الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

الأزمة مستمرة… ماذا عن توظيفها؟

عبد الوهاب بدرخان
الحديث الإيراني داخلي أولا وأخيراً. المأزق داخلي مئة في المئة. ردود الفعل الخارجية قد تكون إيحائية ومشجعة على الاحتجاج، لكن أحداً لا يستطيع الإقناع بأن جهة أو جهات خارجية تدخلت للتلاعب بأصوات الناخبين، أو تدخلت لتحريض الإصلاحيين على الاعتراض. وفي ظل أنظمة كهذه، يعرف المعارضون أن أي شبهة تعاون أو اعتماد على الخارج هي محرقة حقيقية لهم.
مجموعة الدول الثماني، الملتئمة في إيطاليا قبل يومين، اكتفت بغطاء “الحقوق الأساسية للإنسان” كي تدين العنف السلطوي ضد المتظاهرين في إيران، مؤكدة أنها تحترم سيادة إيران. هذا أبسط ما يمكن أن نسمعه في هذه الأيام. الصمت لم يعد متصوراً كواقع مقبول، خصوصاً أن إيران ليست مثل ميانمار (بورما) منغلقة ومتقوقعة على ذاتها، بل خرجت من حدودها طامحة الى نفوذ إقليمي في كل اتجاه، في الشرق الأوسط وفي الخليج كما في وسط آسيا وبعض دول أفريقيا. والدولة التي تتدخل في شؤون الآخرين لا تستطيع استهجان تدخل الآخرين في شؤونها، وبالأخص إذا لم تكن متصالحة مع شعبها. لكن الهروب إلى اتهام الخارج عنى دائماً، في حال إيران وغيرها، ارتباكاً في الداخل.
ولأن المأزق داخلي، فإن حله لابد أن يكون داخلياً. هاتوا الحل، وليكن بعدئذ ما يكون. في الأصل لم يراهن الخارج أبداً على سقوط النظام. لم يكن هذا الاحتمال واقعياً، ولم تكن له مقدمات، وإذا كان هناك من راهن فعلا، فإنه بالتأكيد لا يعرف طبيعة هذا النظام ولا تركيبته الدينية – السياسية – الأمنية. إذاً، في أسوأ الأحوال، لابد أن تكون هناك تسوية. وفي أفضلها سيكون توظيف للمأزق. يصعب توظيفه داخلياً، فالأوراق باتت مكشوفة، ربما يمكن توظيفه خارجياً، لأن زخم النظام في الخارج، فالداخل لم يكن مقلقاً، ولا يزال تحت السيطرة.
للخارج – الغربي تحديداً – مصلحة في التأزيم كما في الحل، بل الحل السريع. في التأزيم، أولا، لأن هذه انتفاضة حصلت ولم تكن متوقعة، وبالتالي فإن هذه “الهدية” المجانية التي انبثقت من صناديق الاقتراع ربما يكون لها تأثير ما على “سلوكه” النظام، خصوصاً أن ما حصل كان “خطأ” غير محسوب ولم يستشرف مرتكبوه إمكان تدهور الوضع الى هذا الحد. أما المصلحة في الحل فيريدها الخارج لمعاودة التركيز على أزمة البرنامج النووي، لأن هناك عرضاً أميركياً للتحاور، ولأن هذا العرض مرتبط بأمد زمني، ولأن نجاح التفاوض أو فشله سينعكس إيجاباً أو سلباً على المرحلة التالية ليس فقط في العلاقة مع إيران نفسها وإنما أيضاً في مجريات البحث في أوضاع أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان.
في الظاهر، لا مصلحة للداخل – النظام تحديداً – في التأزيم أو في تعذر الحل، لكن شروط الحل ومتطلباته صعبة، وهذا نظام لا يحب التنازل، وربما لا يتقنه ولا يفكر فيه. لكن، إذا كان أبناء “الثورة” هم المتخاصمون فلابد من تبديد الإشكال. الحاصل أن السلطة لم تعرف كيف تقف على الحياد، ولو شكلياً. إذاً يبقى للسلطة، طالما أن الحل غير متوفر، أن تدير الأزمة. فما دام الغرب يقول إن الأزمة شلّت الدولة، حسناً فليوظف هذا الشلل في كسب الوقت نووياً. كل المهارة الإيرانية في التفاوض ركزت خلال السنوات الماضية على المماطلة، وبما أن هجوم “اللطافة” الأوبامي كان مرشحاً للضغط عليها لإرباكها، فإن الأزمة الداخلية جاءت في الوقت المناسب، أقله للتخلص من الاشتراطات الزمنية التي تتبجح إسرائيل بأنها هي التي فرضتها.
لعل الأزمة شكلت بداية لـ “الحوار” الأميركي – الإيراني، إلا أنها بداية مختلفة عما تصوره الطرفان. فالسجال اتخذ منحى شخصياً في تركيز نجاد على مخاطبته أوباما، وهو مرشح للتصاعد، بغية أن يقرر ما إذا كان سيمضي إلى حوار مع حكومة مشكوك في شرعيتها، أم سينتظر الحل الداخلي، أم سيفضل الانحياز الى الشارع المحتج. هذا نوع من تصدير الأزمات الداخلية الى الخارج، وهذا هو التوظيف الأفضل لها. فإيران تعتبر أيضاً برنامجها النووي شأناً داخلياً ينبغي عدم التدخل فيه، إلا بالمقدار الذي سمحت لوكالة الطاقة الذرية به. أما أي حوار مع أميركا فيُستحسن أن يتناول تعاون الطرفين في حل المشاكل الدولية والإقليمية، وفقاً لتصريحات كررها المسؤولون الإيرانيون، لكن قبل أزمة الانتخابات.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى