صفحات ثقافية

انقلاب البيانات بقدرة قادر والعين العوراء للاعلام ‘الموضوعي’!

null
لينا أبو بكر
اتفقت الفضائيات العربية على ألا تتفق، ربما هذا قدر الرأي الحر في عالمنا الذي تغدو فيه الديمقراطية فزاعة في بستان للشوك!
ولأنه ما من مغيث فليس أمامنا إلا الاعتصام بحبل الفضاء ‘ وافضاءاه’ وهو غير ذاك الذي تشرذمت صحونه الطائرة وتحول إلى قنابل عنقودية تفرز شبكات إعلامية تقتنص الحقيقة وتزجها في أنفاق فضائية بعيون ‘عوراء’ بحجة مراعاة الشفافية والتوازن ‘واخدلي بالك من توازن’!
في قمة غزة ‘الدوحة’، لم يتم نقل الحدث بأمانة إعلامية ولا أدنى توازن أو شفافية، كما هو شعار ‘العربية’، فاستراتيجيتها تخالف شعارها، وتحمل (اليافطة) بالمقلوب، فبمجرد متابعة قمة غزة على ‘العربية’ تعثر على صور صماء، تم تكميمها بشكل متعمد وسافر، ككلمة الرئيس السوري مثلا والتي لم تعرض بل اكتفت الكاميرا بالصورة المجردة رغم أن الوظيفة الحقيقية لها تتجاوز كونها مجسة التقاط صوري بل تتعداه لنقل وجهة النظر التي يعبر عنها العامل الصوتي، وهو تصوير أيضا يدعم مهنية الكاميرا وحرفيتها وعدم مراعاته يخل بمصداقيتها وشفافيتها! يعني أمضت ‘العربية’ قبل يومين من القمة وهي تستمع إلى ليفني وأطروحاتها الأخلاقية المزعومة التي لا تتلاءم ومشروعها ‘المبيد البشري’ ومن قبلها بفترة أجرت حوارا أنيقا جدا مع مبعوث الحرب في الشرق الاوسط لا يليق بسيرته المتوسطية ولا أحلامه البلفورية المستحدثة! وأتاحت الفرصة لأولئك أن يعربوا عن آرائهم وتوجهاتهم وحججهم فهل يأتي غض البصر عن وجهة النظر السورية في ‘العربية’ خوفا من نشر العورات السياسية للجبهة المضادة المتوازنة مع اسرائيل والراديكالية مع سورية، إذن هو توازن من طرف واحد، يصيب الكاميرا بحول ينحرف بها عن بؤرة التوازن كأنها عين واحدة لأنها عين عوراء!
بمجرد أن تعتصم بحبل ‘الجزيرة’ ترى مشهدا مغايرا، إن الضحية معك على الهواء مباشرة، تعاين مأساتها بلا مونتاج، لأن الصورة لن تضطر إلى المرور بغرفة الماكياج كي تتأنق قليلا قبل أن تروي الحكاية، الألم في بث حي، ساخن، تستشعر حماه تسري في عروقك. ‘الجزيرة’ شهرزاد العصر، لأنها تنجو بالذاكرة الفلسطينية من حبل المشنقة، لما تكون المشنقة دسيسة أو مؤامرة!
وعين ‘الجزيرة’ كانت على مقعد السلطة في قمة غزة، فأين كان ‘الريس’؟ على الكاميرا أن تبحث عن فخامته كي نطمئن على صحته ووجوده المجازي، فلربما كان يرتدي طاقية الإخفاء، كفعل احترازي في ظل غارات عمياء، لا تفرق بين رأس المقاوم، ورأس الحاكم!
يا أيها الناس: يقول أولمرت في شريط ‘الجزيرة’ الإخباري على مدار الساعة لهذا اليوم: لقد أضعفنا قبضة حماس على غزة، وأصبحت قبضة ‘الريس’ أكثر قوة. فهل هذه فتنة؟ أم لهذا تحديدا كانت المحرقة؟ وهل نيرون ابن روما أم ابن الفسفور الأبيض؟
يا أيها الناس: من صادف منكم نيرونا فليخلعه بيده، فإن لم يستطع فبقلمه، فإن لم يستطع فعلى طريقة منتظر الزيدي، وهذا أضعف الإيمان!
ضغط سياسي مرتفع
في لقاء ‘العربية’ مع صائب عريقات ‘الأخ المتخصص بعملية السلام’ ‘واخدلي بالك إنت من سلام’؟ ذكر أن ‘الريس’ اعتذر لوزير خارجية قطر عن حضور القمة وذلك جرى في اتصال تم تسجيله بحيث وافق ‘الريس’ على القمة في البداية بعد أن ضمن له الجانب القطري عدم دعوة ممثلين عن فصائل المقاومة في حال حضوره، حسب المصدر نفسه، حينها طلب ‘الريس’ ان يعاود الاتصال بالجانب القطري خلال لحظات، ليخبره أنه واقع تحت ضغوط، ثم يعود ليقول أنه لم يرد توسيع الفجوة بين الفلسطينيين.
الجميل في ‘الجزيرة’، أنها لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتقف عندها بل وتتناول الرأي الآخر عن سابق إصرار وتعمد كي ترد عليه، وتجادله بالحق، وتقدم الدلائل والبراهين على ما يتم طرحه لمواجهة المدعي بالادعاء، وهي مقدرة تشي بثقة القناة من رسالتها وثبوت دعائمها واستنادها على قاعدة متينة من المصداقية، ولولا ذاك لما جرؤت على أن تجمع الضدين وتحاكم الرأي بالرأي الآخر!
ففي لقاءات ما بعد القمة استضافت محللين يحملون أيديولوجيات فكرية مختلفة وكان المنبر ساحة مواجهة ومحاججة تتيح لكل فكرة ان تطرح نفسها وتقول كلمتها، ثم تترك للمشاهد حرية الانحياز لطرف دون غيره، مما يؤكد مصداقية الطرح والانتماء للذات والشعار.
أليس الأجدر بالفضاء أن يعقد محاكمات عادلة لوجهات النظر على تضادها، خيرا من أن يكون ساحة إعدام أومنصة لتكميم الأفواه؟ فوزير الخارجية القطري في المؤتمر الصحافي على ‘الجزيرة’ أكد ماقاله عريقات، بل وربما كانت الدقة والوضوح في حديث’الجانب القطري أكثر شفافية حيث قال: الرئيس قال ‘علي ضغوط إن حضرت أذبح من الوريد للوريد’ بل إن أجمل تعليق على هذا جاء من أحد ضيوف وراء الخبر في نفس اليوم لما قال: ‘إذا كانت هنالك ضغوط على الرئيس فليحضر إلى القمة ويثبت حرصه على شعبه ويقدم استقالته’، لكن من يدري؟ فربما يكون الضغط السياسي المرتفع الذي يرضخ الرئيس تحته من أهم بنوده عدم الاستقالة! وليس امامنا كشعب محتار’في ضغوطه إلا أن نخشى على ضغطنا السياسي على الأمم من الانخفاض، وأن نحرص طبعا على ضغط أوسلو..فيا أبناء أوسلو اذهبوا فأنتم الطلقاء بالثلاثة! و حتى وإن تمت (الصلحة) بعد قمة الكويت، فهنالك أخطاء كارثية وقعت عمدا، يجب أن يحاسب عليها المسؤولون عنها! ولا يسعني إلا أن أقول مبروك المصالحة العربية بعد خراب مالطة!
في مرمى النظام
أخ ما أوقح عين الكذب، الكذب ليس ابن شوارع، إنه ابن بلاط حاكم بلا أدنى مبالغة، الكذب ‘صلج’ يعني ‘متمسح’ من جلد التمساح يعني ما ‘بيختشيش’ ولا يهموش يا حضرة!
وبما أن الكذب تصريح فضائي وبراعة لا مثيل لها بالفذلكة وتحوير الوقائع وإنكار الحقائق بل وحتى التنكر للذات، فإنه بيني وبينك أيها القارئ والحكي إلك يا نظام: ‘الريس’ إتفقس! لم يصدق أحد ما نبه منه الكثيرون أن اسرائيل لا أمان لها سوى جحر الأفاعي، ولا صاحب إلا الغدر، فما الذي جنته براقش من صحبة رفاق السوء، والتستر على عوراتهم والتسابق لنيل رضا جنرالاتهم؟
الريس وحاشيته بقدرة قادر وبلمح البصر ودون أي تحول تدريجي حتى، (كده) فجأة يكيلون التهم لاسرائيل بالتعنت، وقبل أيام فقط كانت حماس هي المسؤول الأول عن المجزرة، فسبحان مغير الأقوال!
‘مصر طعنت من الخلف من حليفتيها الأقوى: اسرائيل وامريكا’ هذا التحليل الأول الذي صرح به عبد الباري عطوان في وراء الخبر جراء انقلاب البيانات الفضائية المصرية الرسمية! وفي نفس البرنامج بثت ‘الجزيرة’ خطاب النظام الرسمي الذي بدا مرتجفا من طرح قوات دولية في مصر ليس خوفا على مصر ولا على شعبها بل خوفا أن تكون تلك حفلة العشاء السياسي الأخير الذي ينقل الرئيس وحاشيته إلى الطوفان!
فأي هدف ذهبي سدده المتواطئون في مرماهم لصالح بني اسرائيل؟ يعني الاتفاق الذي عقد بين البسوسين كان مفاجئا للنظام لأنه لم يعلم به مسبقا، تلك صفعة، والنظام (بياخد على خاطره أوي من المفاجآت، طيب يا ترى هو زعلان ليه)؟ هل لأن اتفاق وقف النار لم يتم بمباركته ووساطته؟ وكيف يكون وسيطا في حين أنه طرف كما أوضح الدكتور عزام التميمي في برنامج ‘أضواء على الأحداث’ الذي تبثه قناة ‘الحوار’، أم أن النظام يا ترى لم يكن يريد للنار أن تتوقف أبدا؟ وعلى رأي الزميل عزت القمحاوي: ‘علمه عند أولمرت’!
من هنا وهناك
حبيبي يا دمي العربي، أنت من صنعت هذا المجد، وأنت من أوقفت النار، وليست التمثيلية التي لعبت بها أمريكا وإسرائيل دور الكومبارس، في حين احتل الفسفور دور البطولة، المظاهرات، التنديدات، مواقع الإنترنت، الغضب الساطع في شوارع نهضت من نومها لتصرخ عاليا في وجه الكراسي المحنطة، نحن هنا أيها العالم، أجيال جديدة بدم حي ونابض، تقود الشوارع المتحركة إذ تهرول خارج سرب الأرصفة وتشق الطريق إلى فلسطين بثبات، اسمع صوت الشارع أيها الجيش الاسرائيلي الهش وقد صرعك أطفال غزة وقبلهم أطفال لبنان لأنهم رسخوا ثقافة الصمود، الأطفال يهزمون الدولة التكنولوجية، ويسقطون الفيتو الأمريكي، الأطفال أقوى من الحرب وأقوى من الموت.
كبار شعراء العرب المتضامنون مع غزة في أمسية شعرية بثتها ‘الجزيرة’ مباشر، مساء الأحد، لتعيد للشعر دوره بإيقاظ الحمية، وتسند المثقف إذ تعيد إليه الاعتبار، وتحفزه على استعادة مكانته، فطوبى للـ ‘جزيرة’، بيت العزة، وديوان العرب المعاصر.
يفيد أحد تقارير ‘الجزيرة’ حول وصول الأمين العام للأمم المتحدة إلى اسرائيل، ما يلي: ‘وصل الأمين العام اسرائيل اليوم فاستقبله الجيش الاسرائيلي بقصف’ هنا وقف قلبي وقلت ببال عقلي راح الأمين قتلوه، لكن ما أن تم التقرير بيانه: ‘استقبله الجيش الاسرائيلي بقصف أحد مقار الأونروا’ فعدت وقلت: ‘بالمال ولا بالرجال يا كي مون! هالمرة ربك نجاك’.
عبد الباري عطوان في يوم قمة الدوحة استذكر قمة الـ 1968 التي استضافتها مصر والتي نحت أسماء كانت تسعى للاستئثار بالتمثيل الشرعي لفلسطين عربيا ودوليا ونصبت عرفات بصفته مقاوما وممثلا أكثر شرعية لدولة فلسطين، هذا التصريح ليس مشاكسة ولا مماحكة لطرف معين بقدر ما هي نبوءة اولية لطبيعة ما ستكون عليه المرحلة القادمة، فمن يبقى ومن في ذمة السياسة؟ ربما كان الهدف الذهبي – الآنف الذكر- أول الغيث!
مراسلو ‘الجزيرة’ أنتم قلب غزة، صوتها، عنفوان آلامها، وملائكة ترعون جراح الضحايا بكل ما أوتيتم من رحمة، من شجاعة، من عزيمة فلم يكن من السهل أن تستجمع قواك يا تامر المسحال وأنت تتواصل مع اهل الضحايا مع ذهولهم، أحزانهم، موتاهم، دمائهم، بكاءاتهم، دعاءاتهم، تكبيراتهم، صراخاتهم، كنت بطلا أنت وزملاؤك، البطولة أن تسند قلبك بألم الضحية كي توصل الأمانة إلى المشاهد، حملتم أمانة عجزت الجبال عن حملها، أنتم من صنعتم النصر الحقيقي على أرض المعركة وفي فضاء ‘الجزيرة’.
أماني أبو هنطش، مراسلة دبي في الضفة، بحة عرابية من حنجرة جنين، تحمل فلسطين على ظهر الحكاية كلما تعبت من سرد الألم.
وجدان علوان، صوت إعلامي طبيعي، يعتمد التلقائية والبساطة، فلا يحتاج إلى بهرجة استعراضية زائفة تنبع من فركش بح كما هي الموضة!
الإعلامية الاسرائيلية يونيت ليفي التي تقدم نشرة الثامنة في القناة الثانية، تتلقى هجوما شرسا يشنه عليها الجيش الاسرائيلي وقد بكت تعاطفا مع أطفال غزة الشهداء في إحدى النشرات بداية الحرب، كما ورد على موقع مجلة اللويبدة، وطالب الجيش القنوات الاسرائيلية باعتماد المذيعين الذكور لأنهم يثيرون الثقة أكثر في نفس المحاربين، وما زال الطلب بمحاكمة المذيعة والتحقيق معها مستمرا. في حين تأثرت بها المذيعة أشوارت كوتلر من القناة العاشرة فدعت في نهاية النشرة إلى المفاوضات مع حماس قبل ‘أن نضحي بمئات الإسرائيليين على مذبح ذكورة إسرائيل’.. وشهد شاهد!

شاعرة وكاتبة فلسطينية – لندن
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى