ما يحدث في لبنان

التعايش المستحيل

ساطع نور الدين
لقاء في منتصف الطريق، يختزل واحدة من اهم صور المستقبل اللبناني، بالمعنى الحرفي للكلمة، الذي قد لا يسر الكثيرين ممن كانوا خارج تلك الصورة، وسيظلون بعيدين عنها.
لقاء بين أقوى السنة وأقوى الشيعة، يحدد افقا بعيدا، او بتعبير ادق يضع رؤية استراتيجية للسياسة اللبنانية، التي يبدو منذ مدة ان ملامحها العامة صارت محكومة بتلك الثنائية الاسلامية، التي تجمع على اطرافها بين الحين والآخر، وفي المناسبات المهمة، حلفاء ليس لهم سوى دور ثانوي، يستكملون اللوحة ويضفون عليها مسحة جمالية قديمة، فقط عندما تستدعي اللحظة الحديث عن التنوع اللبناني، بأشكاله التقليدية، او عندما تتطلب المعركة تشديد شروط التفاوض.
لم يعد هناك جدل حول هذه الثنائية ومركزية دورها السياسي الذي يتعمق يوما بعد يوم، بعدما لحقت خسائر متتالية بالمسيحيين اللبنانيون سواء في »صراع الارحام« في الستينات من القرن الماضي، او في الصراع على الدولة في السبعينات، او في الصراع على السلطة في الثمانينات، وهي خسائر ساهمت في خفض الكم والنوع، وفي تبديد الفكرة اللبنانية الاولى ذات المضمون المسيحي المعترف به، وفي ضياع الخطة الوطنية الرئيسية التي لا يمكن ان تقتصر على الانحياز للسنة او الشيعة، كما لا يمكن ان تنحصر بمهمة الوساطة بينهما.. كما يستحيل ان تبنى على خيار السفر الى طهران، في ذروة اشتباكها مع العالم العربي، وفي استعادة شبه حرفية لمعارك مسيحية سابقة مع القومية العربية، ورموزها السابقة.
لكن الطابع الاستراتيجي للقاء مستمد فقط من هذه الزاوية التي تفترض بناء على معطيات وأرقام محلية وتقديرات خارجية ان مستقبل لبنان سني شيعي. وكل ما عدا ذلك تلاوين باهتة، سواء في بعدها المسيحي، او في ابعادها الاخرى التي يصعب العثور فيها على اقلية واعدة على مستوى الانجاب، خارج هذا المسار التاريخي، الذي سيحكم لبنان لعقود طويلة مقبلة.. حتى تتعرض احدى الغالبيتين الاسلاميتين لما تعرض له المسيحيون من هزائم، وتقرر الاستسلام او الهجرة!
في اللحظة الراهنة، يبدو اللقاء اقرب الى دعوة متبادلة موجهة الى الجمهور السني والشيعي لانتظار الظروف المناسبة للانقضاض على الآخر، او لتصفية حسابات تراكمت على مدى السنوات الثلاث الماضية. الانتخابات النيابية المقبلة هي مجرد محطة عابرة في هذا السياق، ومناسبة غير مقنعة وربما ايضا غير مجدية لاختبار موازين القوى بين الغالبيتين الاسلاميتين، اللتين تتنازعان الآن على دور الضحية وعلى هوية الجلاد.. من دون نجاح يذكر، ومن دون امل في تهدئة خواطر العامة التي ورثت قرونا من الفتن، وما زالت تحفظ وقائعها وترددها عن ظهر قلب، والتي لا تكتفي بقراءة كتب مختلفة للتاريخ، لكنها تقرأ ايضا في كتابين مختلفين للمستقبل.
الثنائية ليست طائفية او مذهبية فقط. هي سياسية ايضا. تحاول ان تزاوج بين فكرتين كان التعايش بينهما مستحيلا طوال اربعة عقود. ولا يزال.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى