جهاد صالحصفحات سورية

الجولان من الإحتلال إلى الإستبداد

null
جهاد صالح
الجولان خط احمر من قبل النظام السوري ، وكذلك لايمكن لحلفائه من حزب الله أو إيران أو حماس الحديث فيه ، كونها أي الجولان تؤمّن وما زالت استمرارية النظام وبقائه في الحكم ووفاءا بالتزماته نحو إسرائيل منذ عقود طويلة، فهدوء الساحة الجولانية هو دائما السرّ الذهبي لبقاء الأسد والعائلة في حكم سوريا.
مؤخرا وبعد العزلة التي كان النظام يغرق فيها عربيا ودوليا ، كان الخطاب السلطوي في سوريا هو فتح جبهة الجولان وإعلان الحرب البهلوانية وجرّ الجميع لهذه المعركة( معركة البقاء والمصير)، ولكن الخطاب السياسي المصطنع من قبل نظام الحكم في دمشق والحديث باسترجاع الجولان( وليس تحريره) ليس إلا من باب المناورة والحصول على صفقة تديمه كغيمة سوداء في سماء سوريا عقود أخرى .
في شهر حزيران 2008 تحدث الأسد في دولة الإمارات لوسائل الإعلام: \ سورية اشترطت لبدء المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية قبولها بإعادة الجولان\. فهل سيحرر الأسد وجيشه الجولان المحتل فيما إذا فشلت المفاوضات مع إسرائيل ورفضها لإعادة الجولان له؟
المعروف أن الإسرائيليين لن يتخلوا عن الجولان بهذه السهولة، لأنهم سيفقدون المصادر المائية، وأيضا هضبة الجولان الإستراتيجية، ومعامل النبيذ والخمر في الجولان، إضافة إلى أن النواب اليمينيين في إسرائيل يعارضون بشدة إعادة الجولان إلى سوريا. ولكن بحالة واحدة قد تفعلها إسرائيل حين تعقد صفقة مع نظام الأسد وفق تقاطعات لمصلحة إسرائيل الإقليمية ومصلحة بقاء الأسد في الحكم حفاظا على الأمن الإسرائيلي.
قبل سنوات حكمت محكمة امن الدولة الإجرامية  في سوريا على مواطنين سوريين بالسجن لمحاولتهما التسلل إلى الجولان بغية القيام بعملية فدائية، وكذلك أعدمت ثلاثة فلسطينيين لمحاولتهم القيام بعملية فدائية ضد إسرائيل عبر الجولان المحتل.
الجولان المحتل أصبح ورقة يستثمرها النظام السوري لأجل أن يظل في الحكم ويحصل على رضاء إسرائيلي وأمريكي، ويحمي عرشه من التغيير، أومن تيارات الديمقراطية والتغيير التي تحاصره من العراق ولبنان.
حقائق التاريخ تؤكد أن النظام والمسؤولين في دمشق آخر هم لهم هو الأرض السورية المحتلة، وهدفهم فقط البقاء في الحكم ونهب خيرات سوريا الطبيعية بالحديد والنار.فجريمة الاستفراط باللواء السليب كانت أبشع سياسات النظام ، ومن قبلها الجولان المحتل. فعن لواء الاسكندرون المغتصب من تركيا منذ عام 1939 حين أعطتها فرنسا لتركيا أثناء احتلالها لسوريا، ومن ثم جاءت اتفاقية اضنة 1998 واعتراف النظام بهذه الاتفاقية وبالحدود التركية وتخليه عن المطالبة باللواء ومن ثم ليكون شهر تشرين الأول أكتوبر 2007 تخليا رسميا ونهائيا من نظام البعث عن لواء اسكندرونة وكيليكية ،وذلك حين زار بشار الأسد تركيا وتم مسح وإلغائهما من المناهج الدراسية ومن الخارطة السورية.

في حوار للدكتور\ محمود جامع\  الطبيب الخاص للرئيس الراحل أنور السادات مع صحيفة الوفد المصرية يقول:
الجولان راحت ضحية صفقة تمت بين النظام السوري وإسرائيل في يونيو   1967
الجولان اتباعت بملايين الدولارات التي دخلت حساب رفعت الأسد الذي كان
وسيطاً بين إسرائيل وشقيقه حافظ الأسد،واقتسم رفعت قيمة الصفقة التي أودعت
في حساب خاص ببنوك سويسرا، وقد صدرت أوامر بالانسحاب للقوات السورية ولم
يطلق رصاصة واحدة، وتم إرهاب الجنود المرابطين بالهضبة بأنهم سيتعرضون للحصار والإبادة من الجيش الإسرائيلي .
وقتها نظر إلي السادات وقال متسائلاً: يا محمود إن إسرائيل مهما بلغت قوتها لاتستطيع السيطرة على متر واحد في الجولان لو دخلت حربا حقيقية.
وقال: يا محمود البعثيون خونة،
ثم يتحدث الدكتور محمود قائلا “لقد سمعت هذه القصة من السادات عام 1969 وهو يكاد يبكي لأنه كان يرى أن سقوط الجولان في أيدي القوات الإسرائيلية لم يكن بالأمر السهل، لولا تعليمات صدرت إلى الجيش السوري بالانسحاب فورا حتى لا تتم محاصرتهم من الإسرائيليين، والغريب أن هذه التعليمات بثتها أيضا الإذاعة السورية، وحسب كلام السادات لي فان الجيش انسحب بسرعة بناء على ذلك دون أن يطلق رصاصة واحدة، بعد أن تم إبرام الصفقة بواسطة رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري السابق حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع، وقبض الثمن . وكان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت هو د. نور الدين الاتاسي الذي انقلب عليه فيما بعد حافظ الأسد.
مؤلم هذه الحقائق ، وخاصة أن حكام سوريا يتحدثون عن الوطنية والعروبة واسترجاع الأرض المحتلة،ويخوّنون نشطاء الحرية والديمقراطية في سوريا، وتعاقبهم بالاعتقال والسجن والتعذيب والقتل ، ويراهن النظام  المجتمع الدولي على ضمان السلم الأهلي في المنطقة وعملية السلام مع إسرائيل، مقابل بقاء سوريا أرضا وشعبا تحت نير الاستبداد واللاحريات وهراوات القمع والسلطة البوليسية الشرسة. وعدم الاقتراب من تابو ملف حقوق الإنسان السوري !
المواطنون في جولاننا المحتل يشهدون الحياة السورية بكل مآسيها ، من مجتمع لا ديمقراطي وفساد سلطوي، وفقر، واعتقالات وكبت للحريات، ووطن سجين ، و يشعرون بالمرارة لواقع إخوتهم السوريين تحت حكم الأسد وزبانيته، ويتخيلون حالهم  لو قرر الإسرائيليون إعادة الجولان إلى سوريا، الانتقال من حكم إسرائيل المحتلة، إلى حكم النظام السوري بأدواته القمعية وثقافات التخويف والإرهاب. انتقال من ظلم إلى ظلم، ومن احتلال إلى احتلال، أو إلى سجون مخيفة، معادلة صعبة لا يمكن تصورها؟!
في عام 1994 بدمشق التقيت ببعض الطلبة الجولانيين ، وسألتهم عن رأيهم في النظام السوري، فما كان جواب المعظم منهم أنهم يشعرون بالخوف من أن يحكمهم النظام السوري بمخابراته وقمعياته،وأنهم سينهبون خيرات الجولان وحتى حرية أبنائه ، حتى أن  احدهم فضل الاحتلال الإسرائيلي الأسود والمشين على حكم المخابرات والبعث ؟
من مجدل شمس في الجولان المحتل كتب إلينا الصحافي والكاتب \ وهيب أيوب \ عن رؤيته في السلام بين نظام الأسد وإسرائيل وعملية التفاوض غير المباشرة عبر تركيا الكمالية :
(لا أعتقد أن المفاوضات التي تجري بين الإسرائيليين والنظام السوري جادة للتوصّل إلى سلام واستعادة الجولان كما يدّعون. كان رأيي دائماً أنها مُجرّد مسرحية للاستهلاك المحلي والخارجي تخدم كلا الطرفين، وهي لن تُفضي لأي نتيجة.
وأما إن كان ما يجري هو بالفعل حقيقة، ففي ظل الظروف الراهنة، الدولية منها والعربية، وموازين القوى على الأرض بين سوريا وإسرائيل، فلن تكون النتيجة أفضل من “كامب ديفيد” أو “وادي عربه” في أحسن الأحوال. وسيكون السلام، مُجرّد انتقال العلم الإسرائيلي من قمة حرمون في الجولان إلى قمة قاسيون في الشام، دون أي سيادة سورية حقيقية على الجولان.
وبالنسبة للشعب السوري، فهو لا يُستشار بأبسط شؤون حياته اليومية، ولا يُؤخذ رأيه بأي اتفاقات أو معاهدات يبرمها النظام مع أطراف خارجية، فلديهم قيادة حكيمة تعرف مصلحتهم أكثر منهم!
وشعبنا في سوريا (باستثناء المعارضة طبعاً) يذكّرونني بقول نزار قباني….
فهم:
بالحرب قانعون..
وبالسِلمِ قانعون
بالبرد قانعون
وبالدفء قانعون
وكل ما نملك أن نقول
إنا إلى الله لراجعون
وأما أهل الجولان فلا يملكون أي تأثير على مجرى المفاوضات أو ما ستُفضي إليه، لكنّهم متمسكون بأرضهم وانتمائهم حتى النهاية، وهذا جُلّ ما يستطيعون فعله، ولا ننسى أننا نتحدّث عن 20 ألف مواطن فقط، هم الباقون في الجولان المحتل.).
الجولان المحتل بقي سياجا لحماية امن إسرائيل في ظل صمت النظام السوري لسنين طويلة عن المطالبة باسترجاعه،أو محاولة توجيه البندقية إلى إسرائيل ، وما يفعله الآن من حديث عن استرجاع الجولان وتحقيق السلام العادل، ما ذلك إلا إعادة إنتاج حكمه ونظامه بآلية تتوافق مع المتغيرات الإقليمية والدولية وحجز حقبة زمنية لكرسي الرئاسة، وتقويض سوريا الوطن والشعب تحت العصا والرصاص ، بضوء اخضر من إسرائيل ، فأمن إسرائيل من بقاء النظام ، والنظام في بقائه أولا في القرار الإسرائيلي ، وهذا ما تقوله إسرائيل دائما. والسلام العادل على حساب العدل والحرية والديمقراطية لسوريا.
– بيروت
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى