ما يحدث في لبنان

في الاتجاه الصحيح…

حسام عيتاني
يستجيب إصدار دمشق مرسوم إقامة العلاقات الدبلوماسية مع لبنان لمصالح البلدين على المدى الطويل. هو خطوة في الاتجاه الصحيح للخروج من دوامة التشكيك والهواجس الى فضاء الشفافية والاعتراف البارد بالمصالح المجردة.
ويخطئ من يضع الخطوة في سياق انتزاع اعتراف سوري بنهائية الكيان والاستقلال اللبنانيين، كما يخطئ من يتصور أن في الأمر إقراراً بندية ما بين لبنان وسوريا. بل إن الأقرب الى الصواب هو حصر الأمر في مسار سياسي ودبلوماسي يتطور منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحاجات دمشق الى استكمال كسر ما بُني من جدران حولها، فيما التوازن بين البلدين سيظل مائلاً، بلا شك، لمصلحة الدولة الأكبر والأقوى، بغض النظر عن اسم الوثيقة التي تنظم العلاقات بين لبنان وسوريا، أكانت معاهدة للتنسيق والأخوة والتعاون أم أوراق اعتماد لسفير وطاقم سفارة.
الموقف السوري، سواء في شقه الرسمي أو الشعبي، من لبنان، والموقف اللبناني من سوريا، لن يتأثرا بهذه الخطوة المحدودة التبعات على صُعد العلاقات اليومية الوثيقة بين الشعبين، ولن يؤثرا، استطراداً، على الرواية السورية أو اللبنانية بشأن تاريخ نشوء الكيانين والدولتين. مفهوم تماما أن تحتفظ هذه التصورات والروايات بشرعيتها في أذهان حامليها من دون أن يكون في الوسع إزاحتها، خصوصاً أن مجريات الأعوام القليلة الماضية بررت للكثير من السوريين موقفهم المشكك في نوايا بعض اللبنانيين، والعكس صحيح.
بيد أن ما يتعين الالتفات اليه، ليس التأخر الذي طال عقوداً منذ استقلال الدولتين عن المستعمر الفرنسي لإقامة علاقات دبلوماسية بينهما، بل مدى قدرة الجانبين الرسميين السوري واللبناني على وضع علاقاتهما في إطار تنظمه المؤسسات والقوانين المرعية بين الدول. تجربة المجلس الأعلى اللبناني السوري لا تدخل في المجال هذا نظراً الى الظروف التي رافقت قيامه وعمله.
وبعيداً عن تصوير إقامة علاقات دبلوماسية بين بيروت ودمشق كتراجع لدعوى قوميةٍ ما أو تقدم لطرف منادٍ بالاستقلال على آخر طامع بالضم والتوسع، وبعيدا أيضا عن استحضار تاريخ من الالتباس الذي شاب العلاقات اللبنانية ـ السورية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فإن في التطور الأخير فرصة لدفع الصلات بين البلدين في اتجاه وضعها في إطار ضمان المصالح المتبادلة، مع الاعتراف بالفوارق في الأوزان والأحجام والخصوصيات، وإبعادها، بالتالي، عن الحاجات الآنية لهذه الحكومة أو لذاك الحاكم.
هذا على الأقل ما يفترضه وجود علاقات دبلوماسية بين بلدين مستقلين. غني عن البيان أن طوباوية ما تبرز بين كلمات التوصيف أعلاه. فالرحلة ما زالت طويلة أمام استقرار العلاقات بين الدولتين والشعبين على سوية تنبذ أعباء التاريخ المعقد ومطالب الايديولوجيا الكيانية والقومية على حد سواء، لمصلحة رؤية متصالحة مع الحاجات الملموسة لدولتين ناجزتي الاستقلال، مهما كانت المآخذ القديمة والجديدة عليهما.
لقد جرت مياه كثيرة في الأنهار منذ رفض بعض اللبنانيين الاعتراف بكيانهم الذي »سلخه« الاستعمار عن سوريا، ومنذ فرض الرسوم الجمركية عند الحدود ومنذ فض الوحدة النقدية الخ… ومنذ أن دخلت القوات السورية الى لبنان أثناء الحرب الأهلية فيه ومنذ أن خرجت تلك القوات في نيسان من العام .٢٠٠٥ ولم يعد من المفيد بالنسبة الى اللبنانيين والسوريين التمسك بمرارات الماضي، على الرغم من أن بعضها ما زال جاثماً على صدر أي مشروع لتطبيع العلاقات تطبيعاً كاملاً ونهائياً، ولم يعد جائزاً السعي الى فرض رؤى سياسية أو تغيير للنظام، سواء بواسطة الضغط الأمني أو التدخل التآمري. التجارب السابقة، من الأربعينيات والخمسينيات وصولاً الى تلك التي لم يمر عليها الزمن، والتي تورط الطرفان فيها، انتهت الى نتائج سلبية هي بالكوارث أشبه.
ثمة دولة في لبنان وأخرى في سوريا وعليهما البحث عن صيغ مناسبة لترتيب مصالحهما المشتركة والكبيرة. المسألة بهذه البساطة.
وبمعنى ما، فإن العلاقات الدبلوماسية تشكل اختباراً للسلطات السياسية في بيروت ودمشق حيال مستوى نجاحها في إدارة علاقات صريحة وشفافة من دون أن تغلفها أي كلمات خطابية وأبيات شعرية أو مشاعر سلبية ومخاوف مضمرة. هذا اذا كان اللبنانيون والسوريون يدركون أن علاقاتهم ليست شأناً يعود إليهم حصراً، بل تتداخل مع جملة طويلة من المصالح العربية والقوانين الدولية، وأي اضطراب في هذه المصالح يفتح الباب واسعا أمام سيل من التدخلات، على غرار ما شهده لبنان في الأعوام الثلاثة الماضية، بحيث بات من المشروع تصور أن تتجاوز الأخطار حدوده شرقا وشمالا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى