صفحات سوريةغسان المفلح

إعلان دمشق بين التخوين وبين القمع- ستبقى دفعة في السجن

null
غسان المفلح

في قلوبنا، دم ملوث، وفي عقولنا، جدران سجن لم ولن ينتهي. سجن نهش من أدمغتنا قبل لحمنا، لهذا كتبنا منذ زمن بعيد: إذا أردت أن تعرف أية سلطة في العالم فما عليك إلا أن تزور مكانين فقط: أقبية وسجون مخابراتها،ثم تذهب لزيارة وسائل إعلامها، عندها تعرف مع أي سلطة تتعامل.
هذا السجن الذي احتل من ذاكرتنا مساحة مغلقة، لا يمكن لها أن تفتح أبوابها، وتخرج هذا الاحتلال الذي دام سنين طوال، وربما للتذكير فقط الباحث ياسين الحاج صالح 15 عاما، الكاتب أكرم البني ما حصيلته سبعة عشر عاما، الكاتب بهجت شعبو 15 عاما الباحث سلامة كيلة 8 أعوام الكاتب موفق نيربية 11 عاما الكاتب محمد سيد رصاص 15 عاما الصحفي والقيادي المنتخب في أمانة إعلان دمشق علي العبد الله الموجود الآن في السجن أيضا مع أكرم البني داخل خارج إلى السجن، الشاعر فرج بيرقدار 15 عاما الروائي عماد شيحا 29 عاما المفكر والكاتب ميشيل كيلو الموجود الآن في ثاني اعتقال له، الدكتور والباحث الاقتصادي العربي عارف دليلة منذ ست سنوات وأكثر موجود في السجن في وضعي صحي متدهور، وصاحب هذه الكلمات 12 عاما، وهذا بعضا من الوجه الثقافي والإعلامي لسورية الحديثة! ويطول التعداد وهذه أسماء على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن تقول بتواضع أن هؤلاء الكتاب والشعراء والروائيون، وغيرهم الكثير الذين لهم حرفة الكتابة، كلهم في سورية كما يقال بالشامي( خريجين حبوس، أي سجون) لا يعرف واحدهم كيف يستخدم سكين فما بالك بمسدس! ما تقوم به المعارضة السورية في الداخل والذي كان لإعلان دمشق، تأكيدا مؤسسيا على نبالة هذا العمل، الذي لا يتعلق بمشروع سلطة كما يمكن للبعض أن يتوهم عن أي فعل معارض، فهذه المعارضة السورية، ليس لدى غالبية فعالياتها أي وهم بأنهم مقبلون على تسلم سلطة أو يمكن لهم أن يتسلموا سلطة! فهم باختصار مشروع حرية شعب، يخطئون أو يصيبون، فهذا أمر إنساني محض. ليعطونا السادة الذين يتحدثون عن تعميم عربي حتى: في أي بلد عربي تجد هذا؟ في الأردن في مصر في المغرب ربما تجد أمثلة هنا وهناك، ولكن أن تكون الحالة عامة وشاملة فهذه لا تجدها إلا في دمشق قلب العروبة الذي أنهك الاستبداد نبضاته بوسائل إعلام السلطة. أذكر أن الشاعر المغربي الغني عن التعريف عبد اللطيف اللعبي الذي قضى في السجن 8 سنوات كما أذكر، احتفى به العالم كله، بما فيهم شاعرنا الكبير والعالمي أدونيس الذي قام بترجمة أعمال اللعبي عن الفرنسية والتقديم لها!

إنهم مشروع لحرية شعب،وللتأكيد أكثر على ما نقول: أن هذه المعارضة كانت ولازالت تقول للسلطة بالإصلاح، حتى ملت منها هذه الكلمة، وعندما فكر ابن العم رياض الترك الأمين العام السابق وعضو اللجنة المركزية الحالي لحزب الشعب الديمقراطي في سورية- المكتب السياسي سابقا- الذي أمضى في زنزانة انفرادية أكثر من ثمانية عشر عاما، بطرح مبادرة لإخراج البلاد من أزمتها قبل عامين تقريبا، طالب الجيش باستلام السلطة مؤقتا ريثما يتم انتخاب رئيس جديد وقيام دستور جديد للبلاد. ولا بد للقارئ الذي لايعرف عن الوضع السوري، أن كل من ذكرتهم وغيرهم يعيشون على حد الكفاف، ليس بينهم رجل تستطيع أن تقول أنه متوسط الوضع المادي، أليس للخيانة ثمن، وهل يمكن لأي إنسان أن يخون بدون أن يكون لخيانته ثمن ما؟ في أمثلتنا العربية، إما أن يخون لأجل السلطة أو يخون لأجل المال؟ وفي الحالتين هذا ليس الفضاء داخل إعلان دمشق، ويمكن لأي صحفي حيادي أن يقوم بتحقيقاته على هذا الأمر ليعرف عن ماذا نتحدث هنا، عن أناس رغم كل الاختلافات الأيديولوجية والمعرفية السياسية بين من ذكرت، إلا أنه كما يقال أيضا بالشامي( الحال من بعضه) وكلهم في الفقر سواء، أو كلهم في حد الكفاف سواء. ليسوا بالتأكيد عجولا مقدسة، ربما منهم من هو دوغمائي حتى الإفراط ومنهم من هو متسيب نظريا حتى الإفراط أيضا، ولكن هذا هو واقع حالهم المكشوف، والذي يعبر عن واقع حال المعارضة السورية بشكل عام، والتي تعاني من قضية ستكون علامة سيئة بالتاريخ السوري، أن أغنياء سورية عموما، هم في غالبيتهم سماسرة سلطة!أو أن الخوف من السلطة يجعلهم بعيدين عن أي فعل معارض! وهذه نقولها بأسف شديد! أما الاستثناءات القليلة منهم، فقد تعرضت لحملات من التخوين والتشويه ما أنزل الله بها من سلطان.

والآن وبعد أن عقد إعلان دمشق مجلسه الوطني وانتخب هيئاته نحو مأسسة الفعل المعارض: برزت السلطة بأقبيتها التي احتضنت قسما منهم، وستبقي بعضهم قيد الاعتقال ربما لسنين طويلة كما فعلت مع الموقعين على إعلان بيروت دمشق، وهذا تكتيك سلطوي جديد، إذن نحن هنا نزور المكان الأول للسلطة سجونها، وخرجت وسائل إعلامها وبعض منظريها ليخونوا من اعتقلتهم هذه السلطة، وهذا طبيعي جدا في سورية. بقي في نهاية هذه العجالة أن نقول: أن معارضة الخارج وخاصة جبهة الخلاص لم تقم بدورها لدعم وتغطية هذا الأمر بما يكفي، ونأمل من معارضة الخارج جميعها، أقله التصدي لهذه الحملة التخوينية لرموز إعلان دمشق.لأن هنالك من سيبقى منهم في السجون، وستبقى الآن أجهزة المخابرات متفرغة لمنع عقد أي اجتماع لمؤسسات هذا الإعلان الذي أصبح كاليتيم على طاولة اللئام وهذه العبارة ستكون عنوانا لمقال قادم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى