صفحات سورية

اليورانيوم بموقع الكبر … زعم أم واقع في غير أوانه: سوريا تترقّب تقرير وكالة الطاقة لاثبات مصداقيّتها

null
الوكالة الذرية منزعجة من تسريبات اكتشاف اليورانيوم بموقع سوري
التايم الأميركية تؤكد أن بوش لم يكن كاذبًا على طول الخط
غارات أميركية سريَّة على تنظيم القاعدة في عدة دول
إيلاف*، عواصم ووكالات: تعقيبًا على ما تناقلته وسائل الإعلام حول اكتشاف جسيمات من اليورانيوم المعالج في بعض عينات الاختبار التي جمعها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية من موقع الكبر في دير الزور السوريَّة، اكتفى مسؤول سوري تحدّث لـ “إيلاف” بالقول إنَّ التقرير النهائي والرسمي لوكالة الطاقة سيضحض جميع المزاعم ويثبت مصداقيَّة سوريا. من جانب آخر، اعتبرت صحيفة “التايم” الأميركية أنه لا داع للدهشة أمام الشكوك الأميركيَّة بأن الموقع السوري الذي قصفته إسرائيل في شهر أيلول ( سبتمبر ) 2007 كان جزءًا من البرنامج النووي السري لسوريا. فالتكتّم الإسرائيلي – في حينها – على الأسباب التي دعتهم إلى قصف الموقع، قوبل بتصريحات أميركيَّة تكشف أنَّ الهدف كان ضرب مفاعل نووي سريّ تمَّ بناؤه بمساعدة من كوريا الشماليَّة. إلا انَّ ما لحق ذلك من تسريبات نقلا عن مصادر دبلوماسيَّة جاء ليؤكّد تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش، إذ أعلن دبلوماسيون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للصحافة يوم الاثنين الماضي أن مفتشي الأمم المتحدة عثروا على آثار عنصر اليورانيوم عندما فحصوا الموقع المقصوف في شهر حزيران (يونيو) الماضي. وأزعجت التسريبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اعتبرت يوم أمس على لسان الناطقة الصحافيَّة باسمها ميليسا فليمينغ أن تسريب المعلومات يهدف إلى الحكم مسبقاً على استنتاجات الوكالة.
عمليات سريّة أميركيّة ضد القاعدة
في اطار الصلاحيات الواسعة التي منحها اياها جورج بوش عام 2004، نفذت القوات الاميركية الخاصة حوالي 10 عمليات سرية ضد عناصر تنظيم “القاعدة” في عدة دول بينها عدة عمليات في سورية قبل الغارة الأخيرة على منطقة البوكمال الحدودية.
وبالتزامن، ذكرت صحيفة ”نيويورك تايمز” على موقعها الإلكتروني ان القوات الاميركية الخاصة نفذت حوالى عشر عمليات سرية ضد عناصر تنظيم “القاعدة” وغيرهم من المسلحين في باكستان وسوريا ودول أخرى في إطار الصلاحيات الواسعة التي منحهم إياها بوش. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين كبار لم تكشف عن هويتهم ان تلك الصلاحيات وردت في أمر سري وقعه وزير الدفاع الاسبق دونالد  رامسفيلد في مطلع 2004 بموافقة الرئيس بوش.
في المقابل، تعزّز هذه المعلومات تنامي الشعور بالعداء بين سوريا والولايات المتحدة. ويقول آندرو تابلر، رئيس التحرير السابق لصحيفة سوريا اليوم (Syria Today) التي تصدر باللغة الإنكليزية في دمشق: “لقد كانت حربا باردة حقيقية بين سوريا والولايات المتحدة. وإن تحسين العلاقات بين البلدين قد أصبح أكثر صعوبة مما نعتقد”.
ونقلت مراسلة إيلاف في دمشق، بهيَّة مارديني عن المسؤول السوري رفضه التعليق على ما تداولته وسائل الإعلام حول اكتشاف جسيمات من اليورانيوم المعالج، مكتفيا بالقول إنَّ بلاده لن تلتفت الى تسريبات يعرف الجميع الهدف منها، ومؤكّدًا ان التقرير المرتقب من وكالة الطاقة الذريَّة سيثبت عدم الحصول على اية نتائج مخالفة للنفي السوري. وأشار المسؤول السوري إلى أنّها ليست المرة الاولى التي نقرأ فيها مثل هذه المزاعم، واعتبر ان هناك بعض وسائل الاعلام تحاول تكثيف الاساءة لسوريا الا ان اهدافها مفضوحة واخبارها فقدت مصداقيتها.
وأشار المسؤول السوري الذي فضّل عدم الكشف عن هويته الى انه في حين ابلغ البرادعي اجتماعا لمجلس محافظي الوكالة في ايلول (سبتمبر) الماضي ان النتائج الاولية من عينات اختبار، أخذها مفتشون زاروا في حزيران (يونيو ) الموقع الصحراوي الذي ضربته اسرائيل، لا تظهر اثارا لنشاط ذري.
علاقات أميركيَّة سوريَّة معقّدة
ويذهب بعض المحللين الى القول إن التصريحات الأميركيَّة حول البرنامج النووي السوري تأتي في سياق مجموعة من المزاعم السابقة كالتي أطلقتها إدارة بوش حول العراق وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، ويميلون إلى وصف السياسة الأميركيَّة بأنّها معادية للرئيس السوري وحكومته بسبب مساندة الأخيرة لحزب الله والجماعات الفلسطينية، إضافة إلى فشل الإدارة الأميركية في منع الجهاديين من التدفق إلى العراق.
ويأتي التوتر في العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة بعدما ظهرت سوريا كواحدة من أكثر المناطق إثارة لعدم الاستقرار في المنطقة. إلا أنَّ مسؤولين أميركيين أعلنوا بأن سوريا بدأت وقف تدفق المتمردين إلى العراق، عندما كشفت دمشق في الربيع الماضي بأنها تجري محادثات سلام غير مباشرة مع إسرائيل. كما ذكر الرئيس الأسد أن السلام في منطقة الشرق الأوسط بات محتملا خلال عامين إذا رعت الولايات المتحدة محادثات مباشرة بين سوريا وإسرائيل، و هناك آمال كبيرة من أن تقوم إدارة أوباما القادمة بذلك.
ويقول الدبلوماسيون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن الحكومة السورية، التي تنكر سعيها لبناء وامتلاك أسلحة نووية، قد أعاقت طلبات الوكالة للقيام بإجراءات تفتيش واسعة.
كما أن النتائج التي توصلت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف يتم إعلانها في وثائق رسمية للوكالة الدولية، ولكن مهما كانت نتائج تحقيقات الوكالة الدولية  فإن الشكوك الشديدة تجاه حكومة الأسد تأتي في وقت تعاني فيه العلاقات بين دمشق وواشنطن من تعقيدات شديدة. ففي نهاية الشهر الماضي، قامت القوات الخاصة الأميركية بغارة على موقع في شرق سوريا زعمت أنه يأوي أحد التابعين لتنظيم القاعدة.
الوكالة الذرية منزعجة للتسريبات
ومن الواضح أن الكمية التي تم العثور عليها من اليورانيوم لم تكن كافية للقيام باستنتاج حاسم، ولكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد وضعت سوريا – والتي ليس  لها برنامج نووي معلن – على أجندتها الرسمية لاجتماع نهاية العام في نهاية شهر نوفمبر الحالي. وأكدت فليمينغ أن التقرير الخاص بتطبيق اتفاق الضمانات الشاملة المعقود بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بين الوكالة وسورية، بشأن نتائج تحليل العينات الميدانية التي جلبها فريق الخبراء خلال زيارة قاموا بها إلى سورية في شهر حزيران (يونيو) الماضي إلى موقع (الكبر) “ما زال قيد الصياغة، وأن عملية التقييم ما تزال مستمرة”، على حد وصفها. وأوضحت أنه “عند الانتهاء من صياغة تقرير المدير العام بشأن الحالة السورية، والمفترض أن يتم خلال الأسبوعين المقبلين، سيتم رفعه إلى مجلس المحافظين خلال اجتماعه الأخير لهذا العام، والمقرر يومي 27 و28 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لدراسته”، على حد قولها.
وعبّرت فليمينعغ عن “الأسف”، إزاء ما وصفته بـ “محاولة البعض اللجوء إلى الأحكام والتخمينات المسبقة في تقييم العمل التقني التي تقوم بها الوكالة الذرية”.  وخلصت إلى القول “ومع ذلك، فقد تعودنا على هذا الضجيج الإعلامي الذي يستهدف تقويض عملية التقييم التي تعكف عليها الأجهزة المعنية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل كل اجتماع لمجلس المحافظين” في الوكالة.
آثار يورانيوم مثيرة للقلق
وكانت وسائل أعلام نسبت إلى مصادر دبلوماسية أن “محققي الوكالة اكتشفوا وجود بقع تلوّث وآثاراً لليورانيوم في العينات الميدانية التي جلبوها من موقع الكبر السوري” الذي تقول واشنطن إنه كان مفاعلاً نووياً سرياً كاد يكتمل قبل ان تقصفه اسرائيلُ العام الماضي، فيما تنفي سورية هذا الأمر. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن “تلك العينات البيئية ليست كافية من أجل الاستنتاج بأنها مثيرة للقلق وتحتاج إلى المزيد من التوضيح”. وأضافت نفس المصادر الدبلوماسية التي لم تكشف النقاب عن هويتها قولها أنه “تم حتى الآن تحليل عينات بيئية أكبر وحساسة من الموقع السوري، حيث تبين وجود بقع للتلوث وكميات دقيقة من آثار اليورانيوم”.
دمشق أخفت أدلة تتعلق بملفها النووي
وتصدرت سورية اخبار الشرق الاوسط في الصحف البريطانية ليوم الثلاثاء. ونشرت صحيفة الديلي تلغراف تقريرا لمحرر الشؤون الدولية لديها داميان ماك الروي تحت عنوان: مفتشو الوكالة الدولية يعثرون على يورانيوم في سورية.
ويشير التقرير الى ان سورية التي شجبت الغارة التي نفذتها اسرائيل مستهدفة ما كان يعتقد بانه بناء منشأة نووية قامت باخفاء كل معالم البناء المهدم قبل السماح لمفتشي الوكالة الدولية بزيارته. لكن التقرير يضيف بأن ديبلوماسيين مقربين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشفوا يوم الاثنين انهم عثروا على آثار يورانيوم خلال زيارتهم الموقع السوري المدمر.
ونقل ماك الروي عن احد الدبلوماسيين قوله: “على سورية ان تقبل بالعقوبات التي تفرض على الدول المتهمة بتطوير برنامج نووي سري”.
واضاف الدبلوماسي ان “الوكالة تعتقد الآن ان هناك ما يستدعي وضع سورية الى جانب ايران وكوريا الشمالية على لائحة الدول المشتبه بتطويرها برامج نووية”.
ويفيد تقرير الديلي تلغراف ان “لا شيء حتى الآن يشير الى ضلوع ايران في الملف النووي السوري لا بل تفيد تقارير بأن هذا الموضوع اثار فتورا في العلاقات السورية الايرانية اذ لم تكن طهران على علم بما تقوم به دمشق في هذا المجال”.
سوريا تنفي بناء مفاعل نووي
وتنفي سوريا مزاعم مخابراتية اميركية عن انها تبني مفاعلا بخبرة كورية شمالية بهدف انتاج البلوتونيوم وهو المكون الرئيسي في القنبلة النووية الذي تعاد معالجته من وقود اليورانيوم المستنفد.
معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية
كانت دمشق أكدت “الالتزام” بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأنها “لا تعمل على بناء مفاعل نووي بالتعاون مع كوريا الشمالية أو سواها”. وأوضح مصدر سوري في معرض تعقيبه على زيارة وفد خبراء الوكالة الذرية إلى سورية في 22 حزيران (يونيو) الماضي قوله إن بلاده توصلت إلى “مذكرة تفاهم مع الوكالة الذرية” نصت على قيام وفد من خبراء الوكالة بزيارة موقع الكبر الذي قصفته طائرة حربية إسرائيلية في السادس من شهر أيلول (سبتمبر) 2007، بدون سواه ولمرة واحدة”.
واذا ثبت ذلك فانه يمثل انتهاكا لمعاهدة حظر الانتشار النووي. وتقول سوريا ان معلومات المخابرات الاميركية غير المؤكدة ملفقة وان واشنطن لا تحظى بمصداقية في هذا الجانب بعد ان استخدمت ادلة زائفة عن برامج اسلحة دمار شامل عراقية في تبرير غزوها للعراق في عام 2003 والذي اطاح بالرئيس صدام حسين ودمر البلاد.
النشاط الذري لم يظهر في النتائج الأولية
وابلغ البرادعي اجتماعا لمجلس محافظي الوكالة في سبتمبر (ايلول) ان النتائج الاولية من عينات اختبار أخذها مفتشون زاروا في حزيران (يونيو) الموقع الصحراوي الذي ضربته اسرائيل لا تظهر اثارا لنشاط ذري. وقال دبلوماسيون معتمدون لدى الوكالة الذرية ومقرها فيينا ان خبراء الوكالة حللوا بعدئذ مجموعة اوسع من العينات وان بعضها كانت به اثار مركب يورانيوم معين.
وقال دبلوماسي معتمد لدى الوكالة “انها ليست كافية لاستنتاج او اثبات ما الذي كان يفعله السوريون لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلصت الى ان ذلك يتطلب مزيدا من التحقيق.” وقال دبلوماسي اخر لرويترز “انه مكون مصنوع وليس (خاما) طبيعيا. لا توجد اشارة على انه كان هناك وقود نووي بالفعل او نشاط (انتاج).” واشار هذا الدبلوماسي الى ان مثل هذه الاثار قد تكون نقلت الى الموقع عن غير قصد على ملابس علماء او عمال او على معدات احضرت من مكان اخر.
ويقول دبلوماسيون على صلة وثيقة بالوكالة الذرية ان سوريا تجاهلت مطالب الوكالة بفحص ثلاث منشات عسكرية ربما تحوي مواد متعلقة بموقع المفاعل المزعوم. وقال دبلوماسي كبير له علاقات بالوكالة الذرية “من الواضح ان الوكالة تعتقد ان لديها شيئا مهما بما يكفي لتقديم تقرير لوضع سوريا على جدول الاعمال بعد كوريا الشمالية وايران مباشرة.” وقال دبلوماسي رابع طلب مثل الباقين عدم كشف هويته كشرط للتحدث عن المعلومات السرية “اتضح لنا ان العينات تثير المزيد من الاسئلة”.
والموقع النووي الوحيد المعلن من جانب سوريا هو مفاعل بحثي. وسوريا حليف لايران التي يعد برنامج تخصيب اليورانيوم السري لديها موضوع تحقيق مطول تعثر الان بسبب مطالب الوكالة بدخول اوسع الى مواقعها. وتقول ايران انها تخصب اليورانيوم من اجل الكهرباء فحسب وليس للاسلحة النووية كما يشتبه قادة غربيون. ومن المتوقع ان يصدر تقرير البرادعي عن سوريا وايضا اخر تقاريره عن ايران في الاسبوع المقبل قبل اجتماع مجلس الوكالة.
قلق أميركي – بريطاني – فرنسي
وقال دبلوماسيون انه بالنظر الى المزاعم ضد سوريا اثارت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تساؤلات لدى مسؤولي الوكالة في الاسبوع الماضي عن محاولة سوريا الحصول على “دراسة جدوى فنية واختيار موقع” لاقامة محطة طاقة نووية. وقال دبلوماسي بارز “انه امر سخيف ان تطلب سوريا مثل تلك المساعدة الفنية في نفس الوقت الذي تخضع للتحقيق بسبب عمل نووي سري” في اشارة الى ان المشروع لن يحظى بتوافق الاراء المطلوب لاقراره من قبل المجلس.
وتجري الوكالة الذرية تحقيقا بشأن سوريا منذ ايار (مايو) بعد قليل من تسليم واشنطن معلومات مخابرات بشأن الموقع لكن ذلك كان بعد شهور من تدمير اسرائيل للموقع وتطهير سوريا له.
واستنكر البرادعي التأخير في تقديم معلومات المخابرات وعدم ابلاغ الولايات المتحدة الوكالة الذرية قبل القصف وقال ان ذلك سيجعل من الصعب على الوكالة المكلفة بمراقبة تنفيذ معاهدة حظر الانتشار النووي التأكد من الحقائق “لان الجثة اختفت”.
وتقول سوريا ان كل ما كان في موقع الكبر هو مبنى عسكري غير مستخدم. وابلغت اجتماعا للوكالة في ايلول (سبتمبر) انها تتعاون على نحو كامل مع التحقيق ولكنها لن تصل الى حد فتح مواقع عسكرية حيث ان ذلك سيقوض امنها.
*شارك في إعداد التقرير:
بهية مارديني من دمشق ومحمد حامد
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى