الطاهر إبراهيمقضية فلسطين

حرب غزة والادعاءات المتضاربة .. لكن أين الحقيقة؟

الطاهر إبراهيم
تستطيع الحكومة ذات الرؤوس الثلاثة في إسرائيل أن تزعم أنها أنزلت بـ “حماس” ضربة ساحقة. يبقى هذا الادعاء صحيحا نسبيا إذا نُظِر إليه من وجهةنظر هؤلاء بما أوقعوا من قتلى وجرحى وتدمير بيوت ومؤسسات. ويبقى واقع الحال مؤثرا جدا على نفوس قيادة “حماس” لأنهم يتأثرون بآلام أهل غزة الذين أمعن فيهم الإسرائيلي تقتيلا وتجريحا وتشريدا.
لكن لا أحدَ يقبل من إسرائيل ادعاءها بالانتصار. وما زعمته يبقى مبالغا فيه, طالما أن حكومة “حماس” بقيت مسيطرة على قطاع عزة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ, حيث استأنفت حكومتها نشاطها داخل القطاع منذ اليوم الأول لتطبيق وقف إطلاق النار. يصعب إقناع الذين راقبوا أحداث الحرب من قرب, بقبول ادعاء الفريقين, إسرائيل و”حماس”, بأن كل طرف هزم خصمه. البعض يقول ان الحرب سجال. آخرون يقولون إن عدم هزيمة “حماس” هو نصر لها.
حكومة إسرائيل دخلت الحرب وهي تُسلم بصعوبة اقتلاع حركة “حماس” من غزة بعدما تجذرت داخل الأرض وداخل المجتمع الغزي بعد أن جرب هذا المجتمع “حماس” على مدى سنة ونصف السنة وهي تعمل جاهدة, رغم ضآلة الإمكانات المتاحة لها, لتقديم أنموذج صالح للحكم وقد وضعت نصب أعينها أن يكون الحكم وسيلة للمقاومة لا أن تكون المقاومة سلما للحكم. قبل أن يندلع الهجوم الإسرائيلي على غزة, تركت حكومة إسماعيل هنية لاثنين أو ثلاثة من الناطقين بأسمها للرد على اتهامات حكومة رام الله, بينما انصرف جميع أعضاء حكومته لتقوية البنية التحتية لمدن قطاع غزة وإشاعة الأمن بين السكان, بعد أن كان شبه مفقوداً في ظل سلطة الأجهزة الأمنية. حتى لقد كتبت الصحافة الغربية كيف تمكن الغزيون في عهد وزير الداخلية سعيد صيام (رحمه الله) من أن يسهروا على شاطئ غزة للمرة الأولى.
كان الأمر الثالث, بل ربما الأول الذي نشطت فيه حكومة إسماعيل هنية في تحقيقه هو العمل على تطويع أرض قطاع غزة ليسهل منها الدفاع عنه. لعل الأمر المدهش الذي عاينه المشاهد أثناء الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع هو الطريقة المبتكرة , والحاجة أم الاختراع, في حفر الأنفاق بين الجانب المصري من الحدود وجانب قطاع غزة, لتوريد كل ما يلزم أهل غزة من مواد أساسية لإدامة معيشة سكانها. يمكن إدراك ذلك بسهولة من خلال تغطية حاجات 1.5 مليون مواطن عن طريق هذه الأنفاق, بما فيها البترول اللازم, رغم إغلاق المعابر على مدى ستة أشهر, رغم التهدئة التي لم تحترمها إسرائيل إلا أياما قليلة.
بعد هذه التوطئة, نتساءل عن الحقيقة الضائعة بين ماأعلنته إسرائيل من تحقيق أهداف الحرب? إلا إذا كان في صلب أهدافها قتل أكثر من 1400 شهيد وجرح أكثر من خمس آلاف, وتدمير مدارس وجوامع وأبنية وزارات ومستشفيات كانت ضرورية لمداواة الجرحى.
صحيح أن إسرائيل تملك قدرات تسليحية هائلة ومتقدمة, بحيث تستطيع طائراتها تسديد القذيفة بدقة إلى الهدف بعد تلقيها مكالمة من هاتف “نقال” من مكان الهدف. لكن الصحيح أيضا أن الفشل الذريع كان نصيب أي عملية تعتمد على القدرات البشرية, اذ إن الجندي الإسرائيلي لا يمتلك روح المبادرة, ولا ترغمه قيادته على ذلك, إذا كان الأمر فيه احتمال قتله.
زعمت إسرائيل أنها لم تخسر إلا 12 قتيلا. وقد نسيت أنها اعترفت بأكثر من مئتي جريح, وهؤلاء هم مشاريع قتلى, لأنهم أصيبوا في ساحة المعركة, وكان يمكن أن يصابوا بمقتل, هذا إذا صدق الناس زعمهم. وقد اعترفت إسرائيل بخسارة 2.5 بليون دولار, تكبدتها بسبب هذه الحرب, واعترفت بتدمير 250 سيارة داخل الأراضي التي قصفتها صواريخ المقاومة, ولو اعتبرنا نصف هذه السيارات كان فيها من يستعملها من الإسرائيليين وأصيبوا فيها, وأن نصف الذين أصيبوا ماتوا لبلغ عدد القتلى أكثر من 50 قتيلا.
لن يطول بنا الأمر كثيرا حتى تتكشف كثير من الحقائق. عندما تنبش صحف إسرائيل المستقلة عن خسائر في صفوف الجيش, وعن أخطاء جسام أخفاها ثلاثي الحرب الإسرائيلي. وسينفي الشركاء الثلاثة التهم, كل عن نفسه, لإبعاد شبح الهزيمة الانتخابية في العاشر من فبراير المقبل.
وبينما كان قادة حكومة إسرائيل يتسابقون في إعلان التصريحات عن سير الحرب, فقد صمت أعضاء حكومة “حماس”, إلا ما كان من الناطق الرسمي باسم “كتائب القسام”. وقد كنت أتمنى الا يكثر هذا الناطق من التصريحات إلا وفق الحاجة, لأن لدينا حساسية من بلاغات وزراء الدفاع العرب في حربي عام 1967 و 1973, عن طائرات أسقطوها كأنها سرب عصافير.
أعلنت “حماس” عن خسارة خمسين شهيدا. ولو كانوا أكثر فلن يفت ذلك في عضد المقاومة. فإن المتطوعين سيعوضون من استشهد. وأطلقت المقاومة 500 صاروخ من مختلف الأنواع سيتم تعويضها بالطريقة نفسها التي اتبعت في إدخالها إلى غزة. من استشهد من الفلسطينيين فقد مات في أجله, رحمه الله وأحسن عزاء أهله وخلفه فيهم. وما تهدم بفعل القصف فسوف يعاد بناؤه. حتى لو وضع الذين تخلوا عن المقاومة العقبات في طريق وصول المال العربي إلى أهل غزة , لأن المانحين يعرفون أن هذا المال حق للمتضررين, لن يضعوه في أيدي غيرهم.
أعتقد أن حرب ال¯ 22 يوما  ستكون آخر حروب إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية, لأن الجيش الإسرائيلي أثبت أن نَفَسَه قصير في حرب العصابات. ولأنه لم يحقق اهدافه في اقتلاع “حماس” او إخراجها خارج المعركة فقد خسر المعركة, هذا ما يقوله خبراء الستراتيجيا العسكرية. ما هو مؤكد أن “حماس” ما زالت تملك الكثير من عناصر القوة, وأهمها خروجها من معركة “كسر العظم” من دون تهشيم أو تهميش, لتستأنف حكومة إسماعيل هنية مهماتها مباشرة في اليوم التالي لوقف إطلاق النار.
كاتب سوري
السياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى