صفحات سورية

ميتشل من باب دمشق

null
عبد الرحمن الراشد
مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل بدأها هذه المرة من العاصمة السورية، لا من رام الله أو القاهرة أو عمان. الوقوف بباب دمشق بالنسبة لي فيه دلالة اعتراف بفشل المحاولة السابقة التي قامت بالمراهنة على الجانب الفلسطيني فقط، والتعامل معه مباشرة. وثبت أن الطرف الفلسطيني كان مكبلا بتوقعات الأطراف العربية وضعف الرئيس الفلسطيني، لذا أخفقت المحاولة عندما رفض محمود عباس التفاوض مشترطا إيقاف الاستيطان، أمر لم يكن بوسع الجانب الأميركي تنفيذه بالكامل بل بشكل جزئي ومؤقت. وحتى لو أوقف الاستيطان كاملا فإن المفاوض الفلسطيني لن يبحر بعيدا.
كنت أشرت في مرات سابقة إلى ضرورة إشراك دمشق ليس إيمانا بأنها تريد اتفاق سلام بل لأن عزلها في مسألة الصراع يوحي لها بالتآمر ضدها، وستحارب ضده. وتاريخيا نعرف أن المحاولات التفاوضية المهمة الرئيسية التي فشلت بشكل كامل أو جزئي كانت بسبب التنافس العربي العربي، وتحديدا مع سورية. الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان على خلاف لا ينقطع وتسابق مستمر مع دمشق في مسألة التفاوض. فإذا بدأ عرفات محاولة مفاوضات دخلت دمشق تريد فتح مسار آخر، أو تشهّر بتخاذل عرفات وتخليه عن الحقوق الثابتة. وحدث أن مارس عرفات الشيء نفسه، حيث سعى إلى تخريب المسار السوري واللبناني عندما يراه سائرا. الإسرائيليون استفادوا أحيانا من التجاذب السوري الفلسطيني ولعبوا على تأجيجه، خاصة عندما كان يتم توجيه الحركات المتطرفة في حينه مثل حماس والجهاد الإسلامي لتنفيذ عمليات انتحارية في إسرائيل والأراضي المحتلة من أجل تخريب التفاوض، وإسقاط الحكومة الإسرائيلية أيضا. يبدو أن ميتشل اكتشف أسرار اللعبة، السلام إن مر من دمشق فهو انتصار، أما إذا تم عبر رام الله فهو خيانة، بالتالي رأى من الأفضل ضم دمشق للتفاوض حتى يقلل التخريب المقبل، ويخفف الضغط على الرئيس عباس الذي ثبت أنه أضعف من أن ينخرط في مشروع السلام لوحده.
والحقيقة أنه لو استطاع المبعوث الأميركي هندسة فكرة سلام شامل ستكون الجائزة أعظم ولا شك، لكن هذا يتطلب قدرات ساحر وهو الذي عجز عن حل مشكلة نسبيا هينة، بدء التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولحسن حظه فالإشكال السوري الإسرائيلي أخف تعقيدا من الفلسطيني بسبب قدسية الضفة وضخامة مشكلة اللاجئين وصراع مدينة القدس، أما الجولان فمجرد هضبة ذات قيمة عسكرية سبق أن اتفق السوريون والإسرائيليون على كيفية حلها، بما يضمن أمن إسرائيل وعودة الجولان للسوريين. مشكلة ميتشل أنه ليس واثقا من جدية السوريين في توقيع اتفاق سلام، حيث يرجح المشككون أن دمشق تريد المفاوضات فقط مدخلا لإنهاء الحصار الأميركي عليها.
ولأن ميتشل على قدر كبير من الفهم والتجربة فهو يعلم أن إعطاء السوريين فرصة إثبات نواياهم من خلال المفاوضات الجماعية أو الثنائية سيحقق له واحدا من اثنين، أو الاثنين معا، إن كان محظوظا جدا. انخراطهم سيسهل على الفلسطينيين التفاوض دون اتهامهم بالخيانة، وقد يصل السوريون والإسرائيليون أيضا إلى اتفاق في لحظة تاريخية نادرة، ومن يدري.. بسببها نكون أمام سلام شامل؟
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى