بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

أبراج حزب الله

null

بدرالدين حسن قربي

كثيراً مايستحضر البعض ويعيد ذلك مقتنعاً حتى الآن، أن ماكان من تدمير الأبراج النيويوركية في سبتمبر 2001 إنما هو عمل محفوف بنظرية مؤامراتية، وأن الأمريكان الأعداء فعلوا مافعلوا كي يضعوا أمام العالم العذر المكافئ لعمل ضخم يستهدفون منه ضرب بقاعٍ مختلفة من العالم منها أفغانستان والعراق ابتداءً. كما ويصر هذا البعض على رأيه رغم المواجهة بأن الأمريكان والصهاينة يوم يهدفون إلى أمر لايعجزون عن أن يُوجدوا له مبرراً ولكن ليس بهكذا ضخامة أو تكلفة. وإذا كان لأمريكا أبراجها فإن لبعض الدول والأحزاب السياسية والدينية هي الأخرى أبراجها التي لاتقبل المساس بها من قبيل أن أبراجنا غير أبراجكم ولكن لكم أبراجكم ولنا أبراجنا.

نستدعي هذا الكلام وقد قال من قال بأن مقتل عماد مغنية القائد العسكري في حزب الله عند من يهمه الأمر من أهل الاختصاص يراد له أن يكون كأحد برجين تمّ تفجيره داخل حصن حصين من الأمن السوري العتيد، مما سيترتب عليه ردود فعل يكون لها آثار ضخمة في قادمات الأشهر القليلة في المنطقة حرباً وتحالفات، نزاعاً وتصفيات، خرائط ومعاهدات.

ورغم كل ماقيل من أن السيارة المتفجرة وجيرانها من السيارات وآثارهم تم رفعهم من المكان كاملاً خلال الساعات الأولى، وما تضارب من أقوال عن طبيعة التحقيق واشتراك إيران وحزب الله فيه من عدمه، فإن الصحيح على مايبدو أن السلطات السورية انفردت بالتحقيقات لأسباب خاصة بها. والأصح أيضاً أن لاأحد من الناس سوف يسمع عن نتائج تحقيقات بأكثر مما سمع. ومابين الصحيح والأصح ومعرفة النتيجة من عدمها فإن هناك مجرم جاهز ومحضر صهيوني إسرائيلي تنسب إليه عادةً الجرائم وتوجه إليه التهديدات بزعم ألا مستفيد من هالعملية إلا هو، علماً أن سعدى بدرالدين إحدى زوجات مغنية نُقل عنها قولها: لقد سهل السورييون الخونة قتل زوجي. بالطبع هي تعني بالسوريين النظام الأمني.

وإذا كان العالم شهد مافعلته أمريكا بعد ضرب البرجين، فإن ردود الفعل على استهداف مغنية حتى الآن انحصرت في تصريحات لحزب الله وإيران تنذر قوماً بالويل والثبور، وتبشر آخرين بنصرٍ آتٍ وحاسمٍ ونهائي.

فحسن نصرالله اعتبر أن دم عماد مغنية سيُخرج إسرائيل من الوجود، ودعا إلى وجوب التأريخ لمرحلة بدء سقوطها. أمّا قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري فقد أعلمَ جماهير الناس في رسالة عزاء إلى حسن نصرالله أننا في المستقبل القريب سنشهد تدمير الوجود السرطاني لإسرائيل على أيدي مقاتلي حزب الله الأقوياء والأكفاء. وهو كلام قال بمثله أيضاً القائد السابق للحرس نفسه يحيى رحيم صفوي: إن هذا الاغتيال سيعجل بهلاك إسرائيل على يد حزب الله. كما أنه لاداعي للتذكير بكثرة المرات التي أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من قبل مقتل مغنية أنه سيدمر الكيان الاسرائيلي بواسطة حزب الله ووصفه المتأخر لإسرائيل بأنها جرثومة قذرة وحيوان متوحش. ومثله مرشد الثورة الذي أعلن ولكن بشكل أقل أنهم سيهزمون أميركا واسرائيل في لبنان.

الكثير من ناسنا وأهلنا يعتقدون أن أغلب هالتصريحات ليست أكثر من كلام ليس عليه جمارك، ويضعونها في سياق كثرة الكلام اللي من دون فائدة مما اعتادوا سماعه منذ عشرات السنين، وإن كانت نبرة الخطاب الإيراني اليوم أشد حدةً ممن سبق. ولكن ماقاله نصرالله بمناسبة تشييع مغنية كان له معنىً مختلفاً اعتبره هذا الكثير بمثابة الطلقة الأولى لانطلاقة أم المعارك ولاسيما ماأعلنه عن أن الحرب باتت مفتوحة معهم. ألا فليسمع العالم كله فلتكن هذه الحرب المفتوحة.

كلام حسن نصرالله جعل الكثير من الناس يتنفسون الصعداء عبر جرعة من الأمل كبيرة يحسبها الظمآن ماء، ويشعرون بارتفاع حرارة في برد شتاء قارس وزّعهم طوابير ينتظرون دورهم لشراء الوقود ومواد التموين، وطوابير ينتظرون (الطفشة) والهجرة، ويظنون أن الفرج بات قريباً، وأن رمي الصهاينة خارج فلسطين أمره وشيك، وأن وقتهم وعهدهم قارب على الانتهاء، وأن نهار الأمة الواحدة طلع بعد طول انتظار، ويامحلى النصر بعون الله.

لاشك أن كلام الأماني جميل، ولكن تجارب الناس مرة، وماعرفوه وماشاهدوه أفقدهم الثقة، فمن نكبة إلى نكسة، ومن تشرد إلى تشريد، ومن كذّاب إلى أكذب، ومن مفترٍ إلى فشّار، ولعل وجود بعض الآلاف منهم الآن في مخيمات التنف والوليد على الحدود العراقية السورية محاصرون شاهد مع الكثير من الشواهد على أن المعروض فيلم هندي معاد ومكرور، ولكن مكان العرض والصالة مختلف. الغريب أنهم يريدون إقناعنا أن اختلاف المكان والصالة يؤدي إلى اختلاف الفيلم، والأغرب هو قناعة البعض أن تغيير المكان والصالة يعني تغيير الفيلم، ولله في خلقه شؤون.

لبنان يشهد مايشهد، وليس فيه رئاسة، وبرلمانه مغلق ومقفل، وحكومته محاصرة وبتراء، وجيشه ضعيف ضعيف، وطوائفه كثيرة ومختلفة، وناسه في حالٍ من الحاجة والمعاناة لايعلم بها إلا الله، وأرضه محررة كاملة مكملة إلا شريط شبعا لمن يعتقد بلبنانيته والذي كان أمانةً عند النطام السوري الجار فضيعه مع ماأضاع من الجولان، ثم يراد له أنه يخوض حرب النجوم ويقضي على بني صهيون، وأن تُنهي الدول الإقليمية مع القوى العظمى حساباتها على أرضه..!!.

لبنان وأهل لبنان بطوائفه ومذاهبه وفرقه المتعددة والمعقدة بعد ضرب أحد البرجين باتوا رهائن لتصريحات شخص واحد يدعو للشراكة في الوطن والثلث الضامن والمشاركة في السلطة مع إبقائه على شنطة حرب النجوم في يده.

هذا ويبقى عموم اللبنانيين ومعهم محبوهم في مشارق الأرض ومغاربها يقولون أن برجاً لحزب الله ضُرب داخل قلعة الأمن السوري، ولسورية أرض محتلة تزيد عشرات الأضعاف عن شـبعا، وجيش قوي قوي لم يطلق طلقة واحدة منذ عقود، وعندهم برلمان مفتوح في الليل والنهار، وعندهم رئيس جمهورية وحكومة وطنية اللهم لاحسد، والناس فيها ولاسيما العمال والفلاحين وصغار الكسبة صامدون ممانعون في رخاء وأمان يُغبَطون عليه ولاسيما أن الدولة دولتهم، لايتهددون الصهاينة ولايتوعدونهم وهم في مفاوضات دائمة معهم، وليس عندهم شنطة لحرب النجوم.

تُرى هل يستطيع اللبنانييون النزول إلى الشوارع والطرقات والساحات كما نزلوا في الذكرى الثالثة لجريمة مقتل الحريري ومن معه، ليقولوا: لا لحرب الشنط، ولا لحرب النجوم، لا لحرب الوكالات ولا للأنظمة الفاسدة والمستبدة التي تتدخل في شؤونهم. لا لرهن لبنان، إننا نحب العيش في أمان، فلئن أراد النظام الإيراني حرباً فصواريخه لآلاف الكيلومترات مداها، وإن أراد النظام السوري حرباً، فجولانه موجود يناديه كل يوم، وإن أراد الفلسطينيون ذلك فليتفقوا فيما بينهم أولاً، وليوقفوا القتل والكيد بينهم ثانياً وقد باتت خلافاتهم مهازل، وليعملوا على فك حصار المحاصرين في مخيمي التنف والوليد على حدود العرب ثالثاً، ومن ثمّ فلكل حادث حديث.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى