قضية فلسطين

يا أمير التلال: نحتاجك، نحتاجك

زياد خداش
أنخفض حين يسقط أطفال غزة، أنخفض داخل انخفاضي، أتكوم داخل نفسي، أتداخل في بعضي و تفاصيل مكاني، ينفيني جسدي فلا أقدر على معرفة مكان أنفي أو ظهري او سريري او فنجان قهوتي، تنخفض غرفتي وطاقتي وكل الامكنة، والاشياء ولون الزهر، ورائحة الميريمية في الحديقة، وأصوات الطيور، تنخفض ظهور الآباء الفلسطينيين وهم يصحبون أطفالهم الاحياء صباحا الى الروضات، يندسون مسرعين في دفء سياراتهم، يهربون الى بيوتهم وسحابة من الاعتذار تجلل وجوههم في مرايا سياراتهم، تسحل الكتب عن الرفوف، أنزوي في قعر شعور عارم بأنقاض الاشياء، في منتصف الليل، مركز البرد، أسمع صوتك الوسيم، في قرص مدمج جديد أعده مؤخرا الجميل سمير جبران، مزيج شهي أنيق من قصائدك في امسيات متنوعة وقصائد مختلفة مع مزيج دافق من الحان متنوعة في امسيات متباعدة للاشقاء الثلاثة المبدعين، أتلظى وحدي في أتون موتنا الكثير، حين تحكي لنا عن الحب نرى وطننا، وحين تحكي عن الوطن، نشم رائحة حبيباتنا، مرايا تحدق في وجهها في مرايا مشغولة في تأمل مراياها، تدهشني حدودوك المدمرة بين الوطن والوجود والمحبوبة حد الضياع والسؤال والغيبوبة، فأستنجد بارتفاعك، لاأعثر على شكلي وحقيقتي وتناسق فوضاي المفقودة، لأتعلم كيف أسأل، وأشتم صحوي، وامارس سماء العجز عن الاجابة، ولأسمع صوت اطفال شعبي المذبوحين، آتيك وحدي بهدوء اللصوص الخجولين المثقفين يا محمود لأسرق قبضة من ريح تلتك،أنضج بها خبز ناري، في المساءات الباردة، الماطرة، آتيك هذه الايام، متلفعا بانخفضاتي وانخفاضات البلاد، أخلعها عن جسدي وروحي، أكومها قرب وجهك،أقف عاريا وعاليا، أنتظر أن تنهض ركامات الغرف وتستوي انقاض الأسرة والأرائك والفنادق والمتنزهات، والكتب والمشاعر وألوان الزهور وروائح النباتات، والطيور وظهور الآباء. قريبا جدا من يديك، أجد شبح صديقي الخمسيني، الذي يأتيك سرا، هو الاخر، يتسلل اليك من بين شقوق الريح وكوى الضباب والأعين، ليقول لك ثلاث كلمات فقط: (صارت لي ابنة)، ثم يهبط درج تلتك مسرعا. ما بال الكل يهرع اليك ايها العالي مثل صوت بحر هذه الايام المنخفضة؟ آتيك انا في عز الموت، لأقول لك : صاروا 500 يا محمود، قصفوا مدرسة الفاخورة، هدموا بيت الشاعر عثمان حسين، ثم أعود فورا دون كلام آخر. أسمع (عابرون في كلام عابر) (وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة)، (وانتظرها،) في كل مكان، في البيوت ومقاهي النت، والمؤسسات، والمدارس، والمقاهي، شعبك يبحث عنك، يشتاق اليك، ينتظرك،أتساءل- يتساءلون، ولا أسأم – نسأم من التساؤل عن سر رشاقتك اللغوية والوجودية والسحرية في التنقل الفني ما بين الملاحم العظمى الثلاث: الوطن، الوجود، الجسد، كأنك اعتقلت الدنيا بين دفتي عينيك، واختصرت بهاءها وألمها في عدة كلمات: (على هذه الارض ما يستحق الحياة،)، في هذه الجملة تعشش امرأة ووطن وسؤال الوجود، الوجود يقول على يديك للمرأة: أنا وطنك، يقول الوطن للوجود: أنا امرأتك، تقول المرأة للوطن: أنا وجودك. ألهذا أجيء اليك، بغزارة هذه الايام؟، لأبحث عن امرأتي ووجودي ووطني؟ أم لأسباب اخرى كالبحث عن أمان ما، حكمة، حل، زهو أفتقده، تحقق وجود، دفء، صوت يحتجز الشمس في نبرته، فيما يشبه اجتياح الغيوم لصيف آمن، سيفاجأ مؤقتا لكنه لن يندم، فيما بعد، أطياف قصائد كان يمكن ان تكتب الان، عبارة مفاجئة ساخرة مدهشة تبتكرها بمرحك المعذب اثناء مرورك في مدخل (فاتشي) لتعبر عن مأساة نرجس غزة.؟. في يوم آخر أجد حولك صديقي السبعيني، فدائي قديم، ينحني ويتلوى وجعا من آلام الحزام الناري الذي يشوى بطنه، ومع ذلك جاء اليك، يبحث في طاقة التلة عن تأويل شعري وانساني، ووجودي جديد منك لمجزرة أطفالنا الجديدة، ولحزام نار فلسطين أيضا، تأويل يشبه وسادة محشوة بالسحاب على تعبيرك أنت، تأويل يفيض عن ارتفاعك، ليسكت نار بطنه وأنياب أسئلته الكبرى: كيف تذهب بطولات الناس سدى؟ من أين الطريق الى حريتنا ونحن محاصرون بالفتاوى وبالاحتلال؟ كم من العمر بقي لأشهد انفجار الضوء، بعد طول أنفاق؟ أأذى عابر هو ما حدث لأطفال غزة؟، يبكي الفدائي – الطفل، وهو يغادرك هامسا لنفسه: هل أحسدك يا محمود لأنك لا تعرف ما الذي يجري للحمنا العفوي المبتدىء الان هناك؟. يوم آخر، صديقي العشريني يصطحب صديقته التي تعشقك، يقفان ذاهلين أمام قدرتك الفذة على: الانتشار في تلاميذنا ونبيذنا وجدراننا وشرفاتنا وتلالنا وقهوتنا وأغانينا ودموعنا وخبزنا وحدائقنا وشهدائنا، بنفس الحرارة والعذرية والقوة والتدفق والحيوية التي ينتشر فيها الله في حزن العالم؟. يا أمير تلالي وتلالنا، هذا انخفاضي وانخفاض فلسطين، فابتسم لنا نصا جديدا ليسيل علونا، عارما على شكل أمل وحب، وطفل.
كاتب من فلسطين
zkhadash@yahoo.com
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى