صفحات سورية

متغيرات السياسة الخارجية السورية

null
الإرث السياسي – التحولات الاقتصادية – الإصلاح – إسرائيل وأمريكا والدور الإقليمي
تجاوز الاهتمام بالسياسة الخارجية السورية نطاق التقارير والتحليلات الإخبارية الجارية باتجاه البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية وفي هذا الخصوص أعد البروفيسور رايموند هينيبوش الأستاذ في مدرسة العلاقات الدولية ومدير مركز الدراسات السورية ورقة بحثية تطرقت إلى تحليل ودراسة السياسة الخارجية السورية المعاصرة: فماذا تقول الورقة؟
* الملخص التنفيذي:
تميزت السياسة الخارجية السورية الراهنة بعملية تحول كبيرة أسفرت عن الآتي:
• اعتماد المزيد من التوجهات الجديدة وتوسيع النطاق.
• التأكيد على برنامج الوسط في عملية الإصلاح الاقتصادي.
• التمسك باسترداد الحقوق السورية من إسرائيل إضافة إلى التمسك برفض الاحتلال الأمريكي للعراق.
• السعي لتحقيق الانفتاح على الاقتصاد العالمي برغم سيطرة واشنطن على النظام الاقتصادي العالمي.
التدقيق في طبيعة وتوجهات السياسة الخارجية السورية الراهنة يتطلب فحص ومعايرة تأثير العديد من المتغيرات أبرزها: الإرث السياسي، المحددات المتعلقة بالتحولات السياسية والاقتصادية، عملية الإصلاح، سياسة سوريا إزاء إسرائيل، سياسة سوريا إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، دور سوريا الشرق أوسطي.
* متغيرات السياسة الخارجية السورية:
يوجد إرث سوري في مجال السياسة الخارجية بسبب التفاعلات الإقليمية والدولية الكبيرة المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، وسيظل هذا الإرث ومعطيات خبرته يلعبان دوراً هاماً في التأثير على توجهات السياسة الخارجية السورية:
• تداعيات المرحلة الاستعمارية التي انتهت بتقسيم سوريا التاريخية إلى عدة دول ثم إقامة دولة إسرائيل في جزء منها.
• تداعيات وتراكمات الشعور القومي بالهوية العربية.
• الجهود السورية المستمرة على مدى أربعين عاماً في استرداد مرتفعات الجولان.
• الإحساس المتزايد لجهة انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة وعلى وجه الخصوص إزاء التهديدات القادمة من دول الجوار السوري.
• الأوضاع غير المستقرة للميزان العسكري الإقليمي الشرق أوسطي.
• الطبعة المتغيرة للتهديدات والمخاطر الأمنية الماثلة في الشرق الأوسط.
• الاهتمام بالبحث المستمر عن الحلفاء والتكيف المستمر مع تغير التحالفات والارتباطات.
ينطوي إرث السياسة الخارجية السورية عل كل هذه العناصر والمكونات وذلك بما أدى إلى دفع السياسة الخارجية السورية إلى تبني موقف يتضمن في جانبه الأول تفضيل الحوار والتفاهم على المواجهة وفي الوقت نفسه التحوط والاستعداد لاحتمالات المواجهة.
* ثانياً: المحددات الاقتصادية – السياسية:
تعرض الاقتصاد السوري للعديد من مخاطر الانكشاف خلال الحقب الماضية ومن أبرزها:
• فجوة انقطاع الدعم العربي.
• ضغوط أزمات الاقتصاد العالمي.
• ضغوط عملية التحول الاقتصادي الداخلي.
• ضغوط البيئة الاقتصادية العالمية غير المواتية بسبب سعي القوى العالمية للضغط على سوريا.
إزاء هذه المخاطر إضافة لعدم استقرار شركاء سوريا التجاريين كالسعودية والاتحاد الأوروبي، فإن سوريا ما زالت تمارس تحفظاً لجهة تفضيل التأكيد على سياسة اقتصادية وسطية توازن بين الموارد الاقتصادية الداخلية والموارد الاقتصادية الخارجية.
* ثالثاً: القيادة السياسية الحالية:
صعود القيادة السورية الجديدة لم يترتب عليه حدوث أي خلافات أو صراعات ضارة بصيغة الاستقرار الذي كان موجوداًَ ومن أبرز أسباب ذلك هو قيام هذه القيادة الجديدة بالتوجه القوي نحو اعتماد عملية الإصلاح الاقتصادي كأساس لخطابها السياسي وبالتالي لم تحدث أي خلافات أو صراعات سياسية على غرار ما ظل يحدث في بلدان العالم الأخرى التي تشهد صعود القيادات الجديدة.
سعت القيادة الجديدة إلى الجمع بين الإبقاء على النظام وفي الوقت نفسه تحديثه عن طريق اعتماد أسلوب معين لجهة ترتيب الأولويات بما أتاح للقيادة الجديدة إنجاز بناء النخبة السياسية وتجديد أسلوب العمل.
* رابعاً: السياسة الخارجية السورية الجديدة:
بدأت تحولات السياسة السورية لجهة وزنها ومكانتها تأخذ شكلاً ومضموناً جديداً يمكن الإشارة إليه على النحو الآتي:
• السعي من أجل تعزيز أفق الحل السياسي في المنطقة.
• التكيف مع تحول طبيعة النظام الدولي ومستجداته التي طرأت خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
• الانفتاح والحراك الدبلوماسي الخارجي المستمر والمتجدد.
• التخلي المتزايد عن نموذج المجتمع المغلق الذي تتميز به دول الشرق الأوسط خلال حقبة الحرب الباردة.
• الانفتاح إزاء البنية السياسية الخارجية لم يترتب عليه حدوث انكشاف في البيئة السياسية الداخلية.
• التغلب على الانكشاف الاستراتيجي الذي حدث بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي عن طريق بناء التحالفات والروابط مع القوى الإقليمية كتركيا وإيران.
السياسة الخارجية السورية الجديدة ركزت على التجاوب مع الموقف الدولي غير المواتي عن طريق بناء التحالفات المزدوجة ضمن مستويين:
• على المستوى الإقليمي: تعزيز الروابط مع الدول والمنظمات الإقليمية ذات التوجهات المنسجمة مع توجهات دمشق.
• على المستوى الدولي: تعزيز الانفتاح الإيجابي عن طريق تبني واعتماد سياسة خارجية تتمسك بالحقوق وفي الوقت نفسه تتبنى الانفتاح والتعامل الإيجابي.
أسلوب بناء التحالفات المزدوجة أتاح لسوريا ليس الاحتفاظ بروابطها القوية مع إيران فحسب، وإنما كذلك تعزيز الروابط مع طرفين هامين آخرين هما تركيا والاتحاد الأوروبي ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك نجد الآتي:
• التطورات الإيجابية الجارية في العلاقات السورية – التركية.
• التطورات الإيجابية الجارية إزاء التقدم في ملف الشراكة المتوسطة وملف علاقات سوريا مع الاتحاد الأوروبي.
أتاحت استراتيجية بناء التحالفات المزدوجة استفادة السياسة الخارجية من مزايا المرونة وعلى وجه الخصوص مع الدول والبلدان العربية التي لها خلافات مع دمشق بحيث كلما تصاعدت الخلافات كلما أعقبتها فترات التهدئة والتخفيف ومن الأمثلة على ذلك التطورات الإيجابية في ملف العلاقات السورية – السعودية والسورية – الأردنية.
* خامساً: السياسة السورية إزاء إسرائيل:
اتبعت السياسة الخارجية السورية مساراً خاصاً إزاء إسرائيل لجهة تفعيل مسار مفاوضات السلام وتمثلت أولى العقبات في صعود حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون الذي لجأ إلى رفض “وديعة رابين” إضافة للقيام بقمع الانتفاضة الفلسطينية الأمر الذي أدى لخلق بيئة غير مواتية للسلام.
برغم دخول الطرف الفلسطيني في عملية أوسلو فإن سوريا لم تتخل عن دعم وتعزيز الحقوق الفلسطينية واعتبارها جزءاً من مكونات الحل الشامل والسلام الدائم في المنطقة إضافة لذلك فقد ظلت سوريا تنظر إلى حركات المقاومة باعتبارها ظاهرة مشروعة ويتمثل ذلك من خلال توجهات السياسة الخارجية الإيجابية تجاه حركات المقاومة في كل من فلسطين ولبنان.
سعت إسرائيل إلى استهداف سوريا عسكرياً لإفهامها أن توجهاتها الداعمة لحركات المقاومة ستكلفها الكثير من الخسائر، لكن برغم ذلك فالسياسة الخارجية السورية لم تتخل عن توجهاتها لا بفعل التهديد الإسرائيلي ولا بفعل الضغوط الأمريكية.
* سادساً: رفض الهيمنة الأمريكية:
واجهت العلاقات السورية – الأمريكية الكثير من التوترات وذلك لعدة أسباب يمكن إدماجها ضمن سببين:
• تبني سوريا لسياسة داخلية تؤكد الإصلاح والتحول باتجاه اقتصاد السوق وهو تبني سعت واشنطن لاستخدامه كمؤشر على إمكانية إدماج سوريا ضمن مشروع الهيمنة الأمريكية أسوة ببلدان أوروبا الشرقية كبلغاريا ورومانيا وغيرها.
• تبني سوريا لسياسة خارجية تؤكد التمسك بالحقوق المشروعة وهو ما سعت واشنطن لكسره عن طريق الضغوط والعزل الدبلوماسي بما يدفع سوريا إلى التراجع وتقديم التنازلات.
برزت ردود الفعل الأمريكية إزاء السياسة الخارجية السورية المناهضة للهيمنة الأمريكية خلال فترة صعود جماعة المحافظين الجدد التي استمرت طوال فترة ولايتي جورج بوش الابن الأولى والثانية وفي هذه الفترة:
• ظلت الإدارة الأمريكية تحت سيطرة عناصر اللوبي الإسرائيلي المرتبطة بحزب الليكود الإسرائيلي.
• ظل الكونغرس الأمريكي تحت سيطرة عناصر المسيحية الصهيونية والجمهوريين المتشددين المرتبطة بمنظمة الإيباك (لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية).
صدرت خلال هذه الفترة القوانين التي سرعان ما كانت إدارة بوش تصدر الأوامر التنفيذية المتعلقة بها وكان من أبرز نتائج هذه المرحلة استهداف العلاقات السورية – اللبنانية والعلاقات السورية – السعودية إضافة لقيام بعض صقور الإدارة الأمريكية بمحاولة التسويق للافتراض القائل بوجود برنامج نووي سوري.
* سابعاً: السياسة السورية إزاء لبنان:
ظلت السياسة السورية إزاء لبنان خلال الأعوام الخمسة الماضية مدار جدل كبير بين دمشق من جهة وأمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي والسعودية من الجهة الأخرى، وتمثل الخلاف بين الطرفين حول الآتي:
• منظور السياسة الخارجية السورية يرى لبنان باعتباره امتداداً حيوياً ليس للسياسة السورية وإنما للمجتمع السوري بمختلف مكوناته.
• منظور السياسة الخارجية الإسرائيلية يرى لبنان باعتباره فرصة قابلة للاستغلال وتهديد سوريا وهو المنظور الذي اعتمدته أمريكا وسارت من ورائها فيه بلدان الاتحاد الأوروبي والسعودية ومصر وبقية حلفاء أمريكا الشرق أوسطيين.
نجحت السياسة الخارجية السورية في تفادي تداعيات الأزمة اللبنانية فقد خرجت القوات السورية من لبنان ولكن عندما سعت إسرائيل لاستهداف لبنان عسكرياً في العام 2006 استطاع حلفاء سوريا اللبنانيين ليس إرغام القوات الإسرائيلية على الانسحاب وإنما ردع إسرائيل من مغبة القيام بالمحاولة مرة أخرى.
* سابعاً: السياسة الخارجية السورية وتداعيات احتلال العراق:
اعتمدت السياسة الخارجية والداخلية السورية خلال فترة ما بعد احتلال العراق استراتيجية أتاحت تحقيق الآتي:
• المضي قدماً في الإصلاح الداخلي.
• إفساح المجال أمام الشفافية والاستماع للرأي الآخر.
أحبطت هذه التوجهات محاولات المعارضة السورية الخارجية وخاصة جماعة الإخوان المسلمون الرامية لإعادة بناء قوامها التنظيمي الداخلي إضافة لذلك لم تسع سوريا لمساندة الاحتلال العسكري للعراق وإن كان النظام العراقي السابق خصماً لدوداً لسوريا.
إفساح المجال أمام الشفافية والاستماع للرأي الآخر لم يكن مطلقاً فقد حددت دمشق الخطوط الآتية باعتبارها خطوطاً حمراء ممنوع تجاوزها وهي:
• عدم المساس بالوحدة الوطنية.
• عدم التعامل مع القوى الأجنبية.
إفساح المجال أمام الشفافية في ظل هذه الخطوط الحمراء أخذ شكل يمكن أن تطلق عليه اسم صفقة “العقد الاجتماعي” الذي يتضمن تحديداً واضحاً للحقوق من جهة والواجبات من الجهة الأخرى.
عموماً، يختم البروفيسور رايموند ورقته البحثية قائلاً بأن السياسة الخارجية السورية ستظل أكثر تمسكاً لجهة التأكيد على موقفها الذي يجمع بين عامل التمسك بتحالفاتها وروابطها الإقليمية وعامل انفتاحها للحوار والتعامل مع الغرب ولما كانت الموازنة بين هذين العاملين نجحت في الحفاظ على توازن الدبلوماسية السورية – الأوروبية والسورية – الشرق أوسطية فإن دبلوماسية فرنسا التي ابتعدت عن سوريا مرة وعادت إليها مرة أخرى يمكن تعميمها على دبلوماسية الدول الغربية الأخرى التي سيتواتر ابتعادها ورجوعها وعلى الأغلب أن لا تتغير التوازنات الدبلوماسية إ إذا تغيرت توازنات المصالح الأخرى في المنطقة!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى