صفحات سورية

انهيار المعارضة السورية

null


مازن شريف

تنتصر الإرادة عندما يستثمر الإنسان فيها لأنها العنصر المحرك للتضحية بغية الخروج من الأزمة التي نعانيها في ظل نظام يكاد يحرمنا حتى من الهواء والماء والكهرباء والغاز وكل معايير الحياة اللازمة لعيش كريم كحد أدنى.

والشعب السوري يدرك أن من تقع عليهم مسؤولية التغيير هم الذين في خط المواجهة المباشرة مع النظام يتعرضون للسجن والإهانة ويتحملون وزر هذا الشعب المغلوب على أمره والذي أحمله أيضا الكثير من الذنب لأنه متأثر جدا من فساد السلطة ولا يحرك ساكنا.

لقد تبين لنا أن من طرحوا أنفسهم كمعارضين للنظام خارج الحدود السورية لا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية ويخافون عليها فيكتفي اغلب هؤلاء بتوجيه الشتائم واللعنات على هذا النظام الدكتاتوري وهم على يقين بان الشعب السوري لن يعيرهم أي اهتمام بعد أن تعلم الدرس العراقي جيدا. ونتساءل: أين هم كبار المثقفين والشعراء والأدباء السوريين (في الداخل) الذين تقع عليهم المسؤولية الأولى في توعية وتنشيط حركة المعارضة السورية!

أين (أدونيس) الذي أغلقت دمشق أبوابها في وجهه لعشرين عاما، وأين غيره من المثقفين السوريين باستثناء أولئك المرغمين على السكن في زنزانات القمع والاستبداد؟

المفكر الشاعر (أدونيس) شخصية عالمية بامتياز وله حضور واسع على الساحة الثقافية والأدبية العالمية (حتى في السعودية معقل الجهل والمحرمات) لم يتحرك وهو الذي قطع السبعين من عمره، في الوقت الذي كان الشاعر التشيكي فاكلاف هافل قد هيج مشاعر شعبه من خلال تحركه السلمي ليشهد الشعب التشيكي أول ثورة سلمية في العالم (الثورة المخملية)، وهل كان هافل بمقام (أدونيس)؟ فلو تحرك (أدونيس) هل ستجرؤ السلطات على اعتقاله؟ أشك في هذا لأنه اكتسب صفة العالمية ويحظى باحترام وتقدير كل مثقفي العالم ولكلمته وقع وصدى كبير في نفوس السوريين.

لكن يبدو أن ما عاناه (أدونيس) في تاريخه الأدبي الغزير بالتحديث والتجديد والدعوة إلى الإصلاح الفكري والإنساني، ربما يقف عائقا أمام تحركه السياسي في مواجهة القمع وأساليب إخماد الأصوات الداعية لحياة أفضل لكل السوريين، واني على ثقة لو أن مفكرنا العظيم يطلق شعلة المحبة والسلام بدعوة صريحة للشعب السوري، للتحرك ضد الظلم والفساد، لكانت ستنير الكثير من العقول وتدفع بكبار المفكرين السوريين للحاق به.

وفي العودة إلى معارضة الداخل التي ما تزال غافية على حاجز الخوف بالرغم من هشاشته، نجد أن هذا النظام الذي تقوى شوكته يوما بعد يوم مستفيدا من ضعفنا وضحالة حجمنا وكثرة أوهامنا وأحلامنا، واستطاع أن يعمق الشرخ القائم بين جميع أطراف المعارضة سواء في الداخل أو الخارج من خلال من أجروا ضميرهم وتخلوا عن مبادئهم خدمة لهذا النظام، والأمثلة في ذلك كثيرة ولا ارغب في ذكرها ليس لشيء بل سعيا لتجاوز المحن والوصول إلى حل لأزمة الأخلاق والضمير التي يعيش فيها البعض ممن أثاروا الفتن والنزعات القومية والدينية في صفوف المعارضة لتصبح مهزلة أمام شعب يتوق للحرية والديمقراطية بعيدا عن القوميات والدين.

ونحن في هذا الجزء من العالم الغني بحضارته وتاريخه القديم، نقف عاجزين أمام المتسلطين على رقاب هذا الشعب الذي تحول إلى أداة طيعة بيد سلطة لا تعرف إلا سلاح القمع والاستهتار بالعقل البشري والتحدي الصارخ في وجه المساكين الذين لا قوة لهم في مواجهة ما يعانونه من ظلم ويعيشون على هامش الفقر محرومين من أدنى الخدمات الأساسية التي يجب على الدولة أن تؤمنها لهم.

يرغب اغلب السوريين المقيمين خارج الحدود في تغيير هذا النظام بل يحلمون بنظام ديمقراطي يضمن حقوق الإنسان هكذا كما يعيشونه في الدول الحرة الديمقراطية، لكن ما يحدث هو أن البعض من هؤلاء لا يدركون حجم التضحية الكبير ولا يجيدون أساليب التفاهم وفن الحوار بما يجعل منا قوة لا يستهان بها إن استخدمنا بشكل سليم المفردات الإستراتيجية السياسة في النقد والدعوة الصريحة لنشاط جماعي يستقطب كافة شرائح المجتمع، في رسالة جدية وواضحة المعالم، بعيدا عن الحقد والكراهية، لأننا سوريون (يفترض) أننا تربينا في مدارس تحترم الإنسان، وترفض مظاهر الجهل، وكافة أشكال الاستبداد.

إن ما نقوم به في مواجهة السلطة ليس أكثر من مسمار ندقه في نعش الحرية والديمقراطية ضاربين عرض الحائط بمبادئ المعارضة الحقيقية التي باتت عاجزة عن التغلغل في العمق السوري وتكتفي بإصدار بيانات متخشبة وإدانات واستنكارات سأم الشعب منها، حتى بات سلوكهم أشبه بسلوك السلطة الاستبدادية من خلال ديكتاتوريتها الإدارية وقصر نظرها في تحليلها للأمور السياسية والاجتماعية التي تحيط بشعبنا في سورية.

لن يتحقق الإصلاح السياسي في سورية بالشتائم وتضليل الشعب بل من خلال العمل المشترك والجهد الكبير الذي يجب أن يبذله كل معارض سوري من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ومن نهج وعمل المعارضين في دول متحضرة ومتطورة من هذا العالم.

إن العمل السياسي لن يكتب له النجاح بالتهريج والدعاية التي يقوم بها البعض في بث روح الانتقام فنحن مسؤولين أمام هذا الشعب وعلينا أن نتخلص من هذا السلوك والذي من الصعب علي ا ن أصفه إلا (بالسلوك الشائن) لان ما نقوم به في الوقت الراهن لا يجد صدى أمام مجتمع متعطش لسماع كلمة جدية وصريحة توقظ لديه الإحساس بأنه هو أيضا معني في مواجهة الظلم بكافة الوسائل السلمية.

لو وظف (أدونيس) وزملائه والكثير من المثقفين السوريين مواقعهم في المجتمع لإدارة حملة فكرية لتوعية هذا الجيل المتعطش للحرية والديمقراطية بالأساليب السلمية لكتب لنا أن نخطو خطوات واسعة في العمل السياسي.

يقول (أدونيس):

ما لدمشق

ما للأبواب المفتوحة فيها

حين أراها تغلق

كلا لم يتغير شيء

إنبيق الملك طويل … والدنيا زئبق

من يريد تسلق سلم الحرية عليه أن يكون على قدر المسؤولية، لان الحرية مسؤولية وتتحول إلى عبئ ثقيل ما لم نتحلى بالصبر والقوة ، الم يحن الوقت لنلتزم بصياغة لهجة سليمة! لأنه بالحقد والكراهية وحب الانتقام لا نبني (عرزال)

الحوار المتمدن

2008 / 3 / 28

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى