صفحات سورية

محوران وحربان

null


محمد ابرهيم

خطا المحور الايراني – السوري، في مواجهته مع محور الاعتدال العربي، نصف الطريق نحو المطابقة بين وظيفة لبنان الخارجية، اي مواجهة اسرائيل، ووضعه الداخلي.

ولأن هذا الوضع الداخلي، كما يرى المحور الاول، بات عقبة في وجه “تفرغ” لبنان للمواجهة مع اسرائيل، فان الخطوة المقبلة ستكون، على الارجح، قطع النصف الثاني من الطريق.

يفضل المحور الاول ان يكون فرض الانسجام على لبنان شرعيا، اي برضوخ الطرف اللبناني الآخر لمسار يؤدي ضمن الدستور لتغيير الفريق الحاكم، لكنه لن يعدم الوسائل الاخرى التي توصله الى هذه النتيجة.

في المقابل يجد المحور الثاني، محور الاعتدال العربي، نفسه في موقع المهدِّد بالحرب الاهلية واسطة للجمة اندفاعة المحور الاول. والذي لجم اندفاعة هجوم “حزب الله” هو، ولا شك، اتضاح ان العملية العسكرية الجارية كانت في طريقها الى التحول سريعا حربا اهلية مكشوفة، مع تكشف عدم قدرة اي آلة عسكرية على فرض الهيمنة على المناطق اللبنانية كافة.

المؤشرات تقول ان الفريقين الداخليين، اي المحورين الاقليميين، سائران نحو الخيار القصوى: خيار السيطرة على “الساحة” ايا تكن الوسيلة، وخيارات المواجهة ايا تكن النتيجة.

ليس ما يمنع ان يشهد لبنان على ارض “واحدة” ما شهدته فلسطين على “أرضين” منفصلتين. فيكون له غزة وضفة غربية ترتسمان بحسب قدرة كل فريق على فرض نفسه في جغرافيا متواصلة.

وليس ما يمنع ان ينجح المحور الايراني – السوري في فرض صيغته على لبنان كله اذا تمكن من المزاوجة بين الضغط الفئوي وما تيسر من الغطاء الشرعي، بما فيه العسكري.

المهم ان لبنان في طريقه للانضمام الى “فك الكماشة” الآخر الفلسطيني، في غزة، ومن يدري ربما في مستقبل غير بعيد في الضفة، للمواجهة مع اسرائيل.

بذلك يضع المحور الايراني – السوري اسرائيل امام اطر للمواجهة يمكنها ان تعمل منفردة او متضامنة. والارجح ان يكون هناك نسق اول فلسطيني – لبناني يمكن ان تقتصر المواجهة عليه يليه نسقٍ ثان سوري – ايراني في حال اصبحت المواجهة شاملة.

لكن لا بد من ملاحظة ان ما يبدو في مظهره العام تماسكا خطة واحدة لمحور واحد هو في حقيقته خطتان.

من ناحية تنجح ايران في تحويل رؤيتها لمستقبل اسرائيل، الى ما هو اكثر من تهديدات بعيدة مرتبطة بمشروع لامتلاك سلاح نووي لا يبدو واضحا كيف يمكن استعماله في الاشتباك الاسرائيلي – العربي المباشرة.

مع غزة ومن ثم لبنان يصبح واقعيا فتح مواجهات منهكة لاسرائيل تصب في الهدف الابعد اي خلخلة الكيان الصهيوني. وفي النسق الثاني هناك كل من سوريا وايران لدعم المواجهة المباشرة او حتى للانخراط فيها عند الضرورة.

لكن من ناحية اخرى تنجح سوريا في وضع اسرائيل ومعها اميركا، وخصوصا اميركا الرئيس الجديد امام اختيار بين دورين واقعيين لسوريا: دور واسطة الِعقد في محور المواجهة الذي يمتد من طهران الى غزة، ودور السلام مع اسرائيل الذي يقلب المعطيات الاقليمية رأسا على عقب، فيعيد ايران الى الخليج، ويفك الارتباط الفلسطيني – اللبناني، ويعيد تشكيل الخريطة العربية.

اسرائيل تردد انها تدرك الثمن المطلوب، وربما نحظى في الخريف المقبل برئيس اميركي جديد يحاول استكشاف الثمن الخاص به. لكن يبقى ان دمشق وهي تصل الى حافة الهاوية، تصل اليها بمشروعين.

الاعتدال العربي يبدو منهكا في مواجهة التحدي الذي يستدعيه اليه المحور الاول. فالاخير يستعمل نقاط ضعفه الفلسطينية واللبنانية والعراقية. ويستثمر الارتباك في وضع الحليف الاميركي الذي تتزايد الهوة بين قدراته المجردة وقدرته على التأثير في الاحداث. لا بل ان المحور الاول يقترب من استثمار نقاط ضعف الاعتدال في انظمته نفسها. ومن هنا يبدو التهديد بالحروب الاهلية على امتداد المنطقة، السلاح الوحيد الذي يحظى ببعض “الصدقية“.

محوران يهيئان لحربين ولا يبدو ان هناك ما، أو من، يستطيع ان يوقف السباق بينهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى