صفحات سورية

تباين بين سورية و«حزب الله» في تقويم الخسارة

null
وليد شقير
بعثت سورية خلال الانتخابات النيابية اللبنانية رسائل عدة الى أطراف محليين وأطراف آخرين اقليميين ودوليين، تستدعي، وفق الأوساط السياسية المتابعة لسلوك دمشق، التوقف عندها.
وتقول هذه الأوســـاط ان القيادة السورية حرصت على أن تُبرز، في علاقتها مع حلفائها، وبالتالي أمام خصومها، التزامها بعدم التدخل في الانتخابات باعتباره واحداً من المطالب التي أصرت عليها غير جهة دولية، وخصوصاً واشنطن، فضلاً عن أنه كان أحد 3 نقاط شكلت قاعدة المصالحة السعودية – السورية في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، والتي تكرست بزيارة الرئيـــس الســـوري بشار الأسد الرياض في شهر آذار (مارس) الماضي، فالنقطتان الأخريان من ركيزة المصالحة، اضافة الى عدم التدخل في الانتخابات والعمل على اجرائها في هدوء، كانتا: الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان واعتبار اتفاق الطائف مرجعية المعالجات في لبنان.
وفي اعتقاد هذه الأوساط أن العواصم المعنية دولياً واقليمياً التقطت اشارات دمشق بعد الانتخابات وعبرت عن ارتياحها الى «وفائها بالتزام عدم التدخل»، وأن فرقاء محليين من الأكثرية التقطوا هذه الاشارات أيضاً، بينما التقطها البعض دون الآخر في المعارضة.
ويرى مصدر بارز في الأكثرية أن البراغماتية السورية، في سياق الانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية والغرب والمملكة العربية السعودية ومصر… الخ، جعلت دمشق تقفز فوق مواقف سابقة كانت تتشارك فيها مع المعارضة و «حزب الله» قبل الانتخابات النيابية، ضد قوى 14 آذار، منها اتهام الأخيرة بأنها سرقت مقاعد الأكثرية بفعل فرطها التحالف الرباعي وأنها أكثرية وهمية وأنها منتج اسرائيلي – أميركي وسقوطها قريب جداً، وأن فشلها سيغير وجه لبنان والمنطقة وصولاً الى اعتبار «حزب الله» أن ذهاب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود أولمرت يفترض أن يتبعه ذهاب هذه الأكثرية.
كما أن سورية وحلفاء لها في لبنان تجاوزوا الحملة الاعلامية السياسية التي صنفوا من خلالها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون على أنه مرجعية لمسيحيي الشرق، إبان زيارتيه لدمشق وطهران، نظراً الى أن الانتخابات وضعت الأمور في سياقها الواقعي اللبناني البحث لجهة الأحجام والقدرة على التأثير في موازين القوى.
وفي رأي هذا المصدر أن دمشق عوّضت عن سقوط هذه الشعارات بحال الانفتاح الحاصلة معها، والموعودة بخطوات اضافية حيالها، منها اعادة النظر الأميركية بالعقوبات المفروضة عليها… وإذا كانت علاقتها مع الأكثرية لم تتغير، تغيراً جوهرياً حتى الآن، فإن ما يهمها قبل ذلك خطوات الانفتاح الخارجي عليها التي لدمشق مطالب وضمانات جوهرية في سياقها لم تتضح بعد مواقف العواصم المعنية منها. (تبدأ بالعلاقة الثنائية مع هذه العواصم وتمر بدور سورية الاقليمي واللبناني ولا تنتهي عند مفاوضات السلام لاستعادة الجولان مع اسرائيل).
ويسأل المصدر كيف سيتعاطى الجانب السوري مع المرحلة المقبلة بعد هذه المحطة التي كسبت فيها سورية «الارتياح» الغربي والعربي لسلوكها حيالها، سواء على الصعيد اللبناني أو على الصعيد الخارجي. وإذ يجيب المصدر بأن الاتصالات السورية – السعودية «قائمة على قدم وساق، بعيداً من الأضواء» بعد الانتخابات، فإنه يعتبر ان علاقة سورية بالأكثرية لا تبدو ذاهبة نحو أي تغيير أساسي باستثناء الرسائل الإعلامية عن أنها لا تمانع في انفتاح حلفائها على زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري والتواصل مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط. فعدم الممانعة هذه تشكل اختباراً لعلاقة دمشق ببعض رموز الأكثرية مستقبلاً، إذا كان من احتمال لطي صفحة الماضي. وهو أمر يحتاج الى نَفَس طويل جداً من الجانبين، اضافة الى قدر كبير من الواقعية، فضلاً عن العامل الرئيسي اي حصول تغيير جوهري في العلاقات الاقليمية والدولية.
وفي رأي بعض الأوساط أن هذه الاشارات تستدعي مراقبة ما يجري من دون الإفراط في الاستنتاجات قبل توافر معطيات واضحة، في وقت يدعو مصدر بارز في الأكثرية الى التوقف أمام بعض الانطباعات المستندة الى وقائع كالآتي:
1- إن هناك تبايناً، اذا لم يكن أكثر بين التقويم السوري (وتقويم بعض الحلفاء المباشرين) لخسارة المعارضة الانتخابات، حيث يسر مسؤولون سوريون لحلفاء لهم بأن قيادة «حزب الله» للمعركة لم تكن ناجحة كا يجب بسبب تصريحات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله التي استنفرت واستفزت جمهوراً الى جانب قوى 14 آذار وبين تقويم قيادة «حزب الله» الذي بقي متحفظاً عن أدوار بعض حلفاء دمشق. وبينما لا تخفي دمشق وبعض حلفائها انتقادهم لتفرد الحزب في بعض الحالات ولعدم التشاور بين أطراف المعارضة في تشكيل اللوائح وحصول التشطيب في بعض الدوائر وإطلاق يد العماد عون في بعضها الآخر، فإن تقويم قيادة الحزب بقي طي الكتمان مع رفض مقولة إن خطابات السيد نصرالله (عن اليوم المجيد في 7 أيار) ساهمت في تأليب جزء من الرأي العام ضد المعارضة، واعتبارها مقولة غير صحيحة.
2- إن هناك همساً في بعض أوساط المعارضة عن أن خسارة المعارضة للانتخابات هي خسارة من جانب ادارة «حزب الله» وايران لها، بدليل الآمال الكبرى التي علقتها طهران على نتائجها وثقتها بالفوز في حديثها مع ممثلي دول أوروبية، وليست خسارة للادارة السورية للمعركة، ويدعو مراقبون الى عدم اغفال أن سورية لا بد من أن تستعيد، في ظل طموحها الى تحسين العلاقة مع السعودية ومصر (ومع أميركا طبعاً)، طموحها للعودة الى لعب الدور الأساس في ادارة شؤون حلفائها، وبالتالي دورها في الوضع اللبناني ككل، بعدما كانت خصوماتها الاقليمية دفعتها في السنوات الأربع السابقة الى التسليم بادارة «حزب الله» وقيادته لهؤلاء الحلفاء (وبالتالي قيادة ايران) على حساب دورها التاريخي. وفي رأي المراقبين هؤلاء أن «حزب الله» كان يتصرف في خلال المرحلة الماضية على أن سورية تحتاج اليه في لبنان أكثر مما هو في حاجة اليها، فكان يتولى اليوميات والقضايا الأساسية… كما يرى المراقبون أنفسهم أن سورية حرصت، بعد الانتخابات على التركيز على علاقتها برئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي كان الجهة الوحيدة التي اتصل بها الرئيس بشار الأسد، خلافاً لاتصال أقرانه في الدول العربية والغربية بسليمان وبقادة قوى 14 آذار لا سيما الحريري.
3- إن دمشق تأمل من الانفتاح الخارجي عليها بأن تفاوضها العواصم المـــعنية على لبنان، بدلاً من أن تفاوض ايران والحزب، على رغم أن المســـافة بينها وبين طهران ما زالت قريبة، بغض النظر عن مدى واقعـــية هذا التصور، لكن المؤكد أن دمشق تفضل الا تكون ملحقاً بالتفاوض الايراني مع الغرب، في الشأن الاقليمي عموماً (العراق – فلسطين -الجولان…). وهي لهذا السبب اعتمدت القناة التركية في مفاوضاتها مع اسرائيل، وأعلنت غير مرة أنها في ما يخص مصالحها الوطــنية لا تطلب أذناً من أحد. وقد ظهر التباين بينها وبين «حزب الله» حول هذا التفاوض على رغم أنه بقي محدوداً.
والــسؤال الذي يحــتاج الى متابعة الأجوبة عليه في المرحلة المقبلة هو: هل إن سورية تأمل بالعودة الى لعب دور ما في لبنان، بموازاة الهامش الذي تفتحه الحوارات الاقليمية لأخذ مسافة عن طهران؟
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى