الآن الاعتراضات الفعالة من دول او منظومات لتحدي الولايات المتحدة كما حصل في الموقف الروسي من جورجيا، وكما يحصل من إيران. غير ان تراجع القبضة الاميركية يهدد ايضا باحتمالات انفكاك بعض الدول من هذه القبضة ونزوعها الى تجريب سياسات مختلفة كما بدأ يحصل في الباكستان.
إذا صح بالفعل أن هذه المرحلة الانتقالية العالمية هي مرحلة انتظارية رمادية فهي مناسبة لشعوب ولدول عانت من التدخل الاميركي ان تسعى الى ترتيب أوضاعها الداخلية بما يضمن لها استقبال مرحلة جديدة قد تلجأ فيها واشنطن الى سياسة »القوة الناعمة« وإلى التركيز على إثارة المشكلات الداخلية والنزاعات الاقليمية كبديل محتمل لسياسة الحروب المباشرة. وإذا كان هناك من خلاصة يمكن تظهيرها هنا فهي في الدعوة الى الكف عن الرهان بأن العصر الاميركي الى تقدم، والتفكير مجدداً بالحاجة الى سياسات دولية تستبعد الحروب وتكبح جماح النهب المنظم لموارد الشعوب عن طريق تعاون دولي يعترف الجميع فيه بمصالح الآخرين.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى