قضية فلسطين

حماس.. شرابي العلماني.. والحرب على غزة

تهاني سنديان
كان المفكر القومي والعلماني الفلسطيني د.هشام شرابي يقول إن الإسلام دين، أو آيديولوجيا دينية متأصلة، وتشكل عصباً إيمانياً قوياً جداً، خصوصاً في مواجهة مغتصبي فلسطين وأربابها العنصريين، وعلينا كعلمانيين وكقوميين ألا نتنكر البتة لهذه الثقافة الدينية الموروثة، والتي يؤمن بها الجل الأكبر من شعبنا الفلسطيني والعربي بشكل عام.
وكان يقول أيضا إنه على الليبراليين العلمانيين المتحررين فعلا، ألا يخجلوا من إعلان ذلك، لأن الليبرالية في الأساس، لا تعني معاداة الدين، ولا تعني ألا يكون الليبرالي مؤمناً بدينه، سواء أكان مسلماً أم مسيحياً أم يهودياً، فتلك فلسفة داخلية خاصة بكل فرد. وكان يقول: «نعم أنا مسلم وعلماني، والعلمانية الحقة لا تتناقض مع مضمون الدين البتة.. جل ما تعنيه العلمانية، أو النظام العلماني، هو ترك الناس تؤمن بحرية، دون أن يتسلط أحد على أحد داخل النظام الواحد الذي تحكمه القوانين المدنية والقيم الديمقراطية». ولأجل ذلك، أعلن د.هشام شرابي -الذي تمر ذكرى وفاته الرابعة، حيث رحل في مثل هذا اليوم من العام -2005 تضامنه مع أبي جهاد صاحب الاتجاه الإسلامي في فتح، في الوقت نفسه الذي تناقض فيه مع عرفات و«أخطائه الكثيرة»، و«ديكتاتوريته أحياناً» و«عدم خبرته» بالشخصية الصهيونية، بحيث «سلمها مفاتيح القضية التاريخية لشعبنا، هكذا بالمجان، ومن دون أن يحصل على شيء».
العلمانيون الصهاينة والتلمود
واكثر من مرة، أعلن شرابي تضامنه مع «حماس» ومع «حزب الله» لاحقا، واعتبرهما في الطليعة من حركات التحرر الوطني، عربياً وعالمياً، خصوصاً بعدما تراجعت الحركات السياسية القومية واليسارية، خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
ودعا هشام شرابي الى أن تتوحد كل جهود الأمة، من مسلمين ومسيحيين وعلمانيين فيها، ومن مختلف الطبقات والتيارات السياسية لمواجهة الخطر الواحد عليها، والذي يتهدد الجميع بالبوار التاريخي.
أكثر من ذلك، كان شرابي يتساءل أمامي، (أنا تلميذته في الدراسات العليا)، لماذا يحق للعلمانيين الصهاينة أن يؤمنوا بأساطير التلمود، والعودة من خلالها الى الخرافات والأوهام، التي سطرها حاخاماتهم، ليوظفوها زوراً في خطابهم السياسي التضليلي الحديث، والمصاحب لاغتصاب الأرض الفلسطينية، ولا يدينهم، أو يعيّرهم أحد بذلك، بخاصة من علمانيي أوروبا ومفكريها الكبار أمثال: جان بول سارتر وميشال فوكو وجاك دريدا وكلود ريمون وجورج ماتاينيه وغيرهم.. وغيرهم؟ بينما إذا انبرى -والكلام لشرابي- مفكر عربي علماني والتقى بإسلاميين وطنيين غير موظفين للغرب ومشاريعه المشبوهة، يرمونه فوراً بالتشكيك بأهليّة فكره وثقافته ورؤيته التغييرية الحقيقية؟ كما يصفونه بالإرهاب والتعاطف مع الإرهابيين.
ينبغي ان نكون على ثقة بأنفسنا وتحدياتنا، خصوصا عندما نناقش المفكرين والمثقفين الغربيين في أميركا وفرنسا وايطاليا.. ولكم كنت ألتقي هنا -يقول شرابي- مع ادوارد سعيد، حين كان يخاطب العقل الغربي بعقل عربي- غربي مواز له، يمثله هو بامتياز، ويستطيع من خلاله أن يشكل جبهة فكرية بحالها متجسدة في فرد.
ومن هنا، كان لإدوارد سعيد هذا التأثير الكبير في الولايات المتحدة، وفي صفوف حتى الصهاينة أنفسهم، الذين كانوا يخشونه فعلا، فانبروا يحاربونه بذكاء خبيث، ويهددونه بين فترة وأخرى عبر الهواتف، ما اضطره، وأكثر من مرة، الى أن يغادر منزله.. وعندما عرفوا أنه كان مصاباً بمرض اللوكيميا، وأن أجله بات قريبا جدا، تخلوا عن فكرة مطاردته لإيذائه بالمعنى المادي المباشر.

وعلى طول حرب استفراد إسرائيل الهمجية المستمرة في قطاع غزة حتى الآن، وتصدي الآيديولوجيين الإسلاميين الأسطوريين لآلتها الحربية المرعبة بتفوقها، كم أتذكر هشام شرابي، وقوله بأن الايديولوجية الدينية المتأصلة هي أقوى سلاح يرهب الإسرائيليين ويردعهم، ويجعلهم يحسبون ألف حساب لدخول أعماق غزة ومواجهة أبطالها بالسلاح الأبيض. مع العلم أن الصهاينة تصحبهم فرق دينية تلمودية، هي جزء لايتجزأ من جيشهم الجرار، ينبري حاخاميوها إلى مباركة مقاتليهم والصلاة لهم، كي ينتصروا على الغوييم(الأعداء البهائم باللغة العبرية!)..
وترى البعض من هؤلاء الحاخاميين يهزون برؤوسهم، وهم يقرؤون التوراة أمام الدبابات ومنصات الصواريخ.. ووسط جنود الميدان.
نعم، لماذا لا ينتبه بعض مفكرينا العرب، وخصوصا أولئك الليبراليين أو العلمانيين منهم، الذين يتأففون من «حماس» وآيديولوجيتها الدينية، الى ما يقوم به الجيش الصهيوني من تخصيص حاخامات صغار وكبار، لهذه الوظيفة الدينية القتالية الخطيرة التي تشجع الجنود على ارتكاب المجازر، وشرب دم الأطفال العرب الأبرياء في غزة.. وغير غزة؟!
لماذا ينزعجون إذا أخذت مواجهة العدو الإسرائيلي بعدا دينيا إسلاميا، يرى خلاله المقاتل المؤمن، من حماس مثلا، الحرب واجبا جهاديا في سبيل الله، يثاب عليه يوم القيامة ويعدّ شهيدا مأواه الجنة وحسن المآل؟!
وأي حرب قديمة، أو حديثة جدا أصلا، لم تدخل فيها القيم الدينية عاملا مؤازرا، إما عن قناعة مطلقة، او عن توظيف خبيث موقت يدخل في عوامل الشحن والمساعدة على الانتصار؟!
أما أعلن جورج دبليو بوش حربه على العرب والمسلمين من موقع آيديولوجيته الدينية الإنجيلية المتحالفة مع الإيديولوجية التلمودية المحتقرة لكل ما هو عربي ومسلم؟
أما قسّم البشر تقسيما دينيا بحتا: قوى الخير وقوى الشر؟
أما نرى في أوروبا الحديثة والديمقراطية جدا، أحزابا مسيحية تحكم، ورجال سياسة ينادون بشعارات الإنجيل والكنيسة ويسوع المخلص؟!
إذن ليست العلمانية، أو الليبرالية، خروجا على الدين،
ولا إحداثا لأي قطيعة معه.. والعلمانيون المسلمون المؤمنون، يرون أن رسالة الإسلام بإمكانها أن تتحقق في حياة الإنسان المتحضرة كل يوم.
كاتبة من لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى