صفحات سوريةما يحدث في لبنان

سوريا لن تقايض «رأس المال» بـ«فوائده».. ولن تشتري دوراً لا تريده

null
دمشق والحريري: البرنامج هو المعيار لا الشخص
عماد مرمل
إذا أردت ان تعرف ماذا يجري في بيروت، فإن عليك ان تعرف ماذا يجري بين دمشق والرياض. هذه المعادلة الاقليمية التي تحكمت بالعديد من المحطات الداخلية خلال السنوات القليلة الماضية، ترخي بظلالها على كواليس تأليف الحكومة الجديدة، وتطرح أسئلة عدة حول حقيقة موقف سوريا من تكليف النائب سعد الحريري بتشكيل الحكومة ومدى استعدادها للمساعدة في إنجاز رحلته الصعبة نحو التأليف.
يؤكد العارفون ان دمشق لا تعارض من حيث المبدأ تولي الحريري رئاسة الحكومة، انسجاما مع اعترافها بنتائج الانتخابات النيابية التي فازت فيها الموالاة، وهي تعتبر ان لا مشكلة شخصية معه، وهو مرحب به إذا اراد زيارتها. ولكن سوريا ترفض في المقابل ان يتم تدفيعها من كيسها ثمن وصول الحريري الى السرايا الكبيرة، تحت شعار ان المطلوب تسهيل مهمته بتقديم تنازلات سياسية، سواء على مستوى الملف اللبناني ـ السوري، او على مستوى سلوك المعارضة وحجمها في الحكومة الجديدة، لا سيما إذا كان هناك من يطلب هذا التسهيل انطلاقا من مقولة ان الرياض والقاهرة وحلفاءهما قد فازوا في الانتخابات النيابية، ولا بد من تسييل هذا الفوز الى دفتر شروط.
وحسب زوار دمشق، تميل سوريا الى مقاربة مسألة تولي الحريري رئاسة الحكومة وفق رؤية تتجاوز الشخص الى البرنامج. بمعنى آخر، فإن ايجابيتها او عدمها تتوقف على ما ستطرحه الحكومة الجديدة حيال المقاومة والعلاقة مع سوريا. وبقدر ما يكون طرحها واقعيا بقدر ما ستجد دمشق نفسها قريبة من الحريري، والعكس صحيح، كما يؤكد العارفون. ولكن دمشق تبدو مهتمة في الوقت ذاته بإبلاغ من يهمه الامر، ان العناوين الداخلية للحكومة وطريقة توزع القوى فيها إنما هي شأن داخلي لا علاقة لها به، بل هو من اختصاص الموالاة والمعارضة، وليس واردا لديها اختزال المعارضة او الضغط عليها لفرض معادلات لا تقبل بها.
وإذا كانت دمشق تتمنى، بطبيعة الحال، لو أن المعارضة فازت في الانتخابات، إلا انها تعاطت بواقعية مع النتائج، وذهبت الى أبعد من ذلك عندما استخدمت عدم فوز المعارضة بمثابة شهادة حسن سلوك او دليل حسي على عدم تدخلها في الشأن الانتخابي اللبناني، الامر الذي عزز رصيدها لدى المجتمع الدولي وعزز حجتها برفض الضغط على المعارضة لإقناعها بالتراجع عما تطلبه في ما خص تركيبة الحكومة وحصتها فيها، وذلك تحت شعار انها، وكما لم تتدخل في السابق لن تفعل الآن.
في كل الحالات، يعكس زوار دمشق شعورا مفاده ان أهمية الملف اللبناني لدى سوريا لم تعد كما كانت في الماضي، وتحديدا خلال وجودها العسكري في لبنان. والانطباع الذي يعود به هؤلاء يوحي بأن دمشق غيرت قواعد تعاملها مع هذا الملف، استنادا الى المعطيات الآتية:
ـ تشعر سوريا بأن حجمها الاقليمي والدولي بات أكبر من ان يقاس على المسطرة اللبنانية، بعدما نجحت في انتزاع اعتراف أميركي وأوروبي بدورها جعلها جزءا من توليفة التوازنات الجديدة في المنطقة والتي وضعتها في مسار واحد الى جانب تركيا وإيران.
ـ بعد انتصار تموز، تعتبر دمشق ان لبنان لم يعد هاجسا لها او عبئا عليها في ما خص الصراع مع إسرائيل، بل تحول من خاصرة رخوة الى قيمة مضافة في هذا المجال.
ـ أصبحت سوريا مقتنعة في ضوء «خبرتها الطويلة» ان استغراقها في التفاصيل اللبنانية يضعفها، في حين ان ابتعادها عنها يجعلها أقوى، وبالتالي فهي لن تعود الى الانزلاق مجددا في مستنقع التفاصيل، تحت تأثير اغوائها بمشهدية استعادة «أيام زمان».
ـ تعتبر دمشق ان وجود معارضة قوية، قادرة بقواها الذاتية وقناعاتها السياسية، على حماية المقاومة والعلاقة مع سوريا، إنما هو أمر يعفيها من التدخل المباشر في الزواريب والأزقة الداخلية، ويؤمن صون مصالحها الحيوية بأقل كلفة ممكنة.
تأسيسا على هذه العناصر، تبدو دمشق مكتفية بالحدود الحالية للدور المدروس الذي تؤديه في لبنان، وهي ترى ان لا مبرر ولا فائدة من ان تقبل العروض التي تقدم لها من أجل «بيعها» حضورا أوسع على الساحة اللبنانية، ستكون ارباحه أقل بكثير من أعبائه، وأولها ان بائعي هذا الدور سيطلبون منها في المقابل ثمنا مرتفعا، من نوع ممارسة الضغط على حلفائها اللبنانيين لتمرير ما يتعارض مع مصالحهم، الامر الذي يؤشر ـ حسب المقربين من سوريا ـ الى ان بعض مراكز القوى الاقليمية ما زالت تتعاطى مع دمشق استنادا الى قواعد اللعبة القديمة التي كانت معتمدة قبل العام 2005، والتي تقوم على المقايضة بين الاعتراف بنفوذ كبير لها في لبنان وبين استجابتها للوائح المطالب الجاهزة.
ومن الواضح في هذا السياق ان الرياض تتطلع، كما يعتقد أصدقاء دمشق، الى تكريس ثنائية سعودية ـ سورية في إدارة الشأن اللبناني، تحظى بتغطية دولية وهو أمر تفترض الرياض انه يجب ان يكون مغريا لدمشق الى الحد الذي يجعلها مهيأة لإبداء مرونة تتصل بالنقاط العالقة معها، من ترسيم الحدود الى المجلس الاعلى مرورا بالسلاح الفلسطيني وغيرها. اما سوريا، فتقارب المسألة من زاوية انها ليست بحاجة الى «توريطها» في مهمة مغرية من حيث الشكل ومكلفة في المضمون، بل هي ترى ان تموضعها الراهن، والذي يجعلها داخل لبنان وخارجه في الوقت ذاته، هو أكثر ملاءمة لها لانه يعود عليها بعائدات سياسية، من دون إلزامها بدفتر شروط محدد، إضافة الى كونه يتيح التسويق في المجتمع الدولي لفكرة ان سوريا تحترم سيادة لبنان واستقلاله، مع ما يعنيه ذلك من تلميع لصورتها.
ولعل بعض مراكز القرار الاقليمي والدولي تتعامل مع سوريا على خلفية الاستفادة مما يفترض انه تمايز آخذ في التبلور بينها وبين طهران منذ فترة، إلا ان العارفين بحسابات دمشق يؤكدون ان أي رهان من هذا النوع هو خاسر سلفا، لان سوريا تدرك جيدا ان تحالفها الاستراتيجي مع إيران وحزب الله وحركة حماس هو «رأس المال» الذي فرض على المحور الاقليمي والدولي المضاد الاعتراف بحجمها وموقعها في معادلة الشرق الاوسط، وبالتالي فهي ليست مستعدة لاستبداله او مقايضته ببعض «فوائده»، كما توحي خلاصة ما يعرض عليها من الفريق الذي اكتشف إخفاق خياراته في المنطقة، علما ان دمشق سبق لها ان جربت شيئا من هذا القبيل عندما قبلت المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام وراحت تمارس الضغوط على المقاومة في أكثر من ساحة، ليتبين ان المطلوب منها ان تعطي كل شيء مقابل الحصول على الفتات، وفق قراءة أصدقاء سوريا في لبنان.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى