قضية فلسطين

ليس لإسرائيل من يحاربها

عبد الوهاب بدرخان
ليس لإسرائيل من يحاربها، لكنها تبحث عن أي ذريعة للهرب من السلام، بل هي راغبة ومستعدة ومستعجلة لخوض أي حرب، خصوصاً ضد إيران، أملا في إبقاء مواطنيها مرعوبين من “هولوكوست” جديد يترقبهم.
في هذه الأيام، لا يبدو الساسة ولا العسكريون مرتاحين إلى المسار الذي تتخذه الأحداث، عملياً لم يخسروا أي دعم، إلا أنهم يشعرون بأن شيئاً لم يعد كما كان. صحيح أن تقرير اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بشأن انتهاكات قام بها جنود إيهود باراك كان واضحاً في عرض جرائمهم، لكن مجرد زمجرة بسيطة في وجه بان كي مون كانت كافية لإخافة الرجل، حتى أنه كاد يعتذر ويؤنب أعضاء لجنة التحقيق، ومع ذلك فإن محتوى التقرير وإداناته كانت معروفة منذ لحظة وقوع الجرائم، لكن أحداً لا يعوّل على الأمم المتحدة التي أصبح مندوبوها يعرفون أنهم معرضون للإهانة على أيدي الإسرائيليين.
لم تعد صفعة الحرب كما كانت، ولم يعد أبطالها القذرون مؤهلين لتعاطي السياسة، وزير الدفاع باراك يردد باستمرار إنه لم يعد يرى غاية ترجى من أي مفاوضات مع الفلسطينيين.

لا شيء يمكن أن يجمعه مع بنيامين نتانياهو إلا مثل هذه الاعتبارات التعيسة، لكنهما يستطيعان القول إن فوائد الحرب باتت تنعدم أيضاً، شيئاً فشيئاً، ولن يقولا ذلك، لأن فيه إعداماً لمبرر بقاء إسرائيل. نتانياهو رتّب أفكاره طوال عشرة أعوام ونيف في المعارضة على أساس أنه سيأتي إلى الحكم ليخلص إسرائيل، وللمرة الأخيرة من هاجس اسمه “السلام”، لكن ما يسمعه هذه الأيام من واشنطن لا يطمئنه، فهو لن يتمكن من تأدية الرقصة نفسها ثانية، والسبب: إيران، فإما أن يجر أميركا إلى الحرب على إيران، وإلا فإن لديه مشكلة.
هذه المرة لديه إدارة أميركية تفكر بطريقة مختلفة، تفكر انطلاقاً من تجربتي جنودها على الأرض في العراق وأفغانستان، والمصالح التي تشغلها مصالح أميركية من دون أن يعني ذلك أن مصالح إسرائيل لم تعد محتسبة أميركياً.
وفي هذه الإدارة إلى جانب أوباما، يهود يهمهم أمر إسرائيل لكنهم يفكرون مع رئيسهم، ثم أنهم يعرفون نتانياهو وليسوا من المعجبين به.
هناك أولويات، إذاً، وإذا كان الخطر الإيراني أهمها فليترك شأنه للولايات المتحدة أولا وأخيراً، ثم أن هذا الخطر لا يتعلق بإسرائيل وحدها، وليس لها أن تقرر فيه، هذه الإدارة الأميركية قررت أن تفتح حواراً أو بازاراً مع إيران، وهي ستحتاج فيه إلى العرب وغير العرب، وإذا كانت إسرائيل تريد أن تكون حليفاً مفيداً ومسانداً، فإن واشنطن ترى أن الوقت حان لتحقيق إنجاز في عملية السلام.
هذا هو المزاج الحالي في واشنطن، التي باتت تتوقع أيضاً أن يقدم العرب على مبادرة ما في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، إذ كان يجب أن يُطلب شيء ما من العرب، ولما كانت التنازلات قد وفرت جميعاً في السابق ولم تنفع فقد بقيت ورقة التوت هذه، وإذا قدمت مجاناً فلن تنفع إطلاقاً، لكن هذا التوجه الأميركي لم يصبح “انقلاباً” ولن يكون، الجديد هو أن أميركا نفسها في مأزق، ولم تعد تستطيع منح إسرائيل ترف حملها على نقض التزاماتها، وطالما أن “حل الدولتين” التزام أميركي قدمه الرئيس السابق وقبله المجتمع الدولي والعرب، ولم ترفضه إسرائيل، وإنما فعلت كل ما يلزم لقتله، فإن الرئيس الحالي يجدد التزامه مع فارق أنه ليس جورج بوش، أي أن مصداقيته تهمه.
بقي على نتانياهو أن يفهم، وبالتالي أن يقلل من الاعتماد على التذاكي، فالإشارات الواضحة جاءته أولا من جورج ميتشل، ثم من هيلاري كلينتون، ثم من أوباما شخصياً بعد استقباله العاهل الأردني، ثم من نائبه جوزف بايدن، وأخيراً من رام إيمانويل. ومع ذلك لا يعوّل على نتانياهو الذي يحب خلط الأوراق واعتاد تخريب كل ما يتفق عليه، بل يعتبر نفسه أول من دق مسماراً في نعش “سلام أوسلو”، لذلك فهو لا يحب أن يرعى لدور لا يتقنه، لكن حظه سيئ، فلديه من جهة أوباما، ومن الجهة الأخرى إيران التي تتهيأ لتحصد ثمار مغامراتها، وبالتالي فإن الحرب مستبعدة لفترة قد تطول.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى