صفحات سورية

تسريبات وكالة البرادعي

null
الياس حرفوش
اياً كانت هوية الديبلوماسيين، داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، الذين سربوا المعلومات عن العثور على آثار يورانيوم في موقع الكبر السوري، فإن الواضح ان هدف هذه التسريبات هو إشاعة جو من الشك حول الرواية السورية التي نفت من البداية بناء اي مفاعل نووي في ذلك الموقع الذي قصفته الطائرات الاسرائيلية في ايلول (سبتمبر) الماضي.
من شأن هذا التسريب ان يقطع الطريق ايضاً على اي تعاون محتمل في المستقبل بين سورية والوكالة الدولية. وهذا التعاون ضروري لسببين: اولاً لأنه يسمح بالتوصل الى نتائج حاسمة لتحقيقات الوكالة من خلال وجود خبرائها على الارض بدلاً من استخلاص النتائج عن بُعد، والثاني لأن من شأنه أن يؤكد الانطباع الذي يحاول السوريون إشاعته حول هذا الموقع من انه كان منشأة قيد البناء وغير مكتملة التجهيز. فإذا كانت المنشأة كذلك، كما اعاد الوزير وليد المعلم التأكيد في المؤتمر الصحافي امس مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، فمن اين جاءت اذن آثار اليورانيوم التي يجري الحديث عنها الآن؟
جواب وزير الخارجية السوري ان الطائرات الاسرائيلية ربما تكون هي التي ألقت شيئاً من هذه المواد النووية على الموقع، وهو ما تفعله عادة الطائرات الاميركية – الاسرائيلية في غاراتها بالقنابل التي تحمل اليورانيوم على العراق وافغانستان وجنوب لبنان، كما قال! واكد المعلم ان هدف التسريبات الى وسائل الاعلام هو هدف سياسي بقصد ممارسة الضغوط على سورية، وليس هدفاً تقنياً للحصول على معلومات بشأن برنامج نووي مزعوم.
معروف ان الموقع الذي تعرض للغارة الاسرائيلية جرى تدميره بالكامل بعد ذلك. وخبراء الوكالة الذرية الذين زاروا الموقع استطاعوا فقط الحصول على عينات من التربة في المكان لفحصها، كما لم يتح لهم القيام بزيارات الى مواقع اخرى طلبوا زيارتها. كل هذا ساهم في زيادة الشكوك التي عززها ما قاله مدير الوكالة محمد البرادعي اول من امس من ان الوكالة تأخذ المزاعم بشأن البرنامج النووي السوري على محمل الجد وتدعو دمشق الى التعاون الكامل مع التحقيقات. وكان البرادعي قد شكا من قيام اسرائيل بالغارة على موقع الكبر، معتبراً انها حالت دون امكان قيام وكالته بتحقيق تقني كامل حول هذا الموقع للتأكد من الغرض الذي يتم انشاؤه من اجله، كما دعا الدول التي تملك معلومات حول برامج نووية مفترضة في منطقة الشرق الاوسط او سواها ان تقدمها الى الوكالة بدلاً من المبادرة الى اجراءات من جانب واحد كما فعلت اسرائيل في غارتها في ايلول الماضي.
بانتظار اجتماع حكام الوكالة في الاسبوع الاخير من هذا الشهر (27 و28 تشرين الثاني) ستبقى قصة اليورانيوم السوري معلقة تتأرجح بين الاستغلال السياسي والتسريبات التقنية. دمشق تقول انها لن ترد على الاتهامات قبل صدور تقرير كامل عن هذا الاجتماع، والناطقة باسم الوكالة دعت الى انتظار تلك النتائج وعدم التسرع في استخلاص استنتاجات. لكن التسرع والتسريب جاءا هذه المرة من الوكالة الدولية نفسها، رغم انه يفترض ان يكون عملها فوق شبهات الانحياز او التوظيف السياسي. لعلها تكون مناسبة لضبط أسلوب العمل داخل هذه الوكالة، كي لا تصبح التعليقات المتناقضة المتعلقة بأهداف البرنامج السوري شبيهة بالأخذ والرد اللذين يحيطان ببرنامج ايران، ونرى انفسنا امام مشكلة ديبلوماسية جديدة على ابواب العهد الاميركي المقبل، بينما تجري المحاولات الحثيثة لتعطيل مفاعل المشكلة الايرانية.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى