صفحات سورية

المستقبل يبدو قاتماً بالنسبة للنشطاء السوريين

null
معهد صحافة السلم والحرب
بينما كان يجر نفسه على امتداد قاعة المحكمة العسكرية محاطاً بشرطيين, بدت عليه آثار الاعتقال القاسي وقد سرقت سني العمر الطويلة البريق من عيني هيثم المالح الناشط في مجال حقوق الإنسان البالغ 78 سنة من العمر، ولكن كرامته وفخره رغم كل هذا لم تتأثر.
إن بداية محاكمة المالح بتهم “إضعاف الشعور القومي” و” نشر أخبار خاطئة” – وهي التهم التقليدية التي توجه للناشطين من قبل النظام – مرت دون أن يلحظها الكثيرون في 22 فبراير.
لقد تم اعتقاله منذ أكتوبر وذلك بعد مقابلة مع محطة تلفزيونية معارضة مقرها في دبي.
لقد كان تركيز وسائل الإعلام على سوريا الأسبوع الماضي ولكن هذا التركيز كان منصباً على مكان آخر. فقد ركز العالم على حكمة سياسة واشنطن الجديدة في التعامل مع دمشق, وما إذا كانت العلاقات القوية ما بين إيران وسوريا يمكن أن تكسر خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والتي أكد فيها متانة العلاقات الثنائية.
وللأسف فإن سجل حقوق الإنسان في سوريا لم يلق أي اهتمام.
خارج المحكمة العسكرية التي كان يحاكم فيها المالح, كان هناك مجموعة صغيرة من الدبلوماسيين الغربيين تنتظر آخر التطورات. وقد منعوا من حضور المحاكمة الصورية هذه, حيث يتم فيها محاكمة سجناء الرأي تحت قانون الطوارئ العسكري المفروض منذ عام 1963.
وعلى الرغم من أنهم شهدوا مثل هذه الحالات بشكل متكرر منذ سنوات لحد الآن, إلا أن الدبلوماسيين الغربيين لم يقوموا بالكثير لصالح ناشطي حقوق الإنسان في سوريا.
بالكاد يمر يوم دون حصول اعتقال أو محاكمة أو منع للسفر ضد المعارضين السلميين. ومواقع الإنترنت لا زال الكثير منها محظوراً إضافة إلى إلغاء مؤتمرات مثيرة للجدل حتى لو كانت غير ذات صلة بالسياسة.
وبينما تستمر آفاق المناصرين لحقوق الإنسان بالقتامة, فإن الكلام الكثير في القصر الجمهوري الذي يطلقه المسئولون الغربيون في مغازلة سوريا ومباركة دورها المحوري في دعم الاستقرار والسلام في المنطقة مستمر.
لقد نفضت سوريا سنوات من الضغط والعزلة الدولية. إن اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري في عام 2005 والذي تم إلقاء اللوم فيه على دمشق أصبح تاريخاً الآن.
إن دمشق تنتظر الآن وصول سفير جديد للولايات المتحدة بعد خمس سنوات من التوقف. وقد قامت فرنسا مؤخراً بالتوقيع على عدة اتفاقيات اقتصادية مع سوريا وزيارات الوفود الأوروبية والأمريكية لا زالت تتدفق لحد الآن.
قد يتساءل الشخص لماذا لم يقد جو الانفتاح الدولي هذا تجاه سوريا إلى أن تقوم الحكومة بتخفيف قبضتها على الناشطين في مجال الحقوق المدنية.
إن جهاز الأمن يبدو في حالة قصوى من الاستنفار الذي لا يمكن تفسيره.
للنظر إلى قضية راغدة سيد حسن. وهي كاتبة تبلغ من العمر 38 سنة ووالدة لطفلين وهي معتقلة لدى السلطات منذ 10 فبراير. وقد نظرت منظمة العفو الدولية في حالتها وتقول إنها قد تكون تحت خطر التعذيب.
يقول فيليب لوثر نائب مدير منظمة العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “نحن نعتقد أن اعتقال راغدة مرتبط بنيتها نشر رواية حول قضايا سياسية حساسة, إضافة إلى الاشتباه بأنها ناشطة في حزب معارض”.
وهناك ضحية أخرى وهي الدكتورة تهامة معروف وهي طبيبة أسنان, تم اعتقالها في 7 فبراير. ويقال بأنه قد تم الحكم عليها قبل 15 سنة بالسجن لمدة 6 سنوات بسبب كونها عضواً في الحزب الشيوعي المحظور. وقد أمضت سنة في المعتقل ومن ثم أطلق سراحها بسبب علاقاتها. وتقول السلطات الآن بأن عليها أن تقضي باقي مدة محكوميتها حتى مع أنها تخلت عن العمل السياسي منذ سنوات طويلة.
إحدى النظريات التي تفسر موجة القمع الأخيرة هي أن النظام مرتاح الآن في علاقته مع الغرب ويشعر بالقوة لإسكات ما بقي من أصوات معارضة داخل البلاد.
إن اهتمام الغرب في سوريا يتخذ طبيعة استراتيجية تماماً. فهو يريد بالأساس وقف الدعم الإيراني لحماس وحزب الله, وهي الحركات المقاومة التي تقاتل “إسرائيل” في المنطقة.
وقد ابتعد التركيز عن تغيير السياسات السورية في الداخل. إن الخطة الأمريكية السابقة والمتعلقة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط, والتي كان يقودها الرئيس الأمريكي جورج بوش قد فشلت تماماً وتم التخلي عنها.
إضافة إلى هذا, فإن الغرب يريد وبوضوح أن تكون سوريا مستقرة لأن عواقب تغيير النظام سوف تكون مجهولة وغير مريحة.
ولكن الاستقرار المبني على القمع يمثل قنبلة موقوتة.
إن دمشق تريد إقناع العالم أن معظم السوريين يفضلون الأمن على الحرية مع مواصلتها تهميش المعارضة وعزلها عن الناس العاديين الذين اختاروا الصمت منذ زمن بعيد.
قبل 10 سنوات أتذكر أنني سألت المالح عن ما يعتقده حول مستقبل سوريا تحت الحكم الجديد.
وقد كان ذلك عندما ورث بشار الأسد الشاب الحكم عن والده الراحل حافظ الأسد وعندما أمل السوريون ببزوغ فجر جديد بعد عقود من الظلم والفساد واحتكار السلطة.
وقد بدا المالح وقتها غير مرتاح. وقال بأنه يشك بوجود تغيير حقيقي وشدد على أنه مصمم على مواصلة النضال باتجاه تحسين وضع حقوق الإنسان في سوريا كما كان يفعل قبل ذلك.
لقد أثبتت شكوك المالح حول الفجر الجديد صحتها مرة بعد مرة.
إن النقطة هي ما إذا كانت دمشق تشعر بالراحة أو بالضغط أو إذا ما كانت تملك علاقات جيدة أو سيئة مع الغرب, إن الحقيقة المرة للحركة المناصرة للديمقراطية سوف لن تتغير.
إن المحاكمات والاعتقالات والقمع سوف تستمر طالما لا يوجد احترام للنداءات الشعبية بالحرية والحقوق.
إن مجموعة من النشطاء نصفهم في السجن لا يمكن أن يفتحوا الباب للديمقراطية. إن بإمكانهم إن يفتحوا كوة صغيرة لمرور بصيص من الأمل. إنني أحب أن أعتقد أننا لسنا على الأقل في حالة كاملة من حلكة الظلام.
ترجمة: مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى