بدرالدين حسن قربيصفحات الناس

انفلونزا التوريث الجمهورلكي

null
بدالدين حسن قربي
يحكى أن رجلاً من أهل حلب تأصلت فيه اللهجة الحلبية عن حق وحقيقة، فكانت بمثابة دم يجري في عروقه.  صعُب عليه تعلم الانجليزية في بلاد الغرب لأسباب مختلفة لعل أهمها اعتزازه بلغته ولهجته.  فأوكلوا أمره لمعلم محترف، ثم جاؤوا بعد عدة أشهر فوجدوا المعلم الحرّيف وقد تعلم العربية بلكنة حلبية ونسي لغته، وأن الحلبي بقي على ماهو عليه لغةً ولكنة.
محاولة الرئيس الفرنسي ساركوزي من بعد خلفه السابق شـيراك في زحزحة النظام السوري عن مواقفه الممانعة والمقاومة ومحاولة بث بعض معاني الحريات والديمقراطية فيه باءت بالفشل لاعتبارات متعددة عند النظام، لعلها أهمها أن الأولى ليست قضية للمساومة ولو كذّب المكذبون، وأن الحرية والديمقراطية يجب أن تكون إنتاجاً وطنياً وليس مستورداً كما الغذاء والدواء ولو شكك المشككون.  ولئن كنّا لسبب ما نستورد الكثير الكثير من طعامنا وشرابنا ودوائنا وكسائنا، فإنه من المستحيل أن نستورد الحريات والديمقراطية وبعض معاني حقوق الإنسان وقيم المواطنة، والأهم أن الإنتاج الوطني يكفيه وطنيته ولو كان ظلماً واستبداداً وقمعاً واضطهاداً، ومن ثم يامحلى الظلم والاستبداد والفساد من إنتاج ربوع بلادنا العزيزة.
ليس غريباً ولا مستغرباً موقف النظام السوري في مسائل هي من صلب تكوينه ومقومات وجوده واستمراره، وفي جوٍ عام من سرقةٍ ونهب، وفساد وإفساد تسببت فيه معارضة سـورية ماكرة وخبيثة متسلّطة على البلد، ومتحكّمة في مفاصل حياتها العامة اقتصاداً وسياسة، وهي – أي المعارضة- نتيجة فسادها واستبدادها في البلد قرابة نصف قرن ومازالت، جعلت فيه من عرق العامل أصفار ملايينها وملياراتها، وأكلت جهد الفلاّح وهي تنادي كجهنّم هل من مزيد، وأشاعت الفقر والحاجة والاستبداد، ونهبت خيرات بلاد مساحتها ممتدة طولاً وعرضاً، فيها محافظة لوحدها مثل حمص أكبر من مملكة عظيمة مثل هولندا.
وإنما الغريب حقيقة، هو الموقف الفرنسي الذي تأثر ولم يؤثر، فكان فيه ماكان من الضجة المثارة حالياً على محاولة الرئيس سـاركوزي تولية إبنه جان طالب الحقوق في سنتها الثانية في السوربون رئاسة أكبر حي أعمال أوروبي ومهم أيضاً في باريس العاصمة، والذي كان قد ترأسه من قبل الأب نفسه سابقاً، وجعل منه معقلاً سياسياً مهماً في طريقة إلى الرئاسة.  ومن ثم انهالت الانتقادات والاتهامات بالمحسوبية وعدم احترام مبادئ الجمهورية قيماً ومبادئ ولياقات، التي تنص على الترقيات المستندة إلى الكفاءة وليس الميراث.  أثار تعيين ساركوزي الابن في المنصب الجديد ضجة كبيرة طغت عليها السخرية وإحساس بعض الفرنسيين أن قيمهم الجمهورية بدأت تترنح وتتلاشى.  وهو على مايبدو من تأثرات وتأثيرات التواصل مع النظام السوري وبركاته.
قال: ذكرتني حكايتك ومثلك بدخول المغول والتتار ( التيمورلنكية) إلى سورية ومحاولة تدميرهم لكل معالم حضارتها وقيمها ولكنهم مع كل نجاحات حملتهم، فهم الذين تغيّروا نتيجةً ولم يغيِّروا وتَبدّلوا ولم يُبدِّلوا، وعافوا دينهم انتهاءً وأصبحوا مسلمين.
قلت: أو تظنّ أن يتبدل الفرنسييون ويغييروا دينهم أيضاً بفعل هذا التواصل…؟
قال: مالهذا أردتُ، ولا لمثل هذه المعاني قصدت.  وإنما محاولة النظام الفرنسي التأثير على النظام السوري في قضية الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية، ردها عليه الأخير صاعين وعلمه مالم يكن يعلم، فمشيت أموره، وانصلح حاله، وبدأ سـاركوزي الأب السير على مايبدو في توريث ساركوزي الابن مقاليد الأمور من بعده وعلى طريقته. ومن ثم أعاد لذاكرتنا قصة ذلك الحلبي العتيد الذي أرادوا تعليمه الانجليزية، فعلمهم ولم يتعلم بل ولن يتعلم. وإن في ذلك لعبرة وعظة لقوم يفهمون.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى