صفحات سورية

اشحذوا السيوف: “الإسلام الراديكالي” آت

null


سعد محيو

الإسلام الراديكالي” هو التعبير الذي أجمع “الراديكاليون الغربيون” مؤخراً على استخدامه لوصف حروبهم في العالم الإسلامي.

وهو تعبير ذكي، وخطير، ومتعدد الأبعاد، على عكس تعبير “الإرهاب” الذي يقتصر في النهاية على مجموعة صغيرة من الناس وعلى مجموعة أصغر من الأفكار المغلقة، ولا يبرر، بالتالي، شن الحروب العالمية. هذا في حين أن مصطلح “الإسلام الراديكالي” يمكنه أن يستوعب في صفوفه عشرات ملايين المسلمين المصنفَين في هذه الخانة، والذين يتهمهم الغرب ليس فقط بالتأثر بتعاليم القرن السابع الدينية، بل أولاً وأساساً بالفلسفات الفاشية والنازية للقرن العشرين “فاشية إسلامية”، تبرر الحديث الآخر عن استجابة ديمقراطية علمانية غربية لهذا التحدي.

هنري كيسنجر، وضع كل النقاط الممكنة على كل حروف هذه الهندسة الذهنية الجديدة حين قال بوضوح قبل أيام: “لا أحب تعبير” الحرب على الإرهاب “لأن الإرهاب وسيلة وليس حركة سياسية. إننا في حرب ضد الإسلام الراديكالي”. ومن المقصود هنا بهذا التعبير الأخير؟ أنهم، عملياً، كل من يعارض السياسات الغربية في العالم الإسلامي، أي الكثرة الساحقة، وليس القلة الضئيلة، من المسلمين.

بعد كيسنجر جاء دور خمسة من قادة هيئات الأركان السابقين في حلف الأطلسي الذين وضعوا أسناناً عسكرية في فم مقولاته (كيسنجر) الفكرية. قالوا: “لا نستطيع أن نبقى على قيد الحياة ونحن نجابه أناساً (اقرأ المسلمين) لا يشاطروننا قيمنا، ويشكّلون من أسف غالبية (اقرأ المسلمين). إن أمن الغرب يعتمد على ضرورة استعادة الثوابت، وعلى شكل جديد من الردع الذي لن يعطي الأعداء أي شعور بالأمن”.

واضح؟ يفترض ذلك. لكن، ما ليس واضحاً هو من أين يأتي كيسنجر وجنرالات الأطلسي بافتراضاتهم حول كون الإسلام الراديكالي “الفاشي والإرهابي” والرافض لكل أشكال الحداثة الغربية وقيمها، هو الغالبية بين المسلمين؟

وفي لغة الأرقام الناطقة باسم الجغرافيا السياسية، العكس هو الصحيح: غالبية المسلمين معتدلون، ويحاصرون أقلية متطرفة أو راديكالية. هذه هي اللوحة الحقيقية في تركيا وإندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش وباكستان (كما أثبتت الانتخابات الأخيرة فيها) ومصر وسوريا وشمال إفريقيا والخليج العربي. صحيح أن هذه الغالبية، التي تشكّل الكثرة الساحقة من المليار ونصف المليار مسلم، مؤمنة وملتزمة بتعاليم الدين وتسودها حالياً موجة تديَن كبرى تطال الملبس والشعائر وإلى حد ما السلوكيات الاجتماعية، لكنها لا تدير ظهرها لا للحداثة في شكلها التكنولوجي، ولا للقيم الغربية في مضامينها الديمقراطية.

بالطبع، معركة الدفاع عن الهوية حاضرة في ذهن هذه الأكثرية، لكن هذا لا يجعلها راديكالية، إلا إذا كان دفاع الأمريكيين والفرنسيين والالمان والصينيين والهنود عن هويتهم الثقافية في وجه اجتياحات العولمة، يجعلهم، هم أيضاً، راديكاليين. ثم يجب ألا ننسى هنا أن أحد الدوافع الرئيسية في زيادة تديّن الغالبية (خاصة في مصر والدول الإسلامية الفقيرة) يعود إلى انسداد أفق تحسن وضعها المعيشي على الأرض وتأزم علاقاتها السياسية مع الغرب، ما يدفعها إلى البحث عن حلول في السماء.

كل هذه المعطيات يعرفها بالطبع “الراديكاليون الغربيون” عن ظهر قلب. كيف لا وهم قباطنة إشعال الحروب الأهلية بين المسلمين “المعتدلين” و”المتطرفين”.

لكن الراديكاليين الغربيين يحتاجون إلى عدو راديكالي. وإذا لم يكن هذا العدو موجودا، وجب خلقه. وهذا بالتحديد ما يفعلونه الآن: اختراع المشكلة، ثم الادعاء بأنهم وحدهم قادرون على حلها.

كيف؟ عبر شحذ سيوف الحروب العالمية بالتأكيد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى