قضية فلسطين

لا مفر من الاعتراف

سميح صعب
بعد إخفاق اسرائيل في اجتثاث “حماس” عسكرياً، لن يكون في امكان الدولة العبرية وواشنطن دفع عملية السلام في المنطقة من دون الاعتراف بالمكانة السياسية التي اكتسبتها الحركة، والكف مع الاوروبيين عن اعتبارها عقبة امام التسوية، وتالياً البحث عن طرق للتخلص منها سواء مباشرة او غير مباشرة.
ليس متوقعاً من باراك اوباما إحداث انعطافة حادة في الموقف الاميركي حيال الصراع العربي – الاسرائيلي منذ اليوم الاول لتسلمه الرئاسة. لكن الاستمرار في السياسة السابقة القائمة على العزل لن تحدث ذلك الفارق مع السياسة التي كان ينتهجها جورج بوش. كما ان اعطاء الضوء الاخضر لاسرائيل كي تفعل بالفلسطينيين والعرب ما تشاء اثبت ايضاً انه لن يمكن الاخيرة من فرض الامر الواقع.
بعد الحرب الاخيرة، قالت فرنسا باستحياء انها مستعدة للحوار مع “حماس” بالشروط التي حددتها اللجنة الرباعية. واوباما يكرر الآن الشروط ذاتها ويلقي باللوم، كما هو متوقع، على “حماس” في التسبب بالحرب. ولكن ليس هناك، سواء في الموقف الفرنسي او الاميركي ما يقدم بديلاً للخروج من الوضع الراهن.
صحيح ان اوباما يظهر ميلاً الى التحرك نحو الشرق الاوسط. وقد ظهر ذلك من خلال تعيينه جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً الى المنطقة. وهذا ما لم يفعله جورج بوش في ثمانية اعوام. ولكن يبقى الحكم عليه من خلال الافكار التي سيطرحها ومدى قدرته على الضغط على اسرائيل كي تستجيب متطلبات السلام. والكل يذكر تجربة ميتشل عام 2001 عندما رفض آرييل شارون التقرير الذي وضعه المبعوث الاميركي عن الوضع الذي كان قائماً عامذاك. والارجح ان ميتشل سيواجه وضعاً اسوأ مع بنيامين نتنياهو الذي يرجّح ان يكون رئيس الوزراء المقبل لاسرائيل.
ومهما تكن الدينامية التي تعمل وفقها ادارة اوباما، فلن يكون في وسعها احداث ثغرة في جدار أزمة الشرق الاوسط ما دامت هي أسيرة التصنيفات التي وضعتها ادارة بوش. وعندما يتحدث اوباما عن ترابط بين قضايا الشرق الاوسط من ايران الى فلسطين، فإن هذا يتطلب تصوراً مختلفاً عن تصور بوش الذي أهدر ثماني سنوات غير مقتنع بان هناك صلة بين المشكلة الفلسطينية وأي قضية اخرى في المنطقة.
واليوم تنشغل تسيبي ليفني مع واشنطن والدول الاوروبية في التفتيش عن آلية امنية لمراقبة تهريب السلاح الى قطاع غزة. وهذا تفكير ينم عن عجز في الاحاطة بكل جوانب المشكلة التي تدفع اساساً بـ”حماس” الى حمل السلاح. فالتفتيش عن حل امني للتخلص من صواريخ “حماس” سيكون معالجة ظرفية ووقتية بينما المشكلة الاصلية تكمن في الاحتلال والحصار.
ولكن حتى آلان لا الولايات المتحدة ولا الدول الاوروبية قادرة على مواجهة اسرائيل بهذه الحقيقة. لذلك يمشون في ركب المفهوم الاسرائيلي للمشكلة وهي الامن، من دون اعطاء البُعد السياسي العناية التي يستحق.
واسرائيل تحاول منذ 60 عاماً ان تسود انطلاقاً من المفهوم الامني المحض من دون ان تحقق نجاحاً.
ولم يضمن الدعم العسكري والسياسي الذي تحظى به اسرائيل من اميركا واوروبا الامن للدولة العبرية. والبحث آلان عن تعاون مشترك بين اسرائيل واوروبا والولايات المتحدة من أجل مكافحة التهريب والانفاق، لن يكون الوسيلة المثالية لتحقيق امن اسرائيل.
وما دام الافق السياسي مسدوداً امام الفلسطينيين فهم مضطرون الى حفر الانفاق. وسيلجأون الى كل وسيلة توفر لهم الالتفاف على الحصار الاسرائيلي. علماً ان الأنفاق لم تكن تستخدم للحصول على السلاح فقط، وانما باتت وسيلة لتأمين البقاء على قيد الحياة. والفلسطينيون في غزة تقلّص طموحهم اليوم الى مجرد الحصول على معبر مفتوح، فكيف ستكون عليه المطالبة بالاعتراف بـ”حماس”!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى