بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

الشرق الأوسـط على صفيح سـاخن

null


بدرالدين حسن قربي

كل المؤشرات والدلائل وكل أجهزة القياس الإقليمية والعالمية تؤكد أن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وصل إلى طريق مسدودة. وأن كل الأطراف وصلت حداً غير مسبوق من التمترس خلف مواقف تعتقد بأحقيتها في نفس الوقت الذي تتهم فيه الآخر تخويناً وارتباطاً وعمالةً وخنوعاً.

وضع المنطقة يغلي في العراق ولبنان وفلسطين وغزة ومعه إيران وسـورية أيضاً كنظامين داعمين وقائدين لصمود وممانعة ينسبانها لأنفسهم تحديداً ويحجبانها عن الآخرين، يزيدانها اضطراماً وتأججاً حسب الطلب، ومايصدر عن كل أطرافها جميعاً يجعلنا والعياذ بالله نعيش أياماً نعتقد فيها أننا إذا أصبحنا فلن نمسي، وإن أمسينا فلن نصبح، ونحن نقتات أحاديث المحق والسحق والإبادة والإزالة في وقتٍ نلف فيه السبع لفات، ومحتاسون حوسة أرملة معدمة وذات عيال على ربطة خبز في طوابير الذل، ونشهق ولانلحق بحثاً لملء (غالون أو بيدون أو تنكة مازوت) وطلباً لشيء من دفءٍ يكسر برد الشتاء، وكأن مايعانيه مواطننا المعتر والفقير والمسحوق والمعفوس والمدعوس على مدار الساعة غير كاف.

رؤوس النظام السوري وإذ تلوح لهم أشباح المحكمة الدولية ليل نهار يرون بعض الخلاص فيما هم فيه من مواقف، والنظام الإيراني الحليف بطموحاته النووية والإقليمية يرى خلاصه فيما هو من مواقف أيضاً. ولكن هل حساباتهم تنسجم مع حسابات الآخر إصراراً على سفينة التحقيقات الدولية أن تمضي إلى منتهاها، وتستوي على جوديّها في مواجهة النظام السوري، وتعطيلاً ومنعاً للمشروع النووي والإقليمي في مواجهة إيران…!!

معارضو النظام السوري والإيراني بعمومهم يرون فيما يرون أن مواقف هالنظامين لاتعدو الخطابات والشعارات واللهاث وراء مصالح خاصة بهما، وهما يستخدمان الأوراق المتاحة بين أيديهم على أرض العراق ولبنان وفلسطين بيعاً وشراءً ومقايضةً في المواجهة والمعاكسة، وهو ليس أكثر من سـعيٍ وراء مكاسب لاتعني الآخر المستخدَم كأوراق وإن كانت أوضاعه بعمومها تسمح بذلك.

ولكن رغم وضع المنطقة والمؤشرات بأيام سـوداء، ومواقف إيران وحلفائها بما فيها موقف معارضيهم أيضاً، فهل هنالك من يستطيع إقناع النظامين السـوري والايراني بعدم قتال اليهود والصهاينة والأمريكان وحلفائهم وعلى طريقتهم حتى محو آخر لبناني وفلسطيني..!! لأن الآخر يتساءل: لماذا اختارالنظام السوري والإيراني أن يجعل من اللبناني والفلسطيني سكاكين للقتل والقتال واختار لنفسه تحديداً أن يكون مسناً (حجر جلخ أو جرخ) فقط لهذه السكاكين..!!

وهل هنالك من يستطيع إقناع الناس أن حزباً ايديولوجياً يعتقد أنه حزب الله يمكن أن يتفق مع أطراف لبنانية أخرى يختلف معها ويعتقد بعمالتها وخيانتها وأنها متحالفة مع الشيطان، أو أن حماس قادرة على الاتفاق مع سلطة فلسطينية مصرةٍ على مواقف فيها مافيها والعياذ بالله، مما لاتطمئن إليها حماس نفساً ولاتنشرح لها صدراً من اتفاق القاهرة إلى اتفاق مكة إلى المبادرة اليمنية اتفاق صنعاء..!!

ولكن والأبلغ، هل هنالك من يستطيع إقناع غالبية اللبنانيين في لحظتهم الحاضرة طوعاً أو كرهاً أن يكسبوا أجر المجاهدين والمحررين والمحطمين للاستعمار وأهله ومشاريعه والفوز بجنات عرضها السموات والأرض بقبولهم أن تبقى أرضهم وشوارعهم ومدنهم (حارة كل من ايدو إلو) ساحاتٍ للمنازلة بين من يسمي نفسه (ببلاش) جبهة الصمود والممانعة مع الدول العظمى التي يروّج لها وتقدم كأعداء لله والأمة من الصهاينة والأمريكان والأوروبيين..!!

وفي الوقت الذي تحس فيه غالبية اللبنانيين أيضاً بأن هنالك من آذاهم وعبث بهم، ولعب فيهم واستخدمهم لتاريخ ليس قصير، عانوا فيه من ظلم الجيران وتجاهل الأشقاء، ويصرون فيه على رفض احتكار فخر التحرير وتحطيم الغطرسة والعترسة والاستكبار الأمريكي والعالمي على بيادرهم وساحاتهم ومنعه عن الآخرين إيثاراً منهم بل شعوراً بتآمر الآخرين عليهم، فهل هنالك من يقنعهم بألا يرفضوا قبول الآخر ممن يصاول ويجاول ويتحدى الآخرين ولكن على أرضهم..!!

الكل يتهدد ويتوعد، من إيران وتصريحاتهم باتت يومية ومألوفة، إلى حليفتها سورية وكلام الأسد عن تحديد مصير الشرق الأوسط والمنطقة وربما العالم كله وإشعالها من بحر قزوين حتى المتوسط، إلى حلفائهم في لبنان والتهديد بقطع الأيدي والألسنة والأعناق ورمي الصهاينة خارج فلسطين إلى آخر حلفائهم في غزة ممن لاحت لهم تباشير النصر والتمكين في الأرض.

تصريحات نارية ومواقف متخشبة ومتمترسة خلف طروحات وشعارات فيها مافيها وعليها ماعليها في مقابل تهديد ووعيد من القوى العظمى أيضاً خلفه ماخلفه من المشاريع والمصالح والاستراتيجيات وماتخفي قلوبهم وصدورهم أكبر وأكبر، ولعل مانقل عن نائب مستشار الأمن القومي إليوت أبرامز منذ أيام فيه مايكفي: انتظروا تحولات كبرى في الشرق الأوسط هذا العام مشيراً إلى أن أنظمة ستسقط، ووجوهاً تغيب عن مسرح المنطقة وأنها ستكون هامة للغاية وستحدث تغييرات أساسية في الأوضاع الاستراتيجية للمنطقة وأن الرئيس بوش حتى الدقيقة الأخيرة في عهده الذي ينتهي منتصف ليل 19/20 كانون الثاني/ يناير 2009، أمامه الكثير من الوقت لينفذ خطته.

مصيبتنا في منطقة الشرق الأوسط كجماهير مقموعة مسحوقة لأكثر من نصف قرن نسمع على الدوام خطاباً من طهران حتى غزّة مروراً بالنظام السوري وحزب الله في لبنان سمته التحدي والعنطزة، تتلطى فيه السياسات بالدين، والأماني بالحقيقة، والدجل بالصدق، والعهر بالفضيلة، والممانعة والمقاومة بالصفقات والمقايضة، يرى فيه البعض تباشير النصر وبشارات القيامة والتمكين وزوال الدولة الصهيونية، ويراها البعض الآخر أياماً نحسـات سـوداء وثماراً فاسدة لعشرات السنين من القمع والاستبداد. خطاب كل مافيه هرج ومرج ولكن الثابت فيه أنه خطاب معاد ومكرور يستجدي الكوارث والمصائب لجماهير متعوسة نتيجة سياسات أتعس وأنحس.

نتمنى من أعماقنا أن يكون كلام هالنائب الأمني مجرد كلام من جنس كلام الناس الآخرين من عندنا، ولكن كل مانخشاه أن يكون كلاماً له ماله في قادمات الأيام ولاسيما أن انسداد الأفق واحتباس الحلول وتمترس الجميع وصل حداً يسوّق فيه لحضور مؤتمر القمة العربي هالأيام بفتاوي دينية بالفرضية العينية للحضور من جهة، مما يعني أن القيامة قادمة من جهة أخرى ولكن بفتاوي أخرى ولكن من شيوخٍ آخرين غير شيوخنا.

نتذكر الاحتلال العراقي للكويت ونتائجه وثماره وماهو عنا ببعيد، وانقسام عموم الناس فيه على البدهيات، واختلافهم على مالايجوز الاختلاف فيه حباً وكرهاً وحسداً، ونتذكر أيضاً تمترس المواقف والإرادات عناداً وإصراراً خلف مؤتمر شعبي إسلامي في بغداد ومؤتمر إسلامي آخر في مكة المكرمة، وقيل كل ماقيل من المؤتمرِين في المؤتمرَين اتهاماً وتبياناً وتذكيراً وتوضيحاً بعد كل ماكان من الوفود والرسل والمبعوثين بنيات حسنة وغير حسنة حتى ضاقت الأرض على أهلها بما رحبت، وانسدت آفاق الحلول بجهود الصامدين والممانعين وسياساتهم، فتحركت البي 52 واهتزت التوما هوك لتحسم أمر المجادلين والمشككين وتقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، ولات ســاعة مندم.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى