صفحات الشعر

تشارلــز ســيميتش ـ المراقــب المرتبــك: الأبديــة مــرآة وشــبكة عنكبــوت

null
حسام جيفي
أكثر ما يلفت الانتباه في شعر تشارلز سيميتش Charles Simic، الشاعر الصربي-الأميركي، هذه البساطة التي يحترفها في بناء الجملة الشعرية، واستخدامه لمفردات حديثة جداً، في قالب من صور تأخذ راحتها في المخيلة، حيث يدع سيميتش للصورة أن تأخذ أبعادها الكاملة بلا إفراط في التكثيف، فترى القصيدة عبارة عن مجموعة من الجمل التصويرية المدهشة التي تنتهي بغتة لتفاجئ القارئ تارة أولتتركه حائراً أمام قفلة تصويرية تنهي التركيبة التي بدأ بها الشاعر قصيدته.
تغترف قصيدة سيميتش من المشاهدات اليومية والملاحظات كما لوأن الشاعر يضع كاميرا للتسجيل في أحد الأماكن تاركاً شعرية الكون تتصرف على سجيّتها. ويشرح سيميتش فلسفته في الشعر قائلاً: »تمارس الكلمات مع بعضها الحب على الورق، كالذباب في الصيف، والشاعر هوفقط ذاك المراقب المرتبك«.
ولد تشارلز سيميتش في يوغوسلافيا في التاسع من أيار .١٩٣٨ وقد كان لأحداث الحرب العالمية الثانية الأثر الكبير في طفولته. انتقل مع أمه إلى باريس عندما كان في الخامسة عشرة من عمره وبعد عام انضم هوووالدته إلى والده المقيم في نيويورك ثم انتقلوا جميعاَ إلى أوك بارك – ضاحية في شيكاغو-، حيث تخرج من الثانوية نفسها التي تخرج منها أرنست همنغواي. درس سيميتش في جامعة شيكاغووعمل ليلاً في مكتب »شيكاغوسن تايمز« ثم التحق بالجيش الأميركي من ١٩٦١ حتى .١٩٦٣
نشر أول قصيدة له عام ١٩٥٩ عندما كان في الحادية والعشرين من عمره . كتب وترجم الشعر بين عامي ١٩٦٦ و١٩٧٤ وعمل كمحرر مساعد في »أبيرتور Aperture « وهي مجلة للتصوير الضوئي. أصدر أول مجموعة شعرية كاملة له بعنوان »ما الذي يقوله العشب« عام .١٩٦٧
تزوج من مصممة الأزياء هيلين دوبين عام ١٩٦٤ وله منها ولدان. يحمل الجنسية الأميركية منذ ٣٦ سنة ويعيش في سترافورد، ولاية نيوهامبشاير.
أصدر سيميتش ١٩ مجموعة شعرية بالإضافة إلى كونه كاتب مقالة، حيث نشر أربعة كتب في المقالة، ومترجم نشر العديد من الكتب المترجمة للشعر الفرنسي، المقدوني، الكرواتي، الصربي، والسلوفاكي، وهو أيضا محرر وبروفيسور فخري للكتابة الإبداعية والأدب في جامعة نيوهامبشاير حيث درّس هناك لمدة ٣٤ سنة.
حائز على جائزة البوليتزر Pulitzerللشعر عام ١٩٩٠ عن مجموعته »العالم لا ينتهي« (١٩٨٩).
مجموعته »نزهة القط الأسود« واحدة من المجموعات الشعرية التي وصلت إلى الترشيحات النهائية لجائزة الكتاب العالمي في الشعر عام .١٩٩٦ حاز سنة ٢٠٠٥ على جائزة غريفين Griffin لأشعاره المختارة بين ١٩٦٣-٢٠٠٣ .
أنتخب مستشارا للأكاديمية الأميركية للشعر عام ،٢٠٠٠ كما أنه حائز على مرتبة الزمالة Fellowship من مؤسسة الغوغنهايم Guggenheim ومؤسسة ماك آرثر MacArthur الكبيرتين.
آخر مجموعة شعرية له هي »ذلك الشيء الصغير That Little something « نشرها عام ٢٠٠٨ ومنها ترجم كاتب هذه السطور بعض القصائد المنتخبة…
بيت أوراق اللعب
أشتاقُ إليك يا مساءات الشتاء
بأضوائك الخافتة
شفاه أمي المغلقة
وأنفاسنا المحبوسة
بينما نجلس جميعا
إلى طاولة الطعام

أصابعها الطويلة والنحيلة
ترتب بطاقات اللعب
ثم تنتظرها لتسقط
وصوت الجزمات في الشارع
يجعلنا نتجمد للحظة
لا مزيد لأخبر عنه.
فالباب مقفل
ونافذة واحدة مطلية بالأحمر
تبدو منها شجرة وحيدة في الحديقة
ممسوخة
وبلا أوراق.

أمسيات درامية
تتبادل الأدوار
في أن تكون نفسك
أو تكون شخصاً آخر
ناصباً أمامك المرايا
رافعاً تظلّمك إلى سمكة ذهبية
في حوض

»غيترود« ملكتك
وأوفيليا
تشخــران بعــيداً عـبر المدينة
وشبح والدك
يقرأ في الحمام
»الحياة السرية للراهبات« The Secret Life of Nuns
بينما أنت
تذرعُ الغرفة
ذهاباً وإياباً
مكوراً قبضتك وباسطها
كما لو كنتَ تعدّ لجريمة
أو ربما
لصلبك الذاتي
أو تقف متجمداً للحظة
كما لو أن فكرة
واضحة
عظيمة
فاجأتك وتركتك دون كلام
تلاحظُ أنها
بدأت تثلج في الخارج
فتضغط جبــهتك المحمومة على
زجاج النافذة البارد
وتشاهد ندف الثلج تنزل
ببطء
واحدة تلو أخرى
على مشرب العصفور المكسور
وقبر الكلب القديم

ذكريات المستقبل
هناك مجرم أو مجرمان في كل حشد
هم لا يتوقعون مصيرهم
تأتي الحروب لتسهل عليهم مهمة
قتل امرأة تجر طفلها في عربة

الحيوانات في الحديقة لا تخفي قلقلها
تذرع الأقفاص أو تنتحي عنّا خجلا
منصتة إلى شيء ما لا نستطيع نحن سماعه:
صانعو النعوش وبجهد كبير، يطرقون المسامرين.

حلّ موسم الفريز
وكذلـك بصــل الربيع والفجل
شاب يشتري وروداً وآخر يركب
دراجة هوائية عبر الزحام
فالتاً يديه في الهواء
صديق قديم ينحني على الحاجز ليتقيأ
يأخذك إلى مكان عذابك الخاص
السماء عند الغروب حمراء بفحم الشوي
يدٌ فـي نــزّالة قــدور مشحّمة
تتلمس طريقها وراءنا فوق الأسطح.

ذكريات موركي
الأم تحيك لي
كنزة في الظلام
الأب على قوائمه الأربع
يبحث عن قط أسود
مناوبة ليلية
في فندق روش
أنا المفتش السري لممرات خافتة الإضاءة
لمبات إنارة ميتة، وإشارات خروج حمراء
وأبواب عليها آثار محاولات عديدة
لدخول عنيف

أهذا صــوت خادمة تعدّ الســرير في منــتصف اللــيل؟
أهذا حفيف الفواتير المزورة وهي تحصى في جناح العرسان؟
أم صوت مشط بأسنان رفيعة يمرّ على رأس رمادي الشَّعر؟

الأبدية مرآة، وشبكة عنكبوت
كتب أحدهم بأحمر الشفاه في المصعد
من الأفضل أن أحضر مفتاحاً وأرى ما يجري بنفسي
ومن المستحســن أيضاً أن أجلب معـي كــتاب المتطابقات.!
(الولايات المتحدة الأميركية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى