صفحات ثقافية

بلا وطن..بلا مكان..بلا زمان

null
جهاد صالح
هي ثلاثية تلقي بهواجسها علينا لنعيش طلاسم حياتية تجذبنا إليها في حلم ضبابي يكاد يتمزق على صخرة الايدولوجيا السياسية؟
نفتح نوافذنا المتشحة بغبار الصيف المتهالك عطشا وراء سراب الماء، تبقى مشرعة لدخول ذلك القادم من وراء عوالم الخيال، علّه يزيل عن أرصفة البلاد وهوائها نواحا مثقلا طال عزفه.
هي ديمقراطية تجهش بالبكاء حين يستل المجاهد في ثوبه الأسود وقناعه الصوفي سيفا إسلاميا ويطلق فتواه الشيطانية ( إنك كافر يا ابن آدم وحواء) ويبدأ بقطع الرقاب ليسال الدم الأحمر بصمت في جداول تربة الشرق العفنة؟!
أمام مرأى العالم يحمل جلاد سوطه لينهال به على ظهر شعب، حلم بالحرية والعدالة الإنسانية وقال \ كفى ظلما\ وعلى جدار القهر والسجن كتبت عبارة كبيرة: ( هم ظلموا أنفسهم، ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة).
أحيانا وفي لحظة يأس فارطة أفكر أن أذهب بعيدا في مركبة فضائية إلى كوكب آخر، الأرض جميلة مضيئة، لكنني أشم رائحة الشر يملأ الأفق وتتحول الألوان كلها إلى سواد واحمرار.
بشر هائمون في هول أفعالهم وصمتهم وجبنهم ومرضهم بحثا عن اللاشيء واللاحلم.
نحن لاندرك ما نريد، لأنه ليس لنا أفق لسماءاتنا، كل الآدمية انكسرت في رحى الظلم وافتقدت مناخات الجغرافيا فصولها الأربعة،فصل للحرب وفصل للسلام،وبينهما الإنسان لاحول ولا قوة.
عالم للدمى اللحمية، حكام وملوك وأباطرة ووزراء في شطرنج يلهون ويلعبون بالمصير والحياة؟
وجه مشوّه لصيرورة الأمكنة المدججة بالحزن وآثام الخطوات،والزمن يخبئ لوعته وراء الخجل التقويمي وكأنه لا دخل له بالمعضلة.. أوطاننا تتقطع تحت سياط النمل الأسود الذي يتغذى على خبز الخطيئة وعبودية \ المواطن\. أوطان تبحث عن بحر ومحيط ونهر وقارورة مياه معدنية. أوطان تفترش التراب كقبور مفتوحة الأفواه، ولتعلن الكنائس عن موت الحرية وعصافيرها، والبدء بجنازة الإنسان بكبريائه وحلمه العذري.
على ربوة كان الإنسان ينتظر بجسده الضوئي ( وطنه) ، هي تغريبة مسافر، وغربة طفل جليدي جديد، ينتظر في شبابه الخريفي فتاة بضفائر ذهبية طويلة ، لكن الانتظار يطول ويطول……
هي قادمة من وراء المحيطات،شرقية الجذور والنكهة، وفي لحظة اكتشاف الحلم يختفي كل شيء  ولتكون العناوين الحبرية وطنا رقميا على حاسوب مجرد من الهوية؟
هكذا نبقى بلا وطن وبلا هوية وبلا مكان وبلا أزمنة، قلوبنا تزهر من مسامات الجلد بقايا أمل،وعيوننا تشتعل بنار الشوق في منافينا السعيدة بحزننا الإسمنتي.
الأرض وطن الجميع، كائنات وأشباح الروح، لكننا لانستطيع أن نمشي بألواننا وأجسادنا وأصواتنا على عشب أخضر، فالحكمة الأزلية أن الآلهة في عباءاتهم قد أصدروا فرماناتهم بأننا  أوراق المنفى ، منفيون عن الوجود، نحن أبناء العدم ، محروم علينا الخبز الحافي والماء العكر والحب المجنون والحلم المكلّس وحبات قمح من سهول الجزيرة، وباقات الياسمين من دمشق الجريحة .
أسير وأمشي في شوارع بيروت، أترك من ورائي جرحا لنزيف الوطن والطفولة النافرة. أتعمق في خارطة الدنيا،كل الأوطان متشابهة، وحده وطني  كان لايشبه أحدا،كان خارجا عن المجرة والمدارات. على الرصيف الأصفر زهرة وحيدة،وتذكرة طائرة لصبية شرقية تاهت عنها،وتاهت عن حلمها الصغير،لتظل أسيرة الانكسارات، هي من هناك تحمل قنديلها الزجاجي في ليالي الغربة، لكن لازيت من أحد يضيء سحر عينيها ، كلنا سواء في عويل الروح المغربة، لنظل أنبياء الحلم الماضي والمستقبل،نركض ونهرول في الاتجاهات الأربعة، وفي النهاية كل الطرق مغلقة بحائط منيع، ليموت الحب والأمل والصرخة الإنسانية في رحم الوجع، ولا يبقى لنا في سلالنا القصبية إلا الذكريات والأماني ودمع العين ، و ظلال فقدت الوطن والمكان والزمن.
– بيروت
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى